تصدير

هذه فصولٌ من ترجمةٍ ذاتية حاولتُ التزامَ الصدق فيها إلى أبعدِ مدًى ممكن، ولكن الصدق لا يأتي دائمًا بالحقيقة، فالحقيقة «فرض» يضعه الكاتب لما يظنُّ أنه رآه أو سمعه، وقد يصدق الظنُّ أو يكذب، ولكن المَشاهد والمَسامع تظلُّ حيةً في ذهنه، وقد تتلوَّن بتلوُّن الدنيا من حولِه، أو بتلونه هو مع الدنيا، وقد آثرتُ عندما قررت زيارةَ واحات العمر أن أتجرَّد مما أصبحتُ عليه اليوم، وأن أعيش فيها من جديدٍ بالقلب القديم والعقل القديم معًا، ولكنْ هيهات! فقد تَصدُقُ الذاكرة ويخون الإحساس! وقد يخرج المشهد صادقًا (وَفقًا للمُذكِّرات التي كنتُ أسجِّل فيها ما يحدث بانتظام، وللخطابات التي تشهد على ما وقع)، ولكن الإحساس المصاحب له قد يختلف فيُغير من معناه.

ولذلك فإذا رأى بعضُ مَن عاش في هذه الواحات معي في تلك السنوات الحافلة أنني أغفلتُ ما لا ينبغي أن أُغفل، أو دسَستُ من مشاعري الحاليَّة ما لا ينبغي أن أدُسَّه، فعذري أنني تغيرت، وما فتئتُ أتغير، وقد أعود لما أغفلتُ في الجزء المقبل من الترجمة.

محمد عناني
القاهرة ١٩٩٧م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤