الكرنك

درجَ الزمانُ وأنت حيٌّ تُعشَقُ
ويُعيدُ رونقَ غائبٍ لك رونقُ!١
رحلتْ مع البانِين رحلةَ حبِّهم
رُسُل وما زال السَّنَى بك يَرْمُقُ!٢
ومن العجائب أن يَزُوركَ عاشِقٌ
فإذا تألَّق عطفُ حُسْنِك يُطْرِقُ!
تهفُو لطلْعتِك العيونُ وإن تكن
حَيْرَى يُجاذِبُها الجمالُ المطلقُ!
وأمامَها دُوَلٌ تُناشِدُها الهوى
وصحائفٌ تَتْرَى وجيشٌ يُحدِقُ٣
وجلالةٌ يَعْيَا البيانُ بوَصْفِها
مُدَّتْ على الأميال وهْي تُحلِّقُ
عجزتْ مصوِّرةُ الشموسِ برَسْمِها
جَمْعًا، ولم يَظفَرْ نظيمٌ مُشرِقُ!٤
انظر إلى تلك الأُسودِ جَواثِمًا
حرسَتْ طريقًا للمعابد يُطرَقُ٥
غَرَسُوا لها الأَشْجارَ عطْفَ بُنُوَّةٍ
ولَوَ انَّ منها الذِّكرَ حيٌّ يعبقُ!٦
ورَمَوْا إلى تظليل مَن وفدوا إلى
عَلْيائِها وشُموسُها لا تحرقُ
فإذا وفدتَ إلى الهياكل هائبًا
بدأ النخيلُ مع النَّسِيم يُصفِّقُ!
وأنِستَ للأثَرِ الفخيمِ مُحدِّثًا
لك عن أعاجِيبِ الذين تفرَّقوا!
وقرأتَ ثم سمعتَ ألْفَ روايةٍ
عن كلِّ مفخرةٍ لمجدٍ تُعشَقُ
عِبَرُ «الفراعنةِ» الذين تفرَّدُوا
بالمُلْك واستَعْلَوْا به واستَوْثَقوا
وبَنَوْا «لمصر» من السموِّ مَكانةً
حتى استعزَّ وجلَّ حُكمٌ مُطْلَقُ!
أينَ الْتفَتَّ تَرَ الفنونَ شواهِدًا
وتجدْ أحاديثَ الفخارِ تُنمَّقُ
وتَرَ الحروبَ مَوَاثِلًا وكأنما
أنت الأسيرُ وقد مَضَى بك فَيْلَقُ!
وتَجِدْ «مَسَلَّاتِ» الفَخار مآذِنًا
و«عمودَ فرعونٍ»٧ إزاءَك يَنْطِقُ!
ومشاهِدًا لا تَنْتَهِي ومعابِدًا
وهياكِلًا يعتزُّ منها «الجَوْسَقُ»٨
وتَرَ «البُحَيْرةَ»٩ في قَداسةِ سِرِّها
تترقَّبُ الليلَ الذي هو أَشْوَقُ!
فإذا رجعتَ شهدتَ بين تَخَيُّلٍ
عجبًا مِن الوَهْمِ الذي يستغلقُ
عصرٌ مَضَى بعجائبِ الدنيا به
ولنَا به الوَعْظُ الذي هو أَصْدَقُ!
١  إشارة إلى ما تهدَّم وانقرض من آثار الكرنك.
٢  إشارة إلى ما تهدَّم وانقرض من آثار الكرنك.
٣  أجمل ما في آثار الكرنك أنَّها صحائف تاريخية لحروب وعقائد وآداب قُدَماء المصريين؛ لِمَا هو مَسْطُور عليها من البيان الكثير.
٤  إشارة إلى اتِّساع مَدَى هذه الآثار على أميال عدة.
٥  إشارة إلى تماثيل الأُسود (البلاهيب) التي على جانِبَيِ الطُّرُق المؤدِّية إلى المعابد، وقد تهشَّمَ واندَثَر كثيرٌ منها.
٦  إشارة إلى الأشجار المظلِّلة العَطِرة التي غُرِستْ في العهد الأخير لتظليل السُّيَّاح في طريقهم.
٧  هو عمودُ المَلِك «تاهاركا».
٨  وهذا الجوسق أيضًا للمَلِك «تاهاركا».
٩  هي البحيرة المقدَّسة المعروفة أيضًا «بالبركة المالِحة» وعلَيْها كانتْ قَوارِبُ الآلِهة تَعُومُ حسْبَ معتقداتِ قُدَماء المصريين، ويَدَّعِي العامة أنَّهم يَرَوْن ليلًا مرةً في السَّنةِ سفينةَ الآلِهة الذهبية تختالُ على مياهِها …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤