مقدمة

الحياة ومناهجها

الحياة سفينة تقل الإنسان، وقد ألقتها الطبيعة في خضمِّ العمران، ونُشرت على أدقالها شراع الآمال، وشُدَّتْ إليها دفة الأميال، تداعبها رياح الأقدار، وتصارعها عواصف الأخطار، تضل بهما التقادير تارةً، وتهتدي بها التدابير أخرى، وهي من اليأس والرجاء بين موجتين، ومن البؤس والشقاء بين لجتين، تارةً تقذفها موجة اليأس إلى لجة البؤس في بحر صروف الأيام، وطورًا تجذبها موجة الرجاء إلى لجة الهناء في ميناء السلام، تدير يد الأماني دفتها، ويختط منظار البصيرة خطتها، ويوجه الضمير إلى قطبي الاستقامة إبرتها، وقد جعل العقل ربانها، والجهاد مجراها، والحرص على البقاء مبتغاها، ونهاية الأجل مرساها، فإن تولت الحكمة إدارتها، والجد حركتها، وصلت إلى مرسى الهناء عند شاطئ البقاء، وإن طوَّح بها الطيش، وأرخى حبالها الكسل؛ ترامى بها الشقاء في لجج الفناء.

هذا شأن الحياة سفينة تخوض يمًّا، فَأَخْلِقْ براكبها أن يكون بفن ملاحتها ملمًّا؛ لذلك الغرض وضعت هذا الكتاب، واستلهمت الله فيه الهداية إلى محجة الصواب، وسميته «مناهج الحياة»، وتوخيت منه هدًى للغواة، وجعلته تبصرةً للمغرورين والبسطاء، وتذكرة للعارفين والعقلاء، وقد رددت المناهج الفرعية إلى ثلاثة أصلية؛ وهي: «السعي، والعمل، والاقتصاد»، حتى إذا انتهجها المرء بالحكمة وعلى السداد؛ ظفر من الحياة بميسور الهناء، ونجا فيها من موفور الشقاء.

فالكتاب مرشد للفتية المغترين السائرين في سبيل الحياة وهم يجهلون ما يستوقفهم من العقبات، ويعرقلهم من العثرات، لعله يعلمهم قبل أن تعلمهم صروف الليال، ويوفر السلامة لهم من الخطوب والأهوال. وأما العقلاء الذين حنكتهم الأيام، فألتمسُ منهم أن يُنقِّحوا هذا المؤلَّف بما يَعنُّ لهم من التنقيح والإصلاح؛ فإني لا آمن فيه الشطط والخلل، وَسُبْحَانَ المُنَزَّهِ عن كل زلل.

نقولا حداد
مصر ديسمبر سنة ١٨٩٩

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤