تصدير

هذه هي واحات العمر — السيرة الذاتية الأدبية — التي كانت قد صدَرَت في ثلاثة أجزاء على مدى خمس سنوات (١٩٩٨–٢٠٠٢م)، وكان الجزء الأول يحمل عُنوان واحات العمر (١٩٩٨م) والثاني واحات الغربة (٢٠٠٠م) والثالث واحات مصرية (٢٠٠٢م)، وهي تُمثل خيطًا متصلًا من الأحداث الأدبية في فتراتٍ ثلاث؛ فالجزء الأول يختصُّ بالجذور والنشأة والتكوين (١٩٤٥–١٩٦٥م)، والثاني يتناول فترة التخصص العلمي في الخارج والاصطدام بثقافة أجنبية (١٩٦٥–١٩٧٥م)، والثالث يتناول العودة إلى مصر والعمل بالكتابة المسرحية والنقد والترجمة حتى نهاية العمر الوظيفي الرسمي (١٩٧٥–٢٠٠٠م).

وقد رأى صديقي الأديب والناقد والمترجم سمير سرحان أن يجمع بين الأجزاء الثلاثة بين دفَّتَي مجلَّد واحد، ما دام الخيط الزمني ممتدًّا ولم ينقطع؛ حتى يُيسِّر على القارئ العربي متابعةَ الأحداث الأدبية التي أَرْويها، فهي أحداثٌ متصلة يُفضي بعضُها إلى بعض، ويصبُّ بعضُها في البعض، وهي ذاتيةٌ لأنني أرويها من وجهة نظري الخاصة، ولكنها موضوعيةٌ أيضًا لأنها تتناول الأحداثَ الأدبية العامة في مصر في النصف الأخير من القرن العشرين، وتعتبر مِن ثَمَّ شهادةً على عصر التحوُّلات الكبرى في المجالات الأدبية المذكورة؛ في المسرح، وهو الفن الأدبي الذي أكتبه، وفي النقد، وهو الفرع الأدبي الذي أمارسه بحكم التخصُّص العِلمي، والترجمة وهي النشاط الذي توفَّرتُ عليه احترافًا وهوايةً، بل وحُبًّا جارفًا كاد أن يجورَ على حبي للمَجالَين الأوَّلَين، وأقصد بالتحول بزوغَ مفاهيم جديدة في كل مجال ورسوخَ أقدامها، وهو ما يهم المتخصص وغير المتخصص على حدٍّ سواء.

ولقد عُدتُ إلى زيارة هذه الواحات هذا العام (٢٠٠٢م)، فوجدتُ حكايات كنتُ أهملتُها في غُضون حرصي على التسلسل الزمني الصارم لواحات العمر، وألحَّ عليَّ بعضُ الأصدقاء ممَّن أُكِنُّ لهم الاحترام والتقدير والحبَّ أن أُفرِد لها كتابًا يكون ذيلًا أو ذيولًا للواحات، ففعلتُ ذلك، وسوف تصدر حكاياتُ الواحات باعتبارها من حواشي واحات العمر في وقتٍ قريب، بإذن الله، في مجلد صغير منفصل.

وبعد، فلقد احتفظتُ في هذه السيرة الأدبية الكاملة بكل ما تمَيَّزتْ به الأجزاء المستقلَّة، ولم أشأ تغييرَ شيء، بما في ذلك التصديرات والمقدمات، عسى أن يجدَ فيها القارئُ صورةً لعصر كامل من التحوُّلات، بألوانها المختلفة وكل ما تحفل به من تضارُبٍ أو اتِّساق؛ فالسيرة الذاتية الأدبية تجمع بين خصائص الأدب وخصائص التاريخ، وفيهما ما فيهما من فنٍّ وتسرية، والله من وراء القصد.

محمد عناني، ٢٠٠٢م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤