فيسمان

المؤلف الذي أفسد ذهني
figure

أفسد ذهني نحو أربعين سنة، بل لعله أفسد أخلاقي أيضًا من حيث إنه غرس في نفسي فلسفة اجتماعية خاطئة، فجفت عندي ينابيع السخاء البشري، وتولدت عندي نظريات بشأن تنازع البقاء ما كنت لأومن بها لولا هذا المؤلف الألماني المدعو «فيسمان»؛ ذلك أني كنت في الأول من هذا القرن مشغول الذهن بنظرية داروين عن تنازع البقاء وبقاء الأصلح، وكانت هذه النظرية في ذلك الوقت هي عند جميع المفكرين علة التطور؛ فإن أوروبا المثقفة كانت قد سلمت بأن الأحياء تتغير وتتطور، وأنها تعود كلها إلى أصل واحد، ولكن كان هناك خلاف بشأن العلة أو السبب لهذا التطور.

وكان لا مارك قبل داروين، قد علل التطور بالعادات؛ أي إن الحي عندما يتغير وسطه الذي يعيش فيه، سواء أكان ذلك بتغيير المناخ أم الطعام أم الأعداء، هذا الحي يتعود عادات جديدة تلائم هذا الوسط الجديد، ويتغير بذلك جسمه بعض الشيء، ثم يأتي نسله فيرث شيئًا من هذا التغير، ثم تتراكم التغيرات على مدى الأجيال المتعاقبة بالمئات والألوف فتظهر سلالات جديدة تختلف من أسلافها، ثم تتراكم هذه التغيرات في هذه السلالات حتى تفصل ما بينها وبين الأسلاف، وتعود السلالات القريبة أنواعًا مستقلة منفصلة.

هذا ما كان يعلل به لا مارك التغيرات التي تؤدي إلى التطور، وقد سلَّم داروين — إلى حد ما — بهذا التعليل، ولكنه لم يقصر التغيرات التطورية عليه، بل اعتمد على ما سماه «تنازع البقاء». والقارئ لمؤلفاته يفهم أن التغييرات تحدث لأسباب نجهلها، ولكنها تورَّث، فإذا كانت الصفة المورثة حسنة فإنها تؤدي إلى انتصار الفرد المتصف بها من الحيوان أو النبات في تنازع البقاء؛ أي في مباراته لغيره من نوعه أو الأنواع الأخرى. ولكن مع كل ما قاله داروين هنا يجب أن نذكر أنه قال إن تأثير الوسط في الحي لم يدرس الدراسة الكافية، وبذلك ترك الباب مفتوحًا للشك والبحث شأن الباحث العلمي المنصف.

وفيما بين سنة ١٩٠٠ وسنة ١٩١٠ كان النقاش يدور حول الصفات المكتسبة؛ أي العادات، أتورث أم لا تورث؟ ولزيادة الإيضاح نقول: هل طال عنق الزرافة؛ لأنها تعودت مد هذا العنق إلى الغصون العليا من الأشجار أو الأعشاب السفلى على الأرض، ثم أورثت ذريتها هذه العادة حتى طالت أعناقها؟ أم أن هناك سببًا أو أسبابًا أخرى لهذا الطول؟ والمعقول الذي يسلِّم به المفكر لأول وهلة أنه لا يمكن أن يكون هناك سبب آخر لهذا التغير والتطور سوى الذي كانت تعيش فيه الزرافة؛ أي إنه إذا لم يتغير الوسط، ويؤدي تغيره إلى أن يغير الحي عاداته، فلن يكون هناك سبب ما للتغير والتطور. ومعنى هذا أن لا مارك كان مصيبًا كل الإصابة في تعليله للتطور بالعادات التي يتعودها الفرد.

هذا هو المعقول، ولكن إذا لم يتفق المعقول مع الواقع، وجب أن نسلم بالواقع ونرضى بالنزول عن هذا المعقول؛ لأن ما عقلناه ربما قد خفيت عنا فيه أشياء. ووقع في يدي حوالي سنة ١٩٠٩ كتاب يدعى «الجرثومة المنوية» للمؤلِّف الألماني فيسمان، وكان هذا المؤلِّف علمي الذهن، لا يسأل ما هو المعقول؟ وإنما يبحث عن الواقع الذي تثبته المشاهدة والتجربة، وقد وجد بالمشاهدة المكروسكوبية أن الجراثيم المنوية؛ أي التناسلية في الحيوان، مستقلة تمام الاستقلال عن الخلايا الجسمية، وهي تسكن في أجسامنا وتتغذى من دمائنا، ولكنها لا تتأثر بحياتنا أقل التأثر ونحن نتسلم هذه الجرثومة من آبائنا ونسلمها لأبنائنا، وهؤلاء يسلمونها للأحفاد دون أن تتأثر بالأجسام التي التصقت بها وعاشت عليها.

وقد وصل فيسمان إلى هذه النتيجة بالمشاهدة، فإن الجنين في أولى ساعات تكوينه يتألف من خليتين: إحداهما خلية تناسلية، والأخرى خلية جسمية، والأولى تبقى راكدة لا تنمو إلا عند المراهقة، حين تنشط وتتكاثر، أما الثانية فتتكاثر منذ الساعات الأولى لتكون الجنين، وهي التي يبنى منها الإنسان أو الحيوان أو النبات.

وإذا فمهنا تغير الوسط من البرد إلى الحر، أو من السهل إلى الجبل، أو من الرطوبة إلى الجفاف، ومهما تغير الغذاء من النبات إلى الحيوان أو العكس، ومهما تغيرت حركات الجسم بالعمل والكفاح، ومهما تغير نشاط العقل بالدراسة أو عدمها، ومهما تغيرت عاداتنا السلوكية، فإن الجراثيم المنوية التي تسلمناها من جدودنا وأسلافنا سنسلمها لأبنائنا وأحفادنا كما هي دون أن تتأثر بما تأثرت به أجسامنا نحن؛ ولذلك ليس في ترقية الوسط أية ترقية للإنسان، لأن التفاوت في الكفايات لا يعود إلى تفاوت في الوسط، وإنما إلى تفاوت في الوراثة، هذه الوراثة التي لا نعرف في زعم فيسمان كيف تؤثر فيها أو تغيرها. وقد كافح هربرت سبنسر هذا القول، وكانت عباراته: «إذا لم يكن الوسط سببًا لتغير الأنواع فلا أعرف سببًا آخر للتطور.» ومع أن هذه الكلمات يُنادي بل يصيح بها المنطق والتفكير السليم فإني لم أستطع إلا التسليم بما قاله فيسمان؛ لأنه قائم على المشاهدة التي هي بيِّنة العلم. ثم عرفت بعد ذلك تجارب الراهب «مندل» التي كان قد أجراها في القرن الماضي في اللوبيا أو الفاصوليا وبعض الحبوب الأخرى، «وأثبت» أن الوراثة صارمة، وأنها تجري على أرقام معينة كأنها لا تتأثر بالوسط بتاتًا، وانتهيت أنا إلى الإيمان بهذه الوراثة الجامدة، وبأن الوسط لا قيمة له أصلًا في تغير السلالات وتطورها؛ ذلك لأني اعتمدت على ما كان يقوله الثقات، ولست أنا ثقة مجربًا في هذه العلوم، فيجب أن أقبل ما يقوله المجربون. ولكن بقي التطور عندي بلا تعليل؛ لأني أخرجت منه تأثير الوسط.

لا، بقي شيء واحد هو تنازع البقاء؛ أي يجب أن نسلِّم بأن الأفراد من الحيوان والنبات والإنسان تتفاوت في الكفايات، ونحن — مع أننا نجهل المصدر لهذا التفاوت — مضطرون إلى التسليم به؛ إذ هو واقع يشاهد، وإن كان هذا التسليم يشبه التسليم بالغيبيات التي لا تعلل، أو بالقدر الذي لا يحتسب.

وكان لهذه العقيدة مركبات نفسية عندي تتلوها مركبات اجتماعية؛ ذلك أن تنازع البقاء في الطبيعة يجب أن يكون له صداه في مجتمعنا، كأن نقتل العاجز العليل أو نتركه يموت دون أن نعمل على شفائه، فهؤلاء العاجزون عن التفوق يستحقون تخلفهم، وليس من الواجب علينا أن نساعدهم على أن يرتقوا؛ لأنهم إنما ولدوا وارثين لهذا العجز الذي يصلحه الوسط، ثم لماذا يبقى هؤلاء الزنوج أحياء ما دامت هناك شعوب أرقى منهم؟ وما دام إصلاحهم بإصلاح الوسط غير ممكن لأنه غير علمي؟ فزوالهم إذن خير من بقائهم، وفي هذا القول بالوراثة تعليل علمي، وتسويغ اجتماعي للاستعمار والاستغلال؛ لأن الأقوياء بالوراثة هم الذين يستعمرون ويستغلون الضعفاء بالوراثة، وقد التهمتُ نيتشه التهامًا؛ لأنه كان يدعو إلى إبادة الضعفاء، ومضت عليَّ سنوات كنت أحس عندما أرى إنسانًا يتصدق على سائلٍ بقرش أنه جنى على المجتمع وأفسد الأجيال القادمة؛ لأنه بهذا الإحسان قد استبقى الضعف واستولده.

ولكن يجب أن أعترف أني لم أسلِّم كل التسليم بأن الطبيعة كافرة إلى هذا الحد، ولكني كنت أقف مترددًا، أكاد أحبس نفسي عن السخاء والحنان والرقة العطف، وكنت أظن أني بذلك قد أصبحت «علميًّا»؛ وذلك أني كنت على الدوام أهجس بالهاجس الفلسفي المنطقي، وهو أنه ليس هناك سبب لتغير الحيوان أو النبات سوى تغير الوسط؛ أي إن عادات الفرد في حياته، وصفاته التي اكتسبها من هذه العادات، ترثها أعقابه ثم تتراكم وتتبلور حتى تصير صفات جسمية أو غريزة جديدة.

وأخيرًا التفتُّ إلى الهورمونات الجنسية، تلك المركبات التي تفرزها الخصيتان في الرجل والمبيضان في المرأة، وتؤثر في قوام الجسم وشكله بحيث يتغير شكل الجسم حين نقطعها (كما نرى في الخصيتان)، فرأيت أنه ليس من المعقول أن تؤثر الجراثيم المنوية في أجسامنا دون أن تتأثر هي بأجسامنا.

وقرأتُ بعد ذلك كتابًا للأستاذ «وود جونس» عنوانه «العادة والوراثة» أوضحَ فيه أن العادات التي يتعودها الحيوان بل الإنسان تنتهي إلى أن تكون وراثية، وقد ذكر حقيقة كبيرة القيمة جدًّا تنقض ما قاله فيسمان من أن خلايا الجسم تنفصل من خلايا الجرثومة المنوية، وهي أن الرحم قد نزعت من بعض الفئران والأرانب فعادت إلى النمو، بل ذكر أن مثل هذا قد حدث لبعض النسوة اللاتي نزعت أرحامهن، وبذلك أثبت أن نزع الجرثومة المنوية من جسم الفأر والأرنب والمرأة، وهي الجرثومة التي ينمو فيها الرحم هذا النزع والمحو لا يمنعان الجسم من إنماء جرثومة أخرى، وإذا كان الأمر كذلك فإن تأثر الجراثيم المنوية في الذكر والأنثى بخلايا الجسم لا يترك مجالًا للشك، ومن هنا يجب أن نسلم بأن الصفات المكتسبة؛ أي العادات التي يتعودها الجسم، تتأثر بها الجراثيم المنوية فتعود هذه العادات وراثية، وقد ذكر فيسمان أنه قطع أذناب الفئران لعدة أجيال فلم يستطع إيجاد سلالة من الفئران خالية من الأذناب، ثم ضرب مثلًا بالختان عند اليهود فقال: إنهم على الرغم من ممارسة هذه العادة أكثر من ثلاثة آلاف سنة لا يزال أطفالهم يولدون وهم غلف لم يتأثروا بالختان.

ولكن هذين المثلين لا يدلان على أن فيسمان كان بصيرًا بمعنى التطور، فإن قطع أذناب الفئران وختان اليهود لا يزيد في دلالته على ما نفعل نحن عندما نقص شعور رءوسنا؛ إذ ليست هذه الأعمال عادات.

ذلك أن معنى العادة أكبر من هذه الأمثلة، فالحيوان يتعود العادة لأنها تنفعه، فهو يجد أولًا متكلفًا جاهدًا حتى تسهل عليه بالمرانة، ثم تصير المرانة عادة يؤديها وهو لا يكاد يلتفت إليها، كعازف الكمان، يبدأ متعلمًا متعثرًا متكلفًا ثم ينتهي بالمرانة إلى أن يعزف وهو يتحدث إليك لا يلتفت إلى الأوتار.

وهكذا الشأن في الزرافة، حين كانت قصيرة العنق تمده إلى الأغصان فتشد عضلاته؛ أي تمطها، ثم تكرر هذا بالمرانة حتى صارت العضلات تطول بالوراثة. وهذا هو الشأن في ثفنات الجمل؛ أي تلك الأجزاء المتجلدة الخشنة التي تلاصق الرمل عندما يبرك، فإننا نعرف أن أقدامنا تتجلد وتخشن عندما نمشي على سطح خشن، أو عندما يضيق علينا الحذاء، والإخشيشان في ثفنة الجمل هو عادة نشأت من مقاومة الجسم للرمل الخشن، ثم صارت بعد ذلك وراثية، بل هذا هو الشأن في عنق الجمل الذي يمده كي يصل إلى أعشاب الأرض، فالزرافة والجمل احتاج كلاهما إلى خواص مكتسبة، صارت بعد ذلك موروثة؛ لأنها نافعة، أما قطع ذنب الفأر، وختان اليهود، وقص شعورنا، فليس منها أية منفعة لنا ولسنا نجهد في تعودها؛ ولذلك ليس هناك ما يدعو إلى أن تكون وراثية.

•••

ثم عدتُ إلى قواعد مندل في الوراثة فوجدت أنها ليست مُحكمة؛ أي ليست علمية، حتى أصبح المندليون أنفسهم يقولون إن هناك شذوذًا في بعض الصفات المورثة. وهذا كلام لا يستطيع الذهن العلمي أن يسيغه؛ لأن القاعدة العلمية لا تتسع لأقل الشذوذ. ثم انظر إلى النبات الذي استغله الإنسان لغذائه كالقمح مثلًا، فإنه إنما نشأ في بقعة صغيرة في الأصل، ولكنه يزرع الآن في الأقاليم الثلجية التي تتاخم القطب الشمالي، وفي الأقاليم الحارة بأفريقيا وليس لهذا من سبب إلا أن القمح قد تعود مختلف الأقاليم التي زرعه الإنسان فيها، وأورث عاداته، أي صفاته المكتسبة، لسلالاته المختلفة. وهكذا الشأن في البقر الذي يعيش في السودان الحار، وفي نروج الباردة، مع أن الأسد لا يعيش إلا في أواسط أفريقيا لا يتجاوزها، ولو كان الأسد مدجنًا كالبقر، ينقله الإنسان معه إلى مهاجره البعيدة، لكان قد تعود المناخ البارد وعاش في نروج كما يعيش الآن في أفريقيا. وحيوان اليابسة الذي نزل إلى البحار مثل: القيطس والفقمة والدولفين يبين بوضوح كيف أن الوسط قد غيَّره، وكيف أن سلائل هذا الحيوان قد ورثت التغير. بل إن هناك أمارات تدل على أن كفاح الحيوان للأمواج قد غيَّر في وضعه التشريحي، مثال ذلك أننا عندما نسبح يكون همنا رفع الرأس حتى لا نختنق بالماء، وهذا الرفع يجعل العنق مشدودًا من الأمام مثنيًّا إلى الخلف، فتندفع فقاره إلى الأمام في العنق، وهذا هو ما نراه الآن في الفقمة، فإن فقارها أقرب إلى نحرها منها إلى قفاها.

وقد كان «بوربانك» الأمريكي يطعم الأشجار بغصون من أشجار أخرى فكان يجد الفواكه التي تنشأ على هذه الغصون تكتسب صفات جديدة من الشجرة الظئر؛ أي الأم، ثم تورث سلائلها هذه الصفات، مع أن الغصن لم يأخذ من الشجرة سوى الغذاء، وهو بعض الوسط. وهذا الذي حققه بوربانك قد حققه أيضًا «ليسنكو» على أبعاد كبيرة، الغصن يؤثر في الشجرة الظئر، والشجرة الظئر تؤثر في الغصن، وهذا الفهم الجديد بشأن الوراثة والوسط قد عاد فأحدث لي مركبات نفسية واجتماعية أخرى، وأكسبني فهمًا آخر للتطور، وهو أن داروين قد أخطأ خطأ فادحًا عندما زعم أن «تنازع البقاء» هو كل شيء أو يكاد يكون كذلك، وإن كان فهمه لتنازع البقاء ليس ساذجًا أو ليس محض القوة والعداوة كما يتوهم القارئ. وشرعت أبصر أن التعاون في الطبيعة أكبر أثرًا من التنازع، بل لا يكاد يكون هناك تنازع في عالم الحيوان بالمعنى البشري الذي نفهمه من هذه الكلمة، فالأسد لا يقتل الأسد، والخروف لا يقتل الخروف، وقد يكون هناك صراع دموي بشأن الأنثى، ولكنه لا ينتهي بالموت في كل حال. ثم هو صراع قصير الأجل. أما الإنسان فيقتل الإنسان بالملايين، لا بمحض طبيعته ولكن باتجاه حضارته، أو بما نشأ عليه من عواطف اجتماعية، ونحن نخطئ خطأ كبيرًا حين ننقل هذا المعنى المتوحش لتنازع البقاء من مجتمعنا إلى الحيوان في الغابة؛ لأن الطبيعة ليست كما قال «هكسلي» أو غيره وهو متأثر بداروين: «حمراء بين الناب والمخلب.»

وهذا الفهم الجديد للتطور يحملنا على الإكبار من شأن الوسط البشري وضرورة ترقيته حضاريًّا وثقافيًّا؛ لأن العادات التي يتعودها الإنسان بكفاحه لمصاعب الوسط سوف تنتقل كما لو كانت غرائز إلى الأجيال القادمة. وليس ما نسميه غرائز طبيعية سوى عادات تبلورت بتعاقب الأجيال.

والدلالة الأخلاقية لهذا النظر الجديد هي أننا إذا تركنا الناس أو بعض الفئات تعيش في عادات سيئة، فإننا سوف نرى السوء لا يقتصر على الجيل القائم، بل ينتقل إلى الأجيال القادمة بالوراثة، والوراثة في جمودها الذي اعتقده فيسمان تشبه القدر؛ لأننا نعجز عن تغييرها، والإيمان بها يدعو إلى التشاؤم وإلى اليأس من إصلاح الطبيعة البشرية بغير الوسائل الإنتاجية التي لا تتفق دوامًا وما نفهمه من العدالة والإنسانية. وقد كانت الوراثة هي المركب السيكلوجي السيئ الذي ختم على عقل «لومبروزو» وجعله يقول إن إصلاح المجرم غير ممكن؛ لأنه يرث النزعة الإجرامية. وإني عندما أقلِّب صفحات ذاكرتي أجد مركبات ذهنية كبيرة انتفعت بها، ولكن المركبات التي نشأت في ذهني من الإيمان بالوراثة قد أفسدت تفكيري نحو أربعين سنة، بل أفسدت أخلاقي وجعلتني أتشاءم كثيرًا. أما إيماني بالوسط فقد أعاد إليَّ اتزاني الذهني والأخلاقي، وملأني تفاؤلًا بمستقبل البشر. هذه هي قصة الكتاب الذي أفسد ذهني، ولكن المناخ الذهني في بداية هذا القرن كان يهيئ للإيمان بالوراثة ويؤيدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤