الفصل الثاني والعشرون

عندما عاد جون كينيون من الشمال ودخل مكتب صديقه ونتوورث، وجد صديقه ولونجوورث الشابَّ يتحدثان في الغرفة الخارجية.

قال ونتوورث، بعد أن صافحه: «هناك رسالةٌ من أجلك على مكتبي.» ثم أردف: «سأكون هناك في غضون دقيقة.»

دخل كينيون الغرفة ووجد الرسالة. ثم فعل شيئًا لا علاقة له بعالم الأعمال على الإطلاق. لقد قبَّل الكتابة ووضع الرسالةَ في دفتر ملاحظته. وهذا الفعل يستحقُّ الذِّكر لأنه شيء غير معتاد في حي السيتي. بوجهٍ عام، العاملون في حي السيتي لا يُقبِّلون المراسلاتِ الخاصةَ بالعمل، والرسالة التي تلقَّاها جون كانت بكل تأكيد إحدى مراسلات العمل، التي تتعلَّق فقط بالمنجم، وبعلاقته المنتظرة بويليام لونجوورث. لقد تساءل ما إذا كان يجب عليه أن يكتب ردًّا عليها أم لا.

لقد جلس على مكتب ونتوورث، وصادفته مشكلةٌ في أول خطوة في الكتابة. لم يكن يعرف كيف يُخاطب الفتاة. كان لا يعرف هل يخاطبها ﺑ «عزيزتي الآنسة لونجوورث» أو «سيدتي العزيزة» أو ما إذا كان سيستخدم صفة «عزيزة» من الأساس أم لا؛ وكان يُفكر في هذا عندما دخل ونتوورث وهو مليءٌ بالحيوية.

قال الأخير، بينما كان جون يُمزق إحدى أوراق دفتر ملاحظات إلى قطعٍ صغيرة، ويُلقي بها في سلة المهملات: «حسنًا، كيف سارت الأمور معك؟ رسائلك كانت قصيرةً للغاية في واقع الأمر، لكنها كانت في الصميم إلى حدٍّ كبير. يبدو أنك قد نجحت في مهمتك.»

«نعم، لقد نجحتُ بشدة. لقد حصلت على كل الأرقام والأسعار وكلِّ شيء آخر من الضروري الحصولُ عليه. لقد نجحتُ في التعامل مع الجميع فيما عدا براند، الذي كتب تلك الرسالةَ إليك. أنا لا يُمكنني فَهمُه على الإطلاق. لم يُعطِني أي معلومات، واستطاع منعَ أيِّ شخص آخر في شركته مِن فعل ذلك. لقد سخر من خُطتِنا؛ في واقع الأمر، هو لم يستمع إليها. وقال إنه ليس من المعتاد بالنسبة إلى أصحاب الأعمال أن يُعطوا معلوماتٍ عن أعمالهم؛ وهو في ذلك، بالطبع، على حق تمامًا؛ ولكن عندما حاولتُ مناقشته حول ما إذا كانت تلك المادة تُستخدَم في مصنعه أم لا، لم يستمع إليَّ. وسألته ما الذي يستخدمه مكانها، لكنه لم يخبرني. في المجمل، هو رجلٌ غريب للغاية، وأعترف أنني لم أفهمه.»

«أوه، إن أمره لا يُهمنا على الإطلاق. لقد كنت أتحدث مع لونجوورث لتوي عن خطابه العجيب هذا، واتفق معي على أنه غيرُ مهم. وقال، وقوله صحيحٌ تمامًا، إن المرء في كل مجال يجد بعضَ الأشخاص الذين من الصعب التعاملُ معهم.»

«نعم، إن الأمر هكذا؛ لكنه مع ذلك إما أنه يستخدم تلك المادة وإمَّا لا. يُمكنني فهمُ شخصٍ يقول: «نحن لسنا بحاجة إلى تلك المادة، لأننا نستخدم مادةً أخرى.» لكن هذا أحدُ الأشياء التي لم يَقُلها براند.»

«حسنًا، ليس من المجدي الحديثُ عنه. بالمناسبة، أعتقد أن لديك كلَّ الأرقام والملاحظات معك؟»

«نعم، لديَّ كل شيء.»

«رائع جدًّا. اتركها معي، وسأرتِّبها على نحوٍ ما. يقول لونجوورث إن علينا طباعةَ كلِّ شيء متعلقٍ بهذا الأمر؛ بياناتك وكل شيء.»

«هذا سيتكلَّف الكثير من المال، أليس كذلك؟»

«لا، ليس كثيرًا. يبدو أن هذا ضروري. لا بد أن تكون لدينا مادةٌ مطبوعة كي نُعطِيَها لمن يطلبون الحصولَ على معلومات. سيكون من المستحيل شرحُ الأمر على نحوٍ شخصي لكل شخص يستعلم عن الأمر، وعرضُ هذه الوثائق عليه.»

«نعم، أعتقد ذلك.»

«كان لونجوورث يتحدث إليَّ لتوه عن المقر الذي رآه للشركة، وهو يتطلَّع للحصول عليه على الفور. إنه مهتم بهذا الأمر.»

«هل تعتقد أننا بحاجةٍ إلى مقر؟ لماذا لا يمكن القيامُ بالعمل هنا؛ أو ربما سيفي بالغرض إن أمكنَنا الحصولُ على غرفة هنا في هذا الطابق؛ حينها، سنُصبح قريبين بعضنا من بعض، وسنستطيع التواصلَ عند الضرورة؟»

«يبدو أن لونجوورث يُفكر بطريقة مختلفة. إنه يقول إننا يجب أن نُبهر الناس، ولذا هو متحمِّس للحصول على مقرٍّ فخم.»

«نعم، لكن مَن سيدفع ثمنه؟»

«عجبًا، نحن بالطبع؛ أنت ولونجوورث وأنا.»

«هل لديك المالُ المطلوب؟»

«لديَّ بعض المال. أعتقد أننا سيكون لدينا ما يكفي لإتمام الأمر، وإن لم يكن الوضعُ كذلك، فيمكننا بسهولة الحصولُ على المال اللازم، وتسوية الأمور في نهاية المشروع.»

«حسنًا، أنت تعرف أنني ليس لديَّ مالٌ لأنفقه.»

«أوه، أنا أعرف ذلك بالقدر الكافي. ربما سيُساعدنا لونجوورث؛ لأن هذا النوع من الأمور، بحسَب قوله، يمكن أن يُفسده التقتير. لقد رأى، ورأيت أنا كذلك، العديد من الأعمال وهي تنهار بسبب الاقتصاد الزائف.»

«لكن يبدو لي أن كلَّ هذا يُعَد تكلفةً لا داعيَ لها. إننا نريد فقط جذْبَ بعضِ المستثمرين المهتمِّين بمشروعنا، وإن كان هؤلاء حُكماء، فإنهم سينظرون إلى احتمالية الحصول على ربحٍ جيد وليس إلى المقر الفخم.»

«رائعٌ للغاية، يا جون؛ احصل أنت على هؤلاء الرجال، وسأكون ممتنًّا. أنا أتطلَّع بالتأكيد لإتمام هذا الأمر بطريقة رخيصة كما تفعل. وإن كنتَ تعتقد أن بإمكانك الذَّهابَ وإثارةَ اهتمام دُزَينة أو اثنتَين من المستثمرين في حي السيتي، وإقناعَهم بشراء منجمنا، فسأدافع عن طريقتك في التعامل حتى تُتِم الأمر. هل يمكنك فعل ذلك؟»

فكَّر كينيون لبضع دقائق، ثم قال: «أعتقد أن هذا سيكون شيئًا من الصعب القيامُ به بعض الشيء.»

«نعم، هذه هي الطريقة التي أرى بها الأمر. أنا لا أعرف لمن يُمكنني الذَّهاب. إن لونجوورث رجلٌ رائع، وقد ذهبنا إليه. والآن، يبدو لي، بعد أن حصلنا على مساعدته، أن أقل ما يُمكننا فعله، ما لم نكن مستعدِّين لجذب المستثمرين بأنفسنا على الفور، هو أن نتصرف وفقَ ما يريد.»

«نعم، أنا أُقدِّر ذلك بشدة، وأعي أيضًا حقيقة أن التقتير الشديد ليس أفضلَ أسلوب؛ لكن على الجانب الآخر، يا جورج، كيف لنا أن نقوم بأدوارنا مع لونجوورث؟ إن أفكاره وأفكارك عن الاقتصاد قد تكونان مختلفتَين تمامًا. فما يكون مبلغًا تافهًا بالنسبة إليه قد يُؤدي بنا إلى الإفلاس إن دفعناه!»

«أعي ذلك. حسنًا، إنه سيأتي إلى هنا عصرَ هذا اليومِ في الساعة الثالثة. إن استطعتَ أن تكون هنا في هذا الوقت، فتحدَّثْ إليه. وفي غضون ذلك، سأفحصُ الأوراق وأرتِّبها على نحوٍ مُجدوَل.»

«رائع جدًّا؛ سوف أكون هنا في الساعة الثالثة.»

سيكون من الصعب تصديقُ أن رجلَ أعمال مثل جون كينيون قد قضى معظمَ الوقت بين تلك الساعة والساعة الثالثة في محاولةِ كتابةِ رسالةِ عملٍ ردًّا على رسالة العمل التي تلقَّاها في صباح ذلك اليوم. لكن تلك كانت هي الحقيقةَ المدهشة، وقد أوضح هذا، ربما أكثر من أيِّ شيء آخر، كيف أن السيد جون كينيون لم يكن الشخصَ الملائم على الإطلاق للانضمام إلى مشروع تِجاري في مدينةٍ تضم رجالَ أعمالٍ عمَليِّين صَعْبي المِراس. لكن، في النهاية، أُرسِلَت الرسالة، وأسرع كينيون ليصل في الوقت المناسب لميعاده الذي في الساعة الثالثة. ووجد ونتوورث والسيد لونجوورث الشابَّ معًا، وكان الأخيرُ يبدو كشابٍّ من منطقة وست إند أكثرَ منه رجلَ أعمالٍ تقليديًّا من حي السيتي. كانت نظارته الأحادية مثبتةً في عينه، ولمعت باتجاه كينيون عندما دخل. وكان من الواضح أن شيئًا كان يُقلق ونتوورث، وكان من الواضح على نحوٍ مماثل، أن هذا الشيء، أيًّا ما كان، كان لا يُقلق لونجوورث الشاب.

كانت تحية ونتوورث له: «لقد تأخرتَ، يا جون.»

رد: «قليلًا.» وأردف: «لقد أخرَني الازدحام المروري.»

ساد الصمتُ لبضع لحظات، وبدا أن ونتوورث ينتظر أن يتحدث لونجوورث. وفي النهاية، قال لونجوورث:

«لقد نجحتُ بالفعل في الحصول على مقرٍّ فخم للشركة، وكنتُ أخبر السيد ونتوورث بشأنه. كما تعرف، ليس من السهل جدًّا استئجارُ مقرٍّ في منطقة جيدة من حي السيتي بالأسبوع. إنهم لا يسعَوْن لتأجيره بهذه الطريقة لأنه بينما يستأجرُه المستأجر الأسبوعي، قد يكون عليهم صرف شخصٍ آخر، يريده لمدَّة أطول.»

قال كينيون بطريقة متحفِّظة: «نعم.»

«حسنًا، لقد حصلتُ على المقر الذي نحتاج إليه تمامًا، وتركتُ الرجالَ الآن ينقشون على النوافذ اسمَ الشركة بأحرفٍ ذهبية. لقد استأجرتُ المقر تحت اسم «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا» الذي سيظهر على النوافذ ذات الزجاج المسطَّح في غضون وقتٍ قصير جدًّا. والآن، يبدو أن السيد ونتوورث يعتقد أن المقر غالٍ بعضَ الشيء. وقد أخبرتُه من قبل عن رأيي في مسألة التكلفة. وربما، قبل أن يُقال أيُّ شيء آخر في هذا الموضوع، من الأفضل أن نذهب ونُلقي نظرةً على المقر.»

سأل كينيون: «ما تكلفة استئجاره في الأسبوع؟»

لم يُجب السيد لونجوورث الشاب؛ لأنَّ نظارته الأحادية في تلك اللحظة سقطَت من مكانها، وكان عليه تعديلُ وضعها مرة ثانية؛ لكن ونتوورث انفجر قائلًا الكلمتين: «ثلاثون جنيهًا.»

صرخ جون: «في «الأسبوع»؟»

قال لونجوورث، بعد أن نجح في تثبيت العدسة الزجاجية على عينه: «نعم … نعم؛ يبدو أن السيد ونتوورث يظن أن هذا مبلغ كبير، لكنني أُراهنه أن يحصل على مقرٍّ فخم كهذا بسعرٍ أقلَّ من هذا. إنه سيُكلف كلًّا منا عشرة جنيهات فقط في الأسبوع. لكن، قبل أن تحكما على مدى غلوِّ أو رِخَص ثمنه، يجب أن ترَياه. إن سألتماني، سأقول لكما إنها صفقة رابحة.»

قال كينيون: «رائع للغاية.» وأردف: «أيسمح وقتُك يا جورج؟»

دفع ونتوورث، دون أن يرد، الأوراقَ داخل المكتب وأغلقه. وخرج الشباب الثلاثة معًا، وبعد مشيٍ قصير، وصلوا إلى النوافذ الكبيرة ذات الزجاج المسطَّح، حيث كان يوجد رجلٌ على سُلَّم وكان يكتب بالطباشير الكلماتِ «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا» في نصف دائرة.

قال لونجوورث: «كما ترون، يُعَد هذا واحدًا من أفضل المواقع في حي السيتي. وكما قلتُ من قبل، أشكُّ أن بإمكانكما الحصولَ على أيِّ مكان مثل هذا وبهذا السعر.»

لم يكن بإمكانهما إنكارُ روعة الموقع، أو أن الزجاج المسطَّح بدا فخمًا بشدة وأن الحروف الذهبية رائعة جدًّا؛ لكن بدَت تكلفة استئجار هذا المقر ربما لشهرين أو ثلاثة أشهر صادمةً بالنسبة إليهما.

قال لونجوورث الشاب على نحوٍ لطيف: «ادخلا، وأنا على يقين أنكما ستُعجَبان بالمقر الذي حصلنا عليه.» ثم أضاف، وهو يدخل ويومئ للنجَّارين الذين كانوا يعملون هناك: «كما ترون، هذا سيكون مكتبَ الاستقبال، حيث سيجري استقبال الناس. وهنا لدينا غرفةٌ لمراجع حسابات أو اثنين، وسكرتيركما. والغرفة الخلفية، التي ترَون أنها أيضًا مضاءةٌ جيدًا، ستكون هي المكانَ الذي سيجتمع فيه رجالُنا. ستكون هنا طاولة طويلة وكبيرة، وعدد من الكراسي، وهذه ستكون غرفةَ الشركاء.»

سأل كينيون: «هل الثلاثون جنيهًا في الأسبوع تشمل تأثيثَ المكان؟»

«أوه، باركك الله، لا! أنت بالتأكيد لا تستطيع توقُّعَ هذا؟ سيكون علينا إحضارُ الأثاث، بالطبع.»

«وهل تنوي أن تُحضر إلى هنا مكاتبَ وطاولةَ استقبال وما يُماثلهما من أشياء؟»

«بالطبع. وإلى جانب هذا، سنُحضر خزينةً كبيرة. لا يوجد شيء يمكن أن يُبهر الناس مثل خزينة كبيرة، منقوش عليها بأحرف ذهبية اسمُ الشركة.»

«وكم ستكون تكلفةُ تأثيث هذا المكان؟»

«في واقع الأمر، أنا لا أعرف. سيقوم الناس الذين استأجرتهم بالأمر بسعرٍ معقول جدًّا. لقد قاموا بخدماتٍ لي من قبل. إن المساومة حول التكلفة قبلَ إتمام الأمر لن تُؤدِّيَ للحصول على سعرٍ أقل؛ هذا ما اكتشفتُه.»

قال كينيون: «أنا لا أعرف كيف سندفع نصيبنا من كلِّ هذا.»

«لا يوجد شيءٌ أسهلُ من ذلك، يا صغيري؛ لقد رتبتُ كلَّ هذا. سأدفع لهم نصيبي وهو الثلثُ نقدًا عندما يُنهون العمل، واتفقت معهم على أن ينتظروا ثلاثةَ أشهر كي يحصلوا على الباقي. وبحلول ذلك الوقت، سيكون لدى كلٍّ منكما ستون ألف جنيه، ولن تكون تكلفةٌ صغيرةٌ كهذه شيئًا بالنسبة إليكما.»

بدا كينيون متجهمًا.

وقال: «يبدو الأمر قليلًا مثل عدِّ الفراخ قبل أن يفقس البيض.»

ضحك لونجوورث وقال: «آه، وكلُّها ستفقس على ما يُرام.» ثم سقطَت عدسة نظارته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤