الفصل الثاني

مترجمون

تمهيد

(أ) كان للترجمة في هذا القرن عهدان: في الأول جاءت عن العربية أكثر منها عن اليونانية، وفي الثاني جاءت كلها عن اليونانية، ذلك أن الترجمات العربية للكتب اليونانية كان كثير منها منقولًا عن ترجمات سريانية لا عن الأصل رأسًا، وكان المترجمون يستعينون بمن يترجمها لهم إلى اللغة الدارجة (الإسبانية أو الإيطالية) ثم ينقلونها هم إلى اللاتينية، فخرجت ترجماتهم غامضة كثيرة الأخطاء، فمست الحاجة إلى الرجوع للأصول، فكانت الترجمات عن اليونانية، وحلت محل الترجمات الأولى، وقد امتازت بالوضوح والأمانة، بينما الكتب العربية نقلت فكر أرسطو عن طريق شراحه من الأفلاطونيين الجدد وغيرهم، فجاء مشوهًا في بعض المسائل الهامة، والترجمة عن اليونانية مكنت الغربيين من مناقشة تأويلات ابن سينا وابن رشد لأرسطو، ومن وضع شروح أصيلة على كتبه وهم على بينة من النصوص، ومما يجدر ذكره أن ترجمة الكتب النظرية سبقت ترجمة كتب الأخلاق والتدبير المنزلي والسياسة والخطابة.

(ب) أما مراكز الترجمة فكانت خمسة، المركز الأول: إسبانيا، وبالأخص طليطلة، تنقل فيها الكتب العربية على ما كان جاريًا في القرن السابق، المركز الثاني: إنجلترا، أي جامعة أكسفورد، حيث نبغ روبرت جروستيت المترجم عن اليونانية، والمركز الثالث: إيطاليا، في بلاط ملكي نابولى وصقلية، الإمبراطور فردريك الثاني (١١٩٧–١٢٥٠) وابنه منفريد، حيث كانت تنقل الكتب العربية واليونانية، والمركز الرابع: البلاط البابوي، وبخاصة بين سنتي (١٢٦١–١٢٦٤)، والمركز الخامس: القسطنطينية، وقد كان الصليبيون فتحوها سنة ١٢٠٤ وأسسوا فيها الإمبراطورية اللاتينية حتى ١٢٦١ فقصد إليها مرسلون فرنسيون وأساتذة من جامعة باريس (فرنسسكيين ودومنيكيين) اشتغلوا بالنقل عن اليونانية، أو أرسلوا المخطوطات إلى باريس فنقلت فيها.

(١) ميخائيل سكوت (؟–١٢٣٥)

(أ) أسكوتلندي ترجم بطليطلة سنة ١٢١٧ — بمعاونة أحد اليهود — كتاب علم الهيئة للبطروجي، وبعد ذلك بقليل كتاب الحيوان لأرسطو، وكان الإسلاميون يجمعون تحت هذا الاسم ثلاثة كتب هي: تاريخ الحيوان في عشر مقالات، وأجزاء الحيوان في أربع مقالات، وكون الحيوان في خمس مقالات، وفي سنة ١٢٢٠ قصد إلى إيطاليا وعرف فيها بمزاولة السحر، ولكنه كان موضع حظوة في البلاط البابوي، ثم التحق بخدمة فردريك الثاني فكان منجمه، وترجم كتاب الحيوان لابن سينا، وكتابًا في التنجيم.

(ب) وكان أول من ترجم شروح ابن رشد على أرسطو، ويقول البعض: إنه قام بهذه الترجمة، أو ببعضها، وهو بطليطلة بمعاونة يهودي اسمه أندراوس، ويرجح البعض أنه إنما قام بها في بلاط فردريك بمعاونة نفر من المترجمين فذاعت في الأوساط الجامعية ابتداء من سنة ١٢٣١، فإن أثرًا لابن رشد في الفكر الغربي لم يعرف قبل هذا التاريخ، خلافًا لما يقوله رِنان في كتابه «ابن رشد والرشدية» (ص٢٢٥–٢٢٧)، ولعل السبب في الظن بأن الرشدية اللاتينية أقدم عهدًا اشتراك ابن سينا وابن رشد في جميع ما أخذاه عن أرسطو والأفلاطونية الجديدة، وقد عرف ابن سينا في الغرب قبل ابن رشد.

(٢) هرمان الألماني (؟–١٢٧٢)

أسقف اشتغل بالترجمة في طليطلة، نقل سنة ١٢٤٠ الشرح الأوسط لابن رشد على الأخلاق النيقوماخية، وحوالي سنة ١٢٥٠ كتاب الخطابة لأرسطو عن العربية مع جلاء النص العربي أو تكميله بالرجوع إلى الفارابي وابن سينا وابن رشد، وكان قد نقل شرح الفارابي على هذا الكتاب، وسنة ١٢٥٦ نقل الشرح الأوسط لابن رشد على كتاب أرسطو في الشعر.

(٣) ألفريد الإنجليزي

أو ألفريد أوف سرشل Sareshcl، تعلم العربية بطليطلة في أوائل القرن، ونقل عنها كتاب النبات الذي كان يعزى لأرسطو، وكتبًا أخرى، ونقل عن اليونانية، حوالي سنة ١٢١٥ كتاب النفس وكتاب النوم وكتاب النفس، ووضع كتبًا تظهر فيها ثقافة منوعة فلسفية وعلمية، ففي كتابه «حركة القلب» يجمع بين الأفلاطونية الشارترية، والأرسطوطالية المستمدة من كتاب النفس، والأفلاطونية الجديدة المستمدة من كتاب العلل، ونظريات طبية مأخوذة عن جالينوس وعن أطباء سالرن ومونبليي، ودوَّن أيضًا بعض شروح على أرسطو، وهو يصطنع تعريف أرسطو للنفس بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي، ولكنه لا يفطن إلى أن هذا التعريف يعني اتحاد النفس والجسم اتحادًا مباشرًا، فيضع بينهما روحًا حيويًّا أو نفسًا حارًّا يلتقي بالنفس في القلب، والنفس تدبر جميع وظائف الجسم، وهو يصف هذه الوظائف وصفًا طبيعيًّا طبيًّا.

(٤) جيوم موريكي

(أ) فلامندي نقل عن اليونانية وراجع ترجمات سابقة، منقولاته الأرسطوطالية: كتاب السياسة (١٢٦٠) وتدبير المنزل (١٢٦٧) وشرح الإسكندر الأفروديسي على الآثار العلوية (١٢٦٠) وشرحه على الحس والمحسوس، وشرح سمبليقيوس على المقولات (١٢٦٦) وعلى السماء والعالم (١٢٧١) والقسم الخاص بالعقل من شرح يوحنا النحوي على كتاب النفس والعالم (١٢٧١) والقسم الخاص بالعقل من شرح يوحنا النحوي على كتاب النفس (أي م٣ ف٤–٨ وبداية ف٩) وشرح ثامسطيوس على كتاب النفس.

(ب) ونقل كتاب مبادئ الإلهيات لأبروقلوس (١٢٦٨)، فعرف الغربيون حينذاك أن كتاب العلل الذي كان ينسب إلى أرسطو ما هو إلا قسم من هذا الكتاب، ونقل ثلاث رسائل له أيضًا ضاعت أصولها اليونانية: وهي العناية والقدر، الشكوك العشرة في العناية، قيام الشرور بذاتها، وأجزاء من شرحه على تيماوس، وأجزاء من شرحه على بارمنيدس، ونقل كتبًا طبية لبقراط وجالينوس، ورسائل لأرشميدس، وكتبًا رياضية أخرى، وكتاب الحجج البيرونية لسكستوس أمبيريقوس.

(٥) ترجمات أخرى

(أ) وجدت في بادوفا ترجمة لكتاب أرسطو «ما بعد الطبيعة» ترجع إلى أواخر القرن الثاني عشر، ووجدت ترجمة أخرى في باريس ترجع إلى سنة ١٢١٠ منقولة عن نسخة جاءت من القسطنطينية.

(ب) وحوالي ١٢٦٠ ترجم برتولوميو دي مسينا كتاب الأخلاق الكبرى لأرسطو، وكتاب المسائل المنسوب إليه والذي يرجع إلى مدرسته.

(ﺟ) وفي الثلث الأول من القرن ترجم كتاب موسى بن ميمون (١١٣٥–١٢٠٤) «دلالة الحائرين» عن العبرية، والكتاب وضعه صاحبه بالعربية ونشره سنة ١١٩٠، ونقل في حياته إلى العبرية، ويقول البعض إن للكتاب ثلاث ترجمات على الأقل في القرن نفسه.

(د) ولم نقصد هنا إلى إحصاء جميع الترجمات، بل إلى إثبات المهم منها لتاريخ الفلسفة، وما تزال المخطوطات المدفونة في المكتبات كثيرة لم تُحْصَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤