مصرع مروان ومصرع الدولة الأموية

الأسباب التي أدت إلى ذلك

انتزعت الدولة الأموية الخلافة انتزاعًا بفضل دهاء معاوية وانتفاعه باستغلال الظروف، ولم يكد يستقر أمرها حتى قامت أمامها عقبات شتى، ونازعها الملك ثوار قادرون، فلم يكد يخلو عهد واحد من عهودها من فتن وقلاقل.

كان يناوئها الشيعة ودعاة بني العباس والخوارج وأتباع عبد الله بن الزبير والمختار وغيرهم. فلم يكن لخلفائها بد من اليقظة التامة والحذر الدائم، وبهاتين الخلتين استطاع الأقوياء منهم أن يخمدوا نيرانًا مستعرة، ما كانوا ليقدروا على إخمادها لولا ما امتازوا به من حكمة وسياسة وما عرفوا به من الانصراف لشئون الملك، وافتنانهم في التنكيل بأعدائهم.

وكان من الطبيعي أن يتربص الموتور بواتره الدوائر، ويتحين الفرص للتنكيل به، ولئن أخفق العلويون والعباسيون في مسعاهم أيام صولة الدولة فقتل من أئمتهم أعلام، ألهب فقدهم قلوبهم حقدًا على بني أمية، فما نسوا الثأر لحظة واحدة.١وظلوا مثابرين على ذلك حتى أمكنتهم الفرص من عدوهم.

(١) تفرق كلمة الأمويين

ذكرنا في موضوع الوليد الثاني، أنه كان إيذانًا بمصرع الدولة الأموية الوشيك، ينتقم الوليد من ولدي عمه ومن أنصار هشام له، ويؤلب يزيد الناس على الوليد ملهبًا في نفوسهم الحماسة الدينية، رافعًا أمامهم علم الثورة حتى إذا تم الأمر ليزيد الناقص٢ أظهر مروان بن محمد الخلاف له، فإذا مات يزيد وولي الخلافة أخوه «إبراهيم» لم يتم له الأمر لاضطراب الأحوال٣ ومناوأة الجعدي له، والحروب التي أشعل نارها ضده وانتهت بهزيمة إبراهيم، فإذا بويع للجعدي ثار عليه أهل حمص، فلا يكاد يخضعهم له حتى يسمع بخلاف أهل الغوطة وحصارهم دمشق، فلا يكاد يهزمهم جيشه حتى يثور أهل فلسطين، فيرسل إليهم من يهزمهم، ثم يشق عصا الطاعة «سليمان بن هشام بن عبد الملك» ويجتمع إليه من أهل الشام عدد كبير، فإذا هزمه مروان هرب سليمان إلى حمص فألَّب عليه أهلها، فلا يكاد يهزمه مروان حتى يهرب إلى «تدمر».

هكذا تفرقت كلمة بني أمية، واشتغلوا بقتال أنفسهم عن قتال أعدائهم، فلم يصغ مروان الجعدي إلى نصائح نصر بن سيار وتحذيره من استفحال دعوة العباسيين لأنه كان مشغولًا بالانتقام من أقاربه وأبناء أسرته.

(٢) توحيد الدعوة ضد الأمويين

كان من أكبر الطامحين إلى الخلافة أسرتان عظيمتان، الأسرة العلوية والأسرة العباسية، وكان كل منهما يدعو إلى نفسه، وقد فطن العباسيون إلى ما في ذلك من تفرق الكلمة، مع حاجتهم إلى الاتحاد ضد عدوهم المشترك، فأعملوا جهودهم في حل هذه العقدة، حتى وفقوا إلى حيلة عجيبة — كما يقول الأستاذ نيكلسون — واهتدوا إلى نداء شامل تنضوي تحته دعوتا الأسرتين.

فالعلويون أبناء علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم!

والعباسيون أبناء العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

فالعباس وعبد المطلب أعمام النبي يلتقيان معه في جدهم هاشم، ففيم الخلاف وتشتيت الكلمة؟ لتكن الدعوة إذن باسم جدهم هاشم. وقد نجح العباسيون في هذه الحيلة حتى إذا أدركوا غايتهم، انفردوا بالأمر وحدهم.

(٣) أسباب أخرى

بقي هناك أسباب كثيرة أخرى لا يتسع المقام لتفصيلها فلنجتزئ بذكر أهمها، وهي:
  • (١)

    توفق العباسيين إلى أبي مسلم الخراساني الذي قام بأكبر قسط في تنشيط الدعوة إلى العباسيين.

  • (٢)

    ترفع الأمويين عن مخالطة الأجناس الأخرى غير العرب، وإطلاقهم عليهم اسم الموالي، مما يبغضهم فيهم وجعلهم ينضمون إلى مناوئيهم ليتخلصوا من دولتهم المبغضة إليهم.

  • (٣)

    تغالي الأحزاب المناصرة لآل البيت والشيعة وما تركه شعر دعاتهم من الأثر الديني في نفوسهم (اقرأ شعر الكميت مثلًا).

فإذا أضفنا إلى ذلك ما أسلفنا ذكره من الفتن الداخلية:
  • (١)

    التي أشعل نارها يزيد ضد الوليد.

  • (٢)

    التي أشعل نارها مروان الجعدي ضد يزيد.

  • (٣)

    التي أشعل نارها سليمان بن هشام ضد مروان.

وزدنا على ذلك تخاذل الأمويين في موقعة الزاب وسوء رأي مروان الجعدي وقواده، سهل علينا فهم الأسباب التي أودت بهذه الدولة العظيمة وأزالتها من عالم الوجود.

هوامش

(١) لم ينسوا ثأر الحسين بن علي الذي قتل في عهد يزيد، ولا ثأر زيد بن علي — وهو حفيده — وقد قتل سنة ١٢٢هـ في خلافة هشام، فقد خرج زيد بن علي بالكوفة ودعا إلى نفسه وبايعه جمع كثير، وكان واليها يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فجمع العسكر وقاتل زيدًا؛ قالوا: «فأصاب زيدًا سهم في جبهته، فأدخل بعض الدور ونزعوا السهم من جبهته ثم مات.» ولم يكتف يوسف بذلك بل بحث عن جثته بعد موته فاستخرجها وصلبها، وبعث رأسه إلى هشام بن عبد الملك، وظلت جثته مصلوبة حتى مات هشام، فلما ولي الوليد أمر بحرق جثته فأحرقت، كذلك لم ينسوا مصرع إبراهيم الإمام الذي قبض عليه مروان الجعدي.
(٢) سمي كذلك لأنه نقص أعطية الجند، وما كاد يتولى الخلافة حتى ثار عليه أهل حمص وأهل فلسطين وغيرهم.
(٣) مكث في الخلافة نحو سبعين يومًا وكان يسلم عليه بالخلافة تارة وتارة بالإمارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤