جحيم، طريق، أرض

القسم الثالث – اللوحة الثانية

(قسم من أقسام الشرطة – الحجز – حجرة مربعة ذات جدران بيضاء؛ الأرضية من بلاط بني غامق – للخلف بابان كبيران مربعان من الحديد الأسود يمكن تحريكهما، تؤدي إليهما سلالم. في الوسط مائدة سوداء ضخمة من الحديد، تشبه محطة تحويل. وعلى اللوح ثُبِّتت لمبات حمراء للتنبيه، تتصل كل منها ﺑ «ضلفة» أو خانة لها غطاء، إلى اليمين واليسار أبواب صغيرة من الحديد الأسود، أريكة من الحديد الأسود يجلس عليها ثلاثة جنود متصلبين في سن الشباب، الضابط يجلس إلى المائدة الضخمة وينظر أمامه نظرات جامدة تناسب طبيعة عمله. سكون. تضيء اللمبة الحمراء فتسمع قرقعة في المحول.)

الضابط (يرفع الغطاء عن إحدى الخانات، يخرج منه دوسيهًا أو «تذكرة» ينزع منها بطاقة حمراء يقرؤها ويقول) : يا عسكري.

(الجندي المكلَّف بشئون المعتقلين يقترب من المائدة.)

الضابط (يعطيه البطاقة الحمراء) : الحجز.

(الجندي ينصرف متجهًا إلى اليسار.)

(الضابط يعيد التذكرة إلى مكانها، يغلق الغطاء، يضغط على رافعة فتنبعث من المحول خشخشة تستمر فترة قصيرة، تنطفئ لمبة الإشارة الحمراء. سكون. يدخل من اليمين جندي آخر ومعه أحد المعتقلين، وهو رجل ملتحٍ يمشي في خطوات هادئة.)

الجندي : المعتقل.
الضابط (للمعتقل) : هل شخصيتك مطابقة للبطاقة الحمراء؟
المعتقل (يتطلع للسقف، يتلفت حوله – يُحدِّق في أنحاء الحجرة – يدمدم غاضبًا) : لست مذنبًا!
الضابط : السؤال محدد؛ شخصيتك تطابق البطاقة؟
المعتقل : لست مذنبًا بهذه الصورة.
الضابط : السؤال للمرة الثالثة؛ هل أنت الشخص الموجود في هذه البطاقة؟
المعتقل (صارخًا) : ليس هناك مذهب بهذه الصورة.
هنا، بعيدًا عن كل الناس (يهز ذراعيه).

(الجندي يُسرع بوضع الحديد في يده.)

الضابط : ثبتت شخصية المعتقل.

(الجندي يقود المعتقل إلى الباب الأيمن الموجود في الخلف. يدفع الباب. لا تزال شبكة السلك الموجودة أمام الحجرة في الضوء الخافت، وقد وضع فيها المعتقلون من الرجال وأيديهم في الحديد، يخبطون على السلك هاتفين: لست مذنبًا، الجندي يفتح السلك ويدفع المعتقل بداخله. يغلق السلك والباب، يتجه إلى اليسار ويجلس في مكانه متصلبًا. سكون فرقعة في المحول – تضيء اللمبة الحمراء.)

الضابط (يرفع الغطاء — يخرج التذكرة — يقرأ البطاقة الحمراء) : عسكري.

(الجندي الثالث يتقدَّم نحو المحول.)

الضابط : الحجز.

(الجندي ينصرف ناحية اليسار.)

(الضابط يضع التذكرة في مكانها. يغلق الخانة بوضع الغطاء عليها. يضغط على الرافعة، تنطفئ اللمبة الحمراء.)

(سكون. يظهر الجندي آتيًا من اليمين ومعه سيدة على رأسها قبعة.)

الجندي : المعتقل.
الضابط : السؤال محدد: هل شخصيتك مطابقة للبطاقة؟
المعتقلة (تُحدِّق في جدران الحجرة تُجمجم قائلة) : لست مذنبة.
الضابط (للسيدة) : هل شخصيتك مطابقة لهذه البطاقة الحمراء؟
المعتقلة (بصوت أكثر حدَّة) : لست مذنبة.
الضابط : السؤال للمرة الثالثة؛ هل أنتِ الشخص الموجود على هذه البطاقة الحمراء؟
المعتقلة (تنهار وتسقط على ركبتَيها. تتشبث يداها بالمائدة) : ليس هناك مذنب إلى هذا الحد. هنا بعيدًا عن البشر.

(الجندي يضع الحديد في يدَيها.)

الضابط : ثبتت شخصية المعتقلة.
(الجندي يسوق المعتقلة إلى الباب الأيسر إلى الخلف. يفتح الباب. المكان مثل المكان الذي سبق وصفه تتجمع فيه نساء تَصدُر عنهن نفس الحركات والنداءات: لست مذنبة. الجندي يدفع بالمعتقلة إلى داخل السلك ثم يُغلقه وينتظر ناحية اليسار. سكون. يدخل شباتسيرر١ من اليسار وهو لا يزال يحمل حقيبته في يده.)
شباتسيرر (أمام المائدة) : هناك جريمة قتل تُرتكب، ولا وقت نضيعه.
الضابط (يرفع رأسه ويتطلع إليه) : هل تقدم بلاغًا؟
شباتسيرر : نعم أقدم هذا البلاغ: هناك جريمة قتل.
الضابط : ومن المقتول؟
شباتسيرر : لا وقت نضيعه؛ الجاني يكسِب الوقت.
الضابط : اسم الجاني؟
شباتسيرر : لا أعلم. في الفندق الكبير، في الصالون الذهبي، سيدة سيدة مع صديقتها في حلة سفر — نزيلة الفندق الكبير — وسترتكب جريمة قتل.
الضابط : والسبب؟
شباتسيرر : النية، مع سبق الإصرار، بموافقة الصديقة، والتحذير من جانبي.
الضابط : هل كان عندك علم بالنية؟
شباتسيرر : لا وقت نضيعه. ستسافر السيدة مساء، وبين هذه اللحظة وحلول المساء يحدث ما يحدث.
الضابط : ماذا سيحدث؟
شباتسيرر : جريمة قتل.
الضابط : ألم تتم الجريمة؟
شباتسيرر : النية موجودة. والفعل يزحف، ولا بد أن يزحف مع كل لحظة نحو الجريمة.
الضابط : من الذي يتعرض للخطر؟
شباتسيرر : صديق، معرفة، واحد من الناس، لماذا؟
الضابط : من الممكن حمايته.
شباتسيرر : إنه لا يعيش في هذه المدينة.
الضابط : من الذي سينفذ الجريمة في المدينة الأخرى؟
شباتسيرر : السيدة.
الضابط : هل تحرض شخصًا ثالثًا؟
شباتسيرر : إنها تقتل هنا، وتقتل هناك؛ لا تضيع الوقت!
الضابط : لا توجد جريمة قتل إلا إذا قام بها أحد أو حرَّض عليها.
شباتسيرر : أتقول إنه غير ممكن؟ القتل غير ممكن؟ على أسطح البيوت، في المدن، في محطات السكك الحديدية، حول الكرة الأرضية، في كل بقاع العالم. وتقول غير ممكن؟

(تسمع فرقعة في المحول. تضيء لمبتان.)

الضابط (على المحول) : عسكري، عسكري.

(جنديان يتقدمان ويقفان أمام المحول.)

الضابط (يعطي كلًّا منهما بطاقة حمراء) : الحجز، الحجز.

(الجنديان ينصرفان من اليسار.)

شباتسيرر (يخرج برقية من حقيبته) : البرقية التي أرسلها الصديق، المعرفة، الواحد، اقرأ يا حضرة الضابط.

(الضابط يقرأ البرقية.)

شباتسيرر : لن أستطيع الرد عليه. إنني لا أملك شيئًا. تعرفت على الصديقة، وعن طريقها على السيدة. أخبرها بما يحدث، إن لم يُتخذ إجراء، فستشتري السيدة جواهر من الصائغ وتدفع فيها أكثر من ضعف الثمن المطلوب. إنها تستطيع أن تشتريَ جواهر. تستطيع أن تفعل المطلوب، ولا تفعله.
الضابط : على أي شيء بنيت اشتباهك في توفُّر النية على القتل؟
شباتسيرر : أنا لا أبني شيئًا، وإنما أُجرِّب. إنني أسمع بأذني وأرى بعيني. إنني أعلم أن هناك شيئًا يمكن منع وقوعه من هذه اللحظة حتى المساء، ولكن لن يمنع وقوعه أحد.
الضابط (يعيد إليه البرقية) : لا يمكن القبض على السيدة.
شباتسيرر : لأن الجريمة لم تتم بعد؟
الضابط : لأن النية غير متوفرة.

(يدخل الجندي من اليمين ومعه معتقل شاب.)

الجندي : المعتقل.
الضابط (للمعتقل) : هل شخصيتك مطابقة لهذه البطاقة الحمراء؟
المعتقل (يتلفت حوله، يقول في صوت كالأنين) : لست مذنبًا.
الضابط : السؤال هو: هل شخصيتك مطابقة للبطاقة؟
المعتقل : لست مذنبًا، بهذه الصورة.
الضابط : السؤال لثالث مرة: هل أنت نفس الشخص الموجود في البطاقة؟
المعتقل (يضرب الأرض بقدمَيه) : ليس هناك مذنب بهذه الطريقة، معزولًا هكذا عن البشر.
الضابط : ثبتت شخصية المعتقل.

(الجندي يقيد المعتقل. يسوقه إلى اليمين: إشارات الرجال الواقفين وراء السلك وصياحهم. المعتقل يدخل معهم، الجندي يعود إلى مكانه الأول ناحية اليسار.)

شباتسيرر : يا حضرة الضابط، اتخذ الإجراء اللازم؛ الإجراء الذي ستكون له نتائجه المحققة. الجريمة لم تحدث، الجريمة ليست مجرد نية. أوقف الصفقة قبل أن تتم. ابحث عن حُجة تمنع بها السيدة من السفر. إنها تُزمع السفر، وأنت تشتبه فيها. احجزها حتى نعثُر على الأدلة، وسوف يتضح في المساء أن كل شيء كان خطأ.

(الضابط يضع التذكرة في مكانها. يغلق الخانة المخصصة لها.)

شباتسيرر : لن يمكنها الآن أن تذهب إلى الصائغ. ستتنبه حواسها، فيخطر لها أنه لا يجب عليها أن تشتريَ شيئًا منه، وأن الواجب يُحتِّم عليها أن تُنقذ حياة إنسان ما. ستستقر الفكرة في ضميرها وتنجح في التأثير عليها. ستثير المعرفة الحماس المتوهج في نفسها فتتدفق من يديها المعونة الكريمة بلا ضغط أو إكراه، بل عن حرية وسخاء.

(الضابط صامت لا يتكلم.)

شباتسيرر : يا حضرة الضابط، إنها تعلم، ولكن تنتظر من يدفعها دفعةً قويةً. إنها على علم بالخطر الذي يتعرَّض له الإنسان المجهول. ولكن هذه المعرفة لم تستقر بعدُ في ضميرها، فهي مع إحساسها الغامض بالمسئولية لا تزال في حاجة لتوجيه محدد؛ وهو الإكراه على الحصول على السعادة عن طريق مساعدة إنسان مجهول قد يكون موجودًا في أي مكان.

(الضابط لا يزال جامدًا متصلبًا.)

شباتسيرر (سيدي الضابط) : بطاقة السيدة.

(الضابط لا يتغير موقفه.)

شباتسيرر : يا حضرة الضابط، البطاقة الحمراء.

(الضابط نفس الموقف السابق.)

شباتسيرر : البطاقة.

(يدخل الجنديان من اليسار ومعهما اثنان من المعتقلين: امرأة تربط رأسها بمنديل، ورجل عاري الرأس.)

الضابط (للمعتقلين) : هل شخصيتكما مطابقة للبطاقة الحمراء؟
المعتقل (يرفع يديه إلى المرأة) : لست مذنبًا.
المعتقلة (ترفع يديها إلى الرجل) : لست مذنبة.
الضابط : السؤال: هل شخصيتكما مطابقة لهذه البطاقة؟
المعتقل (يمدُّ ذراعيه نحو المرأة) : لست مذنبًا بهذه الصورة.
المعتقلة (تمد ذراعَيها نحو الرجل) : لست مذنبة بهذه الصورة.
الضابط : السؤال للمرة الثالثة: هل شخصيتكما مطابقة لهاتين البطاقتين؟
المعتقل (يحاول أن يقترب من المرأة فيمنعه الجندي ويضع الحديد في يده) : لست مذنبًا بهذه الصورة حتى أبعد عنك.
المعتقلة (تحاول أن تقترب من الرجل فيمنعها الجندي ويضع القيد الحديدي حول يديها) : لست مذنبة بهذه الصورة حتى أبعد عنك.
الضابط : ثبتت شخصية المعتقلين.

(الجنديان يسوقان الرجل والمرأة إلى باب السلك المخصص للرجال والنساء. يفتحان البابين.)

المعتقل : لست مذنبًا بهذه الصورة.
الرجال (من وراء السلك) : ما من أحد مذنب بهذه الصورة.
المعتقلة : لست مذنبة بهذه الصورة.
النساء (من وراء السلك) : معزولين عن البشر.

(الجنود يدفعان المعتقلين إلى الداخل ويُغلقان الباب ويعودان إلى اليسار.)

(شباتسيرر يتعثَّر في طريقه إلى الخارج.)

١  المعنى الحرفي لهذا الاسم هو (المتجول أو المتنزه) ولعل التسمية أن تكون بالغة الدلالة على شخصيته وطريقة اختيار التعبيريين بوجهٍ عام لشخصياتهم المسرحية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤