مغامرة العِصابة المنقَّطة

همس هولمز، وهو يقف بجواري: «آسف لإيقاظك يا واطسون. لكن لدينا زائر، هناك سيدة شابة في غرفة الجلوس ترغب في رؤيتنا. وأنا موقن أن الأمر هام لمجيئها في هذا الوقت. هل تود الانضمام إليَّ؟»

أجبته بنعاس: «عزيزي هولمز، لا يمكنني أن أفوت هذه الفرصة لأي سبب.»

كنت أمكث مع هولمز في تلك الليلة، نظرًا لوجود زوجتي خارج المدينة. وقد كنت أستمتع دائمًا بمساعدة زميلي فيما يجريه من تحقيقات. كانت مشاهدته وهو يجمع الأدلة، ويستخدمها في حل الجرائم أمرًا مذهلًا. ارتديت ملابسي سريعًا ولحقت به في غرفة الجلوس. رأينا امرأة ترتدي حجابًا أسود تغطي به وجهها.

بدأ رفيقي الحديث قائلًا: «صباح الخير يا سيدتي. اسمي شيرلوك هولمز، وهذا دكتور واطسون، صديقي وشريكي. كيف يمكننا مساعدتك؟»

رفعت المرأة الحجاب من على وجهها، وتمكننا من ملاحظة شحوبها وانزعاجها. بدأت الحديث قائلةً: «إنني خائفة للغاية يا سيد هولمز.»

قال هولمز محاولًا طمأنتها: «سنبذل أقصى جهدنا لمساعدتك. ألاحظ أنك قد سافرت إلى لندن بالقطار هذا الصباح، وأنك قد وصلت إلى محطة القطار في عربة تجرها الخيول.»

سألت ونظرة الدهشة ترتسم على وجهها: «كيف عرفت ذلك؟»

أوضح هولمز: «تظهر تذكرة العودة من ثنية قفازك، كما أن الكُم الأيسر لمعطفك ملطخ بقطرات وحل حديثة، وما كان ليتلطخ بها سوى عن طريق الجلوس بالجانب الأيسر لعربة مفتوحة.»

فردت: «أنت محق. لقد سافرت كل هذه المسافة لأنني سأجن يا سيد هولمز. ليس لدي من ألجأ إليه، يجب أن تساعدني.»

استرخى هولمز على كرسيه، وأغلق عينيه، وأنصت: «رجاءً يا سيدتي، أخبرينا بمشكلتك.»

– «أُدعى هيلين ستونر، وأعيش مع زوج والدتي، دكتور جريمسبي رويلوت. وهو آخر أفراد إحدى الأسر العريقة، التي كانت تتمتع بالثراء في الماضي. لكن مع مرور السنوات، فقد آل رويلوت ثروتهم، وكل ما تبقى هو منزل العائلة: ستوك موران.

كان زوج والدتي يعيش في الهند منذ سنوات، وكان طبيبًا ناجحًا هناك. وهناك التقى بوالدتي، وتزوجها. لم أكن قد تجاوزت حينها أنا وأختي التوءم، جوليا، الثانية من العمر.»

تابعت قائلةً: «بدأت مشكلات زوج والدتي في الهند. ففي نوبة غضب، تورط في عِراك، وقتل أحد الأشخاص، وقضى سنوات طوال في السجن. وعند إطلاق سراحه، انتقلنا إلى إنجلترا، حيث عاد لمزاولة مهنة الطب، لكنه صار شخصًا مختلفًا عندئذ.

بعد عودتنا بفترة قصيرة، توفيت والدتي، تاركةً كل أموالها لزوجها، على أن أحصل أنا وأختي على بعض منها، لكن عندما نتزوج. وبرحيل والدتي تركنا لندن وانتقلنا للعيش في قصر ستوك موران.»

ازداد انزعاج الآنسة ستونر وهي تستكمل قصتها. فقالت: «أصبح زوج والدتي أكثر اضطرابًا بعد ذلك. وازداد حدة في طباعه، وأُلقي القبض عليه لاحقًا بتهمة الشجار. أصبح الناس يخافونه، واقتصر أصدقاؤه على مجموعة من المسافرين الفقراء الذين كانوا يجوبون الريف، ويزورون في بعض الأحيان ستوك موران. وكان يسمح لهم في كثير من الأحيان بالتخييم في الغابة القريبة من المنزل.

أخذ سلوكه يزداد غرابة كل يوم. كان يحب الحيوانات البرية، فجلب معه من الهند فهدًا وقرد بابون، وتركهما يركضان بجموح في الغابة المحيطة بمنزلنا.

صرت أنا وأختي جوليا تعيستين. ولم يعد هناك خدم يرغبون في البقاء معنا، فتوليت أنا وهي الاهتمام بهذا المنزل الكبير بأنفسنا. كان الأمر عسيرًا علينا للغاية، وكانت جوليا في الثلاثين من عمرها عندما توفيت، لكنها بدت أكبر من ذلك بكثير.»

سأل هولمز: «هل توفيت أختك؟»

أجابت زائرتنا: «نعم، لقد توفيت منذ عامين. ووفاتها هذه هي الأمر الذي أود الحديث معك بشأنه. قبل هذا الحادث المؤسف مباشرةً، عُقدت خطبة جوليا، ولم يعارض زوج والدتي. لكن قبل الزواج مباشرةً، حدث شيء مريع.»

عندما سمع هولمز ذلك، فتح عينيه، ونظر إلى زائرتنا، وقال: «لا تتجاهلي أي تفاصيل.»

تابعت الآنسة ستونر حديثها: «عشت أنا، وزوج والدتي، وأختي في جزء واحد فقط من هذا المنزل القديم. وكانت غرفة جوليا تقع بين غرفتي وغرفة زوج والدتي في الطابق الرئيسي. ليست هناك أبواب تصل بين الغرف مباشرة، لكنها تشترك جميعًا في الرواق ذاته. ونوافذ الغرف تطل على الفناء.

في تلك الليلة منذ عامين، كان ثلاثتنا في غرفنا. وكنت لا أزال مستيقظة عندما أتت أختي إلى غرفتي. قالت إنها تشم دخان سجائر زوج والدتي، الأمر الذي كان يزعجها. فجلسنا، وتحدثنا عن زفافها حتى الساعة الحادية عشرة تقريبًا. وحينئذٍ نهضت لتعود إلى غرفتها.

وعندما كانت جوليا تهم بالرحيل، سألتني عما إذا كنت قد سمعت صوت صفير أثناء الليل. وأخبرتني أنها سمعت صوتًا كهذا على مدار الليالي القليلة الماضية، لكنها لم تعلم من أين أتت هذه الضوضاء.

قلت لها ربما يكون المصدر هو المسافرين الذين كانوا يخيمون بالقرب من المنزل. وقد كان نومي أعمق من نومها، الأمر الذي يفسر عدم سماعي لأي شيء. وبعد ذلك ألقت كلٌّ منا على الأخرى تحية المساء، وعادت أختي إلى غرفتها وسمعتها وهي تغلق الباب بالقفل.»

سأل هولمز: «هل اعتدتما إغلاق بابيكما بالقفل؟»

أجابت آنسة ستونر: «نعم، كنا خائفتين من حيوانات زوج والدتنا البرية.»

قال هولمز: «تابعي.»

فتابعت حديثها: «حسنًا، لم أتمكن من النوم في تلك الليلة، وظللت مستيقظة في السرير لساعات، وفجأة سمعت جوليا تصرخ، فقفزت من على سريري وركضت إلى الرواق. في تلك اللحظة، سمعت صوت صفير منخفضًا، تبعه صوت رنين عالٍ.

وفي الرواق، شاهدت باب غرفة نوم جوليا وهو ينفتح، وأختي الحبيبة تخطو خارج غرفتها ببطء. رأيت الرعب في عينيها. بالكاد تمكنت من الوقوف، وأخذت تتحرك وكأنها متألمة. جريت نحوها وهي تقع على الأرض. وعندما كنت أحملها بين ذراعي، صاحت قائلةً: «هيلين! إنها العِصابة! العِصابة المنقَّطة!» مدت إحدى يديها، وأشارت إلى غرفة زوج والدتنا. ناديت عليه، وظهر سريعًا، لكن لم يكن هناك ما يمكننا فعله. وفي تلك الليلة، ماتت جوليا.»

سأل هولمز: «وهل أنت متأكدة من سماعك للصفير وصوت الرنين المعدني؟»

أجابت الآنسة ستونر: «أعتقد ذلك.»

سأل هولمز: «بالتأكيد فحص أحد الأطباء جثمان أختك، فإلام توصل؟»

– «كان على علم بحدة طباع زوج والدتنا يا سيد هولمز، وكان حذرًا للغاية، لكنه لم يتوصل إلى ما قتل جوليا. لا يزال الأمر لغزًا. فنحن نعلم أن جوليا قد أغلقت النوافذ وباب غرفة النوم بالأقفال، وفتشنا الغرف بعناية، لكن لم نتمكن من العثور على أي مداخل خفية. من المؤكد أن أختي كانت وحدها عندما لقيت حتفها. هذا إلى جانب عدم وجود أي علامات على جسمها.»

سأل هولمز: «ماذا عن إمكانية استخدام سُم ما؟»

أجابت: «لم يجد الطبيب أثرًا له، وأعتقد أن أختي عندما ذكرت كلمة «عِصابة»، كانت تعني «عِصابة» من الناس، كعِصابة المسافرين.

كان ذلك منذ عامين، وقد جئت لمقابلتك يا سيد هولمز، لأن خطبتي قد عُقدت منذ شهر. ولم يعارض زوج والدتي هذه المرة أيضًا، ومن المقرر أن أتزوج هذا الربيع.»

تابعت الحديث، وقد ارتسمت على وجهها نظرة خوف: «لكن منذ يومين، بدأ إجراء إصلاحات ببعض جدران المنزل. ونظرًا لهذه الإصلاحات، كان لزامًا عليَّ الانتقال إلى غرفة نوم أختي. وكما يمكن أن تتخيل لم أشعر بالراحة. وليلة أمس، بينما كنت مستلقية على السرير، سمعت صوتًا مفاجئًا، كان صوت صفير منخفضًا! قفزت من على السرير، وأضأت مصباحًا. لم أر أي شيء، لكنني كنت خائفة حتى إنني ارتديت ملابسي، ولم أجرؤ على العودة إلى السرير. وفي الصباح غادرت المنزل، وأتيت إلى لندن لألتمس مساعدتك.»

قال صديقي: «أحسنت صنعًا! لكنك يا آنسة ستونر، لم تخبريني بكل شيء عن زوج والدتك.»

سألت: «ماذا تعني؟»

أمسك هولمز بيد الفتاة بين يديه، ورفع معصمها. كانت هناك علامات على بشرتها وكأن يدًا شديدة القوة قد أمسكت بها. خفضت زائرتنا رأسها، وقالت: «إنه رجل مضطرب يا سيد هولمز.»

صمت صديقي، وحدق في النار التي كانت تدفأ الغرفة، وأخيرًا قال: «ليس أمامنا وقت لنضيعه. إذا أتينا إلى منزلك — يا آنسة ستونر — اليوم، فهل سيمكننا تفقد الغرف دون أن يعلم زوج والدتك بالأمر؟»

فأجابت: «نعم، فهو يزور لندن اليوم، ولن يكون في المنزل.»

– «حسنًا، سأستقل إذن أنا وواطسون القطار، ونلقاك هناك بعد ظهر اليوم.»

قالت: «شكرًا لك يا سيد هولمز. لقد بدأت أشعر بتحسن بالفعل. والآن، إذا كان ذلك كل ما في الأمر، فسوف أراك بعد ظهر اليوم.» أسدلت زائرتنا الحجاب على وجهها، ورحلت.

قلت لهولمز: «هذه قضية غريبة وخطيرة يا هولمز. فمن واقع كل ما سمعناه، من المؤكد أن أخت الآنسة ستونر كانت بمفردها عندما قُتلت. لكن ما صوت الصفير؟ وما معنى الكلمات الأخيرة للمتوفاة؟»

بدأ رفيقي حديثه قائلًا: «يبدو لي أن الأمر يتعلق بعِصابة المسافرين. كما أنه من الواضح أن دكتور رويلوت سيخسر أموالًا إذا تزوجت ابنتا زوجته، لذا فهو لا يرغب في ذلك. أما عن الرنين المعدني، فربما يكون سببه المزلاج عند فتح النافذة.»

قلت له: «لكن إذا كان الأمر كذلك، فكيف إذن قتل المسافرون الآنسة ستونر؟ لا يبدو الأمر منطقيًّا ليَّ.»

– «أتفق معك يا واطسون، ولذلك يجب علينا زيارة ستوك موران اليوم.»

وفي تلك اللحظة، فُتح الباب فجأة، واندفع رجل ضخم إلى داخل الغرفة. نظر إليَّ وإلى هولمز، وغضب شديد يرتسم على وجهه.

صاح قائلًا: «أيكما هولمز؟»

أجاب هولمز بهدوء: «أنا هولمز، من أنت؟»

صاح الرجل: «أنا دكتور جريمسبي رويلوت. لقد علمت أن ابنة زوجتي كانت هنا، وأنا أعلم أنك يا سيد شيرلوك هولمز شخص مثير للمتاعب. ماذا قالت لكما؟»

ضحك هولمز، وقال: «رجاءً، أغلق الباب وأنت تخرج من هنا يا دكتور رويلوت؛ فالطقس بارد بالخارج.»

«سأغادر عندما انتهي من أمرك. أنا رجل قوي يا سيد هولمز. من الأفضل ألا تتدخل في شئون الغير، وإلا …!» وأمسك رويلوت بقضيب تذكية النار المعدني من المدفأة، وحمله بين يديه، وثناه وكأنه من المطاط. وألقى بهذه القطعة المعدنية في المدفأة، ورمقنا بنظرة أخيرة، ثم اندفع مغادرًا المكان.

بدأ هولمز الحديث قائلًا: «حسنًا يا واطسون. لقد ازداد التحقيق إثارة. كل ما أتمناه ألا تعني زيارة الدكتور لنا مزيدًا من الخطر للآنسة ستونر. أعتقد أننا يجب أن نتوجه إلى ستوك موران على الفور. لنذهب إلى محطة القطار. وأعتقد يا واطسون، أنه من الأفضل أن تحضر سلاحك؛ فلا أود أن يفعل دكتور رويلوت بنا ما فعله بالقضيب المعدني.»

استقللت أنا وهولمز القطار من لندن إلى مدينة ليزيرهيد. ومن هناك ركبنا عربة تجرها الخيول. لكن قبل وصولنا إلى ستوك موران، رأينا الآنسة ستونر تسير عبر أحد الحقول متجهة إلى الطريق. لقد جاءت من منزلها المحفوف بالمخاطر للقائنا.

قالت لنا بعد أن رحلت العربة: «أنا سعيدة للغاية لوجودكما هنا. لا يزال دكتور رويلوت في المدينة، ولن يعود إلا بعد فترة.»

قال هولمز: «لقد سعدنا بمقابلة زوج والدتك! لقد جاء لزيارتنا بعد أن غادرت.»

صاحت خائفة: «هل تعني أنه كان يتبعني؟»

أجاب هولمز: «نعم، يجب علينا توخي الحذر الشديد، كما يجب أن نفحص الغرف فلا تزال لدينا الفرصة لذلك.»

كان ستوك موران قصرًا قديمًا رمادي اللون مشيدًا من الحجارة. بدا أحد جانبي المنزل فارغًا، وكانت النوافذ الموجودة بذلك الجانب مكسورة ومغطاة بالألواح الخشبية. أما الجانب الآخر، فيبدو أنه كان يُعتنى به. ويشير الدخان المتصاعد من المداخن إلى أن الأسرة كانت تعيش في هذا الجزء من المنزل.

قال هولمز، وهو يشير إلى ثلاث نوافذ: «أرى أن هذه هي نوافذ غرف النوم: غرفة الدكتور، ثم غرفة أختك، ثم غرفتك، أليس كذلك؟»

أجابت آنسة ستونر: «بلى، ويمكنك أن ترى أين كان يعمل العمال. لكنني لا أعتقد يا سيد هولمز أن هذه الأعمال كانت ضرورية. أظن أنها كانت وسيلة لجعلي أنام في غرفة نوم أختي.»

قال رفيقي: «هذا أمر مثير للغاية. رجاءً يا آنسة ستونر، ادخلي غرفة نوم أختك، وسأظل أنا وواطسون هنا بالخارج، وتأكدي من قفل النافذة.»

دخلت الفتاة، وأخرج هولمز سكينًا من جيبه، وحاول فتح النافذة من الخارج. وعندما لم يستطع، استخدم عدسته المكبرة لفحص مفصلات النافذة وإطارها. وأخيرًا قال: «لا، لا يمكن لأحد الدخول عبر هذه النوافذ. لنستكمل يا واطسون بحثنا عن أدلة بالداخل.»

انضممنا إلى الآنسة ستونر في غرفة أختها. جلس هولمز على أحد الكراسي، ودرس بعناية كل شيء حوله. كان هناك حبل معلق من السقف، ويصل إلى السرير. كان كالحبال التي تُستخدم لرن جرس ما، إشارة لاستدعاء الخدم. وكان طويلًا حتى إن طرفه وصل إلى الوسادة.

سأل هولمز: «أين الجرس الذي يُرن باستخدام هذا الحبل؟»

أجابت آنسة ستونر: «في غرفة مدبرة المنزل.»

أبدى هولمز ملاحظة قائلًا: «يبدو جديدًا، هل طلبته أختك؟»

– «لم يمض على وجوده سوى عامين، لكن لا، لم تطلبه أختي.»

قال هولمز: «أتساءل لم قد يحتاج المرء إلى حبل جرس كهذا هنا؟» ونهض من على الكرسي، وأخرج عدسته المكبرة مرة أخرى، وجثا على ركبتيه ويديه. وأخذ يزحف جيئة وذهابًا على الأرضية بحثًا عن أدلة، ثم فحص الجدران بالطريقة ذاتها.

سار هولمز إلى السرير، وفحص حبل الجرس. وأخيرًا، أمسك به وسحبه، وقال: «لماذا لا يعمل؟ إنه معلق بخطاف في السقف، ولا يرن أي جرس على الإطلاق، هذا مثير للغاية. كما أن فتحة التهوية الموجودة في السقف غريبة.» وأشار إلى فتحة صغيرة بجوار المكان الذي يتصل فيه حبل الجرس بالسقف، ثم سأل: «هل كانت فتحة التهوية موجودة هنا من قبل يا آنسة ستونر؟»

فأجابت: «كلا، لقد وُضعت في الوقت نفسه تقريبًا الذي وُضع فيه حبل الجرس.»

تفقدنا بعد ذلك غرفة نوم دكتور رويلوت. وفحص هولمز بعناية السرير، ورفًّا للكتب، وكرسيًّا بمسندين موجودًا بجانب السرير، وطاولة، وخزانة معدنية كبيرة. ولاحظ وجود طبق به لبن على الخزانة.

سأل هولمز: «هل لدى دكتور رويلوت قطة؟»

أجابت آنسة ستونر: «كلا.»

انحنى صديقي بعد ذلك وفحص الكرسي الخشبي، وقال أثناء نهوضه: «نعم، هكذا الأمر إذن. لكن انتظرا، ما هذا؟» وأشار إلى حبل معقود على أحد أعمدة السرير. «يا له من عالم لعين يا واطسون! خاصةً عندما يتحول رجل زكي إلى مجرم. لقد رأيت ما يكفي يا آنسة ستونر. لنترك هذه الغرف.»

وما إن خرجنا حتى استدار هولمز إلى الفتاة، وقال لها: «من المهم للغاية أن تفعلي كل ما أخبرك به، فقد تتوقف حياتك على ذلك. عندما يعود دكتور رويلوت، يجب أن تبقي في غرفة أختك. وعندما تسمعين الليلة ما يدل على وجود زوج والدتك في غرفة نومه، عليكِ أن تفتحي نافذتك، وضعي مصباحًا في مكان يمكن رؤيته من الخارج، ثم غادري الغرفة بهدوء، وعودي إلى غرفتك. وتأكدي من إغلاق الباب بالقفل.

سنراقبك أنا وواطسون، وعندما نرى المصباح، سندخل غرفة نوم أختك من النافذة، ونقضي الليلة هناك.»

قالت آنسة ستونر: «أعتقد يا سيد هولمز أنك تعلم من قتل أختي. عليك أن تخبرني! هل ماتت من الخوف؟»

أجاب هولمز: «لا، لا أعتقد ذلك. لكن حتى أتأكد من الأمر، هذا كل ما يمكنني إخبارك به. أنا آسف. والآن يجب أن نرحل أنا وواطسون قبل أن يعود زوج والدتك. لتفعلي ما أخبرتك به، وسيكون كل شيء على ما يرام.»

رحلت أنا ورفيقي تاركين الآنسة ستونر في قصر ستوك موران. كان هناك نُزل قريب من المنزل تمكننا من حجز غرفة فيه. وكان بإمكاننا مد نظرنا من هناك عبر أحد الحقول لنرى نوافذ غرف النوم. انتظرنا أن يخيم الظلام.

قال هولمز، ونحن جالسان نراقب المنزل: «يجب أن أحذرك يا واطسون، من أننا قد نتعرض للخطر الليلة.»

سألته: «خطر؟ لكن كيف؟ لم أر أي شيء ظهر اليوم ينذر بأي خطر. لقد لاحظتَ بالتأكيد ما لم ألاحظه في هذه الغرف.»

رد هولمز: «كلا، لقد رأينا الأشياء نفسها، لكنني توصلت إلى ما تعنيه هذه الأشياء. أولًا، توجد فتحة تهوية، وهو ما توقعت وجوده. فقد قالت الآنسة ستونر إن أختها كانت تشم دخان سجائر زوج والدتها ليلة وفاتها. ومن هنا توصلت إلى وجود فتحة تصل بين الغرفتين. وهناك أيضًا حبل الجرس الذي لا يرن أي جرس، بالإضافة إلى الحقيقة المثيرة للانتباه، وهي أن فتحة التهوية وحبل الجرس قد وُضعا في الغرفة في الوقت نفسه.

الأمر الذي ربما لم تلاحظه هو سمة غريبة للسرير؛ فهو مثبت بالأرضية، مما يعني أنه لا يمكن تحريك السرير بعيدًا عن حبل الجرس وفتحة التهوية. نعم يا واطسون، نحن نتعامل مع مجرم مخيف. وقد نقضي ليلة مرعبة.»

أخذنا نراقب المنزل المظلم البعيد ساعات. وأخيرًا ظهر ضوء في إحدى النوافذ، وكان إشارتنا. تركنا النُزل وسرنا عبر الحقول. وفجأة، بينما كنا نعبر المرج، اندفع جسم داكن من بين الشجيرات، وطارت قدما هذا الكائن وذراعاه بعنف وهو يهرب في الظلام.

قلت مرتاعًا: «يا إلهي! ما هذا؟»

ضحك هولمز بهدوء، وقال: «هذه قضية غريبة بلا شك يا واطسون. كان ذلك قرد البابون الخاص بالدكتور. والآن لنتسلل سريعًا من نافذة غرفة النوم قبل أن نرى الفهد أيضًا.»

زحفنا إلى الداخل عبر النافذة المفتوحة، وأغلقناها بعد ذلك. وما إن دخلنا حتى همس إلي هولمز: «لا تصدر أي صوت يا واطسون. سأجلس على السرير، ولتجلس أنت على هذا الكرسي. وليكن السلاح في متناول يدك.» كان هولمز قد أحضر عصا معه، فوضعها على السرير. قال هولمز: «يجب أن نجلس في الظلام، فنحن لا نرغب في أن يرى دكتور رويلوت أي شيء.» وأطفأ المصباح ليسود الظلام المكان تمامًا.

مرت الساعات ونحن ننتظر في صمت. دوَّى صوت جرس كنيسة من بعيد، وسمعنا كذلك صوت طائر، ثم صوتًا ما كان ليصدر إلا من قط بري كبير. لقد كان الفهد يسير بجوار نافذة غرفة النوم.

بعد فترة انتظار طويلة، لمحت بصيص ضوء ضعيف من فتحة التهوية الموجودة فوق السرير. اختفى الضوء سريعًا، وتبعته رائحة زيت محترق. أضاء شخص ما مصباحًا في الغرفة المجاورة، ثم صدر صوت حركة تبعه صمت.

مرت نصف ساعة قبل أن أسمع أي شيء آخر. كان الصوت هذه المرة صوت فحيح منخفضًا، مثل البخار الصادر عن قدر به سائل يغلي. هب هولمز فجأة من السرير، وأشعل عود ثقاب، وأمسك بعصاه، ولوح بها تجاه حبل الجرس. في الوقت نفسه سمعت صوت صفير منخفضًا.

صاح هولمز: «هل رأيته يا واطسون؟ هل رأيته؟»

كان رفيقي ينظر إلى أعلى تجاه فتحة التهوية. في تلك اللحظة هزت صرخة مدوية أرجاء ستوك موران. كانت صرخة ألم وخوف تحولت بعد ذلك إلى صيحة غضب. وبينما كنا نحدق أنا وهولمز أحدنا في الآخر، أخذت الصيحة تتلاشى حتى ساد الهدوء.

ركضنا في الرواق وصولًا إلى غرفة نوم دكتور رويلوت. طرق هولمز الباب بشدة، لكن لم يُجب أحد، ففتحنا الباب ودخلنا. كانت الغرفة مضاءة بمصباح، ولاحظنا أن الخزانة مفتوحة. كان دكتور جريمسبي جالسًا على الكرسي الخشبي الذي سبق أن فحصه هولمز ذلك اليوم، وكان يرتدي رداء النوم وخُفين، ويوجد حبل ملفوف فوق حِجره.

لم يحرك الدكتور ساكنًا، وكان رأسه متجهًا ناحية السقف، وعيناه محدقتان بأعلى. وكانت هناك عِصابة صفراء غريبة ملفوفة حول رأسه بإحكام. وكانت تغطيها نقط بنية اللون.

همس هولمز قائلًا: «العِصابة! عِصابة العين المنقطة!»

عندما تقدمت خطوة للأمام، بدأت العِصابة في التحرك، ثم خرج رأس ثعبان وعنقه المنتفخ من بين شعر الدكتور.

صاح هولمز: «إنها أفعى المستنقعات! أكثر الأفاعي فتكًا في الهند. لقد نال الدكتور جزاءه بالسلاح نفسه الذي كان يرتكب به جرائمه؛ فمات ملدوغًا.» أخذ هولمز الحبل ولفه حول عنق الأفعى، فأخافها ونقلها بحرص إلى داخل الخزانة. «ليس هناك ما يمكننا فعله له، لكننا يجب أن نُبعد الآنسة ستونر عن هذا المكان، ونتصل بالشرطة.»

في اليوم التالي، وأثناء عودتنا إلى لندن بالقطار، أوضح لي هولمز حقائق القضية، فقال: «في البداية يا واطسون، لم أكن أسير في الطريق الصحيح. كنت أعلم أن أخت الآنسة ستونر قد استخدمت كلمة: «عِصابة»، وعلمت كذلك بأمر المسافرين الذين يخيمون بالجوار، فظننت أن حل اللغز يكمن في عِصابة المسافرين.

لكن عندما فتشنا الغرف، أدركت أنه لم يدخل أحد إلى الغرفة المغلقة. كما لاحظت أيضًا حبل الجرس، وفتحة التهوية، والسرير الذي لا يمكن تحريكه. وأصبح من الواضح أن الحبل كان وسيلة لإيصال السرير بفتحة التهوية. وعلى الفور، فكرت في وجود أفعى في الأمر. فإذا كان دكتور رويلوت لديه فهد وقرد بابون، فيسهل عليه اقتناء أفعى. ونظرًا لممارسته الطب في الهند، فهو يعلم أيضًا أن سم هذه الأفعى لا يمكن اكتشافه، وأن لدغتها ليس لها أثر مرئي.»

تابع هولمز موضحًا: «عندما عُقدت خطبة ابنة زوجته جوليا، لم يرغب في أن تحصل على المال. لذلك وضع حبل الجرس في غرفتها، وزودها بفتحة التهوية. وبعدما وضع الاثنين في الغرفة، انتظر حتى نامت ابنة زوجته. ومن خلال النظر إلى الكرسي الموجود في غرفته، توصلت إلى أنه قد وقف عليه للوصول إلى فتحة التهوية. وتمثلت خطته في أن يضع الأفعى في فتحة التهوية بحيث يزحف هذا المخلوق الفتاك عبر الفتحة، وينزل على الحبل ليصل إلى سرير الضحية.

في بادئ الأمر لم تهاجم الأفعى جوليا ستونر، لكن الدكتور دربها على العودة عند سماع صوت صفير. وهذا هو الصوت الذي سمعته جوليا. كما أن اللبن ساعد في إغراء الأفعى بالعودة إلى غرفة رويلوت، فكان يمسك بها باستخدام الحبل ويضعها في الخزانة. أما صوت الرنين الذي سمعته الأختان، فكان صوت غلق الخزانة.

ولذلك أنصت في الليلة الماضية إلى أضعف صوت يمكن أن يصدر عن أفعى. وعندما سمعت الحفيف، أشعلت عود ثقاب، وهاجمت هذا الكائن، فانزلق عائدًا إلى غرفة دكتور رويلوت. لكنني ضربته بالعصا، الأمر الذي أغضبه، وعندما عاد إلى غرفة نوم الدكتور هاجمه.»

تطلع شيرلوك هولمز خارج النافذة إلى منظر الريف الإنجليزي. كان من الصعب عليه تصور وقوع أحداث الليلة الماضية في مثل هذا المكان الهادئ. قال هولمز: «لقد قُتل القاتل … قُتل بسلاح الجريمة الغريب ذاته الذي ارتكب به جرائمه.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤