الفصل الأول

في أحد أيام الربيع الدافئة، كان آرثر ورجال حاشيته يشقون طريقهم وسط غابات أوسك. وكان من بين الفرسان الذين كانوا برفقته حينذاك سير جيواين، وسير إيواين، وسير كاي، وسير بيلياس.

كان الرجال قد توقفوا ليستظلوا من الشمس عندما وقعت أعينهم فجأة وسط الأشجار على منظر مؤسف؛ إذ كان هناك فارس غارق في دمائه، ويضعه خادم ذهبي الشعر على جواده. التف رجال آرثر حولهما للمساعدة، وسألوه عما حلّ بضيفهم، الذي اتضح أن اسمه سير مايلز من وايت فاونتن.

وأخبرهم الغلام أنه خرج هو وسير مايلز في أحد الأيام بحثًا عن مغامرة، ومرا بأحد الأودية حيث كانت ثلاث حسناوات يتقاذفن كرة ذهبية. أرشدتهما الحسناوات إلى جسر حجري يمر فوق نهر متلاطم الأمواج، حيث سيجد سير مايلز مغامرة رائعة تسر قلب أي رجل، كما أكدت له الحسناوات.

أوضح الغلام أنه ذهب مع سير مايلز إلى الجسر، وبعد الجسر بمسافة طويلة، كانت توجد قلعة مظلمة ذات برج منتصب شاهق الارتفاع. وعلى الجانب الآخر مباشرة من الجسر، توجد شجرة تفاح يتدلى من أغصانها بالقرب من الأرض عدد كبير من التروس. وكان هناك ترس واحد أسود في وسط الجسر وإلى جانبه مطرقة نحاسية، وإلى جانب الترس لافتة مكتوب عليها: «من يطرق على هذا الترس هو وحده المسئول عن هذه المجازفة.»

أمسك سير مايلز بالمطرقة وضرب الترس الأسود. وانفتحت الأبواب الضخمة للقلعة وخرج منها فارس يتسربل بدرع من فرو السمور، اندفع في غضب إلى منتصف الجسر. قال الفارس إنه بسبب وقاحة سير مايلز فإنه سيسلبه ترسه ويدليه من الشجرة كبقية التروس الأخرى التي تتدلى من شجرة التفاح.

وبالطبع قاتله سير مايلز وأُصيب بجروح خطيرة وسرعان ما وقع على الأرض هامدًا. اقترب فارس السمور وأخذ ترس سير مايلز وعلقه في شجرة التفاح. وعندئذ استدار وعاد أدراجه إلى قلعته. وأخذ الغلام سيده بعيدًا عبر الغابة إلى حيث التقى بآرثر.

رأى آرثر أنه من الوقاحة الشديدة أن يُترك فارس ساقط على الأرض وأن يُؤخذ ترسه، واتفق معه في الرأي بقية الفرسان الآخرين.

ثارت ثائرة غلام يُدعى جريفلت أكثر من الباقين عند سماعه هذه القصة، فهب واقفًا، وترجى آرثر أن يعطيه لقب فارس، وتمنى أن يذهب إلى الجسر ويقاتل فارس السمور. تردد آرثر؛ إذ كان جريفلت لا يزال صبيًّا غير مُدرَّب على القتال. لكن لعله تذكر أيام صباه فوافق أخيرًا.

غادر جريفلت غداة اليوم التالي، وأمضى اليوم بأكمله، وعندما عاد، أخبرهم بأنه التقى أيضًا النساء الثلاث اللاتي أرسلنه كذلك إلى الجسر من أجل المغامرة، وهناك تركه فارس السمور أيضًا بجراح دامية وسلب ترسه وعلقه في مكان ما في تلك الشجرة.

لم يشأ فارس السمور في البداية أن يقاتل غلامًا صغيرًا غير مُدرَّب على القتال، وبعد أن قاتل جريفلت وجرحه، كان من اللياقة بحيث رفعه على جواده. لكن آرثر لم يلق بالًا لهذا، وأقسم غاضبًا أنه لا بد من إنزال العقاب بفارس السمور، وسيقوم بهذه المهمة بنفسه هذه المرة.

وفي صباح اليوم التالي، ارتدى آرثر درعه، وامتطى جوادًا أبيض، وشرع في رحلته إلى الوادي حيث سيعثر على النساء اللاتي يتقاذفن الكرة. وعندما رأت النساء آرثر، توقفن عن اللعب وسرن نحوه. وعندما سألهن أيضًا بماذا ينصحن رجلًا يبحث عن مغامرة، ترجينه ألا يهمّ بالبحث عنها سريعًا، وأن يمكث معهن بعض الوقت.

قال آرثر: «للأسف، لا أستطيع. لا بد أن أرحل للعثور على فارس السمور الوقح، فقد آذى اثنين من أصدقائي وسلب ترسيهما.»

وبعدما سار آرثر أميالًا قليلة في الغابة المظلمة، وصل بقعة مليئة بالدخان حيث وجد ثلاثة رجال يغطيهم السخام، ممسكين بسكاكين في أيديهم، يهددون كهلًا ذا لحية بيضاء كالثلج.

أبعد آرثر في ثورة غضبه الرجال بسيفه عن الكهل، ولمّا التفت ليسأل الكهل هل هو بخير أم لا، أدرك أن الكهل لم يكن سوى ميرلين العراف.

قال آرثر متعجبًا: «يبدو لي أنني أنقذت حياتك!»

سأله ميرلين: «أتظن ذلك؟ خذني معك وأنت تواصل هذه المغامرة، فلعلي أقدم لك بعض العون.»

سار آرثر وميرلين بعض الوقت، وعثرا على النهر المتلاطم الأمواج، والجسر الحجري، والقلعة القائمة بمفردها في الخلاء، وشجرة التفاح التي تتدلى منها التروس، النظيف منها والملطخ بالدماء. ضرب آرثر الترس الأسود لفارس السمور بقوة بدا معها وكأنه ضرب اثني عشر ترسًا في وقت واحد. وعندما خرج فارس السمور، تقاتل هو وآرثر قتالًا وحشيًّا. وذُهل كلاهما من المهارة والقوة الفائقتين اللتين ينعم بهما الآخر.

استمر القتال إلى أن انكسر سيف آرثر، فلمّا رأى فارس القلعة ذلك، ضرب آرثر ضربة قاضية أخرى على رأسه. نفذت الضربة عبر خوذة آرثر، فاهتز مخه في جمجمته، وسقط آرثر على إثر هذه الضربة. بيد أنه عندما تخلى فارس القلعة عن حيطته، غافله آرثر. ولمّا أمسك آرثر بخوذته ونزعها، وجد أن عدوه لم يكن سوى الملك بيلينوري، الذي طرده آرثر إلى الغابة. اندهش آرثر أيما دهشة حتى إنه تخلى هو الآخر عن حيطته، وعندئذ غافله بيلينوري بضربة بدوره، وكان سيقضي عليه أيضًا لولا تدخل ميرلين وإنقاذ حياته، وإبعاد الملك المصاب عن ميدان المعركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤