الفصل التاسع

فيلياس فوج يُنْفِقُ مَبَالِغَ طَائِلَةً

وَصَلَ الْقِطَارُ إِلَى الْمَحَطَّةِ فِي كلكتا، وَنَزَلَ الْمُسَافِرُونَ مِنْ عَلَى مَتْنِهِ، وَأَرَادَ فيلياس التَّوَجُّهَ مُبَاشَرَةً إِلَى الْبَاخِرَةِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى هونج كونج حَتَّى يَصْعَدَ عَلَى مَتْنِهَا وَهُوَ لَا يَزَالُ لَدَيْهِ مُتَّسَعٌ مِنَ الْوَقْتِ، وَكَانَ لَدَيْهِمْ بِضْعُ سَاعَاتٍ حَتَّى تَحِينَ لَحْظَةُ مُغَادَرَةِ السَّفِينَةِ. وَأَرَادَ فيلياس أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ عودا عَلَى مَا يُرَامُ وَلَدَيْهَا كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ وَبِالطَّبْعِ كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ باسبارتو سَيَقُومُ بِبَعْضِ الْمَهَامِّ.

وَبِمُجَرَّدِ أَنْ سَاعَدَ فيلياس عودا عَلَى النُّزُولِ مِنَ الْقِطَارِ، أَوْقَفَهُ شُرْطِيٌّ وَسَأَلَهُ: «هَلْ أَنْتَ السَّيِّدُ فيلياس فوج؟»

أَجَابَ فيلياس: «نَعَمْ.»

ثُمَّ أَشَارَ الشُّرْطِيُّ إِلَى باسبارتو: «هَلْ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَادِمُكَ؟»

– «نَعَمْ.»

– «إِذَنْ، عَلَيْكُمَا أَنْتُمَا الِاثْنَيْنِ الْقُدُومُ مَعِي.»

تَوَجَّهَ الشُّرْطِيُّ إِلَى عَرَبَةٍ وَفَتَحَ الْبَابَ لَهُمَا، فَقَالَ فيلياس لعودا أَنْ تَأْتِيَ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَظَلَّ بِمُفْرَدِهَا.

بَعْدَ رِحْلَةٍ صَامِتَةٍ اسْتَمَرَّتْ عِشْرِينَ دَقِيقَةً، وَصَلُوا إِلَى مَنْزِلٍ صَغِيرٍ، وَفَتَحَ الشُّرْطِيُّ بَابَ الْعَرَبَةِ، وَقَالَ لَهُمْ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْهَا: «اتْبَعُونِي.»

وَقَادَ الثَّلَاثَةَ إِلَى غُرْفَةٍ صَغِيرَةٍ بِهَا قُضْبَانٌ عَلَى النَّافِذَةِ، وَقَالَ: «سَوْفَ تَمْثُلُونَ أَمَامَ الْقَاضِي عباديا فِي تَمَامِ الثَّامِنَةِ وَالنِّصْفِ.»

تَعَجَّبَ فيلياس: «أنَحْنُ سُجَنَاءُ؟ مَا هَذَا الْهُرَاءُ! هُنَاكَ خَطَأٌ مَا.» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عودا وباسبارتو قَائِلًا: «لَا تَقْلَقَا، فَسَنَكُونُ عَلَى مَتْنِ الْبَاخِرَةِ بِحُلُولِ الْمَسَاءِ.»

وَبَعْدَ قَلِيلٍ، فُتِحَ الْبَابُ وَعَادَ الشُّرْطِيُّ وَاصْطَحَبَهُمْ إِلَى قَاعَةِ الْمَحْكَمَةِ.

دَخَلَ الْقَاضِي عباديا — وَهُوَ رَجُلٌ ضَخْمٌ مُمْتَلِئُ الْجِسْمِ — إِلَى الْقَاعَةِ.

وَنَادَى الْقَاضِي: «الْقَضِيَّةُ الْأُولَى!»

فَصَاحَ حَاجِبُ الْمَحْكَمَةِ: «فيلياس فوج!»

فَقَالَ فيلياس: «حَاضِرٌ.»

دَخَلَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ إِلَى قَاعَةِ الْمَحْكَمَةِ، فِي الْبِدَايَةِ اعْتَقَدَ فيلياس وَباسبارتو أَنَّهُمْ مِنْ أَفْرَادِ الْعِصَابَةِ وَيُحَاوِلُونَ اسْتِعَادَةَ عودا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَكِنْ مَا لَبِثَ أَحَدُهُمْ أَنْ قَدَّمَ حِذَاءَ باسبارتو!

قَالَ الْقَاضِي: «يَا سَيِّدُ باسبارتو، أَنْتَ مُتَّهَمٌ بِالدُّخُولِ غَيْرِ الْقَانُونِيِّ إِلَى مَعْبَدٍ، وَهَذَا الْحِذَاءُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِكَ هُنَاكَ.»

صَاحَ باسبارتو: «حِذَائِي!»

– «إِذَنْ، أَنْتَ تَعْتَرِفُ بِأَنَّكَ كُنْتَ هُنَاكَ؟»

أَوْمَأَ باسبارتو بِرَأْسِهِ بِبُطْءٍ.

– «حَسَنًا، سَتَدْفَعُ غَرَامَةً قَدْرُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ جُنَيْهًا وَسَتَقْضِي أُسْبُوعًا فِي الْحَجْزِ.»

قَالَ فيلياس: «سَوْفَ أَدْفَعُ كَفَالَتَهُ حَتَّى لَا يَدْخُلَ السِّجْنَ، مَا قَدْرُهَا؟»

نَظَرَ الْقَاضِي إِلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّهَا بَاهِظَةٌ لِلْغَايَةِ يَا سَيِّدِي؛ أَلْفَا جُنَيْهٍ.»

أَخَذَ فيلياس لُفَافَةً مِنَ الْأَمْوَالِ مِنْ حَقِيبَتِهِ الْقُمَاشِيَّةِ وَدَفَعَ الْكَفَالَةَ.

كَانَ الْمُحَقِّقُ فيكس يَقِفُ فِي نِهَايَةِ الْقَاعَةِ وَيُشَاهِدُ مَا يَحْدُثُ، وَكَانَ قَدْ ظَنَّ أَنَّهُ وَجَدَ وَسِيلَةً مُؤَكَّدَةً لِإِبْقَاءِ فيلياس فِي الْهِنْدِ حَتَّى يَحْصُلَ عَلَى أَمْرٍ رَسْمِيٍّ بِإِلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَلَكِنِ الْآنَ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ باسبارتو بِكَفَالَةٍ، يَبْدُو أَنَّ فيلياس سَيُفْلِتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مُجَدَّدًا! وَلَمْ يَكُنْ يَتَخَيَّلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ اللِّصَّ سَيَكُونُ بِهَذَا السَّخَاءِ.

قَالَ الْقَاضِي: «حَسَنًا، هَذِهِ الْأَمْوَالُ سَتَعُودُ إِلَيْكَ عِنْدَمَا يُكْمِلُ باسبارتو فَتْرَةَ الْعُقُوبَةِ فِي السِّجْنِ، وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَعُدْ فَسَنُصَادِرُ الْأَمْوَالَ.»

أَوْمَأَ فيلياس وَقَالَ: «حَسَنًا يَا سَيِّدِي»، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عودا وَباسبارتو وَقَالَ: «لِنَذْهَبْ!» اخْتَطَفَ باسبارتو حِذَاءَهُ وَهُوَ خَارِجٌ: «يَجِبُ أَنْ نَتَّجِهَ إِلَى رَصِيفِ الْمِينَاءِ فِي الْحَالِ!»

وَفِي أَسًى، اتَّبَعَ باسبارتو سَيِّدَهُ، فَلَمْ يَكُنْ سَعِيدًا أَنَّ رَئِيسَهُ قَدْ أَنْفَقَ كُلَّ هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِسَبَبِ خَطَأٍ اقْتَرَفَهُ هُوَ، وَلَمَحَ فيكس يَقِفُ فِي الزَّاوِيَةِ وَيَبْدُو عَلَيْهِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ، وَلِوَهْلَةٍ تَعَجَّبَ باسبارتو عَمَّا يَفْعَلُهُ هُنَاكَ، لَكِنَّهُ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَمْ يُعْطِ لِلْأَمْرِ اهْتِمَامًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤