باب ما يُعتبر من الجواهر النفيسة ومعرفتها وقيمتها

زعموا أن معرفة جوهر اللؤلؤ أنك تجد مذاقته على ضربين: عذْب المذاقة عُمانيٌّ، وملح المذاقة قُلْزُميٌّ، كلاهما يرسُب في الماء، والمعمول منه تجده مُرَّ المذاق مع دسومة فيه، وهو خفيف الوزن يطفو على الماء.

وزعموا أن اللؤلؤة إذا كان في باطنها دودة فإنك تجدها حارَّة المص واللمس، فإن ذلك للعلة النفسانية، وإذا لم يكن بها دودة كانت باردة المص واللمس، وامتحانها بذلك.

وزعم البحريون أن اللؤلؤ الكبار المتغير اللون تلُفُّ عليه الألْيَة الطرية المشرحة، وتُؤخذ في جوف عجين ويُدخل التنور ويُبالغ في إحمائه؛ فإنه يصفو ويَحسُن ويعود إليه الماء، وإذا بُخِّر بكافور كان ذلك، وإذا عُولج بمخ العظم وبماء البِطِّيخ فإنه يصفو.

ومعرفة اللؤلؤ اللحمي الجوهري من الصَّدَفي العظمي هو أنَّ الجوهري يكون مستويَ الصورةِ ليِّنًا أملسَ، والعظميَّ يكون خشنًا غير مستوي الهيكلِ.

وخير اللؤلؤ الصافي العُماني المستوي الجسد، الشديد التدحرج والاستواء، وإذا كانت حبتان متساويتين في الشكل والصورة واللون والوزن كان أرفع لثمنها. والعُماني أنفسُ وأرفع من القُلْزُمي؛ لأن العُماني عَذبٌ نقي صافٍ، والقُلْزُمي فيه ملوحةٌ مع عيب كثير.١
وإذا بلغت الحبة نصف مثقال سُمِّيَت دُرَّة، والمدحرجة المعتدلة في التدور إذا بلغ وزنُها نصف مثقال ربما بلغت في الثمن ألف مثقال ذهبًا، والبيضيَّة دون ذلك في الثمن، وأثمانها ترتفع على زيادة وزنها وتدحرجِها، وإذا بلغ وزنُها مثقالين إن شئت جعلت ثمنها عشرة آلاف دينار، وإن شئت مائة ألف دينار، والمدحرجة على هذا الوزن والصفة لا قيمة لها، وهي فريدة، وكلما كانت أصفى وأنقى كان أرفعَ لثمنها وأنفسَ، والدُّرة اليتيمة قُلْزُمية، زعموا أن وزنها ثلاثة مثاقيل، والصغار من اللؤلؤ مرجانُهُ.٢
وخيرُ الياقوتِ البهرمانيُّ،٣ ثمَّ الأحمرُ المورَّد، ثمَّ الأسمانجوني٤ وأَدْوَنُه الأبيضُ. والياقوت من جبل سرنديب بالهند، وتُعرف اليواقيتُ من المعمولات بخصالٍ ثلاث: بِرزانتِها في الوزن، وبرودتِها في الفم عند المص، وعملِ المِبْرد فيها؛ لأن الياقوت حجرٌ ثقيلٌ باردٌ في الفم، بطيءٌ عملُ المبردِ فيه، والمعمول منها يكون خفيفَ الوزن، حارَّ المص، سريع المبرد فيه.
وخيرُ الياقوتِ الصافي النقي المضيء من أي لونٍ كان، وارتفاع القيمة على قدر كِبرها وصغرها،٥ والياقوت الأحمر البهرماني الصافي إذا بلغ وزنه نصف مثقال ربما بلغ في الثمن خمسة آلاف دينار.
وكان وزن فص الخاتم الذي يُسمَّى «الجبل» مثقالين، قُوِّمَ بمائة ألف دينار، واشتراه أبو جعفر المنصور بأربعين ألف دينار.٦ والياقوت الأسمانجوني ربما بلغ الفصُّ منه مائتي دينار.

وخير الزبرجد الشديد الخضرة، الصافي الجوهر، ومعرفة الزبرجد الفائق من المعمول المتخذ كمعرفة اليواقيت، برزانتِه وبرودة مذاقته وعمل المبرد فيه على مهل. والمعمول منه رخو، خفيف الوزن، حارٌّ في المذاق، يسرع المبرد فيه.

وزعموا أن خيرَ الزبرجدِ الناضرُ الصافي النقيُّ، فإذا بلغ وزن قطعة منه نصفَ مثقال بلغ في الثمن ألفي مثقالٍ ذهبًا، وارتفاع القيمة على مقدار كِبَره وصِغَره.

وكان فص الخاتم الذي يُسمَّى «البحر» وزنه ثلاثة مثاقيل، اشتراه أبو جعفر المنصور بثلاثين ألف دينار، وهو اليوم في خزانة بعض الخلفاء.

وخيرُ الفيروزجِ الشيربامُ٧ الأخضر الأسمانجوني الصافي العتيق، والفيروزج حجر لا يعمل المبردُ فيه، ولا يتغير في النار والماء الحار، وغايةُ ثَمَنِ فص فيروزج إذا بلغ وزنه نصف مثقال عشرون دينارًا.

وخيرُ العقيقِ اليمانيُّ الشديدُ الحمرةِ الذي يُرى في وجهه شِبْه الخيوط، وكلمَّا كان أصفى وأضوأ كان أجودَ في الثمن.

وخيرُ البيجاذي٨ الأحمرُ الشديدُ الحمرةِ، الملتهبُ لونُه التهابَ النارِ، وكلما كان أصلبَ وأكبرَ كان أنفسَ وأثمنَ، والمعمولُ منه رخو، وامتحان جودته من رداءته أنك إذا قرَّبته من الريش احتمله، وكلما كان أحمل للريش كان أجودَ، وغايةُ ثَمَنِ فصٍّ بيجاذيٍّ فائقٍ إذا بلغ وزنه نصف مثقالٍ ثلاثون دينارًا. والجوهر النفيس لا قيمة له، وذلك لاتساع ضوئه وانتشار شعاعه بالليل.
والبِلَّوْر يُختار لصفائه وعِظَمه، وخيرُ الزجاجِ البلوريُّ الصافي الأبيُّ النقيُّ، والفرعونيُّ الفائقُ،٩ وخيرُ الماس١٠ البلوريُّ الصافي الأبيضُ النقيُّ، ثمَّ الأحمرُ، وإذا بلغ وزنه نصف مثقال بلغَ في الثمن مائة دينار، وكلما كان أكبر وأعظم كان أبلغ في الثمن وأرفع.
١  على ذكر اللؤلؤ القُلْزُمي قال أبو العباس أحمد التيفاشي التونسي، المتوفَّى سنة ٦٥١، في كتابه «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» (خط بمكتبتي): «وكذلك ما يوجد من الجوهر ببحر القُلْزُم وسائر بحار الحجاز فرديء، ولو كانت الدُّرة منه في نهاية الكِبَر، فإنها لا يكون لها طائل في الثمن؛ إذ ليس فيها شيء من أوصاف الدُّر النفيس.»
٢  قال التيفاشي في كتابه المذكور: «والمَرجان في لغة العرب صغارُ الدُّر، وهو اللؤلؤ الدق.» واستشهد بأبيات لامرئ القيس، وقيل إنه أولُ شعر قاله، منها:
فأعزلُ مَرجانَها جانبًا
وآخذُ من دُرِّها المستجادا
ولفظ المرجان معرب عن اليونانية، وأصله Marginto، وفي اللاتينية Margarita، وأُطلق اسم المَرجان فيما بعدُ على العروق الحُمر التي تطلُع من البحر، ويُتخذ منها الحلي والأعلاق والسبح.
٣  البهرمان: فارسي معرَّب معناه: أحمر اللون. قال التيفاشي: «والياقوت البهرماني هو أحمرُ نقيُّ الحُمرة لا تشوبها شائبة، والبهرمان اسم العصفر، به سُمِّيَ هذا الصِّنف من الياقوت.»
٤  الأسمانجوني: فارسي معرب من كلمتين: «آسمان» أي السماء، و«كون» لون، ومعناه أبيض بزرقة كلون السماء.
٥  كذا في الأصل، ولعله ضمير المؤنث في قوله: كبرها وصغرها، عائد على ياقوتة.
٦  نقل أبو منصور الثعالبي من هذا التأليف فصولًا وفقراتٍ عديدةً ببعض التصرف، نسب بعضها إلى الجاحظ وغفل عن كثير منها، فمن ذلك قوله: زعم الجوهريون (؟) أن الياقوت لا يكون إلا من جبل سرنديب بالهند، وخيره الأحمر البهرماني، ثمَّ الوردي، ثمَّ الرماني، وإذا بلغ البهرماني نصف مثقال كان قيمته خمسة آلاف دينار، وكان وزن الفص الذي يُسمَّى «الجبل» مثقالين قُوِّمَ بمائة ألف دينار، فاشتراه المنصور بأربعين ألفًا (كتاب ثمار القلوب: ص٤٢٤). ونقل الصلاح الصفدي من تأليفٍ لشيخه شمس الدين بن ساعد الأنصاري، وسمَّاه ﺑ «نخب الذخائر في أحوال الجواهر» جملةً مهمة جدًّا تتعلق بالياقوت وتكوينه وأصنافه وأثمانه، جاء في ضمنها: وكان في خزانة الأمير يمين الدولة محمود ياقوتة شكلها شكل حبة العنب، وزنها اثنا عشر مثقالًا، قُوِّمَت بعشرين ألف دينار، وكان للمعتصم العباسي فصٌّ يُسمَّى «ورقة الآس» لأنه كان على شكلها، وزنها مثقالان إلا شعيرتين، اشتراه بستين ألف درهم (كتاب الغيث المنسجم ١، ٨٣).
٧  شيربام: فارسي معرَّب مركَّب من لفظين، ومعناه «لون اللبن».
٨  البيجاذي: حجر كريم أحمر اللون يشبه الياقوت، فيه خاصية الكهرباء في جذب التبن، وأصله في الفارسية «بيجاذة» وهو اسم الكهرباء، وقد عُرِّب قديمًا، وورد في أشعار العرب. قال الفرزدق (الأغاني: ط بولاق، ج١٩، ص٢١):
أغرَّك منها لوثةٌ عربية
علتْ لونَها إن البجادي أحمرُ
راجع معجم المجموعة الجغرافية العربية، تأليف المستشرق دي خوي، طبعة ليدن، ص١٨٤ (Indices, Glossarium–Bibl. Geogr. Arab)، وانظر أيضًا التعليق الجميل الذي وضعه صديقنا العلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا على هذه الكلمة في تفسيره للألفاظ العباسية (مجلة المجمع العلمي الدمشقية، ج٧، ص٢٠٤، من سنة ١٣٣٩). وقال ابن عبد ربه: ومدينة بلخ بخراسان بها معادن البيجادي العتيق، وهو جنس من الفصوص تسمِّيه العامة البزادي (العقد الفريد ٣، ٢٥٧).
٩  ورد ذكر الزجاج الفرعوني في كتاب «الحيوان» للجاحظ ٣، ص١١٦.
١٠  الماس: يوناني معرَّب، وهو الديامنت، وقد ورد ذكره في الحديث الشريف (النهاية لابن الأثير، ج٤، ص٧٩). وقال التيفاشي: الماس نوعان: الزيتي والبلوري، والزيتي أجودهما، والبلوري أبيضُ شديدٌ كلونِ البلور، والزيتي مخالطٌ ببياضه صفرةٌ كلون الزيت، وهو شبيه بلون الزجاج الفرعوني (كتاب أزهار الأفكار – خط).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤