ثانيًا: منهج الإيضاح كمنهج للتمييز١

ويظهر منهج التمييز في بعض عناوين الأقسام والفصول والمقاطع (مجموعة فقرات في موضوع واحد)، والفقرات في ثنائية لفظية أو ألفاظ مزدوجة تعبر عن شيئين مختلطين؛ «الواقعة والماهية»، «الشعور والواقع المادي»، «صورة الشعور ومضمون الشعور»، «العقل والواقع». يشير اللفظ الأول إلى الشيء المثبت، والثاني إلى الشيء المنفي، باستثناء «الواقعة والماهية» فالأول منفي، والثاني مثبت،٢ وتشير التمييزات الثلاثة إلى نفس الشيء، والتعبير عنه بطرق مختلفة؛ إذ تنتمي الماهية والشعور وصورة الشعور أو العقل إلى الروح، في حين تنتمي الواقعة والواقع الطبيعي ومضمون الشعور أو الواقع إلى الطبيعة، ويقوم التمييز هنا ضد الخلط، تبين العناوين الكبرى أن الحقيقة لها جانبان؛ جانب مثالي، وجانب واقعى: ماهية وواقعة،٣ شعور وواقع طبيعي،٤ صورة الشعور ومضمون الشعور،٥ العقل والواقع.٦ والطبيعي أن يسبق الجانب المثالي الجانب الواقعي طبقًا لنظام الأوليات.٧ غاية التمييز هنا إعادة بناء الواقع من جديد، ويظهر التمييز تباعًا على أنه فلسفة للربط أو العلاقة، وأحيانًا لا يتضمن العنوان إلا طرفًا واحدًا من الشيء الذي يقع فيه التمييز؛ إذ يبين عنوان «الماهيات ومعرفة الماهيات» جانبًا واحدًا، جانب الماهية،٨ ويبين عنوان «منطقة الشعور الخالص» أيضًا نفس الاتجاه،٩ وقد تبين العناوين الأخرى الجانب الآخر من الشيء، ويبين «التفسير الخاطئ للنزعة الطبيعية» جانب الواقعية،١٠ ويشير عنوان «دعوى الاتجاه الطبيعي ووضعه خارج الدائرة» إلى نفس الواجهة،١١ وفي هذه الحالة يتم تحليل كل طرف في الشيء الذي يتم التمييز فيه على حدة، وأحيانًا يتم التعبير عن مضمون لفظ في الثنائية بعبارة شارحة تدل على حذفها إذا كانت من جهة الطبيعة، أو على الإبقاء عليها إذا كانت من جهة الروح. ويبين عنوان «التأويلات الخاطئة للنزعة الطبيعية» عيوب علوم الوقائع، ثم تُستبعد في عنوان «وضع دعوى النزعة الطبيعية خارج الدائرة».١٢ وفي مقابل ذلك يعبر عنوانا «منطقة الشعور الخالص» و«ظاهريات العقل» عن مضمون اللفظ من جانب الروح، وكذلك «الماهيات ومعرفة الماهيات» من جانب الروح.١٣

وفي الجزء الثاني من «الأفكار» تشير القسمة الثلاثية التي يقدمها «التكوين» إلى التمييز كمنهج جدلي: الدعوى تكوين الطبيعة المادية، ونقيض الدعوى تكوين الطبيعة الحية، ومركب الدعوى تكوين عالم الروح؛ فعالم الروح هي وحدة الطبيعة؛ أي العالم والروح.

وبعد هذه القسمة الثلاثية، ومما يسترعي الانتباهَ، ملاحظة القسمة الثنائية كقسمة فرعية مع استثناءات نادرة؛ فالواقع أنه في تكوين الطبيعة المادية فكرة الطبيعة على العموم هي وحدها المستثناة من القسمة الثنائية إن لم تبدُ وكأنها بين الفكرة والطبيعة،١٤ إلا أن المستويات الوجودية للمعنى مع الأشياء المرئية تكوِّن ثنائية.١٥ والحركة بالنسبة للجسد المتحرك ثنائية كذلك،١٦ وفي تكوين الطبيعة الحية، الأنا الخالص وحده هو الذي يندُّ عن القسمة الثنائية؛١٧ إذ يحتوي الواقع النفسي على ثنائية بين الواقع والنفس،١٨ كما يتضمن تكوين الواقع النفسي من خلال ثنائية أيضًا بين الواقع النفسي والبدن.١٩ ويقدم تكوين الواقع النفسي من خلال الاستبطان أيضًا شيئين: الواقع النفسي والاستبطان.٢٠ وأخيرًا يبين تكوين عالم الروح بوضوحٍ التعارض بين العالم الطبيعي والعالم الشخصاني.٢١ ويتميز الباعث عن عالم الروح؛ فالأول هو القانون الأساسي للثاني،٢٢ وأخيرًا تنتهي القسمة الثنائية بالأولوية الأنطولوجية لعالم الروح في مواجهة العالم الطبيعي.٢٣
وكل تحليل هو دائمًا تحليل مزدوج؛ إذ يتم تحديد التصورات أحيانًا، تصورات الطبيعة والتجربة في آن واحد مع استبعاد مسألة محمول الدلالة، ويوضع اتجاه العلم الطبيعي في مواجهة الاتجاه النظري الذي تمتد جذوره إلى الاهتمام النظري الخالص، ووضع الفعل النظري أيضًا في مواجهة المعطى الحي القصدي، وتشير أيضًا التلقائية والسلبية والواقعية واللاواقعية للشعور إلى التحليل ذي المعنى المزدوج.٢٤ ويظهر لفظ «تمييز» بين الحين والآخر، ولكن على نحوٍ أقل في لحظة «الرد»؛ فهناك اختلاف في المسار إلى الاتجاه النظري وإلى التأمل، كما يظهر أيضًا لفظ «متضايف» للإشارة إلى نمط علاقة كما هو الحال في تحليل الفعل المموضع والفعل غير المموضع،٢٥ وتُحال موضوعات المعنى إلى الموضوعات الأصلية، ويترك التحليل المزدوج أحيانًا مكانه إلى التركيب كما هو الحال في مركب الحساسية والمقولات، ويمتد أحيانًا للتعبير عن التصور التراتبي للعالم مثل الشيء الشبح للمكان والمادة الحساسية، وينتهي بالإعلان عن البسيط؛ فالطبيعة هي مجرد دائرة بسيطة للأشياء.٢٦
ويستمر التحليل المزدوج، ويعبر عن نفسه في مئات من المعادلات ذات المستويين؛ المثالي والواقعي. الطبيعة الحية فوق الطبيعة المادية، وماهية المادية في الحركة والامتداد، وماهية المادية جوهرها، وتعبر النقلة والتغير عن الحركة؛ ومن ثَم تعتمد ماهية الشيء على ظروفه، وتكون الصفات مخطط الشيء الذي هو في نفس الوقت تحديده الواقعي، ويظهر الشيء من خلال تجربة الشيء كتحديد قريب أو تحديد كامل أو رفع، وهكذا يؤدي التحليل المزدوج إلى تصور تراتبي يسمح بتكوين خصائص الشيء في تعدد علاقات التبعية.٢٧
وبمجرد ظهور التجربة، تظهر أيضًا العوامل الذاتية التي تحدد تكوين الشيء، ويترك التحليل المزدوج الجزء السفلي للمعادلة يعتمد على الجزء العلوي، وهكذا تعتمد الصفات المرئية للشيء المادي على جسد الذات التي تجرَّب، وعلى الإدراك الطبيعي أحيانًا وغير الطبيعي أحيانًا أخرى، وعلى الشروط النفسية الجسمية (السيكوفيزيقية)، من الممكن إذَن تكوين الطبيعة الموضوعية على درجة من التجربة الأنا وحدية ثم المشتركة، وهكذا يتم تكامل المعادلة الرأسية للشيء المادي والتجربة الذاتية في معادلة أفقية بين الأنا والآخر.٢٨
ويضع ظهور التجربة المشتركة مسألة الطبيعة الحية بوضوح أكثر في مواجهة الطبيعة المادية؛ لأن التجربة الذاتية تخاطر باعتمادها على البدن وهو على حافة الطبيعة المادية والطبيعة الحية، لم تعد الذات ملحقة بالمادة في البدن، بل بالإنسان في تصور «الذات-الإنسان»، والذي يسمح فجأة بظهور «الأنا الخالص»،٢٩ هذا الأنا الخالص هو الأنا القطب، ويبين تصور «الأنا الخالص» مرة أخرى ثنائية بين شيئين، الواحد أمام الآخر. وتظهر في استقطاب الفعل الذي يوجد بين الذات وموضوعه، وينقسم الأنا الخالص أيضًا إلى شعور يقظ وشعور خامل، أما الأنا الشخص فإنه لا يختفي لأنه جزء لا يتجزأ، وفي دائرة الحلول يحدث تكوين وحدات الوقائع في الأنا الخالص مع الأفكار التي توجد مترسِّبة فيها.٣٠
الذات إذَن نفسية وواقعية في نفس الوقت، ويُحلل الشيء في اتجاهين، ويتحول إلى اختلاف جذري بين الواقع المادي والواقع الحيوي؛ وبالتالي إلى ضرورة الفصل بين الاتجاه الشخصاني والاتجاه الطبيعي.٣١ وبعد هذا الفصل الجذري يتكون الواقع النفسي وحده من خلال البدن؛ أي تكوين الإنسان في الطبيعة؛ فالبدن حامل لإحساسات مكانية، يتميز فيها ميدان المرئي والملموس، وهو في نفس الوقت آلة للإرادة، وحامل حركة حرة، وما إن يحدث التحليل المزدوج يتبع آخر ليعين الواقع التراتبي للارتفاع إلى أعلى درجة من المثالية؛ فالبدن له دلالة على تكوين الأشياء العليا، وبالرغم من محلية الإحساسات في البدن فإن البدن يتسم بطابع اللاشيئية، يتكون البدن كواقع مادي على نقيض الشيء المادي، وهو مركز للتوجيه، وتعدد مظاهره خاصيته فيه، ودون أن يرتبط بالطبيعة كعضو في علاقات علِّية يتحدد البدن في التكوين الأنا وحدي.٣٢
ويتوازن تكوين الواقع النفسي من خلال البدن مع تكوينه للمرة الثانية في الاستبطان، هو البدن نفسه، مرة في الإدراك الخارجي، ومرة في الإدراك الداخلي، مرة في نمط الحضور الأصلي للأشياء، ومرة أخرى في نمط حضوره الذاتي. وما إن يعمل الاستبطان في تكوين الطبيعة، وما إن يدخل عالم الروح في التكوين، يشتد التعارض بين العالم الطبيعي والعالم الشخصاني، ومع ذلك النفسي افتراض مسبق في الاتجاه الطبيعي بسبب محليته وزمانيته، ومع ذلك يحفظ التمييز بين الطبيعي والفيزيقي النفسي من دخوله في الميدان الفيزيقي؛ لأن النفسي هو الشخص نفسه في مركز العالم، ومرتبط بمجموعة من الأشخاص.٣٣
ويتم التمييز كتوليد، توليد شيء من شيء، والشيء المتولَّد في مستوًى أعلى من الشيء المولِّد؛ ومن ثَم يتولد الباعث من عالم الروح باعتباره قانونه الأساسي، والأنا فحص ذاتي، ويتحرك الباعث على مستويات عدة، في القمة باعث الفعل، وفي الوسط باعث التجربة وباعث الارتباط، وفي الأدنى الباعث في الطبيعة الذي يقترب من العلِّية. للباعث إذَن جانبه من صورة الشعور، وجانب آخر من مضمون الشعور، وبالإضافة إلى هذا التراتب الرأسي، يعمل الباعث أيضًا على المستوى الأفقي، واستبطان الأشخاص من الآخرين فهم لبواعثهم، ويسمح هذا المسار المعروف من التمييز إلى التراتب إلى الوحدة بإعطاء البدن والروح وحدة معقولة ومتصورة في فكرة «الموضوع الروحي».٣٤ ويصبح الأنا الخالص والأنا الشخصي موضوعين لتأمل إدراك الذات، وتستطيع الذات الشخصية أن تتكون أيضًا قبل كل تأمل في الوعي بوجود الذات، الأنا موضوع ملكات وأفعال عقلية «كأنا حر»، بل إنه في تحليل الفعل يظهر الأنا التراتبي في «الأنا أقدر» كإمكانية عملية ووعي أصلي بالقدرة، وباعث «الأنا أقدر» لمعرفة الذات في إدراك الذات لذاتها وفهمها لذاتها، ويحافظ على حرية الشخص في مواجهة الآثار الخارجية، وتتوالى المعرفة والفعل لتقديم تحليل مزدوج لجهة فهم الشخص في أنماط عامة وأنماط فردية.٣٥
وينتهي التكوين بتعارض شديد بين الاتجاه الطبيعي والاتجاه الشخصاني، فإذا أخطأ هذا التعارض تظهر الموازاة السيكوفيزيقية، الأثر المتبادل بين الفيزيقي والنفسي، الطبيعة نسبية، في حين أن الروح مطلق.٣٦
وتظهر نفس حركة الفكر في الملحقات: الطريقة الارتقائية لوصف التكوين، التمييز بين الذات-القطب والذات-العادة، بين الفعل والملكية … إلخ. ويوجد التصور التراتبي في درجات تكوين العالم الموضوعي، وتتجلى الوحدة كرؤية نهائية في وحدة البدن والروح.٣٧ وتستمر سلسلة التمييزات لتوضيح بنية الوجود في مستويين متمايزين تمامًا، ومع ذلك مرتبطان، وينتهي التمييز بين الحساسية الأصلية والعقل الفعال، بين الانطباع الحسي وإعادة الإنتاج، بين الفعل والانفعال، بين الداخلي والخارجي … إلخ، بإعلان عن الوحدة؛ عالم الطبيعة داخل عالم الروح.٣٨

وتعبِّر عناوين المباحث الستة في «بحوث منطقية» عن تمييزات أساسية، التمييز بين «التعبير والدلالة» موجه ضد المنطق اللغوي الذي يرد الدلالة إلى التعبير، وينكر الوجود المستقل للمعنى في علاقته باللفظ، والتمييز بين «الوحدة المثالية للمكان» والنظريات الحديثة في التجريد موجهة ضد التجريبية التي ترد الفكرة إلى مكونات من الإحساسات والانطباعات الحسية، والتمييز في «نظرية الكل والأجزاء» موجه أيضًا ضد النزعة النفسانية التي ترد الكل إلى مكوناته الجزئية. و«التمييز بين الدلالات المستقلة والدلالات التابعة وفكرة النحو الخالص» يؤكد استقلال الموضوع المثالي والحقيقة التي تعبر عن نفسها في المورفولوجيا الخالصة، ويدل لفظ «الفرق» على معنى التمييز. وتبدأ «المعطيات الحية القصدية ومضامينها» من البداية، تحليل الموضوع الظاهرياتي بالأصالة، والذي يتم تفصيله فيما بعد في «عناصر لإنارة ظاهراتية للمعرفة»، ويعيد إلى الذهن التمييز بين «الموضوع» و«المضمون» التمييز الظاهرياتي الرئيسي، بين صورة الشعور مضمون الشعور، وفي المبحث الأخير يتم التمييز بين المعرفة والظاهريات، والثانية قمة الأولى، والتمييز هذه المرة موجه ضد «الرد» رد الشيء إلى ما هو أقل منه، ورد المثالي إلى الواقعي، والماهية إلى الواقعة.

وأحيانًا تندُّ بعض عناوين الأقسام عن البنية العامة للعناوين التي تتكون من اللفظ مزدوجة مثل «المقاصد وملؤها المموضع، المعرفة باعتبارها مركب امتلاء ودرجاتها»؛ فهو عنوان طويل كي يكون عنوانًا موحيًا بشيء، ويسمح باتصال مباشر معه.٣٩ هو عنوان مثقل بالكلمات، مكون من عبارات شارحة، ومع ذلك يظهر منهج التمييز كأساس لتركيب العنوان؛ إذ يحتوي على لفظين أساسين؛ القصد والملأ. الأول يشير إلى الصورة، والثاني إلى المادة، وتوجد نفس الثنائية في التمييز بين الحساسية والذهن.٤٠ وبالرغم من أن عنوان «إنارة المشكلة الأولى» لا يشير إلى أي تمييز، إلا أن مضمونه يبرز واقعًا بين فعل غير مموضع وملء كاذب يكتمل أكثر مما يعارض.٤١ كما يبرز الملحق تمييزًا قديمًا بين الإدراك الخارجي والإدراك الداخلي، بين الظاهرة الفيزيقية والظاهرة النفسية، وهذا يدل على أن العالم المثالي للعلاقة بين الشيئين المتميزين هو العلاقة بين الصورة والمادة.
وإذا تكوَّن عنوان فصل من عبارة كاملة فإنه يوجد فيها لفظ يكشف عن التمييز؛ ففي عنوان «خصائص أفعال معطية المعنى» هناك لفظ معطًى أو موهب يتوسط بين الفعل والمعنى ليشير إلى هذه العتبة التي لا يمكن عبورها بينهما،٤٢ وكذلك يبين بوضوحٍ عنوان «تأرجح الدلالات ومثالية وحدة المعنى» التمييز بين «التأرجح» «المثالية» مفصولين بحرف العطف «و»،٤٣ وكذلك يكشف عنوان «المضمون الظاهرياتي ومثال المعطى الحي للدلالة» عن التمييز بين «المضمون» و«المثال» عن طريق حرف العطف «و» كذلك.٤٤
وعادةً ما تتألف عناوين الفصول من لفظين مزدوجين أحيانًا بمفردهما وأحيانًا أخرى داخل عبارة؛ فمثلًا «المنطق كعلم معياري خاصة كعلم عملي» كلها عبارة تتضمن لفظين مزدوجين «معياري» و«عملي»،٤٥ وكذلك يبين عنوان «علوم نظرية كأسس لعلوم معيارية» نفس الشيء،٤٦ وكذلك يبين جزء من عنوان «الصيغ القياسية والصيغ الكيميائية» نفس الشيء.٤٧
وإذا كانت «المقدمة العامة للظاهريات الخالصة» تبدأ بتمييزات أساسية بين علوم الماهيات وعلوم الوقائع، فإن «بحوث منطقية» بدأت من قبل أيضًا بتمييزات أساسية.٤٨ ولفظ «علامة» له معنًى مزدوج؛ علامة دالة، وعلامة غير دالة أي القرينة. الأولى تشير، والثانية لا تشير. وقد تم التمييز بين الإشارة والبرهان فيما يتعلق بالبداهة؛ الأولى غير بديهية، والثانية بديهية عن طريق الاستنباط. وتطبيق التمييزات الظاهراتية والقصدية على التعبيرات من أجل فصل الفيزيقي عن النفسي في اللغة.
ويشير عنوان «التجربة والحكم» للمرة الأخيرة إلى ثنائية المادة والصورة كما هو الحال في الجزء الثالث في «بحوث منطقية» في المقاصد وملئها، ويعين العنوان الفرعي «بحث في أصل المنطق وفصله» درجات التراتب بين القطبين السابقين، وبناء العمل ثلاثي، يبين التمييز ثم يقوم بالربط؛ إذ تتميز التجربة السابقة على الحمل المنطقي (المستقبلة) عن الفكر الحملي المنطقي وموضوعية الذهن، وكلاهما مرتبط بالموضوعية العامة وبتكوين الأحكام العامة، ويضع منهج التمييز منذ البداية في التجربة السابقة على الحمل المنطقي مشكلة البنية العامة للسلب، ثم يستأنف في تمييز جديد بين الإدراك البسيط والشرح، وأخيرًا يحدد إدراك العلاقات وأساسها في السلب، وهكذا يتجه مسار الفكر من البنية إلى التمييز إلى الربط،٤٩ ويظهر منهج التمييز في الفكر الحملي المنطقي وموضوعية الذهن كبحث عن الأصلي والبنية العامة،٥٠ وعن السلب في نشأة أهم صور المقولات، وعن موضوعية الذهن في الانفعال الحملي المنطقي وأنماط الحكم في المعطيات الأصلية،٥١ وأخيرًا يظهر منهج التمييز في تكوين الموضوعية على العموم والأحكام العامة كمنهج لإدراك الماهية بالبحث عن التكوين الأصلي للعموميات للحصول على عموميتها الخالصة لوضع الأحكام أخيرًا في جهة العموم.

وقد وضع الناشرون معظم عناوين المؤلفات المخطوطة التي طُبعت فيما بعد، وتعبر بوضوح عن مسار فكر المؤلف، ثنائية، وحدة، ثلاثية، تراتبية … إلخ. هذا بالإضافة إلى أن العنوان الذي صاغه الناشر مستلٌّ من عبارة في النص الذي كتبه المؤلف بنفسه؛ ومن ثَم فلا توجد مخاطر ألا تكون عناوين الفقرات تعبيرًا مخلصًا عن مضمون الفكر موضوع التحليل في النص.

وهكذا يكشف التمييز خاصية الظاهريات بين الشيئين المتميزين، فقد أوضح التمييز بين «القصد الدال» «والقصد الحدسي» المعرفة الظاهراتية كإحضار للشيء ذاته مباشرة دون المرور بالعلاقة أو الصورة أو المخطط الإدراكي أو تخيل الموضوع،٥٢ وقد ذكر التمييز والخلط مباشرة كطريقتين لتناول الأفعال التركيبية،٥٣ وقد يلعب هذا التمييز الهام بين التمييز والخلط دورًا هامًّا في الظاهريات؛ فقد كانت كل التمييزات التي تمَّت من أجل الصراع ضد النزعة النفسانية في المنطق في نفس الوقت مقدمات لتكوين الظاهريات ذاتها، ويبرز التمييز بين المقولات الخالصة والمقولات الموضوعية الخالصة وتعقيدات قوانينها تمييزًا آخر بين صورة الشعور ومضمون الشعور وبنيته الصورية المادية.٥٤
١  Ex. Phéno., pp. 361–71.
٢  ربما اقتضى الطابع السلبي والحجاجي للمسألة لفظ «واقعة» قبل لفظ «ماهية» كما هو الحال عند برجسون. فعند هذا الأخير، يلغي اللفظ الأول، ويبقى الثاني، كما هو الحال في «المادة والذاكرة» و«الفكر والمحرك» و«التطور الخالق» و«منبعا الأخلاق والدين».
٣  Ideen I، القسم الأول، الفصل الأول.
٤  Ibid، القسم الثاني، الفصل الثاني.
٥  Ibid، القسم الثالث، الفصل الثالث.
٦  Ibid، القسم الرابع.
٧  فقط في عنوان «الواقعة والماهية» يسبق الواقع المثال.
٨  Ideen I، القسم الأول.
٩  Ideen I، القسم الثاني، الفصل الثالث.
١٠  Ibid، القسم الأول، الفصل الثاني.
١١  Ibid، القسم الثاني، الفصل الأول.
١٢  Ibid، القسم الأول، الفصل الثاني، القسم الثاني، الفصل الأول.
١٣  Ibid، القسم الأول.
١٤  Ideen II، القسم الأول، الفصل الأول.
١٥  Ibid، القسم الأول، الفصل الثاني المستويات الوجودية.
١٦  Ibid، القسم الأول، الفصل الثالث.
١٧  Ibid، القسم الثاني، الفصل الأول.
١٨  Ibid، القسم الثاني، الفصل الثاني.
١٩  Ibid، القسم الثاني، الفصل الثالث.
٢٠  Ibid، القسم الثاني، الفصل الرابع.
٢١  Ibid، القسم الثالث، الفصل الأول.
٢٢  Ibid، القسم الثالث، الفصل الثاني.
٢٣  Ibid، القسم الثالث، الفصل الثالث.
٢٤  الواقعية واللاواقعية Actualié et non-actualité.
٢٥  الفعل المموضع والفعل غير المموضع Acte objectivant, Act non-objectivant.
٢٦  Ideen II، القسم الأول، الفصل الأول.
٢٧  Ibid، القسم الأول، الفصل الثاني.
٢٨  Ibid، القسم الأول، الفصل الثالث.
٢٩  انظر سابقًا الباب الثاني: المنهج الظاهرياتي، الفصل الأول: فهم الظاهريات، أولًا: الذاتية، (١) بنية الذاتية.
٣٠  Ibid، القسم الثاني، الفصل الثاني.
٣١  Ibid، القسم الثاني، الفصل الثالث.
٣٢  Ibid، القسم الثاني، الفصل الرابع.
٣٣  Ibid، القسم الثالث، الفصل الأول. فيزيقي Naturel. طبيعي Naturalist.
٣٤  الموضوع الذي تحول إلى روح L’objet spritualiste، توليد Enfantement.
٣٥  Ideen II، القسم الثالث، الفصل الثاني. الأنا أقدر Le Je Peux.
٣٦  Ibid، القسم الثالث، الفصل الثالث.
٣٧  Ibid., BI. I a X, pp. 305–27.
٣٨  Ibid., B1. XIII, pp. 332–93. الفعل Action. الانفعال Affectuation.
٣٩  Rech. Log. III, القسم الأول.
٤٠  Ibid، القسم الثاني.
٤١  Ibid، القسم الثالث. معطًى، موهب Conférant.
٤٢  Ibid، المبحث الأول، الفصل الثاني. تأرجح، تموج Fluctuation.
٤٣  Ibid، الفصل الثالث.
٤٤  Ibid، الفصل الرابع.
٤٥  Rech. Log. I, p. 7.
٤٦  Ibid., p. 30.
٤٧  Ibid., p. 10.
٤٨  Rech. Log. II, Rech I, Ch. 1, pp. 29–71. الإشارة Indication. الأصل والفصل Généalogie. السلب Posivite. الإدراك البسيط Simple saisie.
٤٩  Er. Ur. I sec., pp. 73–231.
٥٠  Ibid., II sec., pp. 231–380.
٥١  Ibid., II sec., pp. 381–460.
٥٢  Rech. Log. III, pp. 71–8. المخطط الإدراكي Esquisse perceptive.
٥٣  Ideen I, pp. 416-7.
٥٤  Rech. Log. I, pp. 263–7.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤