الجزء الأخير

المشهد التاسع عشر

(في السيرك.)

(يحضر العمال صندوق لعبة «الفقير الهندي» حيث يغرز عدة سيوف في صندوق مقفل على زعرب ويخرج منه سليمًا.)

المذيع : دلوقتي نمتحنك في لعبة الفقير الهندي.

(زعرب يضحك ضحكة بهلوانية تمامًا لا أثر للضحك فيها.)

المذيع : بتضحك على إيه؟!
زعرب : على خيبتك … ده بقى الامتحان العملي الرهيب اللي ح ابقى بيه باش بهلوان! … الفقير الهندي؟
المذيع : أيوة أمال عايز إيه! … دي لعبة عالمية لا بد كل بهلوان يعرفها.
زعرب : ده الكلام ده برضه كان زمان … الفقير الهندي ده كان زمان … دلوقتي يا بني الامتحان الجد بصحيح يبقى في الفقير المصري.
المذيع : ما سمعتش عليها دي! ولا على الفقير المصري أبدًا!
زعرب : ما انت مذيع … يا بيه اللعبة الأخطر هي الفقير المصري.
المذيع : إزاي دي.
زعرب : أوريك … خش جوة الصندوق ده … (ويتردد المذيع) (بصيغة الأمر) خش، بقولك … (بعد تردد يدخل المذيع) ودلوقتي بقى اللعبة الحقيقية إننا يا سيادة الممتحن ح ندخل لك من هنا مجاري طافحه، ومن هنا حفر المترو الجديد، ومن هنا سعر شقة تمليك، ومن هنا سكة حديد من اللي بتموت في الصيف بالتمدد وتموت في الشتا بالانكماش، ومن هنا مركب تقطع فيها تذكرة ذهاب بس؛ لأن الإياب ح يكون على حساب الحكومة في صندوق زي ده تمام … ومن هنا عمارة تطربق على نافوخك … ومن هنا عمود خرساني، ما تخافش على اللي ح يحصل لك … ح تبقى تراب … ومن هنا، في النص من هنا من تحت سيخ حديد … ما تخافش … ده مغشوش، علبال ما يحصلك ح يبقى ملبن.
والشطارة بعد كده يا حلو إنك تطلع سليم.
المذيع (منتفضًا من الصندوق) : أديني طلعت سليم أهه.
زعرب : عشان مصري يا واد … فقير هندي إيه اللي ندخل له شوية سيوف ويطلع سليم … لعبة الفقير المصري يا واد أصعب قوي … والجدع بقى اللي يطلع منها سليم.
المذيع : يبقى أنا أجدع بقى.
زعرب : لا يا حلو … وانت طلعت سليم لأنك صاحب الصندوق … دايمًا أصحاب كل حاجة هم اللي بيطلعوا سلام … وإذا ما طلعوش ياخدولهم سنة في هيلتون طرة … وبرضه يطلعوا سلام.
المذيع : لا … ده خروج على النص … وح نوديك الحضرة كمان … نصيف هناك.
زعرب : لا … بلاش الحضرة والنبي … ودِّيني طرة.
المذيع : الحضرة يعني الحضرة … يا ساقط … يا زعرب يا ساقط (ويخرج).
زعرب : ساقط؟! على خيرة الله … يا أستاذ انت … أنا ساقط … يا حلوة انتي … أنا ساقط … أنا عارف إني ح أسقط صحيح، بس السقوط ساعة ما بيحصل بيبقى وحش قوي … يا أرض يا ناس يا سما … أنا ساقط … ساقط … ساقط … ساقط.

(تضيق دائرة الضوء حتى تصنع دائرة ضيقة فوق زعرب وحوله؛ وهو منكفئ على نفسه ينهنه نهنهات قوية مسموعة، بينما الصوت الوحيد القادم من غرفة صاحب السيرك هو صوت البغبغان الموضوع في قفص يردِّد: «ما الدنيا إلا مسرح كبير.»)

(حين تتسع دائرة الضوء من جديد نجد ميرفت واقفةً بجواره، وما إن تراه هكذا حتى تسرع وتركع مقتربة منه.)

ميرفت : إيه يا زعرب؟ … النمرة انتهت من زمان … وانت دلوقتي في الكواليس … فوق بقى.

(زعرب يرفع رأسه فتُفاجأ بدموع حقيقية قد بللت مكياجه، وساح الأحمر على الأبيض على اللون الأسود في عينيه.)

ميرفت : الله! يا مصيبتي! … وانت بتعيط بجد!
زعرب (ممعنًا في دوره) : أنا ساقط في كل حاجة … أنا ساقط.
ميرفت : إيه الهزار البايخ ده؟ … دا الكلام ده في النمرة … إيه … عايز توريني يعني إنك مندمج؟ بس مهما اندمجت … إنت عمرك ما عيطت بجد … إيه الدموع دي؟!
زعرب : دي دموع المهرج يا ميرفت … دموع المهرج … ما سمعتيش عليها.
ميرفت : لا … ما سمعتش.
زعرب : أغلى دموع في الدنيا … دموع المهرج … اللي بيضحَّك الناس وهو بيبكي.
ميرفت : وبيبكي ليه؟
زعرب : لأن الدنيا صعبة قوي يا ميرفت … الحياة دمها تقيل قوي … العيشة متعبة جدًّا … متعبة قوي … أنا عارف الناس عايشاها ليه؟ والله الموت أرحم … مليون مرة أرحم … وجع ساعة وخلاص … الواحد بيعيش لبكرة عشان بيحلم إن بكرة يبقى أحسن م النهارده … بييجي بكرة أسخف م النهارده … وبعد بكره أنقح من بكرة … يبقى الواحد يقعد يعذب نفسه أكثر وأكتر ليه؟ … قاعد يستحمل الألم والوجع عشان الأحلى، ييجي الأحلى أكتر قرف … جتنا القرف … أنا عارف إحنا متمسكين بالحياة قوي كده ليه؟!
ميرفت : عشان واخدينها جد … مع إنك انت الوحيد اللي لازم ما تاخدهاش جد … وانت البهلوان … اللي ضد الجد … اللي شغلته إنه يقلب الجد البايخ لهزار ومسخرة.
زعرب : ما هي دي المصيبة، يا ويل الزمن اللي ييجي ع الناس ويخلي البهلوان هو اللي يقلب الهزار جد، دي من علامات الساعة.
ميرفت : يا أخي فرفش … بلاش الاندماج ده … مش سامع البغبغان قاعد يقول لك … ما الدنيا إلا مسرح كبير … اسمع، وفوَّق وروَّق.
زعرب : ده علشان بغبغان بيصدق اللي بيسمعه، زي ما بيقول شوقي: يا له من بغبغان عقله في أذنيه … إنما انا مش بغبغان .
ميرفت : إنت بهلوان.
زعرب : وحتى في دي سقطت يا ميرفت.
ميرفت : سقطت؟! إنت صدقت؟! ده تمثيل … ده كده وكده .
زعرب : لا … أنا بجد سقطت.
ميرفت : بجد إيه؟ … إنت ح تجنني … إوع كده … يالله … أنا ح اديلك حتة بوسة في قفاك تطلعك م اللي انت فيه ده خالص … توديك السماء السابعة … يالله تعالى.

(بمقاومة منه وإصرار منها، تديره باندفاع، وقبل أن تنقضَّ بفمها على قفاه، تتوقف في منتصف الطريق وتشهق.)

ميرفت : مش ممكن … مستحيل.
زعرب : مش ممكن إيه؟
ميرفت : قفاك!
زعرب : ماله؟ … ح تقوللي بيقمر عيش … مال قفايا؟!
ميرفت : هو قفا الأستاذ حسن المهيلمي تمام.
زعرب : حسن المهيلمي ده مين؟
ميرفت : رئيس تحرير الزمن.
زعرب : كان.
ميرفت (غير منتبهة) : لا … دا لسة … دا كاتبي المفضل.
زعرب : كان.
ميرفت : ولسة … وانا لسة كنت عنده امبارح.
زعرب : عنده … إنتي بتخونيني يا ميرفت مع الصحافة … طب اوعي بقى.
ميرفت : إنت زعلت يا حبيبي … طب معلش … حقك عليَّ … تعالى أنا أصالحك … هه … (تقبِّله في قفاه، وزعرب يتململ بطريقة مبالغ فيها.)
زعرب : لا لا لا لا لأ … لا … لا لأ … إيه ده … إيه … أم … أف … دي … ري … مي … فا … صو … لي … دربكة … إديله.

(وهي ممعنة في تقبيله، وهو ممعن في التخلص منها؛ بحيث يهرب وتتبعه ويدوران في حلقة النور … فجأة ينصب كشاف على امرأة واقفة إلى اليمين وإذا بها شرشر. ميرفت تلمحها أولًا، وأدهشتها … تجدها تخلع فردة حذائها وعلى وجهها شر مستطير … فتنسحب بسرعة خارجة من الحلبة … زعرب ماضٍ في حركاته وكلماته … تتقدم شرشر وتنهال بحذائها على قفاه وظهره.)

زعرب : لا لا لا لا لأ … لأ لا لا لا … لأ … ده مش بقك ده، إنت بتعضي … لا لا لا … دا رفص ده … دي حوافر معيزة دي … لا لا لأ … سيه سوفاج خالص … بس بقى.

(ويستدير وإذا به إمام شرشر.)

شرشر : يا جنس واطي يا خسيس … قال إيه … بروح السيرك علشان أتوازن … دا التوازن بتاعك يا بن فردة الوطي … (وتهجم عليه فيهرب منها) وديني لأفضحك في البلد كلها يا جنس كلب انت … والله لأخليك ما تسوى بصلة يا حسن بك المهيلمي يا بهلوان يا بتاع التوازن … خد.
(إظلام)

المشهد العشرون

(مكتب رئيس التحرير.)

(جرس التليفون يدق طويلًا … تدخل إيفا مسرعة.)

إيفا : إيه السرعة دي كلها!

(تصل للتليفون وتتناول السماعة.)

إيفا : ألو … أيوة … لا … حسن بك اترفد خلاص … بهزر إيه يا ستي … بنقول اترفد … مين إيه؟ الغرباوي بك … أنا إيفا سكرتيرته … يلزم خدمة؟ إن شاء الله انتي اللي يحطوا في بطنك بطيخة صيفي وخيارة كمان. (تضع السماعة بعصبية) الناس بقت قليلة الحيا كده ليه؟

(فجأة يفتح الباب ويدخل محرران شابان.)

الأول : الغرباوي بك فين؟ .
الثاني : ده كان هنا من شوية.
الأول : هو فين؟
إيفا : ما اعرفش … خرج بقاله نص ساعة … إيه؟! … خير؟ فيه إيه؟!
الثاني : عايزين مصور بسرعة.
إيفا : ليه … فيه إيه؟
الأول : فضيحة الموسم.
إيفا : إيه اللي حصل؟
الثاني : حسن بك المهيلمي …
إيفا : ماله؟
الأول : بيشتغل بهلوان في السيرك المصري العالمي.
إيفا : يا نهار أسود … بعد ما اترفد اشتغل هناك ولا إيه!
الثاني : أبدًا … دا وهو بيشتغل هنا … كان رئيس تحرير بالنهار … وبهلوان في السيرك بالليل.
إيفا : مش معقول … مستحيل … مين اللي قال لكم؟
الأول : مراته … وعايزانا نروح نصوره هناك ونعمل له فضيحة كبيرة.
إيفا : مراته عايزاكو تعملوا كده؟
الثاني : آه … أصلها ضبطته مع بنت في السيرك.
إيفا : ابن الإيه … كده؟ رئيس تحرير الصبح وبالليل بهلوان … وبالنهار لبن سخن … وبالليل زبادي طبعًا.
الأول : زبادي إيه … ولبن إيه؟ … بنقول لك بيشتغل بهلوان في السيرك.
إيفا : مش غريبة! ما هو كان هنا ستين بهلوان … أنا رايحة معاكو.
الثاني : بس نروح من غير ما ندي خبر للغرباوي بك … دا راجل مش بتاع هزار … نقول له أحسن.
إيفا : وعلى إيه تقول له بس؟
الأول : لا … عنده حق … ما دام ح ناخد مصور وكلام من ده وح نعمل موضوع … لازم نقول له.
إيفا : إذا كان هو اللي رافده.
الثاني : برضه نقول له … هو راح فين؟
إيفا : ما اعرفش راح فين … بس ساب لي النمرة دي وقال لي إذا كان فيه حاجة مهمة اتصل به … خد كلمه.
الأول : أنا مالي ياختي! … كلميه انتي.
إيفا : إيه شبان الأيام دي الخرعين دول … خد كلمه.
الثاني : وانا شرحه … ماليش دعوة.
إيفا : أكلمه انا بقى وأمري إلى الله.
(تطلب الرقم)

ألو … أيوة … غرباوي بك … أنا إيفا … اللبن بتاع الضهر (تضحك ضحكة ذات ذيل طويل) العفو يا بك. تحت أمرك … لا … مفيش حاجة … أصل فيه هنا اتنين محررين جايين يقولوا إن مرات حسن المهيلمي قالت لهم إنه بيشتغل بهلوان في السيرك المصري العالمي، وعايزاهم يروحوا يفضحوه ويصوروه … أصلها ضبطته مع بنت بتاعة عقلة هناك … إيه؟ بتضحك ليه يا غرباوي بك؟! مش مستغرب ولا إيه؟! غريبة … حضرتك كنت عارف … يا خراشي … لا … دا فوق كل ذي علم عليم … آدي رؤساء التحرير يا بلاش … إيه؟! … كده … ممكن أروح معاهم؟! مرسي قوي قوي يا غرباوي بك … مرسيه … أوريفوار … حاضر … حاضر … كباية الضهر وكباية بعد الضهر … لا … على إيه … ده كله من خيرك.
(إظلام)

المشهد الواحد والعشرون

(في السيرك.)

(زعرب يدخل وكأنما هو قادم من بيته، ينظر هنا وهناك متوجسًا متلصصًا، يلمحه «نجف» الذي كان واقفًا يترصده.)

نجف : قفشتك يا حلو.
زعرب : قفشتني ليه؟ خير؟!
نجف : البك عايزك.
زعرب : البك مين؟
نجف : إنت بتستعبط ولا إيه؟ البك الكبير اللي بنشتغل كلنا عنده.
الرجل الكبير … صاحب السيرك المصري العالمي على سن ورمح … أما انت زعرب صحيح.
زعرب : وعايزني ليه؟ … عشان إيه؟! إشمعنى ماعزنيش قبل كده؟!
نجف : أصل ده البك الجديد بقى!
زعرب : الجديد؟
نجف : أمال إيه؟ عقبال أمالتك! ما نظيم بك راحت عليه واتقلش.
زعرب : وده عايزني ليه الجديد ده عشان إيه؟
نجف : أنا إيش عرفني … سامي بك المدير قال لي دور لي على زعرب وهاتهولي من تحت طقاطيق الأرض عشان البك الكبير عايزه.
زعرب : ما تعرفشي عايزني ليه؟
نجف : قلت لك ما اعرفش.
زعرب : وشكله إيه البيه الجديد ده؟
نجف : شكله إيه إيه؟! ح يكون شكله إيه، بيه كبير … قدامي يالله.
(وحين يتردد زعرب يمسكه «نجف» من يده وكأنما يجره جرًّا إلى حجرة مكتب هائل الضخامة ويتركه على الباب. زعرب يتطلع باحثًا عن البك في الحجرة الكبيرة، وبقعة من ضوء أعلى تتابع عينيه، أول ما يرى قفص البغبغان الذي يردد طول الوقت: ما الدنيا إلا مسرح كبير. ثم مكتب فاخر … وثمة رجل يولينا ظهره ويتحدث في التليفون ويقهقه وهو يردد): آه … كله من خيري يا إيفا … ها ها ها.

(ويضع السماعة ويستدير، فإذا به غرباوي بك.)

(ويصعق زعرب في مكانه ويتدلى فكه في بلاهة منقطعة النظير.)

(الغرباوي مستمر في قهقهته وهذه المرة يوجهها لزعرب.)

زعرب : حضر … حضرتك … ليك … أخ … توءم؟
غرباوي (مقاطعًا) : لا … أنا غرباوي نفسه يا زعرب … متأسف … قصدي يا حسن بك.
زعرب : يا ألطاف الله … مين كان يصدق إن غرباوي بك بجلالة قدره هو برضه صاحب السيرك.
غرباوي : ومين يصدق إن حسن بك رئيس التحرير المشهور جدًّا هو زعرب البهلوان … مستغرب ليه؟!
حسن : هو صحيح بعد اللي الواحد شافه ماعدتش باستغرب من حاجة أبدًا … بس ده مستحيل … إيه اللي يجيب صاحب السيرك لصاحب جرنال … ده فرق السما والأرض.
غرباوي : بيتهيألك.
حسن : إزاي بس يا فندم والصحافة دي حاجة جد قوي والسيرك شغل بهلوانات وأكروبات وألعاب.
غرباوي : بيتهيألك … ده مفيش أقرب لعالم الصحافة من عالم السيرك.
حسن (لنفسه) : فعلًا … لما تغيب الحقيقة يبقوا الاتنين شبه بعض الخالق الناطق.
غرباوي : انطق … بتقول إيه … سمعني … واقلع الماسك اللي انت لابسه ده … أظن بقى مالوش داعي.

(بعد صمت، وكأنما قرر أمرًا.)

حسن : لا … دا له داعي قوي.
غرباوي : داعيه إيه؟
حسن : أنا بألبسه عشان أقول الحقيقة … وبأقلعه هناك في الجرنان علشان أقول لك اللي انت عايزه … خليني بقى أقول لك اللي نفسي فيه وانا لابسه.
غرباوي : وهي الحقيقة تتقال من ورا قناع؟
حسن : أيوة يا غرباوي بك، لما الوش الحقيقي يصبح قناع اللي بيخبي الحقيقة … يبقى الحقيقة ما تتقالشي إلا من ورا قناع.
غرباوي : يعني كنت في الجرنال بقناع ودلوقتي وشك حقيقي ومكشوف.
حسن : أعمل إيه؟ بأبقى هناك حسن البهلوان، وهنا زعرب الحقيقي.
غرباوي : عشان كده … ما ينفعكوش صاحب جرنان إلا لازم يكون صاحب سيرك.
حسن : بالعكس … عشان صاحب السيرك بقى صاحب جرنان عملنا كلنا بهلوانات.
غرباوي : والله انتو اللي عشان بهلوانات عملنا لكم الجرنان سيرك والسيرك جرنان.
حسن : أنا أرى العكس تمامًا يا سيد غرباوي.
غرباوي : سيد؟! سيد غرباوي؟!
حسن : الاسم الرسمي يا سيد … إحنا جمهورية اتلغت منها الألقاب من تلاتين سنة، ولَّا سيادتك مش فاكر؟
غرباوي : نسِّيتونا بكتر نقاقكم.
حسن : والله أسوأ من المنافقين هم اللي ما بيحبوش إلا النفاق.
غرباوي : إذا فضلت باللماضة دي ح اقطع عيشك من هنا كمان … ويمكن أقطع رقبتك هي رخرة.
حسن : الله! … هو سيادتك ما تعرفش …؟ دا البهلوان مش مسألة هزؤ ولا حاجة … دي شغلانة اخترعها الملوك … حاجة كده زي الطرشي اللي يفتح نفسهم من كتر ما نفاق الحاشية بيقرفهم … كانوا يختاروا واحد لسانه طويل، ويشتم الملك في وشه، شتيمة تضحك جدًّا؛ لأنها حقيقة جدًّا، إنما عشان بيعملها بخفة دم … بفن يعني … فن البهلوانات، فن كبير قوي، أهم من فن التمثيل مليون مرة؛ لأنه فن التمثيل جوة فم الأسد، يعني «هَم» يروح واكله الأسد، فلازم أقول الحقيقة وأطول لساني، وبدل ما تقطع رقبتي تضحك، دي أصول اللعبة، عايز تلعب ولا مش عايز.
غرباوي : ألعب إيه؟
حسن : تلعب ملك.
غرباوي : وانت البهلوان … إذا كان على كده ألعب … بس أنا …
حسن : الملك.
غرباوي : وانت دايمًا …
حسن : البهلوان.
غرباوي : الهزؤ.
حسن : أنا وانت.
غرباوي : ولد!
حسن : ما قلنا بقا افهموا أصول اللعبة.
غرباوي : مستعد أفهمها … بس على شرط واحد مفيش غيره!
حسن : اشرط زي ما انت عاوز.
غرباوي : ميرفت.
حسن : مالها؟
غرباوي : تسيبها لي.
حسن : الله! … ميرفت ما هي مع السيرك، وانت مش خدت السيرك كله بما فيه.
غرباوي : بس هي ماقدرتش عليها.
حسن : هو انت كمان ورثت عواطف نظيم بك ونزواته.
غرباوي : ورثت كل حاجة، حتى حب ميرفت.
حسن : وانا رابطها؟ … ما هي عندك.
غرباوي : دي بتحبك.
حسن : هي حرة.
غرباوي : بس أنا عايزها.
حسن : ما تعوزها.
غرباوي : هاتهالي.
حسن : أجيبهالك؟! هي إيه؟! علبة مربى ح أجيبهالك يا عبيط انت؟
غرباوي : اخرس.
حسن : خلاص … مش لاعب.
غرباوي : اخرس وماتقلش أدبك والعب.
حسن : وإذا كان لعبي قلة الأدب؟! ألعب ولا ما العبشي؟
غرباوي (يتنحنح) : العب … بس العب على حبل … واوع تقع لحسن تتقطع رقبتك.
حسن : يا عبيط! … (ثم يكمل شتائمه بفتح فمه دون إصدار صوت) هي البنات الأيام دي حد بيجيبها لحد … دا الكلام ده كان أيام المرحومة جدتك.
غرباوي : اخرس قليل الأدب.
حسن : مش لاعب.
غرباوي : كمل.
حسن : يا راجل يا شايب يا عايب.
غرباوي : يا ابن اﻟ …
حسن : يا ملك … عيب يا ملك … دي مش لغة ملوك دي … دي لغة سفلة.
مفيش دلوقتي يا جدو حد بيرغم بنات تحب حد.
غرباوي : أصلها بتحبك وحبك هو اللي مانعها إنها تيجيلي … وأنا عرضت عليها كل حاجة … عرضت عليها أجوزها عرفي، عرضت كل حاجة، مفيش فايدة.
حسن : بنت أصل بقى تعمل إيه في الناس اللي بلا أصل.
غرباوي : وانت ابن أصل؟
حسن : أنا ابن جنية.
غرباوي : تبقى تجيبها … يا ح تجيبها يا ح تروح في ستين داهية.
حسن : ما تخليك ملك جدع أمال … عمرنا ما سمعنا عن ملك رفد بهلوان ولا وداه ورا الشمس … خليك جدع.
غرباوي : وانت خليك ذكي … إنت عارف انا أقدر أعمل فيك إيه.
حسن : ح تعمل فيَّه إيه أكتر م اللي عملته؟!
غرباوي : لا … دا فيه لسة كتير قوي أقدر أعمله … ما عندكش فكرة … يعني باختصار كده إذا قلتلك حياتك نفسها كوم … وتجيب لي ميرفت كوم … ح تقول إيه؟
حسن : ميرفت! الدنيا داقت يعني في وشك مش لاقي إلا حتة الغلبانة دي اللي بتأكِّل عيلة وراها وبتعلم اخوات … ما فيه مليون واحدة أحسن منها وأجمل منها … داقت الدنيا يعني في وشك ما لقيتش إلا ميرفت؟!
غرباوي : فيه مليون واحدة صحيح، بس دي الوحيدة اللي قالت لي لأ … أنا باكَّلم جد … إذا قلت لك حياتك نفسها كوم وإنك تجيب لي ميرفت كوم … ح تقول إيه؟
حسن : أقول يفتح الله.
غرباوي : كده … طيب … اطلع برة … (حسن يتردد).
غرباوي : (بنفس الشخطة التي طرده بها من رئاسة التحرير): برة!
(حسن يتردد بعض الوقت … يخطو خطوات قليلة ناحية الباب): استنى!

(حسن يتوقف.)

غرباوي : ح اديك كل الماهية اللي كنت بتاخدها رئيس تحرير.
حسن (يستدير يستمع للعرض، ثم يستدير قائلًا) : يفتح الله!
غرباوي (بنفس الشخطة) : برة!

(ويخطو بعض خطوات.)

غرباوي : استنى!

(ويتوقف.)

غرباوي : وح ارجعك رئيس تحرير.
حسن (ملتفتًا بسعادة منقطعة النظير) : بجد؟!
غرباوي : بجد.
حسن : واضمن منين إنك مش ح ترجعني يوم وترفدني تاني زي ما عملت؟
غرباوي : ح اكتب معاك عقد سنة.
حسن : بخمس سنين.
غرباوي : بتلت سنين.
حسن : وتنشره.
غرباوي : أنشره فين؟!
حسن : في الجرنان … في الصفحة الأولى … مع بدل التكدير اللي فات وبدل رد الاعتبار اللي جاي.
غرباوي : وإذا وافقت؟
حسن : مفيش إذا … العقد أهه … وصورة منه في الجرنان … تديهم أمر ينزلوها دلوقتي.
غرباوي : بس دي عايزة تصوير وزنكوغراف … ودلوقتي …
حسن (مقاطعًا) : كل شيء معمول حسابه، الزنكوغراف معمول ومتوضب وموجود، والتليفون أهه (يندفع إلى التليفون ويطلب الرقم) اتفضل.
غرباوي : إذا قلتلهم ينزلوه تجيب لي ميرفت؟
حسن : وعيلة ميرفت كلها.
غرباوي : تجيبها إزاي.
حسن : مالكش دعوة … إنت مش بتقول إنها بتحبني … هي فعلًا بتحبني، وانا عارف أجيبها إزاي … وأنا حسن البهلوان يا ملك .

(ميرفت تخرج فجأة من مخبئها.)

ميرفت : كده يا جبان يا حقير تبيعني قبل ما تشتريني! … وانا اللي حبيتك يا بهلوان الكلب!
حسن (بذعر شديد) : ميرفت!
غرباوي : شفتي ياستي اللي ما كنتيش راضية بيه عشان بتحبيه وبيحبك.
حسن : ما تصدقهوش يا ميرفت! ميرفت! إوعي تصدقي يا ميرفت!
ميرفت : ما صدقشي إزاي وانا شفتك بعيني وسمعت بوداني يا كلب يا نجس! (حسن يندفع ناحيتها) ابعد عني … ابعد عني … إنت نجس … نجس … نجس … اتفوه عليك! (تبصق عليه وتهرع خارجة.)

(حسن يقف مذهولًا، ثم في محاولة أخيرة للنجاة، يندفع إلى حيث التليفون ويمسك بالسماعة ويعطيها للغرباوي.)

غرباوي (يتناول منه السماعة) : برهان … أيوة برهان … اتحفظ ع الزنكوغراف ح ينفعنا قوي بكرة.
(ثم ينظر ناحية حسن المهيلمي، ويضحك، بهدوء، ثم بشدة، ثم مكملًا جملته … كلمات تختلط بالضحكات): ما هو تعمل حسابك يا حسن يا مهيلمي يا بهلوان … البهلوانات رخرين مقامات، وفوق كل ذي بهلوانية بهلوان أنفخ.

(يكمل كلامه قهقهات، بينما الضوء ينسحب من عليه ويتركز قمع ضوء آخر فوق حسن المهيلمي.)

حسن : باين المرة دي عمرك الافتراضي خلص يا حسن يا مهيلمي! حلوة الافتراضي دي، عمرك خلص يا مهيلمي، ومن هنا ورايح ما فيش إلا زعرب بس … زعرب كده على بلاطة من غير قناع ولا مكياج ولا تنكر ولا وظيفة تانية … ما هي الدنيا بقت سيرك، وما دام إحنا في سيرك يا تبقى صاحب السيرك والكل في الكل يا تبقى البهلوان، وصعب قوي تبقى صاحب السيرك، دا واحد بس هو اللي بيقدر عليها، ويمكن راخر تلاقيه بيشتغل بهلوان في سيرك أكبر، فغصب عنك لازم تشتغل بهلوان، وإذا اشتغلت بهلوان لازم تمشي ع الحبل، وإذا مشيت ع الحبل مسيرك تقع يا جميل، وأديني وقعت أهه من فوق كل الحبال، وقعت ومش لاقي حد يسمي عليَّه.
ميرفت : اسم الله عليك وعلى اللي حواليك.

(تقول هذا وهي تخرج من الظلام وتدخل مع حسن في القمع الضوئي.)

حسن (مندهشًا) : بسم الله الرحمن الرحيم … إنتي؟
ميرفت : أيوة أنا.
حسن : وبعد كل اللي حصل؟!
ميرفت : وهو حصل إيه؟
حسن : حصل بلاوي، أقلها إني بعتك قبل ما اشتريكي زي ما قلتي.
ميرفت : طب وماله لما تبيعني قبل ما تشتريني!
حسن : أبقى مُلعب، أبقى حلنجي، أبقى بهلوان.
ميرفت : طب وماله لما تبقى بهلوان؟!
حسن : ما تحبنيش.
ميرفت : مين قال لك؟ هو انت فاكر انا حبيتك عشان سلطان زمانك؟ … أنا حبيتك عشان انت بهلوان، ولسة بحبك عشان بهلوان، وعاجباني قوي ومدوخاني بهلوانيتك دي.
حسن : لا والله جهدنا ما راحش هدر … آدي المفهومات الجديدة والأجيال الجديدة ولَّا بلاش، (ثم مستدركًا) أما دي حاجة تجنن، أمال تفيتي عليَّ ليه؟
ميرفت : كنت عايزني أبوسك يعني عشان كان الغرباوي دبحك! كان لازم أوريه إن خطته نجحت يا كروديا.
حسن : أما انتي! ده شغل بهلوانات بقى، إوعي تكوني انتي رخرة بهلوانة.
ميرفت : أمال أنا حبيتك ليه! إنت مش لسة بتقول ما دام الواحد مش صاحب السيرك يبقى على طول البهلوان … أيوة بهلوانة!
حسن : يا بنت الإيه!
ميرفت : يا بن الإيه!

(يحتضنها وتحتضنه، وتديره ميرفت لتقبِّله في قفاه، وقمع الضوء يخفت فوقهما ليسقط قمع ضوئي آخر فوق البغبغان الموضوع في ركن المكتب الذي يقول):

البغبغان : ما الدنيا إلا مسرح كبير!
حسن (رافعًا إصبعه محتجًّا وكأنه يوقف برفع إصبعه خفوت الضوء) : من فضلك! وبعد إذنك يا يوسف بيه … ما الدنيا إلا سيرك كبير!
(تمت)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤