حظ سايمون

كانت الوحدة رفيقة روز في الأماكن الجديدة، وكانت تتمنى لو تلقَّتْ دعوات من الآخَرين. كانت تخرج وتجوب الشوارع وتتطلع في النوافذ المضيئة وإلى حفلات ليلة السبت، وحفلات العشاء العائلية ليلة الأحد. لا جدوى من محاولة إقناع نفسها بأنها لم تكن لتظل بمفردها كثيرًا، تثرثر وتعاقر الشراب، أو تغرف مرق اللحم البني، قبل أن تتمنى لو أن تجوب الشوارع. اعتقدت أن بإمكانها قبول أية دعوات؛ فكان بإمكانها الذهاب إلى حفلاتٍ في قاعات عُلِّقَتْ على جدرانها الملصقاتُ والصورُ، وتنيرها مصابيح عادية وتغطيها مظلات عليها شعار كوكاكولا، وكل ما هو متداعٍ ومائل؛ أو حفلاتٍ في قاعات مهنية تعج بالكثير من الكتب، واللوحات التذكارية النحاسية، وربما جمجمة أو اثنتان؛ أو حتى في غرف ترفيهية، حيث لا يمكنها أن ترى — عبر نوافذ القبو — إلا الأطراف العليا من أكواب الجعة، وأبواق الصيد، وقرون الشراب، والمدافع. كان بإمكانها الذهاب والجلوس على آرائك محاكَة بخيوط لوريكس، أسفل لوحاتٍ معلَّقَة من المخمل الأسود المطرز برسوم الجبال، والسفن الشراعية الضخمة، ودِبَبَةٍ قطبيةٍ مصمَّمة على الصوف الزئبري. كانت تحب كثيرًا أن تأخذ بعضًا من حلوى البودنج الإنجليزية الفاخرة من إناء من الزجاج البلوري في غرفة طعام فخمة، وخلفها يقبع بوفيه ضخم متلألئ، وصورة باهتة لخيول وأبقار ونعاج تأكل على حشائش أرجوانية ملوَّنَة بشكل سيئ، أو الاكتفاء بتناول البودنج في ركن الطعام بمطبخ في منزل صغير مبيَّض بالجص بجوار محطة الحافلات، تزيِّن جدرانه ملصقاتُ الدراق والكمثرى، ويتدلى اللبلاب من أصص نحاسية صغيرة؛ كيف لا وروز ممثلة، يمكنها أن تكيِّف نفسها على أي مكان.

كانت روز تُدعَى لحفلات بالفعل؛ فمنذ حوالي عامين، كانت في حفل في بناية سكنية شاهقة في كينجستون. كانت النوافذ تطل على بحيرة أونتاريو وجزيرة وولف. لم تكن روز تعيش في كينجستون، بل كانت تعيش في إحدى المناطق الداخلية، حيث عَمِلت بتدريس الدراما على مدى عامين في إحدى الكليات الأهلية. أثار ذلك دهشة بعض الناس لإقدامها على ذلك؛ فقد كانوا لا يعلمون مدى قلة ما تتقاضاه الممثلة من مالٍ؛ إذ اعتقدوا أن الشهرة تفضي تلقائيًّا إلى الثراء.

قادت روز السيارة إلى كينجستون من أجل هذا الحفل فقط، الأمر الذي أشعرها بقليل من الخجل. ولم تكن قد قابلت مضيفة الحفل من قبلُ، غير أنها قابلت المضيف في العام الفائت، حين كان يعمل بالتدريس في الكلية الأهلية ويعيش مع فتاة أخرى.

قامت المضيفة، وكانت تُدعَى شيلي، باصطحاب روز إلى غرفة النوم لتخلع معطفها. كانت شيلي فتاةً ذات قوام نحيف وملامح وقورة، وشقراء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بحاجبين يقارب لونهما البياض، وشعر طويل وكثيف وناعم وكأنه مقتطَع من لوح خشبي. بدا وكأنها تأخذ مظهرها الشبابي المائل للنحافة الشديدة على محمل الجد. كان صوتها خفيضًا شجيًّا، ما جعَلَ وَقْعَ صوت روز، الذي كانت قد ألقت به التحية عليها قبل لحظات، مفعمًا بالحيوية والنشاط في أذنيها إلى أقصى حد.

في سلة أسفل السرير، رأت روز قطةً ذات لون مبرقع تُرضِع أربع قطط صغيرة عمياء غاية في الصغر.

قالت المضيفة: «هذه تاشا. يمكننا النظر إلى صغارها ولكن لا نستطيع أن نلمسها، وإلا توقفت عن إطعامها.»

جثت بجوار السلة وهي تدندن، وتتحدث إلى القطة الأم بحب شديد رأته روز مصطنَعًا. كان الشال الملتف حول كتفها أسود اللون تزيَّنَتْ حوافه بخرز أسود، إلا أن بعض هذا الخرز بدا معوجًّا والبعض الآخَر مفقودًا. ورغم أنه كان وشاحًا قديمًا بحقٍّ إلا أنه من نوع أصلي، وليس مجرد وشاح مقلَّد. وكان رداؤها المترهل المائل قليلًا للاصفرار، ذو التطريز المثقب أصليًّا أيضًا، وإن كان من المرجح أنه كان تنورة داخلية في الأصل. كانت مثل هذه الملابس تستغرق وقتًا في البحث عنها.

على الجانب الآخَر من السرير وجدَتْ مرآة كبيرة معلَّقَةً عاليًا بشكل يثير الريبة، ومائلة. حاولت روز أن تلقي نظرة على نفسها في المرآة بينما كانت الفتاة منحنية على السلة. فمن الصعب للغاية على امرأة أن تنظر في المرآة في وجود امرأة أخرى في الغرفة، خاصةً إنْ كانت أصغر منها سنًّا. ارتدت روز رداءً قطنيًّا طويلًا مزيَّنًا بالورود، ذا صدر به ثنايا وأكمام منتفخة، خصره في غاية القصر ويضيق عند منطقة النهد لدرجة يتعذر معها أن يكون مريحًا. كان به لمحة غير مقبولة من التكلُّف والشبابية. ربما لم تَعُدْ بالرشاقة الكافية لارتداء مثل هذا التصميم، كان شعرها البني الضارب إلى الحمرة مصبوغًا في المنزل، وسرت الخطوط الرفيعة في كلا الاتجاهين تحت عينيها، مكوِّنَةً بينها كتلًا من الجلد الداكن.

كانت روز قد أدركت في تلك الفترة أنها حين تجد الناس بهذا التكلُّف والتصنُّع كتلك الفتاة، وغرفهم مزخرفة بهذا الشكل المتواضع، وأسلوب حياتهم بهذا الحد من الإزعاج (تلك المرآة، اللحاف ذو الغطاء المرقع، الرسومات اليابانية المثيرة للغرائز المعلَّقة فوق السرير، الموسيقى الأفريقية القادمة من غرفة المعيشة)، فإن ذلك يرجع عادةً إلى عدم تلقِّيها الاهتمام الذي تريده، وخوفها من عدم تلقِّيه، وعدم اختراقها للحفل، وشعورها بأنها ربما يئول بها المآل للتسكُّع على الهامش وهي تطلق الأحكام.

شعرت بأنها في حال أفضل في غرفة المعيشة، حيث تواجَدَ بعض الأشخاص ممَّن تعرفهم من قبلُ، وبعض الوجوه التي طالتها علامات السن مثلها. تناولت روز شرابها على نحو سريع في البداية، ولم يمر وقت طويل قبل أن تشرع في استخدام الهريرات الوليدة كمدخل لقصتها. كانت تقول إن شيئًا رهيبًا قد حدث لقِطِّها في ذلك اليوم.

قالت: «والأسوأ من ذلك أنني لم أكن أحب ذلك القط كثيرًا؛ فلم تكن فكرتي أن أمتلك قطًّا، كانت فكرته هو؛ فقد تبعني إلى المنزل في أحد الأيام وأصَرَّ على أن آخُذَه للداخل. كان كعاطل ضخم ثقيل الحركة لا يصلح للعمل، يصر على إقناعي بأنني أدين له بإعالته. كان مغرمًا دائمًا بمجفِّف الملابس، ويحب القفز بداخله حين يكون دافئًا بمجرد أن أخرج منه الملابس. عادةً ما يكون لديَّ حمولة واحدة من الغسيل، ولكن اليوم كان لديَّ حمولتان، وعندما مددت يدي لأُخرِج الحمولة الثانية، اعتقدت أنني قد شعرت بشيء غريب. فكرت: ماذا لديَّ من ملابس بها ذلك الفراء؟»

انقسم الحاضرون بين التأسي والضحك، والتعبير عن فزعهم المحفوف بالشفقة. جالت روز بنظرها بينهم وبدت جذَّابة، وتحسَّن شعورها كثيرًا. ولم تَعُدْ غرفة المعيشة، بمشهد البحيرة الذي تطل عليه، وزخرفها الدقيق (جهاز تشغيل الموسيقى بالعملة، مرايا الحلاق، إعلانات من مطلع القرن — «دخان من أجل حلقك» — أغطية مصابيح حريرية قديمة، أطباق وأباريق ريفية، أقنعة بدائية، منحوتات) لم تَعُدْ تبدو على نفس القدر الذي كانت عليه من العدوانية. تناولت كأسًا أخرى من الجين، وأدركت أنه لم يتبقَّ كثير من الوقت قبل أن تشعر بالخفة والترحيب كطائر طنان، وصارت على قناعةٍ بأن الكثير من الموجودين في الغرفة ظرفاء، والكثير منهم يتسمون بالعطف والطيبة، والبعض منهم يجمع بين الصفتين.

«قلت في نفسي: يا إلهي! كلا. ولكنه حدث. كان هناك قتيل في مجفِّف الملابس.»

جاء صوت رجل ذي وجه حاد الملامح قليلًا يجلس بالقرب منها، كانت على معرفة سطحية به لسنوات، يقول: «تحذير لكل الباحثين عن المتعة.» كان هذا الرجل يدرِّس في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة، حيث كان مضيف الحفل يعمل بالتدريس، وكانت المضيفة طالبة دراسات عليا.

قالت المضيفة بنظرتها المرهفة الثابتة الباردة: «شيء فظيع.» وبدا الخجل والارتباك قليلًا على وجوه مَن كانوا يضحكون، وكأنهم اعتقدوا أنهم قد يبدون عديمي الرحمة. «قطك! شيء فظيع. كيف استطعتِ المجيء الليلة؟»

في الواقع إن الحادثة لم تكن قد وقعت اليوم على الإطلاق، بل وقعت في الأسبوع الماضي. تساءلت روز إن كانت الفتاة قد قصدت أن تضعها في موقف محرج، فقالت بصدق وأسف إنها لم تكن مغرمة كثيرًا بالقط، وهو ما جعل الأمر يبدو أكثر سوءًا بطريقة ما، وإن هذا ما كانت تحاول توضيحه.

«شعرتُ وكأن الخطأ ربما يكون خطئي. ربما لو كنتُ أكثر حبًّا له، لما حدث ذلك.»

قال الرجل الجالس بجوارها: «بالطبع لم يكن ليحدث. كان الدفء هو ما يبحث عنه داخل المجفِّف، الحب. آه يا روز!»

قال صبي طويل القامة لم تكن روز قد لاحظته من قبلُ: «لن تستطيعي أن تلعني القط بعد الآن.» بدا وكأنه قد ظهر فجأةً أمامها دون أن تلحظ. «اللعنة على الكلب، اللعنة على القط، لا أعرف ماذا أنتِ فاعلة يا روز!»

كانت روز تبحث عن اسمه في ذهنها، وأدركت أنه قد يكون طالبًا لديها، أو طالبًا سابقًا.

قالت روز: «ديفيد. مرحبًا ديفيد.» كانت سعيدةً لنجاحها في التوصُّل لاسمه، لدرجةٍ جعلتها بطيئةً في استيعاب ما قاله.

أخذ الصبي يكرِّر منحنيًا عليها: «اللعنة على الكلب، اللعنة على القطة.»

قالت روز: «أستميحك عذرًا!» ورسمتْ على وجهها تعبيرًا جمع بين السخرية والتسامح والسحر، ووجد مَن حولها صعوبةً في التواؤم مع ما كان الصبي يقوله مثلما فعلتْ هي. لم يكن من السهل إيقاف أجواء الألفة والتعاطف وتوقُّع حسن النية؛ فقد استمرت على الرغم من ظهور دلالات على أن هناك الكثير في هذا المكان لن تستطيع هذه الأجواء احتواءه. كانت الابتسامة ما زالت مرتسمة على وجوه الجميع تقريبًا، وكأن الصبي قد ألقى دعابة أو أدَّى دورًا تمثيليًّا، الأمر الذي سيتم توضيحه حتمًا خلال لحظات. خفضت المضيفة عينيها وانسلَّت من وسط الجمع.

قال الصبي بنبرة غاية في الشناعة والقبح: «بل أستميحك أنا عذرًا، تبًّا لكِ يا روز.» كان فاتح البشرة، تبدو عليه الغلظة وصعوبة التعامل، وثملًا إلى حد مميت. ربما يكون قد نشأ في منزل كريم، حيث يتحدث الناس بلطف وأدب عمَّا يريدونه، ويشمِّت أحدهما الآخَر عند العطس.

أمسك رجل قصير القامة قوي البنية ذو شعر أسود مجعَّد الصبيَّ من ذراعه من أسفل كتفه بالضبط.

قال له بلهجة شبه أبوية: «ابتعد من هنا.» كان يتحدث لكنةً أوروبية مختلطة، تغلب عليها الفرنسية كما اعتقدت روز، على الرغم من أنها لم تكن جيدة للغاية فيما يتعلق باللكنات. فقد كانت تميل للاعتقاد بأن مثل هذه اللكنات تنبع من ذكورية أكثر ثراءً وتعقيدًا من الذكورية التي توجد في أمريكا الشمالية وفي أماكن مثل هانراتي حيث نشأت. ومثل تلك اللكنة كانت تبشِّر بذكورية مصطبغة بالمعاناة والرقة والمكر.

ظهر مضيف الحفل مرتديًا ما يبدو كأفرول مخملي، وأمسك بالصبي من الذراع الأخرى، بشكل رمزي إلى حدٍّ ما، مقبِّلًا وَجْنة روز في الوقت ذاته؛ إذ كان لم يَرَها لدى حضورها، وقال لها متمتمًا: «لا بد أن أتحدَّثَ معكِ.» ما كان معناه أنه يتمنى لو لم يضطر للحديث معها؛ لوجود الكثير من المناطق الشائكة بينهما؛ فكانت هناك الفتاة التي عاش معها على مدار العام المنصرم، من ناحية، وليلة كان قد قضاها مع روز قرب نهاية الفصل الدراسي، كان فيها الكثير من الشرب والتباهي والتحسر على الخيانة والغش من ناحية أخرى، إلى جانب أن ممارسة ممتعة للحب بينهما كانت مهينة إلى حدٍّ مستغرب. كان يبدو مهندمًا وأنيقًا للغاية وحسَّاسًا، له شعر انسيابي، وبذلته من المخمل الأخضر الداكن الضارب للرمادي. كان يصغر روز بثلاث سنوات فقط، إلا أنه ترك زوجته، وعائلته، ومنزله، ومستقبله المحبط، وأغدق على نفسه بملابس جديدة وأثاث جديد ومجموعة متوالية من العشيقات من الطالبات. بإمكان الرجال أن يفعلوا هذا.

قالت روز وهي تتكِئ على الحائط: «يا إلهي، ما كل هذا الذي حدث؟»

قال الرجل الجالس بجانبها الذي كان مبتسمًا طوال الوقت وينظر داخل كأسه: «آه، إنه شباب عصرنا المرهف، بجمال لغته، وعمق مشاعره! لا بد أن ننحني له احترامًا.»

عاد الرجل ذو الشعر الأسود المجعد دون أن ينطق ببنت شفة، ولكنه ناوَلَ روز كأسًا جديدة من الشراب وأخذ كأسها.

وعاد صاحب الحفل كذلك.

«روز حبيبتي، لا أعرف كيف دخل. لقد منعتُ دخول الطلاب الملاعين. لا بد وأن هناك مكانًا آمنًا منهم.»

قالت روز: «لقد كان في أحد فصولي العام الماضي.» كان ذلك حقًّا هو كل ما استطاعت تذكره عنه، واعتقدت أنهم يظنون أنه لا بد أن الأمر ينطوي على ما هو أكثر من ذلك.

قال الرجل الجالس بجوارها: «أكان يريد أن يصبح ممثلًا؟ أراهن أنه كان يريد ذلك. أتتذكرون الأيام الخوالي حين كنَّا جميعًا نرغب في أن نكون محامين ومهندسين ومسئولين تنفيذيين؟ يقولون لي إن هذه الأيام بصدد العودة. أتمنى ذلك. أتمنى ذلك من كل قلبي. روز، أراهن أنكِ قد استمعتِ إلى مشاكله. ما كان يجب أن تفعلي ذلك مطلقًا، ولكن أراهن أنك قد فعلتِ.»

«أوه، أعتقد ذلك.»

«إنهم يأتون بحثًا عن بديل لآبائهم. وهذا شيء مبتذَل إلى أقصى درجة. إنهم يقتفون أثرك في كل مكان مبالغين في شعورهم نحوك ومضايقتك، ثم يحدث الانفجار. إنه زمن رفض الوالد البديل!»

احتست روز كأس الشراب، واتكأت على الحائط، وسمعتهم يتناولون الفكرة الخاصة بتوقعات الشباب هذه الأيام، وكيف يقتحمون بابكَ ليخبرونكَ عن الإجهاض، ومحاولاتهم الانتحار، وأزماتهم مع الإبداع، ومشكلات الوزن. كانوا دائمًا ما يستخدمون نفس الكلمات: هوية، قيم، رفض.

قال الرجل الحاد قليلًا، مسترجعًا مواجَهَةً كانت له الغلبة فيها مع واحد من هؤلاء الطلاب: «أنا لا أرفضك أيها التافه السخيف، أنا أسقطك في الامتحان.» ضحكوا جميعًا على ما قال، وعلى السيدة الشابة التي قالت: «شتَّان الفارق حينما كنتُ بالجامعة! لم تكُنْ لتذكُرَ شيئًا عن الإجهاض في مكتب أستاذ جامعي مثلما لم تكُنْ لتقضيَ حاجتكَ على الأرضية.»

ضحكت روز أيضًا، ولكنها شعرت في قرارة نفسها بأنها محطَّمَة. كان من الأفضل، بشكلٍ ما، لو كان هناك شيء وراء ذلك كما كانوا يظنون؛ لو أنها قد ضاجعت هذا الفتى، لو أنها قد وعدته بشيء، لو أنها خانته، لو أنها أذلته وأهانته. لم تستطع تذكُّرَ أي شيء. لقد انشقت عنه الأرض ليكيل لها الاتهامات لا أكثر. لا بد وأنها قد فعلَتْ شيئًا ولم تستطع تذكُّرَه. لم تكن تستطيع تذكُّرَ أي شيء يتعلَّق بطلابها؛ تلك هي الحقيقة. لقد كانت تبدي الاهتمام والعناية، وكانت ساحرة، وكلها دفء ومودة وقبول ورضا، وطالما كانت مُنصِتة ونصوح؛ بعدها لم تكن تستطيع تذكُّرَ أسمائهم بشكل مباشِر، بل لم تكن تستطيع تذكُّرَ شيء واحد كانت قد قالته لهم.

لمست امرأة ذراعها قائلة: «أفيقي.» قالتها بنبرة من الألفة والحميمية الماكرة جعلت روز تعتقد أنها لا بد وأنها تعرفها. لعلها طالبة أخرى. ولكنها لم تكن كذلك؛ إذ قَدَّمَتِ السيدة نفسها.

قالت السيدة: «أنا بصدد إجراء بحث عن انتحار النساء. أقصد انتحار الفنَّانات.» قالت إنها قد شاهدت روز على شاشة التليفزيون وكانت تتوق للحديث معها. وذكرت ديان أربوس، وفيرجينيا وولف، وسيلفيا بلاث، وآن سيكستون، وكريستيان فلوج. كانت على قدر كبير من الثقافة والاطِّلَاع. فكَّرَتْ روز أنها هي نفسها بدت كمرشَّحَة أولى للانتحار، بما كانت عليه من هزال، وافتقار للحيوية، ووساوس. قالت روز إنها جائعة، ومن ثَمَّ تبعتها السيدة إلى المطبخ.

قالت السيدة: «وهناك الكثير والكثير من الممثلات، مثل مارجريت سولافان …»

«أنا مجرَّد معلمة الآن.»

«هراء. أنا واثقة من أنك ممثِّلة حتى النخاع.»

كانت مضيفة الحفل قد صنعت خبزًا؛ أرغفة خبز مغطَّاة بطبقة لامعة، ومجدولة، ومجمَّلة، وتعجَّبت روز من العناء والمشقة التي تتجشمه الفتاة في هذا المنزل. الخبز، وفطائر الباتيه، والنباتات المعلقة، والقطط الصغيرة، وكله في سبيل حياة أسرية غير مستقرة ومؤقتة. تمنَّتْ — بل غالبًا ما كانت تتمنى — لو كان بوسعها أن تتكبَّدَ هذا العناء، أن تقيم احتفالات، أن تفرض نفسها، أن تصنع الخبز.

لاحظت روز مجموعةً من أعضاء هيئة التدريس بالكلية صغار السن — كانت تعتقد أنهم طلاب، لولا أن مضيف الحفل قد قال إن الطلاب غير مسموح لهم بالدخول — كانوا جالسين على المناضد ويقفون أمام الحوض، يتحدثون بأصوات خفيضة جادة. نظر أحدهم إليها، فابتسمت ولكنه لم يردَّ بابتسامة مقابلة. نظر إليها اثنان آخَران منهم وواصلا الحديث. كانت واثقةً من أنهما يتحدثان عنها، وعمَّا حدث في غرفة المعيشة. ألحَّتْ روز على السيدة كي تجرِّب بعض الخبز والباتيه. ربما كان من شأن ذلك أن يثنيها عن الكلام، حتى يتسنَّى لروز أن تسترق السمع لما كان يقال.

«أنا لا آكل في الحفلات مطلقًا.»

كان أسلوب السيدة تجاهها يتجه نحو الغموض والاتهام غير المفهوم. علمت روز أن هذه السيدة زوجة لأحد المسئولين. ربما كانَتْ دعوتُها إلى الحفل حركةً سياسية، وربما وعدوها بأن يُحضِروا لها روز؛ فهل كان هذا جزءًا من تلك الحركة؟

قالت السيدة: «هل أنتِ جائعة هكذا على الدوام؟ أَلَا تمرضين أبدًا؟»

فقالت روز: «أكون جائعة حين يكون هناك شيء طيب كهذا لتناوله.» كانت تلك مجرد محاولة منها لضرب مثال، وبالكاد كانت تستطيع المضغ أو البلع لما كان يعتريها من قلقٍ لسماع ما يقال عنها. قالت: «كلا، غالبًا ما لا أمرض.» وكانت مفاجأةً لها حين أدركت أن ذلك صحيح بالفعل؛ فقد اعتادت أن تصاب بنزلات البرد والأنفلونزا والشد العضلي ونوبات الصداع، وتلك العلل على وجه التحديد قد اختفت الآن، وخفَّتْ حدتها متحوِّلةً إلى ما يشبه طنينًا خفيضًا متواصلًا من الاضطراب، والإجهاد، والخوف.

«إنها مؤسسة لعينة وغيورة.»

سمعت روز ذلك، أو اعتقدت أنها قد سمعته. كانوا يرمقونها بنظرات سريعة مليئة بالازدراء، أو هكذا اعتقدت؛ فلم يكن بوسعها النظر إليهم بشكل مباشر. «مؤسسة». كانت روز هي المقصودة. أليس كذلك؟ هل كانت روز هي المقصودة؟ هل كانت المقصودة بذلك روز التي قبلت بوظيفة تدريس لأنها لم تكن تحصل على أدوار تمثيلية تكفي كي تعول نفسها، ومُنِحت وظيفة التدريس تلك بسبب خبرتها على المسرح والتليفزيون، ولكن كان عليها أن تقبل أجرًا منخفضًا لعدم حصولها على درجات علمية؟ أرادت أن تتجه نحوهم وتخبرهم بذلك. أردات أن تعرض قضيتها. سنوات العمل، الإنهاك، السفر، قاعات المسرح في المدرسة الثانوية، التوتر، الملل، الجهل التام بمصدر دخلك القادم. أرادَتْ أن تدافع عن نفسها بالحجَّة؛ حتى يغفروا لها ويحبوها ويأخذوها إلى صفِّهم. لقد كان صفُّهم هو ما تريده، وليس صف الأشخاص القابعين في غرفة المعيشة الذين تبنَّوا قضيتها. ولكن كان ذلك اختيارًا اتخذته من منطلق الخوف، وليس بناءً على مبدأ. لقد كانت تخافهم. كانت تخاف فضيلتهم القاسية المتحجرة، وجوههم الباردة المزدرية، أسرارهم، ضحكاتهم، بذاءاتهم.

فكرت في ابنتها آنا. كانت آنا في السابعة عشرة، ذات شعر طويل وناعم، تزيِّن عنقَها سلسلةٌ جميلةٌ من الذهب الرقيق. كانت سلسلتها رقيقةً إلى حدٍّ يجبرك على النظر إليها عن كثب للتأكُّد من أنها سلسلة، وليست مجرَّد بريق بشرتها الناعمة اللامعة. لم تكن مثل هؤلاء الشباب، ولكنها كانت بعيدةً عنها بنفس الدرجة. كانت تمارِس الباليه وتمتطي حصانها كل يوم، ولكنها لم تكن تعتزم امتطاءه في مسابقة أو أن تكون راقصة باليه محترفة. ولِمَ لا؟

«لأن ذلك سيكون سخيفًا.»

ثمة شيء في أسلوب آنا، في سلسلتها الرقيقة، في صمتها، جعل روز تتذكَّرُ جدتها، والدة باتريك. ولكن آنا قد لا تكون بهذا الصمت، بهذه الحساسية والصعوبة في الإرضاء، بهذا النفور مع أي شخص سوى والدتها.

كان الرجل ذو الشعر الأسود المجعد واقفًا في مدخل المطبخ، رامقًا إياها بنظرة صفيقة وساخرة.

قالت روز للسيدة التي تكتب البحثَ عن الانتحار: «أتعرفين مَن هذا؟ ذلك الرجل الذي أخذ الصبي الثمل بعيدًا؟»

«هذا سايمون. لا أعتقد أن الصبي كان ثملًا، أعتقد أنه مدمن على المخدرات.»

«ماذا يعمل؟»

«حسنًا، أعتقد أنه طالب أو ما شابه.»

قالت روز: «كلا. أقصد هذا الرجل؛ سايمون؟»

«أوه، سايمون. إنه مدرس في قسم الدراسات الكلاسيكية. لا أعتقد أنه كان يعمل دائمًا بالتدريس طوال حياته.»

قالت روز: «شأني.» ووجَّهَتِ الابتسامة التي حاولت أن تبتسمها لمجموعة الشباب إلى سايمون. وبقدر ما كانت ضجرة وتائهة وحمقاء، فقد شرعت في الشعور بوخزات مألوفة ووعود جامحة:
إذا ابتسم، سوف تبدأ الأمور في السير على ما يرام.
لقد ابتسم بالفعل، وراحت سيدة بحث الانتحار تتحدث بنبرة حادة:
«اسمعي، هل تأتين إلى أي حفلٍ فقط لتقابلي الرجال؟»

حين كان سايمون في الرابعة عشرة، اختبأ وشقيقته الكبرى وصبي آخَر كان صديقًا لهما، في شاحنة بضائع بأحد القطارات للانتقال من فرنسا المحتلة إلى فرنسا غير المحتلة. كانوا في طريقهم إلى ليون، حيث كان أعضاء إحدى المنظمات التي تعمل على إنقاذ الأطفال اليهود سيتولَّون رعايتهم وتوجيههم إلى أماكن جديدة آمنة. كان سايمون وشقيقته قد تم ترحيلهما بالفعل خارج بولندا، مع بداية الحرب، للإقامة مع أقارب لهما فرنسيين، والآن صار لزامًا أن يتم إبعادهما مرة أخرى.

توقَّفَتِ الشاحنة، ووقف القطار ساكنًا لا يتحرك، وكان ذلك ليلًا في مكان ما في الريف. كان بإمكانهم سماع أصوات تتحدث الفرنسية والألمانية. ثمة بعض الهرج في القاطرات الأمامية. وسمعوا الأبواب تُفتَح بقوة، وسمعوا وشعروا بوقع أحذية طويلة تدب على أرضيات تلك القاطرات الجرداء. إنها حملة تفتيش على القطار. فاستلقَوا أسفل بعض الأجولة، ولكنهم لم يحاولوا حتى تغطية وجوههم؛ فقد اعتقدوا أنه لا أمل. كانت الأصوات تقترب أكثر فأكثر، وسمعوا وقع الأحذية الطويلة على الحصى المجاور للقضبان، ثم بدأ القطار يتحرَّك مجدَّدًا. تحرك ببطء شديد لدرجة أنهم لم يلاحظوا أنه تحرَّك للحظة أو نحو ذلك، وحتى عندما لاحظوا، اعتقدوا أنه مجرد تحويلة للقاطرات، بل توقَّعوا أن يتوقف، حتى يمكن مواصلة التفتيش، ولكن القطار واصل سيره، وتحرَّك أسرع قليلًا، ثم ازدادت سرعته، حتى وصل إلى سرعته المعتادة وهو ما لم يكن بالشيء الجيد تمامًا. كانوا يتحركون، وتخلَّصوا من التفتيش، حتى تم نقلهم بعيدًا، ولم يَرَ سايمون ما حدث؛ لقد ولَّى الخطر.

قال سايمون إنه عندما أدرك أنهم في أمان، شعر فجأةً أنهم قد اجتازوا مرحلةَ الخطر، وأن ما من شيء يمكن أن يحدث لهم الآن، وأنهم محظوظون ومنعَّمون، وأخذ ما حدث على أنه علامة من علامات حسن الحظ.

سألته روز إذا كان قد رأى صديقه وشقيقته مرة أخرى.

«كلا. لم أَرَهما مطلقًا بعد أن جاوزنا ليون.»

«إذن فقد كانت علامة حسن حظ لكَ أنتَ فقط.»

ضحك سايمون. كانا في الفراش، فراش روز في منزل قديم على أطراف قرية في مفترق طرق؛ حيث اتجها إلى هناك مباشَرَةً من الحفل. كان ذلك في شهر أبريل، وكانت الرياح باردة، وكان منزل روز شديد البرودة. لم تكن المدفأة كافية، فوضع سايمون إحدى يديه على ورق الحائط خلف الفراش، وجعلها تشعر بتيار الهواء البارد.

«إنه يحتاج إلى عزل حراري.»

«أعرف. إن الأمر بشع. لا بد أن ترى فواتير وقودي.»

قال سايمون إنها يجب أن تشتري مدفأة تعمل بالخشب، وأخبرها عن أنواع عديدة من الحطب، وقال إن خشب القيقب من أنواع الخشب الرائعة للحرق، وانطلق يسرد العديد من أنواع العزل الحراري: الستيروفوم، والميكافيل، والفايبرجلاس. ثم نهض من الفراش وراح يتجول عاريًا، ممعنًا النظر في جدران المنزل، بينما كانت روز تصيح وراءه.

«تذكرت الآن. لقد كانت منحة.»

«ماذا؟ لا أسمعكِ.»

فقامت من الفراش ولفَّتْ نفسها في دِثار، وقالت وهي واقفة أعلى السلم: «لقد جاءني ذلك الصبي باستمارة طلب منحة. كان يريد أن يصبح كاتبًا مسرحيًّا. الآن فقط تذكَّرْتُ.»

قال سايمون: «أيُّ صبي؟ آه.»

«ولكنني زكيتُهُ. أنا متأكدة.» الحقيقة أنها كانت تزكِّي الجميع، فإذا لم تستطع أن ترى مميزاتهم، ظنَّتْ أن الأمر هو مجرد مسألة أنهم يمتلكون مميزاتٍ لم تستطع رؤيتها.

«لا بد أنه لم يحصل عليها؛ لذا اعتقدَ أني قد استبعدته.»

قال سايمون وهو ينظر إلى القبو بتفحُّص: «حسنًا، على فرض أنكِ قد فعلتِ. إنه حقك.»

«أعلم. ولكنني أخشى ذلك كثيرًا؛ فأنا أكره رفضهم. إنهم في غاية الطهر والاستقامة.»

قال سايمون: «إنهم أبعد ما يكونون عن ذلك. سوف أرتدي حذائي وأُلقِي نظرةً على مدفأتك. في الغالب تحتاجين لتنظيف المرشحات. هذا هو أسلوبهم فحسب. ليس هناك ما يدعو للخوف منهم، فهُمْ مجرد أشخاص حمقى شأنهم شأن أي شخص آخَر. إنهم يريدون بعض السُّلْطة والنفوذ. وهذا شيء طبيعي.»

«ولكن أيمكن أن تكون حاقدًا إلى هذا الحد؟» واضطرت روز للتوقف وبدأت الكلمة من جديد: «أن تكون بهذا «الحقد» بسبب الطموح فحسب؟»

قال سايمون صاعدًا السلم: «وهل هناك شيء آخَر؟» ثم أمسك بالبطانية ولفَّ نفسه بها معها، وداعَبَ أنفها بأنفه. «يكفي هذا يا روز. أَلَا تستحين؟ أنا شخص مسكين جاء ليتفحص مدفأتك؛ مدفأة قبوك. آسف لاحتكاكي بك بهذا الشكل يا سيدتي.» كانت تعرف بعضًا من شخصياته بالفعل؛ كان في هذه اللحظة يتقمص شخصية العامل المتواضِع، وكان من ضمن شخصياته الأخرى شخصية الفيلسوف العجوز الذي ينحني لها على الطريقة اليابانية، عندما يخرج من المرحاض متمتمًا: «تذكَّر الموتى، تذكَّر الموتى.» وعندما يكون الوقت ملائمًا، يتقمص شخصية «الشهواني المجنون»، فيهمز بأنفه ويثب عليها، ويطبع قبلات بتمطق على بطنها تنمُّ عن البهجة والانتصار.

اشترت من المتجر الواقع في مفترق الطرق قهوة حقيقية بدلًا من القهوة السريعة، وكريمة حقيقية، ولحمًا مقددًا، وبروكلي مجمدًا، وقطعة كبيرة من الجبن المحلي، ولحم كابوريا معلبًا، وأفضل طماطم متوافرة لديهم، وأرزًا طويل الحبة، وسجائر أيضًا. كانت في تلك الحالة من السعادة التي تبدو طبيعية تمامًا ولا يوجد ما يهدِّدها. ولو سُئِلت عن سبب ذلك، لقالت بسبب الطقس — فقد كان اليوم مشرقًا على الرغم من الرياح العاصفة — وبسبب سايمون أيضًا.

قالت السيدة التي تدير المتجر: «لا بد أنكِ قد أحضرتِ رفيقًا بالمنزل.» لم تكن تتحدث بأي نبرة دهشة أو خبث أو استنكار، كان ذلك على سبيل الحسد الودي اللطيف.

قالت روز بينما تضع المزيد من البقالة على النضد: «جاءني دون سابق إنذار. يا لهم من ضيوف مزعجين! ناهيك عن التكاليف. انظري إلى ذلك اللحم المقدد، وتلك الكريمة أيضًا.»

قالت السيدة: «أستطيع تحمُّل ذلك إلى حدٍّ ما.»

•••

أعدَّ سايمون عشاءً رائعًا بالموارد المتاحة، فيما لم تفعل روز شيئًا سوى المشاهدة، وتغيير ملاءات السرير.

قالت: «لقد تغيَّرَتِ الحياة الريفية، أو لعلني قد نسيت. لقد جئتُ إلى هنا ببعض الأفكار عن الكيفية التي سأحيا بها حياتي هنا. ظننت أنني سأذهب في جولات تريُّض طويلة على الطرق الريفية المهجورة. وفي أول مرة خرجتُ فيها للتمشية، سمعتُ سيارة مسرعة قادمة من ورائي على الطريق المفترش بالحصى، وابتعدت سريعًا وكنتُ محظوظة للغاية أن لم يُصِبْني مكروهٌ. بعدها سمعت صوت طلقات نارية ملأني رعبًا؛ فاختبأت بين الشجيرات وجاءت سيارة تعوي بنفيرها وتترنح يمينًا ويسارًا على طول الطريق، وكانوا يطلقون الرصاص من النوافذ. فعُدْتُ عبر الحقول، وأخبرتُ السيدة التي في المتجر أننا يجب أن نبلغ الشرطة، فقالت إن الصبية في العطلات الأسبوعية يحضرون حقيبة من الجعة في السيارة ويخرجون لإطلاق الرصاص على جرذان الأرض. بعدها قالت لي: ماذا كنتِ تفعلين على هذا الطريق على أية حال؟ استطعتُ أن أدرك أنها ترى الخروج للتمشية بمفردك شيئًا أكثر إثارةً للشبهات من صيد الجرذان. وهناك الكثير من الأشياء على ذلك النحو. لا أعتقد أنني سأبقى، ولكن عملي هنا والإيجار رخيص. لا أقصد أن تلك السيدة التي في المتجر ليست لطيفة. إنها تقرأ الطالع بأوراق اللعب وفناجين الشاي.»

قال سايمون إنه أُرسِل من ليون للعمل في إحدى المزارع في جبال بروفينس. كان الناس هناك يعيشون ويعملون بالزراعة بشكل يشبه للغاية مَن كانوا يعيشون في العصور الوسطى؛ فلم يكونوا يجيدون القراءة أو الكتابة أو التحدُّث بالفرنسية. وعندما يمرضون، كانوا إما ينتظرون الموت أو الشفاء، ولم يذهب أحد منهم إلى الطبيب قطُّ، على الرغم من أن هناك طبيبًا بيطريًّا يأتي مرةً في السنة لفحص الماشية. ذات مرة دخلَتْ مِذْراة قمح في قدم سايمون، وتلوَّثَ الجرح وأصيب بحمى، وواجه صعوبة جمة في إقناعهم بالإرسال في طلب الطبيب البيطري الذي كان في ذلك الحين في القرية المجاورة، وأخيرًا فعلوا وجاء البيطري وأعطى سايمون حقنةَ خيولٍ كبيرةً وتحسَّنَتْ حالته. وحار أفراد المنزل وأعجبهم رؤية مثل هذه الإجراءات تُتَّخَذ على صعيد الحياة الإنسانية.

قال إنه بينما كان يتعافى قام بتعليمهم لعب الورق، وتعلمت الأم والأطفال؛ بينما كان الأب والجد بطيئَي التعلم للغاية، ولم يكن لديهما الاستعداد، فيما ظلَّتِ الجدة حبيسة قفص في الحظيرة يتم إطعامها بقايا الطعام مرتين يوميًّا.

«أهذا صحيح؟ هل هذا ممكن؟»

كانا في مرحلة تبادُل الأشياء فيما بينهم مثل المتع، والقصص، والدعابات، والاعترافات.

قال سايمون: «إنها حياة الريف! ولكن الوضع هنا ليس بهذا السوء. هذا المنزل يمكن أن يصبح مكانًا مريحًا للغاية؛ إذ لا بد أن يكون لديك حديقة.»

«كانت هذه من الأفكار الأخرى التي واتتني، وحاولْتُ بالفعل أن يكون لديَّ حديقة، ولكنَّ شيئًا لم يُجْدِ. كنتُ أتطَّلَع لزراعة الملفوف، اعتقدْتُ أنه جميل، ولكن أصابته إحدى الديدان، والتهمت الأوراق إلى أن أصبحَتْ مثل النسيج المخرم، ثم اصفرَّتْ جميعها وسقطت على الأرض.»

«الملفوف من النباتات التي يصعب زراعتها. يجب أن تبدئي بشيء أسهل.» غادر سايمون الطاولة واتجه صوب النافذة. «أشيري لي على المكان الذي كانت به حديقتك.»

«بطول السور. ذلك هو المكان الذي كانت به قبل ذلك.»

«هذا مكان سيئ، فهي قريبة للغاية من شجر الجوز. وأشجار الجوز لها تأثير سيئ على التربة.»

«لم أكن أعلم هذا.»

«حسنًا، هذا صحيح. عليكِ أن تجعليها أقرب للمنزل. سوف أبدأ غدًا في حفر حديقة من أجلك، سوف تحتاجين للكثير من السماد. إن روث الأغنام هو أفضل المخصَّبات الآن. أتعرفين أحدًا هنا لديه أغنام؟ سوف نحصل على عدة أجولة من روث الأغنام، ونرسم خطة لتحديد النباتات التي سنزرعها، وإنْ كان ذلك لا يزال مبكرًا للغاية؛ إذ قد لا يزال هناك صقيع. يمكنكِ أن تبدئي ببعض الأشياء من داخل المنزل، ذات بذور. لتبدئي بالطماطم.»

قالت روز: «ظننت أنك ربما تكون مضطرًّا للمغادرة غدًا في حافلة الصباح.» فقد جاءا بسيارتها.

«يوم الاثنين يوم خفيف. سوف أتصل وألغي ما لديَّ من أعمال، وأخبر الفتيات في المكتب أن يقولوا إنني مصاب بالتهاب الحلق.»

«التهاب الحلق؟»

«شيء من هذا القبيل.»

قالت روز بنبرة صادقة: «من الجيد أنك هنا، وإلَّا لقضيتُ وقتي في التفكير في ذلك الفتى. كنتُ سأحاول ألَّا أفكِّر فيه، ولكن كان سيظل يخطر ببالي في لحظات عدم انشغالي. كنتُ لأصبح في حالةٍ من المهانة.»

«ذلك شيء تافه للغاية ليصيبك بحالة من المهانة.»

«هذا ما أراه أيضًا، ولكني أتأثر بأقل الأشياء.»

قال سايمون: «تعلَّمِي ألَّا تكوني بهذه الحساسية.» كان يتحدث وكأنه يحاول تولِّي مسئوليتها إلى جانب مسئولية المنزل والحديقة، ثم أردف قائلًا: «الفجل، الخس الورقي، البصل، البطاطا. أتحبين البطاطا؟»

وضَعَا معًا خطة للحديقة قبل أن يرحل، وقام بحفر التربة وإعدادها لها، على الرغم من اضطراره للاكتفاء بروث الأبقار. اضطرت روز للذهاب إلى العمل يوم الاثنين، ولكنها ظلت تفكر فيه طوال اليوم. رأته وهو يحفر في الحديقة، رأته وهو يتفحَّص القبو عاريًا، رجلًا قصير القامة بدينًا كثيف الشعر ودودًا، ذا وجه أجعد كوجه الممثلين الكوميديين. كانت تعلم ما سيقول حين تعود إلى المنزل، كان سيقول: «أتمنى أن ينال عملي رضاكِ يا سيدتي.» ويجذب خصلة من شعرها.

وكان هذا هو ما فعله بالفعل، وكانت في غاية السعادة، حتى إنها صاحت تقول: «أوه سايمون، أيها الوغد، أنت رجل حياتي!» غمرتها تلك اللحظات بشعور الحظوة وغطَّتْها بنور كشعاع الشمس، لدرجةٍ جعلتها لا تفكر أنه قد لا يكون من الحكمة أن تقول شيئًا كهذا.

•••

مع انتصاف الأسبوع ذهبت إلى المتجر، لا لشراء أي شيء، ولكن لتقرأ طالعها. نظرت السيدة في فنجانها وقالت: «أوه يا إلهي! لقد قابَلْتِ الرجل الذي سيغيِّر كل شيء.»

«أجل، أظن هذا.»

«سوف يغيِّر حياتك. أوه، يا إلهي! لن تبقي هنا. إنني أرى شهرة، أرى ماءً.»

«لا أعرف شيئًا عن هذا. أعتقد أنه يرغب في تركيب نظام عزل لمنزلي.»

«لقد بدأ هذا التغيير بالفعل.»

«أجل، أعلم أنه قد بدأ. أجل.»

•••

لم تستطع أن تتذكر ما قالتاه بشأن حضور سايمون مرة أخرى، كانت تعتقد أنه قادم في العطلة الأسبوعية. كانت تتوقَّع حضورَه، ومن ثَمَّ خرجت واشترت البقالة، ليس من المتجر المحلي هذه المرة، ولكن من سوبر ماركت على بُعْد عدة أميال، وتمنَّتْ ألَّا تراها سيدة المتجر وهي تحمل حقائب البقالة متجهة إلى المنزل. كانت تريد خضراوات وشرائح لحم طازجة وكرزًا أسود مستوردًا، وجبن كامومبير ودرَّاقًا. كما اشترت نبيذًا، ومفرشين للسرير تكسوهما أطواق أنيقة من الورد الأزرق والأصفر، اعتقدت أن وركيها الشاحبين سوف يظهران بشكل واضح عليهما.

وفي يوم الجمعة ليلًا وضعت المفرشين على السرير، والكرز في إناء أزرق. كان النبيذ باردًا، والجبن يلين. وفي حوالي التاسعة مساءً جاء صوت الطرق العالي، ذلك الطرق الدعابي المتوقَّع على الباب. كانت مندهشة لأنها لم تسمع صوتَ سيارته.

قالت سيدة المتجر: «شعرتُ بالوحدة؛ لذا فكرتُ أن أقوم بزيارتك و… أوه! إنك بانتظار رفيقك.»

قالت روز: «ليس بالضبط.» كان قلبها قد بدأ يخفق في فرح حين سمعت صوت الطرق، وكان لا يزال يدق وكأن صوت دقاته مسموعٌ. وأردفت قائلةً: «لا أعلم متى يصل هنا. ربما غدًا.»

«تبًّا للأمطار.»

بدا صوت السيدة ودودًا وصادقًا، وكأن روز كانت بحاجة إلى إلهاء أو مواساة.

قالت روز: «أتمنى فقط ألَّا يكون الآن قائدًا للسيارة في هذا الطقس.»

«بكل تأكيد لا ترغبين في ذلك.»

مرَّرَتِ السيدةُ أصابعها عبر شعرها الرمادي القصير نافضة عنه قطرات المطر، وأدركت روز أنها ينبغي أن تقدِّم لها شيئًا. ربما كأس من الشراب؟ ربما يجعلها ثملة وثرثارة، وقد ترغب في أن تبقى وتُجهِز على الزجاجة. ها هي شخصية تحدَّثَتْ إليها روز من قبلُ عدة مرات، صديقة نوعًا ما، شخصية كانت ستدعي أنها تحبها، وبالكاد يمكن أن تتعب نفسها في التعبير عن تقديرها لها. لم يكن الموقف ليتغير في تلك اللحظة مع أي شخص بخلاف سايمون؛ فقد كان أي شخص آخَر سيبدو مزعجًا ودخيلًا.

كان بوسع روز أن ترى ما هو قادم. كانت كل مباهج الحياة وتعازيها ومظاهر اللهو فيها ستُطوَى وتُطرَح جانبًا؛ وما تجده من متعة في الطعام، وزهور الليلَك، والموسيقى، وصوت الرعد في الليل كل ذلك سيزول. ما من شيء ليجدي سوى أحضان سايمون، ما من شيء ليجدي سوى الاستسلام للتشنجات والوخزات.

استقرت على أن تقدِّم لها الشاي؛ فقد اعتقدت أنها ربما تستغل ذلك الوقت في جولة جديدة من قراءة طالعها.

قالت السيدة: «ليس واضحًا.»

«أي شيء تقصدين؟»

«لا أستطيع الرؤية بوضوح الليلة. كلا، للأمانة لست قادرة على رصده.»

«لا تستطيعين رصده؟»

«أعني في مستقبلك. أنا متعبة للغاية.»

ظنت روز أنها تقول ذلك من منطلق الحقد والغيرة.

«حسنًا، أنا لستُ مهتمة به على أي حال.»

«ربما استطعتُ أن أفيدك أكثر لو كان لديك شيء يخصه، فقط دعيني أحصل على أي شيء وضع يده عليه، ألديك مثل هذا الشيء؟»

قالت روز: «أنا.» قالتها بتأنف رديء لم تملك العرافة أمامه شيئًا سوى الضحك.

«كلا، أنا جادة.»

«لا أعتقد هذا. فأنا أتخلص من أعقاب سجائره.»

•••

بعد انصراف السيدة، جلست روز تنتظر، وسرعان ما انتصف الليل. كان المطر ينهمر بغزارة. وفي المرة التالية التي نظرت فيها إلى الساعة، كانت قد أصبحت الثانية إلا عشرين دقيقة. كيف يمكن لوقت شاغر كهذا أن يمر بهذه السرعة؟ أطفأت الأنوار لأنها لم تكن تريد أن يرصدها أحد وهي مستيقظة في هذا الوقت. خلعت ملابسها، ولكنها لم تستطع الاستلقاء على المفارش الجديدة، فجلست في المطبخ في الظلام. ومن آنٍ لآخر كانت تعد لنفسها كوبًا من الشاي. اخترق الغرفة بعض الضوء القادم من مصباح الشارع القائم على الناصية، فقد تَمَّ تركيب مصابيح بخار زئبق جديدة مبهرة. كان بإمكانها أن ترى ذلك الضوء، وجزءًا بسيطًا من المتجر، ودرجات سلم الكنيسة عبر الطريق. لم تَعُدِ الكنيسة تخدم الطائفة البروتستانتية الحكيمة والمبجلة التي قامت ببنائها، ولكنها أعلنت نفسها «هيكلًا للناصرة»، وكذلك «مركزًا للقداسة». كانت الأمور أكثر انحرافًا هنا مما لاحظت روز من قبلُ. لم يكن هناك مزارعون متقاعدون يعيشون في هذه المنازل، بل لم يكن هناك مَزارِع للتقاعد عن العمل بها، هناك فقط الحقول الفقيرة المغطَّاة بأشجار العرعر. كان الناس يعملون في المصانع على بُعْد ثلاثين أو أربعين ميلًا، أو في مستشفى المقاطعة للأمراض النفسية، أو كانوا لا يعملون من الأساس، كانوا يعيشون حياة غامضة على أطراف الإجرام أو حياةً من الجنون المنظم في ظل مركز القداسة. كانت حياة الناس بالتأكيد أكثر قنوطًا مما اعتادت أن تكون عليه، وماذا يمكن أن يكون أكثر قنوطًا من امرأة في عمر روز تسهر طوال الليل في مطبخها المظلم في انتظار حبيبها؟ كان هذا موقفًا صنعته روز بيديها، كانت هي مَن صنعته كاملًا بنفسها، وكأنها لم تتعلم أي درس على الإطلاق. لقد حوَّلَتْ سايمون إلى الشماعة التي علَّقَتْ عليها آمالَها، ولم تكن تستطيع الآن أن تعيده مرة أخرى إلى نفسه.

ظنَّتْ أن الخطأ كان في شراء النبيذ، والمفارش، والجبن، والكرز؛ فقد جلبت عليها تلك الاستعدادات كارثة، ولم تدرك ذلك حتى فتحت الباب وتحوَّلَ اضطراب قلبها من ابتهاج إلى هلع، مثل صوت برج مليء بالأجراس تحوَّلَ بشكل كوميدي (ولكن ليس بالنسبة لروز) إلى نفير ضباب يملؤه الصدأ.

ظلت روز ساعة بعد ساعة وسط الظلام والمطر تتنبأ بما يمكن أن يكون قد حدث، واستطاعت أن تنتظر على مدار العطلة الأسبوعية، تؤازر نفسها بالأعذار ويعييها الشك، ولا تغادر المنزل قطُّ خشية أن يدق جرس الهاتف. عندما عادت إلى العمل يوم الاثنين، في حالة من الإعياء، ولكنها ما زالت ملتزمة إلى حد قليل بعالم الواقع، استجمعت شجاعتها لتكتب له خطابًا، وتركته في قسم الدراسات الكلاسيكية ليسلِّموه إياه.

«كنتُ أفكِّر أننا قد يمكننا أن نزرع الحديقة في العطلة الأسبوعية القادمة. لقد اشتريت مجموعة كبيرة من البذور (كانت تلك كذبة، ولكنها كانت ستشتريها إذا وصلها منه رد). أبلِغْني حال قدومك، ولكن لا تقلق إذا وضعتَ خططًا أخرى.»

عندئذٍ سيراودها القلق؛ ألم يكن وقع ذِكْر الخطط الأخرى فظًّا بشكل مبالغ؟ ألن يكون عدم إضافتها إلحاحًا مفرطًا؟ كانت ثقتها بنفسها، ورقَّة قلبها ستتسربان منها، ولكنها ستحاول ادعاءهما.

«إذا كان الجو بالخارج مطيرًا للعمل في الحديقة، يمكننا دائمًا الخروج في نزهة بالسيارة. وربما استطعنا صيد بعض الجرذان الأرضية. مع أطيب أمنياتي. روز.»

بعد ذلك مزيدٌ من وقت الانتظار، ستكون العطلة الأسبوعية بالنسبة لها مجرد اختبار تجريبي عارض، أو مقدمة عشوائية للطقوس الجادة العادية البائسة، ستضع يديها داخل صندوق البريد وتسحب البريد منه دون النظر إليه، وترفض مغادرة الكلية حتى الخامسة، وتضع وسادة عند الهاتف للتأكد من رؤيتها له؛ متصنعة اللامبالاة. كان تفكيرها لا يبرح هذا الأمر، ولكن مَن يراقب طويلًا لا يجد نتيجة. كانت تسهر طوال الليل تعاقِر الشراب دون أن تعييها هذه الحماقة بما يكفي للتخلي عنها؛ لأن الانتظار كان سيتخلله أحلام اليقظة التي تُمنِّيها، تلك الحجج المقنعة المتعلقة بنواياه. كانت هذه الأحلام تصل لنقطة ما تكفي لتجعلها تقرِّر أنه لا بد وأنه كان مريضًا، ولم يكن ليهجرها هكذا لسبب آخَر سوى ذلك. تتخيل أنها تتصل بمستشفى كينجستون للسؤال عن صحته ليخبروها أنه ليس مريضًا لديهم، ربما بعدها يأتي اليوم الذي تدخل فيه مكتبة الكلية لتلتقط نُسَخًا سابقة من صحف كينجستون لتبحث وسط إعلانات النعي لتعرف ما إذا كان قد تُوفِّي بأي شكل من الأشكال. بعدها، وفي استسلام تام، وشعور بالبرد والارتعاد، تتصل به في الجامعة، فتقول الفتاة التي تعمل بمكتبه إنه قد رحل. ربما رحل إلى أوروبا، أو إلى كاليفورنيا؛ فقد كان يدرِّس هناك لفصل دراسي واحد فقط. ربما يكون قد ذهب في رحلة تخييم، أو ذهب لكي يتزوج.

أو قد تقول: «دقيقة واحدة من فضلك.» وتحوِّل روز إليه بشكل غير متوقع.

«أجل؟»

«سايمون؟»

«أجل.»

«إنه أنا … روز.»

«روز؟»

إنه أسوأ ما يمكن أن تتوقعه، بل قد يكون هناك أسوأ من ذلك.

قد يقول: «كنتُ أنتوي الاتصال بك.» أو «روز، كيف حالك؟» أو حتى «كيف حال تلك الحديقة؟»

إذا كان كذلك فمن الأفضل أن تخسره الآن، ولكنها عندما اقتربت من الهاتف، راحت تضع يدها عليه، ربما لترى ما إذا كان لا زال يعمل، أو ربما لِحَضِّه على الرنين.

قبل ظهور أول خيط من خيوط صباح الاثنين، جمعت كل ما اعتقدت أنها ستحتاج إليه في صندوق السيارة، وأغلقت المنزل، بينما كان جبن كامومبير ما زال يسيل كفيض من الدموع على منضدة المطبخ، وانطلقت بالسيارة في اتجاه الغرب. كانت تعتزم الغياب ليومين حتى تستعيد صوابها وتستطيع مواجهةَ المفارشِ الجديدة وقطعةِ الأرض التي تم تجهيزها لزراعة الحديقة، والمكانِ خلف السرير حيث وضعَتْ يدها لتحسُّس تيار الهواء. (لماذا أحضرَتْ حذاءها الطويل ومعطفها الشتوي، إذا كان هذا هو الحال؟) وكتبت خطابًا إلى الكلية — إذ كان بإمكانها إجادة الكذب في الخطابات، على الرغم من أنها لا تجيد ذلك عبر الهاتف — قالت فيه إنها قد استُدْعِيَتْ للسفر إلى تورونتو لأن صديقة لها كانت في مرضها الأخير. (ربما لم تُجِد الكذب هذه المرة على أية حال، وربما قد بالغت.) كانت مستيقظة طوال العطلة الأسبوعية تقريبًا تعاقر الشراب، ليس بشكل مفرط، ولكن على نحو متواصل. وبينما كانت تضع أمتعتها في السيارة، قالت لنفسها بصوت عالٍ وبنبرة جادة وتوكيدية للغاية: «لن أتناول المزيد منه مجدَّدًا.» جلسَتْ بانحناء في مقعد السيارة الأمامي تكتب الخطاب الذي كان يمكنها أن تكتبه في وضع أكثر ارتياحًا في المنزل، وفكرت في كم الخطابات المجنونة التي كتبتها، وكم الأعذار المبالَغ فيها التي أوجدتها، في اضطرارها لترك مكان ما، أو خوفها من ترك مكان ما، بسبب رجل ما. لم يكن أحد يعرف مدى حماقتها، حتى الأصدقاء الذين عرفوها على مدى عشرين عامًا لم يعرفوا نصف الرحلات الجوية التي سافرت على متنها، ولا الأموال التي أنفقتها، ولا المخاطر التي خاضتها.

فكَّرَتْ قليلًا فيما بعدُ في موقفها؛ فها هي ذي تقود سيارةً، مغلِقةً ماسحاتِ الزجاج الأمامي مع انحسار الأمطار أخيرًا في صباح يوم اثنين في العاشرة، وتتوقف من أجل تزويد السيارة بالوقود، ثم تتوقف ثانيةً لصرف حوالة مالية بعد أن فتحت البنوك أبوابها؛ كانت صامدة ومرحة، وتذكَّرَتْ ما يجب أن تفعله، مَن ذا الذي سيخمن ماهية الشهوات المخزية، أو ذكريات الشهوات، أو التنبؤات التي تتضارب في عقلها؟ لقد كان أكثر هذه الأشياء الشهوانية المخزية على الإطلاق هو ببساطةٍ الأملُ، الذي يختبئ بشكل خادع للغاية في البداية، ويخفي نفسه بدهاء ومكر، ولكن ليس لفترة طويلة؛ ففي غضون أسبوع يمكن أن تجده وقد خرج يصدح ويغرد ويتغنى بترانيم على باب السماء، بل إنه منشغل الآن بإخبارها بأن سايمون قد يكون في هذه اللحظة يعرج إلى ممر السيارات الخاص بمنزلها، وقد يكون واقفًا أمام باب منزلها عاقدًا يديه معًا، يتوسل ويتهكم ويعتذر، مردِّدًا عبارته «تذكَّر الموتى».

حتى لو كان ذلك صحيحًا، ما الذي سيحدث يومًا ما، في صباح أحد الأيام؟ في صباح أحد الأيام يمكن أن تستيقظ وتدرك من أنفاسه أنه كان مستيقظًا بجوارها دون أن يلمسها، وأن من المفترض بها ألَّا تلمسه؛ فالكثير من لمسات الأنثى تحمل مطالب (هذا ما كانت ستتعلَّمَه، أو تعلَّمَتْه مرة أخرى منه)، ورِقَّة النساء نهمة، وشهوانيتهن خادعة. كانت ستستلقي هناك متمنيةً لو كان لديها عيب واضح، أو شيء يمكن لشعورها بالخزي أن يتقوقع حوله ويحميه. وعلى هذا الأساس، كانت ستضطر أن تشعر بالخزي من حقيقة جسدها برمته، تلك الحقيقة الممددة العارية المخزية، وتتحمل عبأها. قد يبدو جسدها كالكارثة؛ فهو مسامي وسميك وباهت وتملؤه البقع. أما جسده، فلن يكون محل جدل، لن يكون أبدًا؛ فهو مَن سيكون صاحب الحق في الاستنكار والصفح، وكيف لها أن تعرف إذا كان سيصفح عنها مجدَّدًا؟ فبإمكانه أن يقول لها «تعالَي إلى هنا»، أو «ابتعدي». فمنذ أن تركت باتريك وهي لم تكن بالإنسان الحر، ذلك الإنسان الذي يمتلك تلك القوة التي ربما تكون قد استنزفتها بالكامل، استنزفت كل ما كان يواتيها منها.

أو ربما تسمعه يقول في إحدى الحفلات: «وحينها علمتُ أنني سأكون على ما يرام، وعلمت أنها علامة على حسن الطالع.» راويًا قصته لفتاة عاهرة بلا قيمة، ترتدي رداءً حريريًّا بنقوش جلد النمر، أو — ما هو أسوأ — لفتاة رقيقة ذات شعر طويل في ثوب فضفاض مطرز، ستقوده من يديه، عاجلًا أو آجلًا، عبر باب مؤدٍّ لغرفة أو منظر طبيعي حيث لا تستطيع روز أن تتبعهما.

أجل، ولكن أليس من الممكن ألَّا يحدث أي من هذا، وألَّا يكون هناك شيء سوى العطف، وروث الأغنام، وليالي الربيع الهادئة وسط غناء الضفادع؟ قد يعني عدم مجيئه في أول عطلة أسبوعية لهما، وعدم اتصاله بها، مجرد حدوث تغير في جدول أعماله، وليس هناك أي نذير سوء على الإطلاق. وعلى أثر تفكيرها على هذا النحو، كانت تبطئ كل عشرين ميلًا أو نحو ذلك، بل وكانت تبحث عن مكان لتستدير وتعود مرة أخرى. بعدها تعزف عن ذلك وتسرع خطاها، وهي تفكر أنها ستقود لمسافة أبعد قليلًا للتأكد من صفاء ذهنها، لتنهال عليها مجدَّدًا خيالاتها عن نفسها وهي جالسة في المطبخ، وصور الفقدان والخسارة. وظلت هكذا تقطع الطريق ما بين الرغبة في العودة والمضي قدمًا، وكأن مؤخرة السيارة معلَّقَة بقوة مغناطيسية تتراجع وتقوى، وتتراجع وتقوى، ثم تتراجع وتقوى مرة أخرى، إلا أن تلك القوة لم تكن كافية قط لتجعلها تستدير، وبعد فترة سيطر عليها الفضول بشكل غير شخصي، وصارت تراها كقوة مادية حقيقية وتتساءل ما إذا كانت تزداد ضعفًا بالتدريج بينما تقود السيارة، وما إذا كانت عند نقطة ما على مسافة بعيدة سوف تتحرَّر هي والسيارة من قبضة تلك القوة، وسوف تدرك اللحظة التي ستغادر فيها مجالها.

ومن ثَمَّ استمرت في القيادة. مرت بموسكوكا، وليكهيد، وحدود مانيتوبا. في بعض الأحيان كانت تنام في السيارة، فكانت تتوقف على جانب الطريق لساعة أو نحو ذلك. كان الطقس في مانيتوبا باردًا ولم تستطع أن تنام في السيارة، فحجزت في أحد الفنادق الصغيرة، وكانت تتناول طعامها في المطاعم الواقعة على جانب الطريق. وكانت قبل أن تدخل أي مطعم، تمشِّط شعرها وتزيِّن وجهها وترسم عليه تلك النظرة الشاردة الحالمة القليلة التمييز التي ترسمها النساء حين يعتقدون أن رجلًا ما قد يراقبهن. كان من المبالغة بمكانٍ أن تقول إنها تتوقع أن يكون سايمون هناك بالفعل، ولكن كان يبدو أنها لم تستبعد وجوده بشكل تام.

وبالفعل وهنت تلك القوة مع بُعْد المسافة. كان الأمر بتلك البساطة، على الرغم من أن المسافة يمكن اجتيازها بسيارة، أو بحافلة، أو بدراجة، مثلما فكَّرَتْ بعد ذلك؛ فلم يكن يمكن الحصول على نفس النتائج من خلال الطيران. وفي بلدة تغطِّيها المراعي على مسافة قريبة من سايبرس هيلز، أدركت التغيير. ظلَّتْ تقود السيارة طوال الليل إلى أن بزغت الشمس من ورائها وشعرت بالهدوء وصفاء الذهن مثلما يحدث لك في تلك الأوقات. دخلت إلى أحد المقاهي وطلبت قهوة وبيضًا مقليًّا، وجلست على النضد تنظر إلى الأشياء المألوفة التي توجد خلف نضد المقاهي؛ أباريق القهوة، وقطع الليمون اللامعة والفاسدة على الأرجح، وفطائر التوت، والأطباق الزجاجية السميكة التي يضعون فيها الآيس كريم أو الجيلي، وكانت تلك الأطباق هي ما أخبرها بشأن تغيُّر حالتها. لم تكن تستطيع أن تقول إنها حسنة الشكل، أو أنيقة، من دون تشويه للحقيقة. كل ما استطاعت قوله إنها قد رأتها بطريقةٍ لم يكن لشخص في أي مرحلة من مراحل الحب أن يراها بها؛ فقد استشعرت صلابتها بامتنان ينمُّ عن تعافيها، استقر ثقله في عقلها وقدميها بارتياح، وحينها أدركت أنها قد دخلت إلى هذا المقهى دون أدنى فكرة بعيدة الاحتمال عن سايمون، ومن ثَمَّ بدا العالم وقد توقَّفَ عن أن يكون مرحلةً قد تقابله فيها، وعاد ليكون نفسه. وخلال نصف الساعة شديدة الصفاء تلك — قبل أن يجعلها إفطارها في حالة من النعاس الشديد، حتى إنها قد اضطرت للذهاب إلى أحد الفنادق الصغيرة، حيث خلدت إلى النوم بملابسها والستائر مفتوحة أمام ضوء الشمس — كانت تفكِّر كيف أن الحب يغيِّر لك العالم، ففي اللحظة التي تتأكَّد فيها من أن كل شيء على ما يرام، يمضي هو دون أن تشعر، بنفس القدر تمامًا، في طريق التدهور. لم يكن من المفترض أن يشكِّل ذلك مفاجأةً بالنسبة لها، ولم يكن كذلك بالفعل؛ لقد كانت المفاجأة أنها كانت في أشد الرغبة والحاجة إلى أن يكون كل شيء موجودًا من أجلها، وأن يكون سميكًا وبسيطًا مثل أطباق الآيس كريم، حتى يبدو لها أنها كما تفر من خيبة الأمل، والخسائر والانفصال، فهي تفر أيضًا من أضدادها بنفس القدر تمامًا؛ الاحتفاء بالحب وصدمته، ذلك التغيير المذهل الذي طرأ. حتى لو كان ذلك آمنًا، لم يكن بوسعها أن تتقبَّلَه؛ ففي كلتا الحالتين، يُسلَب منك شيء؛ نابض اتزان خاص، نواة صغيرة جافة من الاستقامة. هكذا كانت تعتقد.

كتبَتْ للكلية تخبرهم بأنها حال وجودها في تورونتو لرعاية صديقتها وهي على فراش الموت، التقَتْ مصادَفَةً بأحد معارفها القدامى وعرض عليها وظيفةً في الساحل الغربي، وأنها ستنتقل إلى هناك على الفور. كانت تعتقد أنهم قد يسبِّبون لها مشكلة، ولكنها افترضت أيضًا — وكان افتراضًا في محله — أنهم لن يشغلوا أنفسهم بذلك، لما كانت شروط تعاقُدِها، لا سيما فيما يتعلق بالراتب، غير قانونية إلى حد كبير. وكتبت إلى الوكالة التي استأجرت منها المنزل، وكتبت لسيدة المتجر تودِّعها وتتمنى لها حظًّا سعيدًا. وعلى طريق هوب برينستون السريع، ترجَّلَتْ من السيارة ووقفت تحت أمطار الجبال الساحلية الباردة. راودها شعور نسبي بالأمان، والإرهاق، والسلامة العقلية، على الرغم من أنها كانت تعلم أنها قد تركت وراءها بعض الأشخاص لم يكونوا ليوافقوا على ذلك.

كان الحظ حليفها؛ ففي فانكوفر التقت برجل تعرفه كان بصدد اختيار ممثلين لمسلسل تليفزيوني جديد. كان مقرَّرًا أن يتم التصوير على الساحل الغربي، وكان يدور حول عائلة، أو مَن يتظاهرون بأنهم عائلة، مكوَّنَة من أفرادٍ غريبي الأطوار ودائمي التجول، يستخدمون منزلًا قديمًا على جزيرة سولت سبرينج كمنزل أو مقر رئيسي لهم. حصلت روز على دور السيدة صاحبة المنزل، أو شبه الأم. تمامًا مثلما قالت في خطابها؛ وظيفة في الساحل الغربي، وربما تكون أفضلَ وظيفة حصلت عليها على الإطلاق. استلزم دورها استخدامَ بعض تقنيات المكياج الخاص على وجهها لإظهارها مُسِنَّة، كان الماكيير يمازحها بقوله إنه إذا نجح المسلسل واستمر عرضه لبضع سنوات، لن يكون هناك ضرورة لاستخدام المكياج.

ثمة كلمة كان الجميع على الساحل يستخدمونها هي كلمة «ضَعْف»؛ فكانوا يتحدثون عن شعورهم بالضعف اليوم، وأنهم في حالة من الضعف. وكانت روز تقول: ليس أنا، فأنا يراودني شعور مميز بأنني مخلوقة من جلد الخيل القديم. فقد كانت الرياح والشمس في المراعي الخضراء قد أكسبت بشرتها لونًا بنيًّا وخشونة، وكانت تصفع عنقها المجعَّد البني لتأكيد كلمة «جلد الخيل»، وكانت قد بدأت بالفعل في تبنِّي بعض تعابير وتصرفات الشخصية التي كانت تلعبها.

•••

بعد عام أو نحو ذلك كانت روز تقف على ظهر أحد القوارب النهرية التابعة لشركة كولومبيا البريطانية، مرتديةً كنزة رثَّة افتقرت إلى اللون ووشاح رأس. كان عليها أن تتسلَّل وسط قوارب النجاة وتراقِب فتاةً جميلة صغيرة متجمدة من البرد ترتدي بنطلونًا قصيرًا من الجينز وصدرية نسائية. وفقًا للسيناريو، كانت السيدة التي تلعب روز دورها تخشى أن تكون هذه الفتاة تنوي القفز من القارب لأنها كانت حبلى.

أثناء تصوير هذا المشهد، تجمَّعَ عدد ضخم من الناس، وعندما توقَّفَ التصوير للاستراحة واتَّجَهوا نحو الجزء المسقوف من القارب لارتداء معاطفهم وتناول القهوة، مدَّتْ سيدة وسط الحشد المتجمهر يدها ملامِسَةً ذراع روز.

قالت السيدة: «لن تتذكريني.» وفي الواقع لم تتذكرها روز بالفعل، فشرعت تلك السيدة في التحدث عن كينجستون، والزوجَيْن اللذين أقاما الحفل، وعن موت قطِّ روز. تذكَّرَتْها روز؛ فهي السيدة التي كانت تعدُّ الورقة البحثية عن الانتحار، ولكنها بدت مختلفة تمامًا؛ فكانت ترتدي حلة باهظة الثمن بلون البيج، يلف شعرها وشاح باللونين الأبيض والبيج؛ لم تَعُدْ تبدو مبهرجة ونحيلة وفظَّة وثائرة. قدمت لها رجلًا باعتباره زوجها، والذي زمجر في وجه روز وكأنه يقول لها لو كانت توقَّعَتْ أن يحدث جلبة كبيرة بشأنها، لفكَّرت مرة أخرى بشأن مجيئها. انصرف الرجل، وقالت السيدة: «مسكين سايمون. تعلمين أنه قد تُوفِّيَ.»

أرادت السيدة أن تعرف ما إذا كانوا سيصورون أية مشاهد أخرى، وكانت روز تعلم السبب وراء سؤالها؛ لقد كانت تريد الدخول في خلفية هذه المشاهد أو حتى أمام الكاميرا حتى تتصل بأصدقائها وتخبرهم بأن يشاهدوها. ولو أنها اتصلت بالأشخاص الذين كانوا في ذلك الحفل، لقالت إنها كانت تعلم أن المسلسل في غاية التفاهة، ولكنهم أقنعوها بالظهور في أحد المشاهد من أجل متعة الظهور في حد ذاتها.

«تُوفِّيَ؟»

خلعت السيدة وشاحها، وطيرت الرياح شعرها أمام وجهها.

قالت: «كان مصابًا بسرطان البنكرياس.» ثم استدارت لتواجه الرياح حتى يتسنَّى لها ارتداء الوشاح مرة أخرى بشكل أفضل. بدا صوتها لروز يفوح دهاءً ومكرًا وهي تقول: «لا أعلم مدى معرفتك به.» هل كان ذلك من أجل دفع روز للتساؤل عن مدى معرفتها به. ربما كان ذلك الدهاء من أجل طلب المساعدة، وكذلك لقياس الانتصارات، ربما كان يمكنك أن تشعر بالأسف لها، ولكن لا يمكنك أن تثق بها مطلقًا. كان ذلك هو ما كانت روز تفكِّر فيه، بدلًا من التفكير فيما أخبرتها به. قالت السيدة بنبرة تحوَّلَت الآن إلى الجدية، بينما كانت تزم ذقنها عاقدة وشاحها: «أمر محزن. كان مصابًا به لفترة طويلة.»

كان أحدهم ينادي على روز، فاضطرت للعودة إلى المشهد. لم تُلْقِ الفتاة بنفسها في البحر. فلم يكن لديهم أشياء كهذه في المسلسل. كانت هذه الأشياء دائمًا ما تمثِّل تهديدًا فحسب، ولكنها لم تكن تحدث، إلا بين الحين والآخَر ولشخصيات ثانوية وغير جذابة. كان المشاهدون يثقون بأنهم سيكونون في مأمن من الكوارث المتوقَّعة، وكذلك من التحولات في التركيز والتي تجعل حبكة القصة عرضة للتساؤل، تلك الاضطرابات التي تتطلب أحكامًا وحلولًا جديدة، وتفتح النوافذ على مشاهد غير لائقة لا تُنسَى.

أحدَثَتْ وفاة سايمون لروز صدمةً مثل ذلك النوع من الاضطرابات. كان من المحال ومن الظلم أن تُهمَل تلك المعلومة، وأن تكون روز حتى هذه اللحظة المتأخرة قد ظنَّتْ نفسها الشخص الوحيد الذي افتقد القوة بشكل خطير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤