الفصل الثاني

أخذ ميرلين آرثر إلى بقعة من الغابة حيث يعيش قديس معروف بقدرته على الشفاء. أنزل ميرلين والقديس معًا آرثر برفق عن الجواد، وغسلا جروحه بماء نقي، ووضعاه على أريكة وثيرة محشوة بطحلب الأشنة كي يستريح.

وفي اليوم التالي استقبل القديس زوارًا آخرين هم الليدي جوينيفير من كاميليارد وحاشيتها، وكان بصحبتهم أيضًا رجل مُصاب. ولمّا علمت جوينيفير بشأن الفارس المصاب، طلبت أن تقابله، إذ كان معها وسط رجال حاشيتها طبيب بالغ المهارة متخصص في تطبيب جروح الفرسان المصابين في المعارك.

وعندما أدخلوا جوينيفير إلى جانب آرثر، بدا لها أنها لم تر في حياتها فارسًا بهذا النبل. وما إن رفع آرثر عينيه ورآها، حتى بدا له أنه لم ير في حياته ملاكًا بهذا الجمال. ولم تقدم الليدي جوينيفير إلى آرثر المعالج الشهير فحسب، وإنما أيضًا قدمت له صندوقًا مليئًا بالدهان المخفف للألم ليساعد في شفاء جسده المجروح. واضطرت جوينيفير أن تغادر بعدها مباشرة، لكن زيارتها حققت النتيجة المرجوة؛ فقد امتلأ قلب آرثر بالفرح، وفي غضون ثلاثة أيام شُفي شفاء تامًّا.

أقسم آرثر أنه لن ينسى ما حيا جوينيفير، كما لن ينسى أيضًا معركته التي لم تُحسم بعد مع الملك بيلينوري؛ فقد كان مقتنعًا تمامًا أن الأمور كانت ستسير بطريقة مختلفة لو لم ينكسر سيفه. لذا أراد أن يحاول مرة ثانية، لكن المعركة سلبته كل أسلحته.

أخبر ميرلين آرثر عن مكان سحري هو «بحيرة إنتشانتمنت»؛ ففي منتصف البحيرة بالضبط، كانت تُرى عادة ذراع امرأة شاهرة أجمل سيف في العالم وأكثر السيوف لمعانًا، وهو أروع كثيرًا من السيف الذي انتزعه آرثر من السندان، ويُعرف هذا السيف باسم سيف «إكسكاليبور». وقد غرق كثير من الفرسان لدى محاولتهم الحصول عليه.

قال آرثر: «أريد المحاولة.» وشرع الرجلان في رحلتهما، وبعد طول سفر عثرا على البحيرة التي كانت تحوطها الزنابق والنرجس. وعلى الفور تقريبًا خرجت ذراع امرأة من الماء شاهرة أروع سيف رآه آرثر في حياته. كان مصنوعًا من الذهب الخالص ومرصعًا بالكثير من الجواهر الجميلة.

وعندئذ اقتربت منهما جنية. كان شعرها الحالك السواد طويلًا للغاية، حتى إنه كان يمسح الأرض وهي سائرة. نزل آرثر عن جواده ليحييها، وقد عرف أنها «نيمو» كبيرة سيدات البحيرة. ولأنها استشعرت بشيء طيب في آرثر، أفشت إليه بسر؛ فقد صنعت البحيرة هي وبقية السيدات لإخفاء القلعة الجميلة الكائنة في أعماق البحيرة عن أعين البشر، كما أخبرت آرثر بأنه ثمة طريقة واحدة تمكن المرء من عبور البحيرة دون أن يموت.

فسألها آرثر: «هلا عرفتني هذه الطريقة؟»

ردت نيمو: «لا يمكن أن يحصل أي إنسان على هذا السيف، إلا شخصًا فوق الملامة والخوف.»

أطلق آرثر تنهيدة ضيق، فمع أنه حاول دائمًا أن يكون شجاعًا، فإنه عادة يلوم نفسه. ومع ذلك أخبر نيمو أنه يريد المحاولة. وكان هذا هو كل ما تحتاج نيمو أن تسمعه. ظن آرثر أنه لا بد أن يسبح، لكن نيمو نفخت في صافرة، فظهر قارب سحري على الشاطئ. أخذ القارب آرثر إلى منتصف البحيرة، وهناك استطاع أن يمد يده ويأخذ السيف الذي لم يستطع أي فارس قبله أن يلمسه. وهكذا صار «إكسكاليبور» له.

وبهذا السيف العظيم رجع آرثر إلى الجسر الحجري وهزم الملك بيلينوري دون حتى أن يُصاب بخدش واحد. وقرب نهاية القتال، ترجى الملك بيلينوري آرثر كي يصفح عنه، ووعد بأن يسلم نفسه إذا لم يقتله.

قرر آرثر ألا يصفح عنه فحسب، وإنما أن يرد له سلطته أيضًا، ومقابل هذا، طلب آرثر من بيلينوري أن يسلم اثنين من أبنائه هما: سير أجلافال وسير لاموراك، رهينتين لحفظ السلام. وبالفعل انضم الولدان لاحقًا إلى آرثر ليصيرا فارسين ذائعي الصيت.

وفي طريق عودتهما إلى الوطن، جاهر ميرلين العراف الملك آرثر بأن غمد السيف «إكسكاليبور» سحري تمامًا مثل السيف نفسه، ومن يرتديه لا يُصاب بأي جروح في المعركة. غضب آرثر لدى معرفة هذا، إذ شعر أن هذه الحقيقة سلبته كل مجد قتاله مع بيلينوري.

غير أن ميرلين ذكره بلطف أنه ليس فارسًا عظيمًا فحسب، بل ملكًا عظيمًا أيضًا، وحياته ومستقبله يخصان شعبه، ومن ثم لا يجدر به أن يقوم بمجازفات لا ضرورة لها.

تفهم آرثر الأمر وأقسم أن يحمي السيف وغمده، إلى أن فقد الغمد على إثر خدعة من شخص كان من المفترض أن يكون بحق أعز صديق له. لكن تلك قصة لم يحن بعد وقت سردها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤