الجزء الثاني

المشهد السادس

(حجرة رئيس التحرير.)

(في حجرة رئيس التحرير، علاء مدير التحرير جالس على الكرسي الموضوع أمام المكتب الفاخر، إيفا السكرتيرة تقف وتحادثه وهي تتقصع وكأنما يقطعان الوقت في انتظار حضور حسن المهيلمي رئيس التحرير.)

إيفا : بس انت مش من عوايدك تيجي بدري كده يا أستاذ علاء.
علاء : أصل النهارده يوم خاص جدًّا.
إيفا : خير؟! دا لازم حاجة كبيرة جدًّا حصلت … إيه عمارة جديدة وقعت؟
علاء : هو فيه كبيرة وقعت، بس مش عمارة.
إيفا : مركب غرقت؟ قطر اسكندرية فلت ودخل البحر؟
علاء : هو فلت وما دخلش البحر … طار.
إيفا : إيه؟! فزورة دي؟ … بجد حصل إيه؟
علاء : حصل انقلاب.
إيفا : يا خراشتي … انقلاب في البلد؟!
علاء : لا … في جريدة الزمن الغراء. الانقلاب الحادي عشر.
إيفا : انقلاب إزاي؟
علاء : المحلاوي تعيشي انتي.
إيفا : مات؟
علاء : لأ … وقع وماحدش سمى عليه.
إيفا : من على السلم؟
علاء : من رئاسة مجلس الإدارة وبقية وظايفه.
إيفا : من إمتى ده؟
علاء : إمبارح الساعة واحدة صباحًا.
إيفا : طب وبعدين؟
علاء : ولا قبلين.
إيفا : بس دا كان صاحب حسن بك جدًّا، كان الراجل بتاعه … ويا ترى مين اللي مسك؟
علاء : واحد ما بيطقش حسن المهيلمي خالص.
إيفا : قصدك بيكرهه؟
علاء : قوي قوي.
إيفا : ح يكون مين يعني؟ حسن بك كل الناس بتحبه.
علاء : راجل واصل على كله.
إيفا : يمكن ما حدش بيكرهه إلا واحد ولا اثنين.
علاء : زي مين؟
إيفا : يمكن أكتر واحد بيكرهه الراجل اللي اسمه الغرباوي.
علاء : بالضبط كده … أهو الغرباوي.
إيفا : هو اللي جه؟
علاء : هو اللي جه.
إيفا : يا وقعة منيلة … طب وبعدين … ده الأستاذ حسن كتب ضده ييجي تلَتْ مقالات.
علاء : أكتر شوية … ييجي تلتميت مقالة، قعد تلت سنين يكتب ضده (علاء يبتسم ابتسامة غامضة كأنما يشاهد ما يحدث على ملامح إيفا متلذذًا).
إيفا : معنى كده إن أبو علي يعني … (تطرقع بلسانها وبإصبعيها علامة أنه ذاهب وراء الشمس.)
علاء : أبو علي … قصدك مين؟
إيفا : حسن بك.
علاء : آه … بقى اسمه أبو علي دلوقتي؟
إيفا : يوهوه يا أستاذ علاء! ما انت عارف إحنا دايمًا كنا بنسميه كده قبل ما يبقى رئيس تحرير، إنما تفتكر زمانه عرف دلوقتي؟
علاء : مابيتهيأليش .
إيفا : إيش عرفك؟
علاء : لأنه لو كان عرف ماكانش أبدًا راح زار المحلاوي. إنتي عارفة أن المحلاوي بينه وبين الغرباوي ما صنع الحداد، يقوم يبتديها كده؟ مافتكرش إنه يعرف. اوعى لما ييجي تقولي له إني قلت لك.
إيفا : وأنا مالي؟ أنا في المصيبة اللي حلت عليَّ. دا انا دايمًا كنت باخد بدلات وعربية بتجيبني وعربية بتوديني. ده غير كباية اللبن السخنة.
علاء : همه بيصرفوا لك لبن هنا في رئاسة التحرير ولا إيه؟
إيفا (تهم بالبكاء) : أنا عارفه بقى (تبكي).
علاء (يقوم من مكانه ويهدهد عليها مقتربًا كثيرًا منها) : بس … بس … لزومه إيه البكا؟ … إنتي عملتي مأساة من مفيش. مين عارف يمكن كله يبقى تمام التمام، ولا يحصل حاجة أبدًا. هي دي أول مرة يتغير حد على أبو علي … ده ييجي أربع خمس مرات وهو يتغير عليه عهود ويطلع كل مرة زي الشعرة م العجينة.
إيفا : إلا المرة دي … دا انا مرة سمعته بيقول للغرباوي في التليفون ابقى قابلني يا …
علاء : يا … إيه؟
إيفا : ما اعرفش … ما اعرفش … مفيش فايدة أبدًا … مفيش فايدة … المرة دي بقى جت الفاس في الراس (وتبكي).
علاء (شبه ملتصق بها) : باس … بس … بس علشان خاطري … (ويقبِّلها في وجنتيها مهدهدًا إياها فتقبله هي في فمه فجأة.)

(علاء يذعر ويبتعد ولكنها تستعيده بذراعيها، ويدخل حسن … إيفا وعلاء في حالة عناق. يقف حسن في مكانه ناظرًا إليها … إيفا ترتبك وتتراجع بسرعة. علاء يسقط منه الدوسيه الذي كان معه … فينحني ويتناوله، ويعتدل محدقًا تجاه حسن، ثم أخيرًا يقول):

علاء : أهلًا حسن بك.
حسن : بيتهيألي إني وصلت في وقت مش مناسب، كده يا علاء!
إيفا : أصلي كنت بعيط يا حسن بك وكان بيطبطب عليَّ.
حسن : بتعيطي وبيطبطب عليكي … من أنهي فيلم عربي بقى اقتبستي الحكاية دي؟ وبتعيطي ليه يا ست إيفا؟
إيفا : أصل … أصل … أصل …
حسن : أصل إيه؟ اتكلمي!
إيفا : الأستاذ علاء قال لي خبر مش كويس.
حسن : خبر إيه يا أستاذ علاء.
علاء : لا أبدًا لا خبر ولا حاجة … دي إشاعة كده.
حسن : إشاعة إيه؟ قول.
علاء : بيقولوا يعني … كلام كده … إن الغرباوي …
حسن (مفاجأة) : ماله؟
علاء : بيقولوا إنه هو اللي مكان المحلاوي يعني.
حسن : المحلاوي ماله … أنا لسة (ثم يكتشف خطأه فيكمل) لسة كنت معاه ومفيش حاجة أبدًا.
علاء : تبقى الإشاعة كذب بقى … إنت عارف الإشاعات … (لكن حسن يفهمها وهي طائرة وكأنما أصابته صاعقة. يشير إلى إيفا بطرف إصبعه أن تخرج، وبجانبه يتحرك حتى يجد الكرسي المقابل للكرسي الذي كان يجلس عليه علاء، فيجلس في شبه انهيار.)
علاء : مالك يا أستاذ حسن؟
حسن : لا أبدًا … أصلي ما اعرفش حكاية الدوخة اللي ساعات بتجيلي دي سببها إيه؟ … أيوة بتقول … قصدي … إشاعة … إشاعة بتقول … الغرباوي يعني هو اللي استلم … بيقولوا كده.
علاء : بيقولوا.
حسن : وانت رأيك إيه؟
علاء (جالسًا في مقعده ومغيرًا لهجته) : إنت عايز الجد يعني! رأيي إنها صحيحة.

(صمت.)

حسن (قاطعًا الصمت فجأة) : ما هو كان لازم يحصل كده. قاعدين يتمايعولي ويهنكرولي والنتيجة أهه … شلوط … ياما قلت لهم … ياما كتبت تقارير … ياما اتنبح صوتي في تليفونات واجتماعات … والنتيجة؟! (ثم فجأة) إمتى حصل الكلام ده؟
علاء : لسه سامعه من شوية.
حسن : من مين؟ مين اللي قال لك؟
علاء : اسمح لي يا حسن بك.
حسن : إنت ح تخبي عليَّ يا علاء؟ آه تلقاهم متفقين معاك (ثم ناهضًا فجأة ويستدير ليجلس على كرسي مكتبه) طبعًا … أما أنا عبيط بشكل! كان لازم أفهم كده من زمان … بس يا خسارة … كده يا علاء تخون العيش والملح؟ .
علاء : إنت بتقول إيه يا أستاذ حسن؟
حسن : بقول يعني خليك دوغري … إنت جاي تستلم مني! مش كده؟
علاء : أستلم إيه؟ .
حسن : تستلم! … (مشيرًا إلى الكرسي) تستلم! … (مشيرًا إلى الحجرة) تستلم! … (ماسكًا سماعة التليفون.)
علاء (يضحك ضحكة صفراء فاترة) : أنا ماكنتش أعرف إن خيالك واسع بالشكل ده يا ابو علي.
حسن : أبو علي؟ … بتقول أبو علي يبقى أنا لازم اترفدت، وانت اتعينت. دانت ماقلتليش أبو علي من أيام ما كنا في دار الهلال. إيه اللي يخلي حسن بك أبو علي … ما تكَّلم وتخلصني، طلع القرار؟!
علاء : قرار إيه؟!
حسن : قرار فصلي.
علاء : ما طلعش حاجة يا حسن بك … لا دانت لازم تعبان فعلًا.
حسن : وقرار تعيينك؟
علاء : تعيين إيه؟ دا انا جايب لك استقالة.

(يفتح الدوسيه الذي لا يحتوي إلا على ورقة واحدة.)

حسن : من إيه؟
علاء : كمدير تحرير.
حسن : علشان إيه؟
علاء : علشان مش ح اقدر أشتغل مع الغرباوي.
حسن (بارتياح شديد) : بقى كده! … يا راجل قول كلام تاني!
علاء : أنا معنديش إلا كلمة واحدة … أهه (مقدمًا له الورقة).
حسن (يتناول منه الورقة) : هم … هيه … إيه … مبادئ إيه؟! وبما إن مبادئي تتنافى تمامًا مع ما عُرف عن السيد محمد أحمد الغرباوي من سياسات … (ثم يطوح الورقة أمامه) إنت مجنون.
علاء : مجنون مش مجنون ده قراري يا أستاذ حسن، أنا حر فيه.
حسن : ما بلاش جنان بقى. مش تستنى أما تشوف أولًا الحكاية إيه؟ دا لو كان كده كان زماني استقلت عشر مرات كل يوم. دا ياما كل يوم بنسمع ميت إشاعة بتغيير في الصحافة … تغيير في الوزارة. وتغيير في القيادة. يوهوه … أما انت عبيط صحيح … ما تستنى يا أخي … ومستعجل على إيه؟
علاء : أستنى أترفد يعني؟
حسن : مين يرفدك.
علاء : الغرباوي.
حسن : هم ما بيرفدوش حد … أقصاها يعني … ح ينقلوك على باتا، يبقى ساعتها يحلها الحلال … مستعجل على إيه؟
علاء : على العموم أنا مقدم لك استقالة أهه، ومعتبر نفسي إذا كان خبر الغرباوي … صحيح إني ماليش علاقة بالجرنال.
حسن : وتعمل إيه؟ … تقعد في البيت؟
علاء : أسيب مصر … الدنيا واسعة.
حسن : وتروح تشتغل عند العرب.
علاء : مش ضروري البلاد العربية … فيه جرايد عربية في لندن وباريس.
حسن : أيوة الجرايد في لندن وباريس صحيح … إنما أصحابها فين؟ … (بلهجة تمثيلية) أصحابها في الوطن العربي الكبير، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر … وذل بذل … الذل في مصر أهون شوية (ثم بلهجة ودية) إتلهي وبلاش تهور … أحسن تندم.

(يدق التليفون … حسن يتناول السماعة.)

حسن : أيوة … أيوة مين؟ … (يعتدل في جلسته) السكرتير بتاعه؟ حاضر (لحظة صمت) أهلًا سعادة الباشا … أهلًا أهلًا … يا سلام؟ مكتوب لي في البخت النهارده اقراها! سعادتك في برج الجدي … مفاجأة سارة جدًّا اليوم وحتكون المفاجأة أسر من كده (ثم وكأنه سمع أمرًا، يتوقف فجأة عن لهجة النفاق ويكتئب وجهه وتعبر ملامحه تعبيرًا جادًّا) حاضر … حاضر … أيوة … أيوة كده يا فندم … يا سلام … (بادئًا باستئناف لهجة النفاق) أنا راخر كنت بقول (ثم مكتومًا فجأة مكتسيًا وجهه علامات الجد الخطير) حاضر … مستني الأوامر يا فندم مستني … مع السلامة يا فندم (يعلق السماعة في يده) مع ألف سلامة (يضع السماعة).
علاء (بلا اهتمام كثير) : مضبوط.
حسن (بلهجة تائهة) : مضبوط … ونقعد نستنى الأوامر.
علاء : المسألة واضحة زي الشمس.
حسن : هي إيه اللي واضحة؟
علاء : الغرباوي … يعني كله برة.
حسن : يمكن يكون فيه كلام تاني.
علاء : كلام تاني إيه؟
حسن : بقى شوف يا علاء … إحنا هنا بنخدم مصر، كده ولا مش كده؟
علاء : يعني!
حسن : يعني إيه؟ بنخدم مصر … أمال ح نكون بنخدم مين؟ اليمن؟ أيوة … بنخدم مصر، يبقى أي واحد تختاره مصر نحطه فوق راسنا.
علاء : وإذا حطنا هو تحت رجليه.
حسن : ما هي رجليه برضه ح تبقى فوق راسنا.
علاء (في سره) : آه يا حسن يا أبو علي ياللي سرق المعزة (ثم بصوت مسموع) بقى بنخدم مصر؟
حسن (بلهجة عتاب شديدة) : ودي فيها كلام يا أستاذ علاء!
علاء : ولا بنخدم نفسينا ونضيع مصر؟!
حسن : معاذ الله … معاذ الله … بنخدم نفسينا! أعوذ بالله يا راجل … دا انا باموت في الكرسي اللي أنا قاعد عليه ده. (ثم بلهجة تحتمل المعنيين) والله باموت في الكرسي. ده دمي بيتحرق وعندي سكر وجاني ضغط دم … وكل ده ليه؟ … عشان النكل اللي بيدوهالنا ولا عشان مصر؟
علاء : النكل والنفوذ والسلطان والنجومية والمعجبات والعربية اللي باللاسلكي والوزراء اللي رهن إشارتك والقومسيون … وحاجات كتير قوي وحاجات.
حسن : ده لزوم الشيء يا علاء … لزوم الشيء … دي ما فيهاش حاجة. ولا انت بتقولها حقد يا علاء … إنت بتحقد يا علاء وانت طيب وابن حلال؟ دا كلام حاقدين. ده إحنا هنا إيه؟ بنخدم … مصر … واللي تختاره مصر إحنا تحت أمره؛ لأنه لازم ح يكون من مصلحة مصر.
علاء : مصر … مصر … تحيا مصر. كل حاجة مصر مصر. اللي عملت مصر … اللي سوت مصر … حد أبدًا شاف مصر دي؟ … مين مصر دي؟ … كل واحد يقول مصر عايزة مصر عايزة! وكأن مصر مش موجودة قدام عنينا، وشايفِنها عايزة حاجات تانية خالص. (يحدق تجاهه لفترة ثم يقول) أمال رأيك نعمل إيه؟
حسن : تستنى.
علاء : الأوامر!
حسن : الأوامر … الرفد … شلوط لفوق … لتحت … ما علينا إلا إننا نستنى.
علاء (وكأنما يكلم نفسه) : ما هي المصيبة كلها في حكاية نستنى دي … نبقى عارفين ومتأكدين إيه اللي بالضبط ح يحصل ونضحك على نفسينا ونقول: آه، نستنى. نبقى برضه متأكدين إن مش ح يحصل حاجة وبرضة نقول نستنى. نبقى عارفين إنه من اليمين، بينام يمين ويصحى يمين، ونقول نستنى … يمكن المرة الجاية يحود شمال. ونبقى عارفين التاني شمال، وأخوه شمال، وأبوه شمال، وأمه شمال، وبينه حتى على شمال الدنيا، ونقول ونستنى يمكن يوصل أسوان عن طريق اسكندرية! يا ناس آه نستنى … المصيبة في حكاية نستنى دي.
حسن : خدها مني حكمة تعملها حلق في ودانك … اللي بنى مصر كان في الأصل واحد اسمه: علي استنى.
علاء : بس دا لو كان كل الناس استنوا … إنت بالذات ماتستناش … تستنى إيه ودا لو يرفدك بس يبقى كويس … دانت عملت فيه عمايل وشتمته شتيمة.
حسن : عن مبدأ.
علاء : دلوقتي ح تشتمه برضه؟
حسن : لأ … دلوقتي ح امدحه.
علاء : بحجة إيه المرة دي؟
حسن : بحجة إنه صاحب مبادئ عمره ما غيَّرها.
علاء : تبقى بهلوان بقى … ده شغل بهلوانات.
حسن : بهلوان؟ أنا بهلوان يا علاء؟! دا إذا كان حد في الدنيا بيكره شغل البهلوانات أبقى أنا.
علاء : أمال تسميها إيه دي؟
حسن : حكمة (من الحكمة إن اللي يجوز أمي أقوله يا عمي).

(دق على الباب.)

حسن : ادخل.

(تدخل إيفا ومعها ظرف تقف حائرة.)

حسن : أنا مش مشاورلك تسيبينا لوحدنا شوية! … تقاطعينا ليه؟
إيفا : أصله جواب مستعجل جدًّا من (وتشير بيدها إلى أعلى) مكتب السيد محمد أحمد الغرباوي.
حسن : مش تقولي كده (ويمد لها يده).
إيفا (محرجة جدًّا) : لا مؤاخذة يا حسن بك … ده للأستاذ علاء.

(حسن يلوي وجهه بطريقة متعجبة كوميدية جدًّا.)

حسن : للأستاذ علاء … ها ها … اتفضل يا أستاذ علاء.

(علاء يتناول الخطاب ويقلِّب فيه دون أن يفتحه ثم يضعه جانبًا.)

حسن : الله … مش ح تفتحه؟
علاء : بعدين.
حسن : بعدين إزاي؟ … ده كلام ده؟ … شوفه عايز إيه! مش قلتلِك استني؟!

(يفتح علاء الخطاب بينما حسن يراقبه بعيون جاحظة تكاد تخرج من محاجرها لتقرأ محتويات الخطاب. ينتهي علاء من القراءة، ثم وهو ممسك بالظرف والخطاب):

علاء : مش ممكن أبدًا … مش ممكن … مستحيل … أنا ما أقبلش أبدًا.
حسن (بهَلَع) : ما تقبلش إيه؟
علاء : ما أقبلش أبدًا إني أحل محلك. دي مش من مبادئي إطلاقًا.
حسن : تحل محلي؟! بقى ده إلى كنا مستنيينه … أستنى أستنى وفي الآخر تحل محلي؟
علاء : أنا لا يمكن أقبل … ده مش من مبادئي.
حسن : ولا من مبادئي أنا راخر.
علاء : أنا ح اعتذر.
حسن (بعد تفكير عميق) : استنى بس شوية … استنى اقرأ الجواب … اقرأ … هات أنا أقرأه.

(علاء وكأنه أمره إلى الله، يعطيه الخطاب.)

حسن : تجميد رئاسة الأستاذ حسن المهيلمي، والعهدة للأستاذ علاء إبراهيم بالقيام بأعمال رئيس التحرير اعتبارًا من اليوم لحين صدور تعليمات أخرى. تجميد؟! حلوة تجميد دي. هو أنا فرخة ح يجمدوها. (ثم يجمع نفسه … وبروح جديدة يقول فجأة) معلهش … الشوط الأول واحد صفر … إنما الرك على نتيجة المباراة. اسمع يا علاء … أنا لي عندك رجاء … إنت عارف معزتك عندي، إوع حد يعرف الكلام ده (مشيرًا إلى الخطاب).
علاء : لا حد ح يعرف ولا أنا ح اقبل، أنا خلافي مع الغرباوي أعمق من خلافك معاه. أنا لا يمكن اقبل أشتغل أبدًا لا رئيس تحرير ولا محرر ولا أي حاجة. دا كارثة ع الجرنال وكارثة على مصر. مصيبة كبيرة حصلت.
حسن (شبه راكع) : أرجوك أرجوك عشان خاطري … كل حاجة ح تتصلح بس اقبل … اقبل وكتِّم. أنا ح استعمل الأوضة دي قدام الناس كده … إنما انت اللي ح تبقى رئيس تحرير فعلًا … إنت مش حد تاني … أرجوك اقبل.
علاء : ما اقدرش.
حسن : وحياة المحلاوي على قلبك.
علاء : ما تحلفنيش أرجوك ما اقدرش.
حسن : لمدة يومين اتنين بس … أرجوك أبوس على إيدك. هه (ينزع يده ويقبلها) ما حدش ح يعرف إنك قبلتها ولا إنك رئيس تحرير ولا إنك اشتغلت مع الغرباوي أبدًا … يومين اتنين بس … أبوس رجلك (يهم بتقبيل قدمه).

(بعد صمت.)

علاء (وقد تأثر تمامًا) : يومين اتنين بس.
حسن : بالكتير خالص.
علاء : وما حدش يعرف.
حسن : ولا جنس مخلوق.
علاء : خلاص.
حسن : إيدك أبوسها … رجلك أبوسها. أهي دي الصداقة ولا بلاش … اسمع! ما حدش ح يعرف إلا السكرتيرة عشان تحول لك المكالمات. ونبه عليها اوع بُقها يفلت بكلمة … وأنا ح اوصيها … (ثم فجأة وكأنه يتذكر) بس أوصيك انت كمان إذا جابت لك كباية اللبن ارفُضها … لبنهم وحش قوي وبيعمل مغص … (هامًّا بالخروج) وصيتك الجرنال يا علاء، وأنا من هنا ورايح مجمد … مجمد … مجمد.
(ستار)

المشهد السابع

(في السيرك.)

(زعرب وميرفت.)

(كلٌّ منهما معلق بطريقة مريحة في عقلة الترابيز؛ بحيث يتأرجحان من جانبي اللعبة، يلتقيان لبرهة ثم يبتعدان، ويدور بينهما هذا الحوار كلما التقيا):

ميرفت : الماسك حتى وانت بتتمرن؟
زعرب : وماله؟

(يبتعدان، ثم حين يتقابلان):

ميرفت : إنت اتولدت بيه ولا إيه؟
زعرب : أصلي ورثته من أمي.
ميرفت : أمك كانت بماسك!

(يبتعدان ثم حين يلتقيان):

زعرب : لا … كانت ببرقع.
ميرفت : نكتة ساقعة.
زعرب : نسخنها.

(وزعرب يمسك بعقلتها حتى لا تبتعد.)

ميرفت : تعرف نكتة سخنة؟
زعرب : لأ. عندي فزورة سخنة … أقولها؟
ميرفت : أنا أحب الفوازير.
زعرب : طب إيه اللي ترفعي رجل يدخل نصه؟ … ترفعي الرجلين يدخل كله؟
ميرفت : قليل الأدب!

(وتدفعه بعيدًا.)

(وحين تعود العقلتان للالتقاء تشيح وجهها عنه … فيمسك زعرب العقلة رغمًا عنها.)

زعرب : أنا مش قليل الأدب … إنتي اللي غبية.
ميرفت : أمال إيه يرفع رجل … مش عارفة إيه.
زعرب : دا البنطلون يا ستي … ترفعي رجل يدخل نصه … ترفعي الاتنين يدخل كله … أدي انت ماعرفتهاش.

(ميرفت تحدق فيه مليًّا.)

ميرفت : إنت باين عليك ميه من تحت تبن … أنا عارفة انت مش راضي تورينا وشك ليه، إنت باينك مجرم هربان ومش عايز حد يعرفك.
زعرب : الكلام ده في أفلام السيرك الأمريكاني، إنما عندنا في مصر مافيش كلام من ده.
ميرفت : أمال إيه حكايتك بس؟
زعرب : ولا حكاية ولا حاجة … ده تمرين زي ما بتمرن على كل الألعاب … تمرين ع البهلوان … والبهلوان إيه … ماسك.
ميرفت : بس أنا نفسى أشوف وشك الطبيعي.
زعرب : ماتشوفيش وحش … ليه؟
ميرفت : لأسباب خاصة بي.
زعرب : خاصة بك انتي؟
ميرفت : وخاصة بك انت كمان.
زعرب : أنا كمان … دي زي حكاية البنطلون … فزورة … إيه اللي ح يكون خاص بك وخاص بي أنا كمان.
ميرفت : أصلك عاجبني.
زعرب : إيه.
ميرفت : عاجبني.

(يسقط زعرب من المفاجأة على الشبكة المقامة لحماية اللاعبين، وتسقط ميرفت وراءه ويتشقلبان، وهو في حالة ذعر شديد.)

زعرب : عاجبها … أنا عاجبها؟ … يا حلاوة يا ولاد … أنا عاجبها!
ميرفت : عجيبة إنك عاجبني؟
زعرب : أعجبك ازاي وانتي ماشفتيش وشِّي.
ميرفت : شفت جسمك، سمعت صوتك، كلمتني وكلامك دخل قلبي. وأنا بيتهيألي إن كلامك مش بتاع بهلوانات خالص، دا الكلام غريب، كإنه حقيقي، ده انا كل ما اسمعك بتقول بحبك بشكل!
زعرب : ووشي وشكلي مش مهم.
ميرفت : بيتهيألي إنه حايعجبني … مش ممكن تكون عاجبني في كل حاجة ووشك ما يعجبنيش.
زعرب : افرضي طلع حلو وانتي زي ما بتقولي ما بتحبيش إلا الرجالة الوحشة.
ميرفت (ضاحكة) : ساعتها تبقى بسيطة … أخليك تلبس الماسك على طول.
زعرب (خابطًا جبهته بكفه) : وأنا بقول أنا لابسه على طول ليه؟ … يا بنت الإيه … جبتي التايهة، أنا لازم لابسه على طول علشان أعجبك.

(ميرفت تتوقف عن الشقلبة وتواجهه بملامح جادة خطيرة.)

ميرفت : أنا بكلم جد.

(زعرب متوقفًا هو الآخر … بلهجة لا تقل خطورة.)

زعرب : صحيح؟!
ميرفت : وحياة بابا بحلم بك كل ليلة … بحبك.
زعرب : بت! … إيه! … كل ليلة! … بت! إيه.
ميرفت : مش مصدق.
زعرب (فجأة يتكور على نفسه ويشد أطرافه في حالة تشنج ويدفن رقبته بين ركبتيه ويمد رأسه إلى الأمام قائلًا) : المصيبة إني مصدق … ما يعرفش الصدق إلا اللي طول عمره يكدب.
ميرفت : وانت عشت طول عمرك تكدب … ليه؟ … إنت كنت الأول إيه؟ ممثل؟
زعرب : أنفخ شوية … كداب كبير قوي … وأعرف قوي اللي بيكدبوا من أول كلمة.
ميرفت : واللي بيصدقوا؟
زعرب : من أول نظرة.
ميرفت : وأنا؟!
زعرب : إنتي … إنتي عيبك إنك صادقة بطريقة عمري ما شفتها.
ميرفت : وده مضايقك؟
زعرب : يضايق أي كداب كبير … إنما أنا يقتلني.
ميرفت : صدقي يقتلك؟
زعرب : قتلني.
ميرفت (بإشفاق حقيقي) : بعد الشر عليك!
زعرب : تفي من بقك … بعد الشر ليه؟ أنا عايز أتقتل … عايزك تفضلي صادقة كده لحد ما تخلصي عليَّ (ثم في سره) تخلصي على حسن بك المهيلمي.
ميرفت : بتقول إيه؟ مش سامعة.
زعرب : بقول نفسي في حاجة.
ميرفت : قول إنشالله تطلب عيني.
زعرب : بس ياناس ح اجنن … تحبيني إزاي وأنا من غير وش.
ميرفت : مش أحسن ما تكون بوشين … من غير وش أحسن حتى من اللي بوش واحد … نفسك في إيه بقى؟
زعرب : نفسي … نفسي … أبوسك.
ميرفت : هنا؟
زعرب : وليه لأ؟ … السيرك مريح كله.
ميرفت (ضاحكة جدًّا وتقول فجأة) : بس ح تبوسني إزاي؟!
زعرب : وطي صوتك … زي الناس ما بتبوس.
ميرفت : ح تقلع الماسك يعني؟
زعرب : إلا دي.
ميرفت : أمال بالماسك؟
زعرب : معقولة دي؟
ميرفت : الله … أمال ح تبوسني إزاي؟
زعرب : بقفايا.
ميرفت : وده ينفع؟
زعرب : ده ألذ ميت مرة … جربي كده.

(تتردد ميرفت ويستدير لها زعرب … تحتضنه من تحت إبطيه، ثم تهوي على رقبته من الخلف بقبلة سريعة وتقول رافعة رأسها):

ميرفت : الله! ده أحسن من الوش مليون مرة … (ثم تعود تقبِّله قُبلة أطول وجسد زعرب يقشعر ويصدر أصوات استحسان.)
زعرب : ياي … الله! يا منجي … لا لا لا … أيوة أيوة أيوة … آه دي … دا … بو … فا … هو … لي … مي.

(بقعة ضوئية على وجه نظيم بك المدير وهو يراقب كل هذا ويبتسم في خبث شديد.)

(إظلام)

المشهد الثامن

(في منزل حسن المهيلمي.)

(الزوجة … حسن.)

الزوجة : وبرضة رفض يقابلك؟
حسن : رفض وبس … ده قالوا لي إنه منبه إني ماخشش المبنى نفسه.
الزوجة : حاولت تكلمه بالتليفون؟
حسن : ألف مرة.
الزوجة : إخص عليه.
حسن : الغربال الجديد له شدة يا ستي … ما عدش بدها بقى يا ماما.
الزوجة : معدش بدها إيه؟
حسن : ما يجيبها إلا ستاتها.
الزوجة : ستاتها مين؟
حسن : إنتي.
الزوجة : أنا؟
حسن : أيوة انتي.
الزوجة : وأنا إيش أخششني يا خويا؟
حسن : إنتي مش تعرفي مدام علوية … هي مش صاحبتك قوي؟
الزوجة : إحنا أصحاب من أيام مدرسة سان فنسان دي بول.
حسن : إنتي فعلًا كنتِ في سان فنسان دي بول؟! أمال مش باين عليكي ليه؟
الزوجة : حسن … لسانك … أقطعه.
حسن : وعلى إيه الطيب أحسن … يبقى اتحلت … أهي مدام علوية دي صاحبة مدام غرباوي الروح بالروح.
الزوجة : بس يعني …
حسن : ما بسش … هي الدنيا ماشية كده … تروحي لها دلوقتي وخديلها معاكي حاجة.
الزوجة : حاجة إيه بس؟ … آه … افتكرت هي كانت طالبة مني أباجوره شينواه زي اللي عندنا في الصالون.
حسن : خديلها اتنين … وهاتي منها الميعاد.
الزوجة : بس أنا أتعب … هو انت تستاهل؟
حسن : يمكن أنا ما استهلش … إنما العز اللي انتي فيه ده … السواق … الطباخ … السفرجي … البرستيج … كله ح يضيع … وانا معاهم.
الزوجة (وقد بدأت تقتنع) : كده … طب اعتبر إن عندك معاه معاد.
حسن : بكرة؟!
الزوجة (بعد تردد) : إن شاء الله.
حسن : كلام ستات؟
الزوجة : كلام ستات … بس إذا جبت لك الميعاد تجيب لي إيه؟
حسن : ودي حاجة تتنسي … الساعة الكارتييه … أخت اللي كانت لابساها مرات السفير.
الزوجة : تعجبني حداقتك دي (ثم مستدركة) في بعض الأحيان.
حسن : وانا تعجبني يا واد انت يا جميل جدعنتك دي … في كل الأحيان … سلام.
الزوجة : استنى عندك … أنا لسة ماخلصتش شروطي.
حسن (بخيبة أمل) : خير؟!
الزوجة : حكاية الساعة تمانية دي كل يوم تخرج تبطلها.
حسن : أبطلها!
الزوجة : من الليلة.
حسن (بانزعاج) : من الليلة؟! … مش ممكن! … أنا اديت كلمة … مستحيل.
الزوجة : يبقى مفيش مدام علوية ولا دياولو.
حسن : لا … أرجوكي … كله إلا كده. الليلة مفيش.
الزوجة : هي كلمة قلتها … إذا خرجت مفيش معاد.
حسن (في عذاب شديد) : ودي مصيبة إيه دي؟! … (ثم لها) يا ستي أرجوكي … والله ولا اعدم ولادنا واعدمك.
الزوجة : قطع لسانك!
حسن : واعدم نفسي، الحكاية ما فيها ولا أي حاجة من اللي بتفكري فيها.
الزوجة : وتثبت إزاي؟
حسن : أثبت لها إزاي دي بس؟! أثبت لها إزاي؟ … (تبرق عينه) أقول لك. اللي رايح حاجة زي كده يعمل اللي ح نعمله دلوقتي.
الزوجة : واحنا ح نعمل إيه دلوقتي؟
حسن : كدهه (يحتضنها وفي سره يقول استعنا ع الشقا بالله).
الزوجة (خلال الظلام تقول) : ابقى كل ليلة اثبت لي وحياتك … الله! … ده إثباتك حلو!
(سكوت)

المشهد التاسع

(في السيرك.)

(لعبة المشي على الحبل.)

(تصفيق مرتفع يعقبه تركيز الضوء على الحبل المشدود ولاعب الحبل يسير فوقه ثلاث مرات كل مرة بطريقة أصعب وأكثر خطورة وعقب كل مرة تصفيق حاد. ثم يحيي اللاعب ويتلقى تصفيق التحية، وفي آخر تصفيق التحية يتصاعد صوت زعرب.)

زعرب : وإيه يعني المشي على الحبل … اللي يمشي ع العجين ما يخلبطهوش يمشي على أجعص أرفع حبل … وسع يا جدع انت وهو!

(يندفع وكأنه سيهم بالمشي على الحبل، ولكن لدى تأمله لسمك الحبل وخطورة المسألة يتراجع.)

(لحظات من البانتوميم … يمد رجليه ويحاول أن يقف ولكنه يتراجع فجأة إلى حيث القاعدة الخشبية العريضة … يكرر العملية بطرق مختلفة.)

(ثم مشجعًا نفسه):

زعرب : ما تخافش يا واد … دا احنا أساتذة في المشي ع الحبل. دا الواحد مننا بيتولد ماشي ع الحبل، ويفضل ماشي عليه لغاية ما يموت، وفي الآخرة برضه يمشى ع الصراط المستقيم … دا الجدع يا واد هو اللي ما يقعش، وانت جدع يا زعرب … ده أبوك نفسه كان حبل أمك بيتمشي عليه. وكل الناس دي طول النهار ماشية عليه … اللي بيسوق ماشي ع الحبل، واللي ماشي بيسوق ع الحبل … المسئول على الحبل … والموظف متشعبط فيه، رئيس التحرير على حتة دين حبل … حبل إنما خازوق … حبل واقف … إذا فضل عليه مخوزق … وإذا وقع بيتخوزق أكتر. اللي مجوز حبله منه فيه ومراته حبله وحبلة وهبلة … وماشي عليها، كله ماشي يالله ماشي … الكراسي عندنا حبال … والبيوت حبال بيناموا عليها ويصحوا يلاقوا نفسهم مشيوا عليها كتير قوي لغاية الآخر كده. اللي بيسافر يشتغل بيسيب مراته ماشية على حبل شعرها … واللي بيقعد هنا مراته رابطاه بحبل … إذا سبت الحبل ومشيت على الأرض يقولوا عليك جبان وأكيل عيش وأرزقي، وإذا اتقطع بك الحبل واتقطع عيشك يقولوا هو اللي غلطان … مين اللي قال له يمشي ع الحبل؟ أيها الحبل كم من الجرائم تُرتكب باسمك!

(فجأة ينطلق سائرًا فوق الحبل عابرًا إياه ببراعة شديدة.)

(تصفيق وإظلام.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤