الفصل الرابع

ألكسندر أوف هاليس

(١١٧٥–١٢٤٥)

(١) حياته ومصنفاته

(أ) إنجليزي، تلقى الفنون فاللاهوت بباريس، ثم علم الفنون بجامعتها سنين طويلة وهو كاهن، إلى أن انضم إلى الفرنسيسكيين فكان أول شاغل لكرسي اللاهوت المخصص لهذه الرهبنة بالجامعة.

(ب) له «مجموعة لاهوتية» ضخمة مهوشة لم تدرس بعد الدراسة الوافية، ونحن نذكر هنا المعروف المشهور عنه فنقول أولًا: إنه كان مطَّلِعًا تمام الاطلاع على جميع كتب أرسطو تقريبًا، وعلى الفلاسفة الإسلاميين، وبخاصة ابن سينا يمتدحه تارة وينقده أخرى، ومما يأخذه عليه قوله بأزلية العالم، وبصدور الموجودات بعضها عن بعض لا عن الله رأسًا، وبأن عن الواحد لا يصدر إلا واحد، ويلاحظ بهذا الصدد أن ابن سينا يجعل كثرة الأشياء السفلية تصدر عن عقل فلك القمر، فيضيف للوسيط قدرة أعظم من القدرة التي يضيفها لله، وعلى العموم يرى ألكسندر «أن أوغسطين وأنسلم أجدر بالتصديق من أرسطو.»

(٢) أهم آرائه

(أ) وهو يُعنى ببيان تركيب الخليقة، فيميز بينها وبين الخالق البسيط من كل وجه، الخليقة — روحية وجسمية — مركبة ثلاثة أنواع من التركيب؛ أولًا: من قوة وفعل. ثانيًا: من الماهية المجردة (كالإنسانية مثلًا) والهوية المشخصة (كسقراط). وثالثًا: من هيولى وصورة، وليست الهيولى الروحية والهيولى الجسمية متجانستين، فإن الهيولى الجسمية السماوية خاضعة للحركة المكانية فقط، والهيولى الجسمية الأرضية خاضعة لها وللتغير الجوهري، أي للكون والفساد، بينما الهيولى الروحية منزهة عن هذين النوعين من التغير، أما الصورة فمتكثرة في كل مخلوق بتكثر كمالاته.

(ب) وهو يتصور النفس الإنسانية جوهرًا متمايزًا من الجسم، مركبة من هيولى روحية وصورة، بينما الجسم مركب من هيولى جسمية وصورة، غير أنهما متصلان اتصالًا وثيقًا مباشرًا؛ لأن النفس مرتبة للجسم بالطبع، وهو في كل هذا تابع لأوغسطين، ولكنه يتابع أرسطو فيقول بتمايز قوى النفس وأفعالها من جوهر النفس، فينفصل عن الأوغسطينيين في إحدى قضاياهم الرئيسية، ويعلل رأيه تعليلًا عميقًا، فيقول: إن الذات والفعل شيء واحد في الله فقط، ويجب أن يتمايزا في المخلوقات، وفقًا للنوع الأول من أنواع التركيب.

(ﺟ) وهو أوغسطيني حين يضيف للنفس ثلاث قوى دراكة، لكل منها موضوع خاص: النطق ratio وموضوعه: العالم المحسوس والأحكام المتعلقة به، والعقل intelligentia وموضوعه: الأرواح المخلوقة، والفهم intellectus وموضوعه: الله والمثل الدائمة، ثم يلحق بالنطق نظرية أرسطو في التجريد فيقول: إن معاني الجسميات هي وحدها المجردة بفعل العقل، ويجعل العقل الفعال لصورة النفس، والعقل المنفعل لهيولاها، ويضعهما في النفس لا مفارقين، إذ كيف يكون الله خلق النفس على صورته ومثاله دون أن يمنحها القدرة على التعقل؟ غير أن العقل الفعال ليس فعالًا بذاته وهو مخلوق، فهو مفتقر إلى إشراق إلهي يحركه فيحرك هو العقل المنفعل، أما المعرفتان الثانية والثالثة فموضوعاتهما مفارقة للمادة بالذات، فهما راجعتان إلى قوتين أخريين مفتقرتين هما أيضًا إلى الإشراق الإلهي، وهذا مثال آخر للمزج بين أوغسطين وأرسطو، أو لتكميل الأول بالثاني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤