الفصل الثالث والثلاثون

عندما تسلَّم جورج ونتوورث تلك البرقية، قرأها عدة مرات جيدًا قبل أن يتجلَّى له معناها الكامل. ثم أخذ يَذْرع غرفته ذهابًا وإيابًا، وأطلق العِنان لمشاعره. إن أفضل أصدقائه، الذين حَظُوا بفرصة الاستماع لجورج وهو غاضبٌ بشدة، أقروا بأن هذا الشاب كانت لديه طَلاقةٌ في التعبير تتميز بأنها موجزة على نحوٍ بليغ أكثرَ من كونها ملائمة. وعندما أصبح المغزى الحقيقيُّ للبرقية واضحًا أمامه، تفوَّق جورج على نفسه في هذه الناحية بالذات. ثم أدرك أنه مهما كانت قدرةُ هذه اللغة على مواساة رجلٍ غاضب للغاية، فإنها ليست ذاتَ جدوى كبيرةٍ بأي نحوٍ عمَلي. لذا، أخذ يذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا في صمت، ويسأل نفسه عما يُمكنه فعله، وكلما فكَّر في الأمر، قلَّ احتمال رؤيته لحل. لذا، ارتدى قبعته وذهب إلى الغرفة الأخرى.

وقال لشريكه: «هنري، هل تعرف أحدًا يُمكنه إقراضي عشرين ألف جنيه؟»

ضحك هنري. إن فكرة قيام شخصٍ بإقراض هذا المبلغ، إلا إذا كانت هناك ضمانةٌ كبيرة جدًّا، كانت في حدِّ ذاتها مضحكةً للغاية.

قال: «هل تريده اليوم؟»

«نعم، أريده اليوم.»

«حسنًا، أنا لا أعرف أيَّ طريقة أفضلَ لفعل ذلك من أن تخرج إلى الشارع وتسأل أيَّ شخص تُقابله إن كان معه هذا المبلغ. أنت بالتأكيد ستصادف أشخاصًا معهم أكثرُ من عشرين ألف جنيه بكثير، وربما أحدهم، بعد أن يُعجَب بمظهرك الرزين في تلك اللحظة، سيعطيك المبلغ. لكنني أعتقد، يا جورج، أنك ستنجح في مسعاك أكثرَ إن قابلتَ صاحب رأس المال في حارة منعزلة في إحدى الليالي المظلمة، واصطحبتَ معك عصًا قوية.»

رد جورج: «أنت على حق.» ثم أضاف: «بالطبع، إن احتمال صعودي للقمر يتساوى مع احتمال حصولي على هذا المبلغ من المال في غضون وقتٍ قصير.»

«نعم، أو أيضًا في غضون وقت طويل، بحسب اعتقادي. أعرف الكثير من الأشخاص الذين لديهم أموال، لكنني لن آخذَ على عاتقي طلبَ هذا المبلغ منهم، وأعتقد أنك لن تفعل. ومع ذلك، إن السبيل الوحيد المتاحَ أمامك هو المحاولة. إن مَن يُحاول قد ينجح، لكن لا يمكن لأحدٍ أن ينجح دون أن يُحاول. لماذا لا تذهب للونجوورث العجوز؟ إنه يمكن أن يُقرِضَك المبلغ في لحظة إن أراد أن يفعل هذا. إنه يعرفك. ما الضمانة التي لديك؟ ما الذي ستفعله به؛ ذلك المنجم السرمديُّ الخاص بك؟»

«نعم، هذا «المنجم السرمدي»؛ أريده أن يكون مِلكي. هذا ما أريد العشرين ألف جنيه من أجله.»

«حسنًا، يا جورج، أنا لا أرى أنَّ هناك أملًا كبيرًا أمامك. أنت لم تتحدث مع لونجوورث العجوز بشأن هذا الأمر، أليس كذلك؟ إنه لم يكن من ضمن الأشخاص الذين أردتَ انضمامهم لهذه الشركة، أليس كذلك؟»

«نعم، إنه لم يكن كذلك. أتمنى لو كان كذلك. إنه كان سيتعامل معنا على نحوٍ أفضل مما فعل ابنُ أخيه الوغد.»

«آه، إن هذا الشاب الذي لا غبار عليه كان يُمارس عليك بعض ألاعيبِ الخداع، أليس كذلك؟»

«لقد خدَعني في شيء واحد، وكان ذلك كافيًا.»

«حسنًا، لماذا لا تذهب وتقابل الرجل العجوز، وتكشف الأمر أمامه؟ إنه يُعامل ابن عمه كما لو كان ابنه. إن أيَّ شخص سيفعل الكثيرَ من أجل ابنه، وربما يفعل لونجوورث العجوز شيئًا من أجل ابن أخيه.»

«نعم، لكن يجب عليَّ أن أوضح له أن ابنَ أخيه نذل.»

«رائعٌ للغاية؛ هذا بالضبط هو نوع التوضيح الذي سيجعلك تحصل على العشرين ألف جنيه. إن كان ابنُ أخيه نذلًا بحق، ويُمكنك إثباتُ هذا، فأنت لن تحتاج إلى حُجة أفضل من ذلك للحصول على أموال الرجل العجوز.»

رد ونتوورث: «يا إلهي! أعتقد أنني سأقوم بتلك المحاولة. أريد أن أجعله يعرف، على أيِّ حال، حقيقةَ ابن أخيه. سأذهب لمقابلته.»

قال الآخر، وقد عاد إلى عمله: «وأنا أيضًا أريد ذلك.»

وهكذا، ذهب جورج ونتوورث، بعد أن وضع البرقية في جيبه، لمقابلة السيد لونجوورث العجوز وكان في حالةٍ مِزاجية ليس من المفترض أن يُقابل فيها أحدًا. إنه لم ينتظر أن يُؤذَن له بالدخول، لكنه سار، لدهشة موظف الاستقبال، مباشرةً إلى غرفة السيد لونجوورث. ووجد الرجلَ العجوز جالسًا على مكتبه.

قال رجل المال بحرارة: «طاب يومك، سيد ونتوورث.»

رد جورج بإيجاز: «طاب يومك.» ثم أردف: «لقد جئتُ لأقرأَ عليك إحدى البرقيات، أو أجعلَك تقرؤها.»

ألقى الورقة أمام الرجل العجوز، الذي عدل نظارته على عينَيه، ثم قرأها. ثم نظر مستفسرًا إلى ونتوورث.

قال الآخَر: «أنت لم تفهمها، أليس كذلك؟»

«أقرُّ أنني لم أفهمها. إن لونجوورث المذكور في تلك البرقية ليس أنا، أليس كذلك؟»

«نعم، إنه ليس أنت، بل أحد أفراد عائلتك. إن ابنُ أخيك، ويليام لونجوورث، نذل!»

رد الرجل العجوز، وهو يضع البرقية على المكتب ثانية ويخلع نظارته: «آه! هل أتيتَ لتقول لي هذا؟»

«نعم، هذا صحيح. هل كنتَ تعرف هذا من قبل؟»

أجاب الرجل العجوز، وقد بدأ وجهه يتورَّد: «لا، لم أفعل؛ وأنا لا أعتقد ذلك الآن. ما أعرفه هو أنك قلتَ هذا، وأرى أنه من المحتمل للغاية أنك ستودُّ الرجوع فيما قلتَه. إنني على الأقل سأعطيك الفرصةَ كي تفعل هذا.»

«أنا لن أرجع فيما قلتُه، يا سيد لونجوورث، وسأُثبته لك. إن ابن أخيك دخل في شَراكة معي أنا وصديقي كينيون كي نطرح أحد المناجم الكندية للبيع في سوق لندن.»

قاطعه الرجل العجوز: «سيدي العزيز، أنا ليست لدي أيُّ رغبة في سماع أيِّ شيء عن مضاربات ابن أخي الخاصة؛ أنا ليست لي أيُّ علاقة بها. أنا ليست لي أي علاقة بمنجمك. إن الأمر ليست له أيُّ أهمية على الإطلاق بالنسبة إليَّ، ويجب أن أرفض سماع أي شيء بشأنه. أنت، أيضًا، إذا سمحتَ لي بأن أقول هذا، لست في حالة مِزاجيةٍ تسمح لك بالحديث مع أي شخص. إن أردتَ أن تأتي إلى هنا مرة أخرى عندما تُصبح أكثر هدوءًا، فسأكون مسرورًا للغاية لسماع ما تود قوله.»

«أنا لن أكون أكثرَ هدوءًا أبدًا بشأن هذا الموضوع. لقد قلتُ لك إن ابنَ أخيك نذل. أنت تريد إنكار هذا الاتهام.»

«أنا لا أنكره؛ لقد قلتُ فقط إنني لا أعلم ما الأمر، وأنا لا أصدِّق ما تقول، هذا كلُّ ما في الأمر.»

«رائع جدًّا؛ عندما أبدأ في تقديم الدليل على أن الأمور كما أقول …»

صاح الرجل العجوز، ببعض الغضب: «سيدي العزيز، إنك لا تُقدم لي أيَّ دليل. إنك تقدم فقط ادِّعاءات، وهي ادعاءاتٌ عن رجل غائبٍ عن مجلسنا … إنه ليس موجودًا هنا حتى يُمكِنَه الدفاع عن نفسه. إن كان لديك أيُّ شيء ضد ويليام لونجوورث، فتعالَ وقله عندما يكون موجودًا هنا، وهو سيُدافع عن نفسه. إنه لَجُبن منك، وتصرفٌ حقير في حقي، أن تُوجِّه عددًا من الاتهامات لن أكون بأي نحوٍ قادرًا على الرد عليها.»

«ألن تستمع لما عليَّ قولُه؟»

«نعم؛ لن أفعل.»

«إذن، والله، ستفعل!» وهنا، أسرع ونتوورث إلى الباب، وأدار المفتاح، بينما قام الرجل العجوز من كرسيِّه وواجه الآخَر.

«هل تقصد تهديدي، يا سيدي، في مكتبي؟»

«أقصد القول، يا سيد لونجوورث، إنني قد ذكرتُ أمرًا وسأسعى لإثباته لك. أقصد أنك ستستمع إليَّ، وستستمع إليَّ الآن!»

«وأنا أقول لك، إن كان لديك أيُّ اتهام ضد ابن أخي، إن عليك أن تأتيَ وتقوله بينما هو موجود هنا.»

«عندما يكون موجودًا هنا، سيد لونجوورث، سيكون قد فات أوانُ قولِه؛ في الوقت الحاضر، يمكنك إصلاحُ الضرر الذي تسبب فيه. أما عندما يعود إلى إنجلترا، فلن يُمكِنَك فعلُ هذا، بغض النظر عن مدى رغبتك في القيام بالأمر.»

وقف الرجل العجوز في حيرةٍ للحظة، ثم جلس في كرسيه ثانيةً.

ثم قال متنهدًا: «حسنًا جدًّا؛ أنا لستُ مستعدًّا للمقاومة كما كنتُ من قبل. اسرد لي قصتك.»

رد ونتوورث: «قصتي قصيرة جدًّا؛ إنها ببساطة كالتالي: هل تعرف أن ابنَ أخيك قد دخل في شراكة معنا فيما يتعلق بالمنجم الكندي؟»

أجاب السيد لونجوورث: «لقد قلتُ لك إنني لا أعرف أيَّ شيء عن هذا.»

«رائع جدًّا، ها أنت قد عرَفتَ الآن.»

«أنا أعرف أنك قلتَ هذا.»

«هل تشكُّ فيما أقول؟»

«سأردُّ عليك على نحوٍ أكثر تحديدًا عندما أسمع ما تريد قوله. تفضَّل.»

«حسنًا، ابنُ أخيك، بعد أن تظاهرَ بأنه يُساعدنا في تأسيس هذه الشركة، فعَل كلَّ ما يمكن لإعاقة تقدُّمنا. لقد أجَّر مقرًّا استغرق وقتًا طويلًا في تجهيزه، وكان علينا في النهاية تولِّي أمره بأنفسِنا. ثم سافر لمدة أسبوع، دون أن يترك لنا عُنوانه، ورفض الردَّ على الرسائل التي أرسلتُها له على مكتبه. وبذريعةٍ أو بأخرى، تأخَّر تأسيسُ الشركة؛ حتى في نهاية المطاف، عندما بقي على انتهاء مدة عقد الخيار الذي لدى السيد كينيون على المنجم أقلُّ من شهر، ذهب ابنُ أخيك لأمريكا بصحبة السيد ميلفيل، ظاهريًّا لرؤية المنجم وكتابة تقريرٍ عنه. وبعد انتظارٍ دام لمدَّة طويلة من الوقت وعدمِ سَماع أي شيء منه (لقد وعدَنا بإرسال برقية لنا)، ذهب كينيون إلى أمريكا لتجديد عقد الخيار. تلك البرقية تُوضِّح مدى نجاحه في مهمته. لقد وجد، لدى ذَهابه إلى هناك، أن ابن أخيك قد حصَل لنفسه على عقد خيارٍ على المنجم، وكما يقول كينيون، لقد خُدِعنا. والآن، هل لديك أيُّ شكٍّ في أن ابن أخيك نذل؟»

فكَّر السيد لونجوورث لبضع لحظات فيما قاله له الشاب.

«إن كان ما قلتَه صحيحًا تمامًا، فلا يوجد شكٌّ في أن ويليام متهمٌ بالقيام بممارسة غير شريفة.»

صاح الآخر: «ممارسة غير شريفة!» ثم أردف: «من الأحرى أن تقول عنها إنها ممارسة غيرُ شريفة تقوم على السرقة!»

«سيدي العزيز، لقد استمعتُ إليك؛ والآن، أطلب منك الاستماعَ إليَّ. إن، كما قلتُ، كان ما قلتَه صحيحًا، فإن ابن أخي قد ارتكب فعلًا أرى أن أيَّ رجل شريف ما كان سيفعله؛ لكنني لا يُمكنني الحكم على هذا حتى أسمعَ جانبه من القصة. قد يُغيِّر هذا من ملامح الأمر، وأنا لا أشكُّ أنه سيفعل هذا؛ لكن حتى مع التسليم بصحة روايتك من كافة الأوجه، ماذا عليَّ فِعلُه بشأن الأمر؟ أنا لستُ مسئولًا عن أفعال ابن أخي. يبدو أنه قد دخل في علاقةِ عملٍ مع شابَّين، وقد فاقَهما ذكاءً. هذا على الأرجح ما سيقوله الجميعُ عن الأمر. وربما، كما قلت، هو متهمٌ بالقيام بشيء أسوأ، وقد خدعَ شريكَيه. لكن حتى مع التسليم بصحةِ كل ما قلتَه، أنا لا أرى بأيِّ نحوٍ كيف أنني مسئولٌ عن الأمر.»

«قانونًا، أنت لستَ مسئولًا؛ أما أدبيًّا، فأعتقدُ أنك كذلك.»

«لماذا؟»

«إن كان ابنَك …»

«لكنه ليس ابني؛ إنه ابنُ أخي.»

«إن ارتكب ابنُك جريمة سرقة، ألن تفعل كلَّ ما في وُسعك لتُصلح الضرر الذي تسبَّب فيه؟»

«قد أفعل، وقد لا أفعل. بعضُ الآباء يدفعون ديون أبنائهم؛ والبعض الآخَرُ لا. أنا لا يمكنني تحديدُ الإجراء الذي عليَّ اتخاذه في حالةٍ متخيَّلةٍ بالكامل.»

«رائعٌ جدًّا؛ كل ما أود قوله هو أن عقد الخيار ستنتهي مدتُه في غضون يومين أو ثلاثة. إنَّ دفْع عشرين ألف جنيه سيضمنُ امتلاكنا للمنجم. أريد الحصول على هذا المبلغ قبل أن تنتهيَ مدة العقد.»

«وهل تتوقع مني أن أدفع لك عشرينَ ألف جنيه من أجل هذا؟»

«نعم، أتوقع هذا.»

أسندَ لونجوورث العجوز ظهره إلى كرسيِّ مكتبه، ونظر إلى الشاب باندهاش.

«عندما أرى أنك، وأنت أحدُ رجال حي السيتي، قد أتيتَ إليَّ، وأنا أيضًا أحد رجال هذا الحي، وفي ذهنك تلك الفكرةُ السخيفة، أجد الأمر غريبًا.»

«إذن سُمعة عائلة لونجوورث لا تعني شيئًا لك؛ أنا أقصد، السُّمعة الطيِّبة؟»

«السمعة الطيبة لعائلة لونجوورث، يا سيدي العزيز، أهمُّ شيء بالنسبة إليَّ؛ لكنني أعتقد أنها ستعتني بنفسِها دون أن تحتاج إلى أيِّ مساعدة من جانبك.»

ساد الصمتُ لبضعِ لحظات. ثم قال ونتوورث، بصوتٍ فيه حزنٌ مكتوم:

«أعتقد، يا سيد لونجوورث، أن أحد أفراد أسرتِك نذل؛ وأنا الآن أودُّ القول إنني أرى أن الصفة تمتدُّ من ابن الأخِ لتشملَ العم. أنت لديك فرصةٌ لإصلاح الضرر الذي أحدثَه أحدُ أفراد أسرتك. لقد ردَدتَ عليَّ باحتقار. ولم تُبدِ أيَّ إشارة لرغبتك في تقديم أي تعويض.»

ثم فتح الباب.

قال السيد لونجوورث العجوز، وهو يقوم: «أنا لا أُصدق ما تقول، هذا يكفي، هذا يكفي، يا سيد ونتوورث.» ثم ضغط على جرس كهربي، وعندما جاء موظف الاستقبال، قال له: «أوصل هذا الرجل إلى الباب، من فضلك، وإن جاء إلى هنا ثانيةً، لا تسمح له بالدخول.»

وهكذا، اصطحب موظفُ الاستقبال جورج ونتوورث، وهو يقبض يدَيه من الغضب، إلى الباب. وقد قضى بقية اليوم يُفكر في حقيقة أن الرجل الغاضب نادرًا ما يُحقق هدفه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤