أهواء وآراء في مجلس سمر في باريس١

حضرة الأستاذ صاحب البلاغ.

لقد تعودتُ التدقيق والتنقيح في الرسائل التي أبعث بها إليكم، وكان سبيلي في ذلك أن أعفيكم من مراجعة ما أكتب حرصًا على وقتكم الثمين، وفي هذه المرة أحاول أن أصف ما جرى في مجلس سمر بين جماعة من المصريين دعاهم الأستاذ محمود عزمي إلى تناول الشاي، وأريد أن أسرد بعض ما جرى في ذلك المجلس الجميل، وفيه كما سترى أزهار وأشواك، فهل لك أن تتفضل بنشر هذا الحديث برمته، مع ملاحظة أني هذبته بعض التهذيب وخلصته من كل ما يجرح إحساس القراء؟

أما أنا فأرى أن لا بأس بنشر هذه المناوشات الكلامية؛ لأن فيها، أولًا، بعض الفوائد الأدبية والاجتماعية، ولأنها، ثانيًا، تمثل بعض ما يقع في مجالسنا من إغفال التحفظ فيما يمس الأشخاص.

مَدَام عزمي : يا ناس حرام عليكم، لغتكم لا تزال فقيرة؛ فليس عندكم كلمة تقابل كلمة Citoyen.
زكي مبارك : عندنا كلمة مُواطن.
محمود عزمي : كلمة مواطن لا تقابل كلمة (سيتويان) ولكنها تقابل كلمة (كونسيتويان).
زكي مبارك : ولكن كلمة مُواطن فيها الكفاية ولم نشعر بالفقر إلى كلمة ثانية.
محمود عزمي : وما الذي يمنع أن نقول (واطِن) في مقابل (سيتويان)، وما دام عندنا فعل واطنَ وهو رباعي، فما الذي يمنع من وجود وَطَن على وزن ضَرَبَ؟ أليس لكل رباعيٍّ ثلاثي؟
زكي مبارك : القياس لا يمنع من ذلك، ولكني أرى أن كلمة (واطن) لا تؤدي ما تؤديه كلمة (مواطن)؛ لأن الكلمة الأخيرة أشاعها الاستعمال ونفخ فيها من روح الحياة، وفيها معنى المؤالِف.
بشر فارس : اللغة العربية فقيرة فيما يخص كلمة وطن، بخلاف سائر اللغات الحديثة.
زكي مبارك : اللغة العربية لم تحتج إلى مشتقات كثيرة للفظة وطن؛ لأن العرب لم يكونوا يفهمون من الوطن ما يفهمه أهل هذا الزمان، وعند العرب كلمتان: الأولى عَطَن، وكانت تجري فيما يتعلق بمراتع الإبل، ومن هنا قالوا: «حنين الإبل إلى أعطانها»، وقال الشاعر وأظنه ابن ذَريح:
هوى ناقتي خَلفي وقُدَّاميَ الهوى
وإني وإياها لمختلفانِ
والكلمة الثانية وطن، ويراد بها المكان الأول الذي درج فيه الإنسان، وألِف مشاهده ومناظره من أرض ونبات وحيوان وماء، وفيه ألَّف الجاحظ رسالة «الحنين إلى الأوطان»، وفي ذلك يقول الشاعر:
بلادٌ بها شُدَّت عليَّ تمائمي
وأولُ أرضٍ مس جسمي ترابها
ويقول ابن الرومي:
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهمُ
مآربُ قضَّاها الشباب هُنَالِكَا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهمُ
عهود الصِّبا فيها فحنُّوا لِذَلِكَا
ولم يكن العرب يفهمون من الوطن ما يسميه الفرنسيون Patrie؛ لأنهم لم يكونوا يتقيدون بقُطر دون قطر، وإنما كانوا يبحثون عن الغنى والجاه في أقطار الأرض بين الشرق والغرب.
بشر فارس : قد تكون هناك مشتقات لم نصل إليها لكلمة وطن.
التوني : وكيف غابت عنا الآن؟
عزمي : ونحن ماذا نَعلم؟ إنه لا يوجد لدينا إلا معاجم قديمة لا يقتنيها غير أفراد، ومن أجل ذلك ظلت ثقافتنا اللغوية والأدبية محدودة ضيقة. وقد أتيح لي مرة وأنا أدرس الاقتصاد أن أصل إلى ألفاظ كثيرة اصطلاحية في كتاب المخصص. فلو كانت لنا حكومة رشيدة تنقذنا من هذه الجهالة لكان للشباب المصريين مجالٌ واسع في تحصيل المصطلحات الضرورية في العلوم والآداب.
توفيق صليب : آفتُنا في مصر هي ضعف التعليم الثانوي.
التوني : هذا صحيح! إن الشاب الفرنسي يعرف أشياء كثيرة لا يعرف بعضها الشاب المصري.
مبارك : موادُّ التعليم الثانوي عندنا كثيرة، ولعله لأجل ذلك يظل الطلبة جهلاء؛ لأنه يندر أن يوجد لدى المدرس من الوقت ما يسمح له بالتعرض للشرح والتعليل، وبهذا يلجأ الطلبة إلى الحفظ المطلق الذي ينتهي بالخروج من قاعات الامتحان.

***

فارس : شيء غريب!
مبارك : ما هذا؟
عزمي : لا شيء!
مبارك : يا أستاذ عزمي! إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجَ اثنان! ومع ذلك فهي قُصاصة من جريدة مصرية، وما أحسبها من الأسرار بعد أن نُشرت في مصر وجاءت إلى باريس.
عزمي : ولكن في هذه القصاصة ما لا يرضيك!
مبارك : وكيف كان ذلك؟
عزمي : زعموا أن الدكتور منصور فهمي صار من المؤمنين!
مبارك : وذلك هو ما تُسِرُّه إلى فارس؟
وهنا يقرأ الأستاذ عزمي تلك القصاصة، وفيها ما معناه: «وبعد أن انتهى الأستاذ الثعالبي من محاضرته صاح الحاضرون: نريد أن نسمع الدكتور منصور فهمي!
فرفض الدكتور منصور، فألح الجمهور في الطلب، وألح الدكتور في الرفض، ثم اضطر في النهاية إلى الكلام فقال: «أيها السادة! ماذا تريدون من رجل قالوا: إنه ملحد؟ إن الذين هاجموني لم يعرفوا أن للشباب هفوات. ومع هذا فلي الشرف أن أعلن أني متمسك أشد التمسك بالإسلام. ومن أجل هذا أعانق هذا الرجل المسلم!»
مدام عزمي : هذا جُبْنٌ، إن منصور جبان!
عزمي : نحن لا نقبل رأيك في منصور؛ لأنك تكرهينه!
مبارك : الدكتور منصور جبان؟ لو كان الدكتور منصور جبانًا لأعلن إسلامه يوم كانت مصالحه تتوقف على كلمة واحدة يُرضي بها رؤساء الجامعة المصرية، وهو اليوم وقد اطمأن على مركزه ومستقبله وأصبح غير محتاج إلى مُصانَعَة أحد، أفتظنون أن عواطفه نحو الإسلام في هذه الظروف نوعٌ من الجبن؟ إنكم لا تعرفون الدكتور منصور. لقد مرت به أوقات كان لا يؤمن فيها بأكثر التقاليد القديمة، فكان يجاهر بتركها، غير مبال بما يلحقه من الأضرار الاجتماعية في بلد دَرَجَ أهله على تقديس التقاليد.
مدام عزمي : أنت لا تعرف منصور كما نعرفه، لقد ربَّيْناه! نحن نعرفه منذ ثلاثين عامًا أو تزيد.
مبارك : ومع ذلك لا تعرفونه يا مدام، إن الدكتور منصور مَلَكٌ من الملائكة، وحسبُهُ أنه الرجل الوحيد الذي عرفناه يترفع عن الدسائس والصغائر في عصرٍ كله نفاق وخداع.
عزمي : حقيقةً الدكتور منصور رجل طيب!
مبارك : لا يخفى عليَّ خبثُك يا سيد عزمي!
عزمي : قلت لك: إنه طيب، فهل تريدني على أن أقول أكثر من ذلك فأزعم أنه فيلسوف؟
مدام عزمي : فيلسوف؟ لقد احتقرتُه يوم عرفتُه، فقد قال لي: أنا تولستوي مصر! فيا للوقاحة!
توفيق : إن رسائله لا تدل على تفكير عميق.
مبارك : تنقصها الطنطنة فقط لتصير من التفكير العميق!
توفيق : إنه ضعيف في اللغة.
مبارك : وأنا لم أزعم أنه تخرَّج في الأزهر أو دار العلوم. ولكني أؤكد أنه كأستاذ فلسفة يُعَدُّ من كبار الأساتذة، ولا يعرفه إلا من أخذ عنه.
عزمي : يظهر أننا لن نتفق معك في تقدير منصور.
مبارك : الذي يهمني من هذا الجدل شيء واحد، هو أن الدكتور منصور تطور في آرائه الدينية والاجتماعية، فهو الآن في طور الإيمان، وهو رجلٌ لا يعرف ما الجُبن ولا يدري ما النفاق.
فارس : إسلام منصور فهمي هو عندي أفضل من إسلام طه حسين يوم أعلن عن طريق قلم المطبوعات أنه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر!
توني : ومع ذلك طه حسين شجاعٌ؛ لأنه ترك بقية الصِّيغة فلم يقل: وإن عذاب القبر حق، وسؤال الملكين حق، والصراط حق، والميزان حق، والحساب حق، إلى آخر الحديث.
مبارك : الدكتور طه شجاع، والذي وقع منه كان رأي مدير الجامعة المصرية؛ فهو الذي اقترح منشور الإيمان!
مدام عزمي : مدير الجامعة؟ يا ساتر! هو أيضًا يَدَّعي أنه فيلسوف، يا حفيظ! يا حفيظ! اسمعوا فسأحكي لكم حكاية عن لطفي السيد: في يوم قال لي: (يا بنتي.) فقلت له: بنتك؟ أنا بنتك يا شيخ!
فقال في تخاذل: زوجك يبقى ابني، فقلت: إذا كان زوجي ابنك، فما ذنبي أنا حتى أكون بنتك!

ولطفي السيد يحب أن يكون الناس كلهم أبناءه، وقد قال في يوم لعبد الحميد بدوي باشا: كلكم أبناؤنا، فقال له عبد الحميد باشا: حاسِبْ يا لطفي، حاسب! كيف تعودت أن تخاطب الناس بلهجة واحدة بلا تمييز!
توفيق : المزعج حقًّا أن يكون لطفي السيد فيلسوفًا.
مبارك : وما الذي يمنع من ذلك؟
توفيق : انظر ترجمته لأرسططاليس.
مبارك : ما عيبُها؟ إنها ترجمة في غاية من الدقة والوضوح.
توفيق : إنه ترجم عن الفرنسية، والفيلسوف يجب أن يُترجم أرسطو عن اليونانية.
مبارك : هذا جزاء من يصنع الجميل!
عزمي : أنت يا أستاذ مبارك لا تُحتَمل. صدَّقنا أن منصور فيلسوف، وأن طه شجاع، أَفَتُرِيدنا أيضًا على أن نصدق أن لطفي خليفة أرسططاليس؟
توفيق : لطفي يعجبني ككاتب بليغ.
عزمي : يعجبك، ولكنك لا تدري في كم ساعة كان يكتب مقالته، لقد كان يكتبها في أربع ساعات، وكان هو الصحفي الوحيد الذي له حاجب يلبس بذلة شبيهة بالرسمية، وكان في «الجريدة» دهليز طويل يوصل لحجرته، فكنت إذا أردت زيارته يجري إليك الحاجب على أطراف قدميه ويقول: (البيك بيكتب الافتتاحية) فتعال بعد ساعتين! هيه بعد ساعتين!
مبارك : بمناسبة حاجب لطفي بك أذكر أن الشيخ عبد العزيز البشري وصفه فقال: (إن التكلف عنده هو الفطرة والفطرة هي التكلف).
عزمي : أبدع من هذا كلمة حافظ ابراهيم؛ إذ يقول: (أظن أن لطفي السيد حين يريد النوم يتمدد على فراشه ويقول: فلننم!).
مدام عزمي : أقدِّم لكم قهوة؟!
مبارك : أهي تهدئ الأعصاب؟
مدام عزمي : أتريد أن تقول إني عصبية؟
مبارك : العفو يا مدام، أنا الذي تصدّعتْ أعصابي!
فارس : هو أخو الشيخ علي صاحب كتاب الخلافة وأصول الحكم؟
مدام عزمي : نعم الشيخ مصطفى هو أخو الشيخ علي.
مبارك : والشيخ علي هو أخو الشيخ مصطفى! ولكن ما هي المناسبة؟
مدام عزمي : الشيخ مصطفى هو ميسيه مصر، إنه لرقيق الإحساس!
مبارك : إنكِ بهذا تقضين عليه؛ لأنه مدرس فلسفة، فيجب أولًا أن يكون من الفلاسفة، ولا مانع بعد ذلك من أن يضاف إلى رجال الآداب.
مدام عزمي : فلسفة! فلسفة! الشيخ مصطفى لا يعرف شيئًا من الفلسفة، ولكنه بالذمة أديب!
عزمي : يا ستي! من فضلك، الرجل أستاذ فلسفة، فهو إذن فيلسوف لا أديب.
مدام عزمي : أقول لكم الحق، اتركوا الرجل في حاله، إنه لا يحب الشَّكَل ولا الضوضاء.
مبارك : وما رأيك يا مدام في الدكتور صبري؟
فارس : يا سلام من كِبره، إنه حين يصافحك يُفهمك أنه يتصدق عليك، وكذلك يكون الأدعياء!
مبارك : صبري لا يتكبر إلا على المتواضعين، أما أهل الكبرياء فهو في حضرتهم ضعيف!
عزمي : براڨو! براڨو!
فارس : هل صحيح أنه مدرس جيِّد؟
عزمي : مدرس؟ لا، إنه لا يستطيع أن يحصر فكره في نقطة واحدة أكثر من دقيقتين، لكنه أول مصري اشتغل بالتاريخ الحديث، فقد كان الفرنسيون يؤرخون مصر على أهوائهم، وكذلك الإنجليز، وهو يريد أن يحقق تاريخ مصر على الوجهة المصرية.
مدام عزمي : صبري جامع أسانيد، وتنقصه فلسفة التاريخ.
عزمي : صبري يفعل في التاريخ ما كان يفعله الأصبهاني في الأدب، وكما وُجد مهذِّب للأغاني هو الشيخ الخضري رحمة الله عليه، فكذلك سيوجد خضري جديد لتهذيب كتب صبري!

***

التوني : يظهر أننا نمضي بخطوات سريعة في الدراسات العلمية والأدبية.
عزمي : سريعة جدًّا، وليتك رأيتنا يوم أرسلتنا الجامعة المصرية إلى باريس قبل الحرب، وكنت أنا ومنصور من الطلاب، وكان سيد كامل وتوفيق الساوي من الذين أتموا دراساتهم العالية في مصر، ومع ذلك كان هذان الأستاذان أعرَف بالنقص؛ فقد كنا نجتمع كل أسبوع مرة لنرى ما يجب علينا درسه لنقرُب من مستوى الشباب الفرنسيين.
مبارك : يظهر أن ذلك كان قبل إنشاء قهوة داركور!
عزمي : كانت داركور موجودة، ولكن كانت لها ساعاتها.
التوني : وهل داركور تشغل الشبان المصريين إلى الحد الذي تتصوره يا سيد مبارك؟
مبارك : هي لا تشغلهم كثيرًا، ولكني لاحظت فقط أن هناك شبانًا يقضون فيها أعوامًا بدون أن يعرفوا كيف يؤلفون جملة صحيحة بالفرنسية!
التوني : اسمعوا، هذا عجيب، والله عجيب، آية قرآنية تصور تكوين الجنين تصويرًا لم يعرفه الأوربيون إلا بعد اثني عشر قرنًا من نزول القرآن.
عزمي : إن ما نحسبه جديدًا لدى أطباء أوربا قد يكون عُرِف قبل ذلك عند أطباء العرب مثل ابن سينا.
فارس : وقد يكون ابن سينا أخذ عن اليونان.
عزمي : ولكن، أولًا، هل ابن سينا عربي؟
مبارك : نعم، هو عربي، ولا يقدح في ذلك أن يكون من سلالة غير عربية.
عزمي : هذا تناقض، ويحسن يا سيد مبارك أن تلاحظ أن هذه مسألة ليس فيها منصور فهمي ولا لطفي السيد ولا طه حسين!
مبارك : لا تناقُض في ذلك؛ لأن المدنية العربية صبغت كل من اتصلوا بها بصبغة عربية، فأنت لا تستطيع أن تحكم بأن الزمخشري غير عربيّ؛ لأنه من سلالة فارسية، مع أنه فيما أعتقد أعرف بلغة العرب من شعراء المعلقات.
عزمي : أنا لا أفهم ذلك.
فارس : هذا واضح، يا أستاذ.
عزمي : أخشى إن قلنا مدنية إسلامية أن يخرج غير المسلمين، وأخشى إن قلنا مدنية عربية أن يَخرج مَن ليسوا عربًا، فهل لكم أن نصطلح على (بلاد العربية) أو (بلاد الإسلام).
مبارك : المشكلة عندك يا أستاذ عزمي هي في الألف واللام، وذلك يذكرني بالفكاهة الآتية: جلس رجل على قارعة الطريق فمر به أحد العابرين وسأله: أين الطريق إلى البغداد؟ فدله عليه، وبعد لحظة مرَّ عابر آخر فسأله: أين الطريق إلى بصرة؟ فدله عليه، ثم قال له: أدرك هذا الرجل فإن عنده (ألف ولام) زائدة عن حاجته، وأنت إليها أحوج!
التوني : قولوا: البلاد العربية، أو بلاد العربية، كيف شئتم، ولا داعي لهذه الوسوسة، ألا ترون كيف يقولون الشعوب اللاتينية اكتفاءً برابطة اللغة؟

•••

هذه خلاصة موجزة لحديث استمر ثلاث ساعات، ثم انصرفنا فدارت بيننا المحاورة الآتية:

التوني : إنه لجميل حقًّا أن يكون للإنسان زوجة مثقفة مثل مدام عزمي.
فارس : أنا بالعكس أرى أن الرجل المفكر يجب أن تكون له زوجة ساذجة على نمط جان جاك روسو فقد اكتفى بزوجة من طبقة الخادمات ليظل طليقًا في حياته الفكرية.
مبارك : أنا لا أدري كيف يكون للأستاذ عزمي رأي خاص، وهذه زوجته تبحث في كل شيء، وتتدخل في كل شيء. ولعل هذا هو السر في أنه كثير الاضطراب؛ فهو يومًا وفدي ويومًا دستوري، ويومًا مستقل عن سائر الأحزاب.
توفيق : اختيار الزوج مشكلة خطيرة.
مبارك : أتريدون الحق؟ المهم هو أن يكون للرجل ثروة تساعده على الحياة الذاتية. وإني لأتمنى أن يصبح الأستاذ عزمي غنيًّا ليستطيع أن يظل هو هو بإرادته في جميع الظروف.
فارس : لقد كانت جلسة خطيرة وانتَهَبَت الوقت في مثل لمح البصر.
مبارك : كنت أود تلخيص ما جرى فيها لجريدة المساء، ولكن الناس لم يتعودوا نشر مثل هذه الأحاديث.
توفيق : ابدأ فعوِّدهم على ذلك، أتظن العادات والأذواق تتكون بنفسها ثم تظهر إلى الوجود؟
مبارك (وقد عاد إلى بيته) : سأصف هذا المجلس الطريف، وسأستدرج الأستاذ عبد القادر حمزة إلى نشره، وأحسب أنه يكفي أن أقول له: كن أكثر تسامحًا من قلم المطبوعات!

فإن ظهرت هذه الرسالة فليعلم القراء، أن الحيلة حازت على محرر المساء، والسلام.

١١ مارس سنة ١٩٣١
١  شهد الأستاذ الدكتور محمود عزمي في خطبة ألقاها في نوفمبر سنة ١٩٣٧ على جمهور من أهل بغداد بأن هذا الحديث نموذج في صدق الرواية وأمانة النقل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤