الفصل الثاني عشر

عرفات

(١) ارتقاب الهِلال

استَهلَّ هلالُ ذِي الحِجَّةِ ليلةَ الخميسِ بِمُوافَقَةِ الخامِسَ عَشَرَ مِنْ مارسَ. وكان للنَّاسِ في ارتِقابِهِ أَمْرٌ عَجيبٌ، وَشأْنٌ من البُهْتَانِ غريبٌ، ونُطْقٌ من الزُّورِ كادَ يُعارِضُهُ مِنَ الجَمادِ — فضْلًا عن غيرهِ — رَدٌّ وتَكذِيبٌ.

وذلك أنهمُ ارتَقَبُوه — ليلَةَ الخَمِيس المُوِفِّي ثَلاثِينَ — والأُفُقُ قد تراكَمَ غَيْمُه، إِلى أن عَلَتْهُ — مع المَغِيبِ — بعضُ حُمْرَةٍ من الشَّفَقِ.

فَطَمِعَ النَّاسُ في فُرْجَةٍ من الغَيْمِ، لعلَّ الأَبْصارَ تَلْتَقِطُهُ فيها.

(٢) تسرُّع العامَّة

فَبَيْنما هُمْ كَذلك إذ كَبَّر أَحَدُهُم، فكَبَّرَ الجَمُّ الغَفِيرُ لِتَكْبِيرِهِ، ومَثَلُوا قِيامًا، يَنْظُرُونَ ما لا يُبْصِرُون، ويُشِيرُون إِلى ما يَتَخَيَّلُونَ، حِرْصًا منهم عَلَى أَن تكونَ الوَقْفَةُ بِعَرَفاتٍ يومَ الجُمُعَةِ، كأَنَّ الحجَّ لا يرتَبِطُ إلا بهذا اليومِ بِعَيْنِهِ.

فاختلَقُوا شَهاداتٍ زُوريَّةً، ومَشَتْ منهم طائِفَةٌ من المَغارِبَةِ — أَصْلَحَ الله أَحْوالَهم — ومن أَهْلِ مصْرَ وأَربابها. فشَهِدُوا عندَ القاضِي برؤْيَتِه. فردَّهم أَقْبَحَ رَدٍّ، وجرَّح شَهاداتِهم أَسوَأَ تَجْرِيح، وفَضَحَهُمْ في تَزْييفِ أَقْوالِهم أَخْزَى فَضِيحَةٍ، وقالَ: «يا للْعَجَب! لو أَن أَحَدَهُمْ يشْهَدُ برُؤْيتهِ الشَّمْسَ — تحتَ ذلك الغَيْمِ الكَثِيفِ النَّسْجِ — لَما قَبِلْتُهُ. فكيفَ بِرُؤْيَةِ هِلالٍ هو ابْنُ تِسعٍ وعشرِينَ لَيْلَةً؟».

وكانَ أَيضًا مِمَّا حُكِيَ من قَوْلِه: «تَشَوَّشَت المَغارِبُ (اضطرب أَمْر المَغارِبَة): تَعَرَّضَتْ شَعْرَةٌ من الحاجِبِ، فأَبْصرُوا خَيالًا ظَنُّوه هِلالًا» (يَعْنِي أَنَّ شعرةً من حاجِبِ الرَّائي لاحَتْ أَمامَ عَيْنَيه، فحسِبها لاستدارتها هلالا).

(٣) ظُهورِ الهِلال

وكانَ لهذا القاضِي: «جمالِ الدينِ» —في أَمرِ هذه الشَّهادَةِ الزُّورِيَّةِ — مَقامٌ من التَّوَقُّف والتَّحَرِّي، حَمِدَه له أَهْلُ التَّحْصيل، وشكَرهُ عليهِ ذَوُو العُقولِ، وحُقَّ لهم ذلكَ، فإِنَّها مَناسِكُ الحَجِّ لِلْمُسْلِمين أَتوْا لها من كلِّ فَجٍّ عميق. فلَوْ تُسُومِحَ فيها بَطَلَ السَّعْيُ، وفالَ الرَّأْيُ (فَسَدَ). واللهُ يَرْفَعُ الالِتباسَ والباسَ بِمَنِّهِ.

فلَمَّا كانت ليلَةُ الجُمُعَةِ، ظهرَ الهلالُ — في أَثناءِ فُرَجِ السَّحاب — وقدِ اكتَسَى نُورًا من الثَّلاثينَ لَيلَةً، فزَعَقَتِ العامَّةُ زَعَقاتٍ هائلَةً، وتَنادَتْ بِوَقْفَةِ الجُمُعَةِ، وقالتِ: «الحمدُ للهِ الذي لم يُخَيِّبْ سَعْينا، ولا ضَيَّعَ قَصْدنا»، كأَنَّهم قدْ صَحَّ عندَهُم أَنَّ الوَقْفَةَ إذا لم تكُنْ تُوافِقُ يوْمَ الجُمُعَةِ لَيْسَتْ مَقْبولةً، ولا الرَّحْمَةُ فِيها من اللهِ مَرْجُوَّةً مأْمُولَةً. تعالى الله عن ذلِكَ عُلوًّا كَبِيرًا.

(٤) قرارُ القاضي

ثُمَّ إِنَّهم — يومَ الجُمُعَةِ المذكُورة — اجْتَمَعُوا إِلى القاضِي، فأَدَّوْا شَهاداتٍ بِصِحَّةِ الرُّؤْيةِ تُبْكِي الحقَّ وتُضْحِكُ الباطلَ.

فَردَّها وقال: «يا قَومُ: حَتَّامَ هذا التَّمادي في الشَّهْوَةِ، وإِلامَ تَستَنُّونَ (تُسْرعون في الجَرْي) في طُرُقِ الهَفْوةِ»، وأَعلَمَهُم أَنه قد استَأْذَن الأَميرَ «مُكْثِرًا» في أَن يكونَ الصُّعودُ إِلى «عرَفاتٍ» صَبيحَةَ يومِ الجُمُعَةِ، فيَقِفُوا عَشِيَّةً بها. ثم يَقِفُوا صَبيحَةَ يومِ السبْتِ بعْدَه، ويَبيتُوا ليلةَ الأحدِ ﺑ«مُزْدَلِفةَ»، فإن كانت الوقْفةُ يومَ الجُمُعَةِ، فما عليهم في تأخيرِ المَبيت ﺑ«مُزْدَلِفَةَ» بأْسٌ؛ إذ هو جائِزٌ عند أَئِمَّةِ المُسْلِمينَ. وإن كانت يَومَ السبْتِ فبِها ونِعْمَت (فَنِعْمَ ذلك). وأَمَّا أن يَقَعَ القَطْعُ بها يَومَ الجُمُعَةِ فتَغريرٌ بالمُسلِمينَ، وإِفْسادٌ لمَناسِكِهِم، لأَنَّ الوَقْفَةَ يومَ التَّرْويَةِ عِندَ الأَئِمَّةِ غيرُ جائِزَة، كما أَنها جائِزَةٌ يومَ النَّحْرِ.

فَشَكَر جَميعُ مَن حضَر للقاضِي هذا المَنْزِعَ من التَّحقِيقِ، ودعَوا له، وأَظهَرَ مَنْ حَضَر مِنَ العامَّة الرِّضا بذلك، وانصَرَفُوا عنْ سَلامٍ.

(٥) موسم الحج

وهذا الشَّهْرُ المُبارَكُ هُوَ ثالِثُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، وعَشْرُهُ الأُولَى مُجْتَمعُ الأُمَمِ، ومَوْسِمُ الحَجِّ الأَعْظَمِ، شَهْرُ العَجِّ (النِّداء) والثَّجِّ (السَّيْل)، ومَلتقَى وفودِ اللهِ منْ كلِّ أَوْب وفَجٍّ، مَهْبِطُ الرَّحْمَةِ والبَرَكاتِ، ومَحلُّ المَوْقِفِ الأَعْظَم ﺑ«عَرَفاتٍ»، جَعَلَنا اللهُ مِمَّن فازَ فيه بالحَسَناتِ، وتعرَّى به من ملابِسِ الأَوْزارِ والسَّيِّئات، إنَّهُ أَهْلُ التَّقْوَى وأَهْلُ المَغْفِرَةِ.

والأَمِيرُ العِراقِيُّ مُنْتَظِرٌ لِكَشْفِ هذا الشَّكِّ عنِ النَّاسِ في أَمْرِ الهِلالِ، لعلَّهُ قد اتَّضَحَ له اليقينُ فيه إِنْ شاءَ الله.

وفي سائِر هذه الأَيَّام كلِّها — إِلى هَلُمَّ جرًّا — تَصِلُ رِفاقٌ من السَّرْو اليَمَنِيِّينَ، وسائِر حُجَّاجِ الآفاقِ، لا يُحْصِي عددَها إلاَّ اللهُ مُحْصِي آجالِها وأَرزاقِها.

ومن أَوَّلِ هذا الشهرِ المُبارَكِ ضُرِبَتْ دَبادِبُ الأَمير بُكْرَةً وعَشِيَّةً، وفي أوقاتِ الصَّلواتِ، كأَنَّها إشْعارٌ بالمَوْسِمِ، ولا يزالُ كذلك إلى يوم الصُّعودِ إلى «عرفاتٍ».

(٦) الأَمير الهارب

وفي يومِ الإثْنَيْنِ الخامِسِ — أَو الرابعِ — من هذا الشهرِ، وصلَ الأميرُ «عُثْمانُ بنُ عَلِيٍّ» صاحِبُ «عَدَنٍ»: خرجَ منها فارًّا أَمامَ «سَيْفِ الإِسلامِ» المُتَوَجِّهِ إلى اليَمَنِ، وَرَكِبَ البحرَ في مَراكِبَ كثيرَةٍ، مَشْحُونَةٍ بأَحوالٍ عظيمةٍ، وأَموالٍ لا تُحْصَى كَثْرَةً لأَنَّهُ طالُ مُقامُهُ في تلك الولايةِ، واتَّسَعَ كَسْبُهُ.

وعندَ خُرُوجِهِ من البحرِ لَحِقَتْ مراكِبَهُ حَراريقُ (سُفُنُ) الأمير سيفِ الإسلامِ، فأَخَذَتْ جميعَ ما فيها من الأَثْقال. وكان قد اسْتَصْحَبَ الْخِفَّ (الخفيف) النفيسَ الخطِير معَ نفسهِ إلى البَرِّ — وهو في جُمْلَةٍ من رِجالِه وعَبِيده — فَسَلِمَ بهِ، وَوَصَل إِلى «مَكَّة» بِعيرٍ مُوقَرَةٍ (جِمالٍ مُثْقَلَةٍ) مَتاعًا ومالًا، دَخَلَتْ — عَلَى أَعْيُنِ الناس — إلى دارِهِ التي ابْتَناها بها، بعد أَن قَدَّمَ دنانيرَه وَذَهَبَهُ وَنفيسَ ذَخائِرِهِ وجُمْلَةَ رَقِيقِهِ (عبيدِه) وخَدَمِهِ لَيلًا.

وبالْجُمْلَةِ فحالُهُ لا تُوصَفُ: كَثْرةً واتِّساعًا، والذي انْتُهِبَ له أَكثرُ، لأَنهُ كان في ولايتهِ يُوصَفُ بِسُوءِ السِّيرَةِ معَ التُّجَّارِ. وكانَتِ المنَافِعُ التِّجارِيَّةُ كلُّها راجِعَةً إِليهِ، والذَّخَائِرُ الهِنْدِيَّةُ المَجْلُوبَةُ كلُّها واصِلَةً إلى يَدَيْهِ. فاكتَسَبَ سُحْتًا عظيمًا (مالًا حَرامًا)، وحَصَل عَلَى كُنوزٍ قارُونيَّةٍ. لكنَّ حوادثَ الأَيَّامِ قد ابْتَدَأَتْ بالْخَسْفِ بهِ، ولا يُدْرَى حالُ أَمْرِهِ مع «صلاحِ الدِّين» لِما يكونُ.

والدُّنْيا مُفْنِيَةٌ مُحِبِّيها، وآكِلَةٌ بَنِيها، وثَوابُ اللهِ خيرُ ذخِيرَةٍ، وطاعَتُهُ أَشْرَفُ غَنِيمَة.

(٧) الأَميرُ العِراقِيُّ

وبَقيتِ الشَّهَادة مضطَربة — في أَمْرِ هذا الهِلالِ المُبارَكِ المَيْمُونِ — إِلى أَن تَواصَلَت الأَخبارُ بِرُؤْيَتِه لَيْلَةَ الخميسِ الذي يُوافِقُ الخامِسَ عَشَرَ من مارِسَ. شهِدَ بذلك ثِقاتٌ من أَهلِ الزُّهْدِ والوَرَعِ: يَمنِيُّونَ وسِوَاهُم من الواصلينَ من المدينةِ المكرَّمَةِ. لكنْ بَقِيَ القاضِي على ثَباتِهِ وتَوَقُّفِهِ في القَبُولِ، وأَرْجَأَ الأَمْرَ إِلى وصولِ المُبَشِّرِ المُعْلِمِ بِقُدومِ الأَميرِ العِراقِيِّ؛ لِيَتَعَرَّفَ — من قِبَلِهِ — ما عندَ أَميرِ الحاجِّ في ذلك.

فلمَّا كان يومُ الأَرْبعاءِ السَّابعُ من الشهرِ، وصل المُبَشِّرُ. وكانت نُفُوسُ أَهْلِ «مَكَّة» قد أَوْجَسَتْ خِيفَةً لِبُطْئِهِ، حَذَرًا من حِقْدِ الْخَلِيفَةِ عَلَى أَميرِهِمْ «مُكْثرٍ» لِمَذْمُومِ فعلٍ صدرَ عنهُ.

فكانَ وصولُ هذا البشِيرِ أمانًا وتَسْكِينًا للنُّفُوسِ الشَّارِدَةِ.

فوصَل مُبَشِّرًا ومؤْنِسًا، وأَعْلَمَ بِرُؤْيةِ الهلالِ لَيْلَةَ الخَمِيسِ.

(٨) خطبةُ القاضي

وتواتَرَتِ الأَنْباءُ بذلك، فصحَّ الأَمرُ عند القاضي صِحَّةً أَوْجَبتْ خُطْبَتَهُ في ذلك اليوم على ما جَرَتْ به العادَةُ؛ في اليومِ السابعِ من ذِي الحِجَّةِ إِثْرَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، عَلَّمَ الناسَ فيها مَناسِكَهُمْ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ غَدَهُمْ هو يومُ الصُّعُودِ إلى «مِنى» وهو يومُ التَّرْوِيةِ، وأَنَّ وَقْفَتَهُمْ يومُ الجُمُعَةِ.

(٩) الصعود إلى «مِنى»

فلمَّا كان يومُ الخمِيسِ بَكَرَ الناسُ بالصُّعُودِ إِلى «مِنى»، وتَمادَوْا منها إلى «عرفَاتٍ»، وكانت السُّنَّةُ المَبيتَ بها، لكنْ تَرَكَ الناسُ ذلك اضْطِرارًا، بسببِ خوْف بَني شُعْبَةَ المُغِيرينَ علَى الحُجَّاجِ في طرِيقهِم إلى «عرفاتِ»،

(١٠) شجاعة الأَمير «عثمانَ»

وصدَرَ عن هذا الأَميرِ «عُثْمانَ» المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ في ذلكَ اجْتِهادٌ؛ بلْ جِهادٌ يُرْجى له بهِ المَغْفِرَةُ لجميعِ خَطاياهُ إِنْ شاءَ اللهُ. وذلك أَنهُ تقَدَّمَ بجميعِ أَصحابِه شاكِينَ الأَسْلِحَةَ إِلى المَضِيق الذي بين «مُزْدَلِفَةَ» و«عَرفاتٍ»، وهو مَوْضِعٌ ينْحَصِرُ الطريقُ فيهِ بين جَبَلَيْنِ، فَينْحَدِرُ الشُّعْبيُّونَ من أَحَدِهِما، وهو الذي عن يَسارِ المارِّ إِلى «عرَفاتٍ»، فَيَنْتَهِبونَ الحاجَّ انْتِهابًا. فَضَربَ هذا الأَميرُ قُبَّة في ذلكَ المضيقِ بين الجَبَلَيْن، بعْدَ أن قَدَّمَ أحد أصحابِه فصَعِدَ إلى رأْسِ الجَبَلِ بِفَرَسِهِ، وهو جَبَلٌ كَؤُودٌ (صَعْبٌ). فعَجِبْنا من شأْنهِ؛ وأَكْثرُ التَّعَجُّبِ من أَمْرِ الفَرَسِ، وكَيْف تَمَكَّنَ له الصُّعُودُ إِلى ذلك المُرْتَقى الصَّعْبِ. فأَمِنَ جميعُ الحاجِّ بِمُشارَكةِ هذا الأميرِ لهم. فحَصَلَ عَلَى أَجْرَيْنِ: أَجْرِ جِهادٍ، وحَجٍّ؛ لأن تأْمِينَ وَفْدِ اللهِ — عزَّ وجلَّ — في مِثْلِ ذلك اليوْمِ من أَعْظَمِ الجِهادِ. واتَّصَلَ صُعُودُ النَّاسِ — ذلك اليوْمَ كلَّهُ واللَّيْلَةَ كُلَّها إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ كلِّهِ — فاجتَمَعَ بعَرفاتٍ منَ البَشَرِ جمعٌ لا يُحْصِي عدَدَهُ إلاَّ اللهُ.

(١١) مزدلفة

و«مُزْدَلِفَةُ» بين «مِنى» و«عَرفات» مِن «مِنى» إِليْها مِثْلُ ما مِن «مَكَّةَ» إلى «مِنًى»، وذلك نَحْوُ خَمْسةِ أَمْيال، ومِنها إلى «عَرفاتٍ» مثلُ ذلك أَو أَزْيَدُ قليلًا، وتُسَمَّى «المَشْعَرَ الحَرامَ»، وتُسَمَّى «جمْعًا»، فلَها ثلاثةُ أَسْماءِ. وقبْلَها بنَحْوِ المِيل «وادِي مُحسِّر»، وجَرَت العادَةُ بالهَرْولَةِ فيهِ. وهوَ حدٌّ بين «مُزْدَلِفَةَ» و«مِنى»؛ لأَنهُ مُعْتَرِضٌ بينهما. و«مُزْدَلِفَةُ» بسِيطٌ من الأَرْض فسيحٌ بين جبَلَيْنِ، وحوْلَهُ مصانِعُ (أَحْواضٌ) وصَهاريجُ كانت للْماءِ في زَمانِ «زُبَيْدَةَ» رَحِمَها الله.

(١٢) الحِلُّ والحَرَم

وفي وَسَطِ ذلك البَسِيطِ من الأَرْضِ حَلْقٌ (وادٍ) في وَسَطِهِ قُبَّةٌ، في أَعْلاها مَسْجِدٌ يُصْعَدُ إليهِ عَلَى أَدْراج (سَلالِمَ) مِن جِهَتَيْنِ، يَزْدَحِمُ النَّاسُ في الصُّعودِ إليهِ، والصَّلاةِ فيهِ عندَ مَبيتِهمْ بها.

و«عرفاتٌ» أيضًا بسِيطٌ من الأَرْض مَدَّ البَصَر، يُحْدِقُ (يُحيط) بذلك البَسِيطِ الأَفْيَحِ (الواسِعِ) جِبالٌ كَثيرَةٌ. وفي آخر ذلك البَسيطِ: جبلُ الرَّحْمَةِ، وفيهِ وحَوْلَهُ موْقِفُ النَّاسِ، والعَلَمانِ قَبْلَهُ بنَحْوِ المِيلَيْن. فما أَمامَ العَلَمَيْنِ إِلى «عَرفاتٍ» حِلٌّ، وما دُونَهُما حَرَمٌ.

(١٣) بطن «عُرَنَةَ»

وبِمَقْرَبَةٍ مِنْهُما مِمَّا يَلِي «عرفاتٍ»: «بَطْنُ عُرَنَةَ» الذي أَمر النَّبيُّ بالارْتفاعِ عنهُ في قوْلِه: «عرَفاتٌ كلُّها مَوْقِفٌ، وارْتَفِعُوا عن بَطْنِ عُرَنَةَ»، فالواقف فيهِ لا يَصِحُّ حَجُّهُ، فيَجِبُ التَّحَفُّظُ من ذلك، لأَنَّ الْجَمَّالينَ — عَشِيَّةَ الوَقْفَةِ — رُبَّما اسْتَحَثُّوا كَثيرًا من الحاجِّ، وَحذَّرُوهُم الزَّحْمةَ، واسْتَدْرَجوهُم بالعَلَميْنِ اللَّذَيْنِ أَمامَهُم، إِلى أَن يَصِلُوا بهم «بَطْنَ عُرَنَةَ» أو يُجيزُوهُ، فَيُبْطِلوا علَى الناسِ حَجَّهُمْ. والمُتَحَفِّظُ لا يَنْفِرُ من المَوْقِفِ حتى يَتَمَكَّنَ سُقُوطُ القُرْصَةِ مِن الشَّمْسِ (تغِيبَ عَيْنُ الشَّمْس، وهُوَ وقْتُ الغُروبِ).

(١٤) جبل الرحمة

وجبَلُ الرَّحْمَةِ هذا مُنْقَطِعٌ عن الْجِبالِ، قائِمٌ في وَسطِ البَسِيطِ. وهو كلُّه حِجارَةٌ مُنْقَطِعَةٌ بَعْضُها عن بَعْضٍ. وكانَ صعبَ المُرْتَقَى، فأَحْدَثَ فيه «جَمالُ الدِّينِ» — الوزِيرُ الذي أَسْلَفْنا ذِكْرَ مآثِرِهِ — أَدْراجًا، يُصْعَدُ فيها بِالدَّوابِّ المُوقَرَةِ (المُحَمَّلَةِ)، وأَنْفَقَ فيها مالًا عَظِيمًا. وفي أَعْلَى الجَبَل قُبَّةٌ تُنْسَبُ إِلَى «أُمِّ سَلِمَة»َ رَضِيَ اللهُ عنْها، ولا يُعْرِفُ صِحَّةُ ذلك، وفي وَسَطِ القُبَّةِ، مَسْجدٌ يتزاحَمُ النَّاسُ للصَّلاةِ فيه. وحوْل ذلك المَسجدِ سَطْحٌ مُحْدِقٌ بِهِ، فَسيحُ السَّاحَةِ، جَمِيلُ المَنْظَرِ، يُشْرفُ منهُ على بَسِيطِ «عرفاتٍ»، وفي جهَةِ القِبْلَةِ منْهُ جِدارٌ، وقد نُصِبَتْ فيهِ مَحارِيبُ يُصَلِّي الناسُ فيها، وفي أَسْفَلِ هذا الجَبَلِ المُقدِّسِ — عن يَسارِ المُسْتَقْبِلِ للْقِبْلَةِ فيه — دَارٌ عَتِيقةُ البُنْيانِ، في أَعلاها غُرَفٌ لها طِيقانٌ، تُنْسَبُ إلى آدَمَ . وعن يَسارِ هذه الدَّارِ — في اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ — الصَّخْرَةُ التي كانَ عِنْدَها موقِفُ النَّبيِّ . وحولَ جبلِ الرحمةِ، والدارِ المُكَرَّمَةِ، صهاريجُ لِلْماءِ وجِبَابٌ. وعن يسارِ الدَّارِ أَيْضًا — على مقرَبَةٍ منها — مَسْجِدٌ صغيرٌ.

(١٥) وادي الأَراك

وبمقرَبةٍ من العَلَمَيْن — عن يسارِ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ — مسجدٌ قديمٌ فسيحُ البِناءِ، بقي منه الجِدارُ القِبْليُّ، يُنْسَبُ إلى إِبراهيمَ ، فيهِ يخطبُ الخطيبُ يومَ الوقْفَةِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بينَ الظُّهْر والعَصْرِ. وعن يسار العَلَمَيْنِ أَيْضًا — في استِقْبالِ القِبْلَةِ — وادِي الأَراك، وهو أَراكٌ أَخْضَرُ يَمْتَدُّ في ذلك البسيطِ — مع البَصَرِ — امتدادًا طَويلًا.

(١٦) في «عرفات»

فتكاملَ جمعُ النَّاسِ بعرفاتٍ يومَ الخميسِ وليلَةَ الجُمُعَةِ كلَّها. وفي نَحْوِ الثُّلُثِ الباقي من ليْلَةِ الجُمُعَةِ وصلَ أَميرُ الحاجِّ العراقِيُّ، فضربَ أَخْبِيتَهُ (خِيامَهُ) في البسيطِ الأَفْيَحِ، مِمّا يَلي الجانِبَ الأَيْمَنَ من جَبَلِ الرَّحْمَةِ في اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ. والقِبْلَةُ في «عَرَفات» هي إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ؛ لأَنَّ الكَعبَةَ المُقَدَّسَةَ في تلك الْجِهَةِ منها. فأَصْبَح يومَ الجُمُعَةِ في «عَرَفاتٍ» جمْعٌ لا شَبِيهَ له إِلاَّ الحَشْرُ، لكِنَّهُ — إِنْ شاءَ اللهُ تَعالى — حَشْرٌ لِلثَّوابِ، مُبَشِّرٌ بالرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ يومَ الحشرِ للحِسابِ.

زَعَمَ المُحَقِّقُونَ من الأَشْياخِ المُجاوِرِينَ أَنَّهُمْ لم يُعايِنُوا قَطٌّ في «عرفاتٍ» جمعًا أَحْفَلَ منهُ، ولَمْ يُر مِنْ عَهْدِ الرَّشيدِ — الذي هُوَ آخِرُ منْ حَجَّ من الْخُلَفاءِ — جَمْعٌ في الإسلامِ مثلُهُ. جعلَهُ اللهُ جمْعًا مرحُومًا معْصُومًا بعِزَّتِهِ.

(١٧) تلبية الحجيج

فلمَّا جُمِعَ بين الظُّهْرِ والعصرِ يومَ الْجُمُعَةِ المَذكُورِ، وقَف النَّاسُ خاشِعِين باكِينَ، وإلى الله — عزَّ وجلَّ — في الرَّحمة مُتضَرِّعِين، والتكْبِيرُ قد عَلا، وضَجِيجُ الناسِ بالدُّعاءِ قد ارتَفع. فما رُئِيَ يومٌ أَكثَرُ مدامِعَ ولا قُلوبًا خَواشِعَ، ولا أَعْناقًا — لِهَيبَةِ اللهِ — خَوانِعَ خَواضِعَ، من ذلك اليَومِ. فما زال الناسُ عَلَى تلك الحالَةِ، والشَّمْسُ تَلفَحُ وُجوهَهمْ إلى أن سَقَط قُرصُها، وتَمَكَّنَ وَقتُ المَغْربِ. وقد وَصلَ أَميرُ الحاجِّ مع جُملَةٍ من جُنْدِه الدَّارِعينَ (لابِسِي الدُّروعِ)، ووقَفوا بِمَقْرَبةٍ من الصَخَراتِ عندَ ذلِكَ المسجِدِ الصَّغِيرِ. وأَخذَ السَّرْوُ اليَمَنيُّونَ مَواقفَهُم بِمَنازِلِهم المعلُومةِ لهم في جبال «عرَفات» المُتَوارَثةِ عن جَدٍّ فَجَدٍّ من عَهْدِ النَّبيِّ ، لا تَتَعَدَّى قَبيلَةٌ عَلَى مَنزِل أُخرى.

وكان المُجْتمِعُ منهم في هذا العامِ عدَدًا لم يَجْتمِعْ قَطُّ مِثلُه.

(١٨) أُمراءُ وأَميرات

وكذلك وَصَل الأَميرُ العِراقيُّ في جَمْعٍ لم يَصِلْ قَطُّ مِثلُه. ووَصَل معهُ من أُمراءِ الأعاجِمِ الخُرسانِيِّينَ، ومن النِّساءِ العَقائِلِ المَعْرُوفاتِ بالْخَواتِينِ (واحدَتُهُنَّ «خاتُونُ»)، ومن السَّيِّداتِ — بنَاتِ الأُمراءِ — كَثيرٌ، ومن سائِرِ العَجَمِ عدَدٌ لا يُحصَى. فوقَفَ الجميعُ، وقد جَعَلوا قُدْوَتَهُم في النَّفْرِ (التَّفَرُّقِ والاِنْصِرافِ) الإمامَ المالِكِيَّ، لأَنَّ مَذهَب مالكٍ — رضِيَ اللهُ عنه — يَقتَضي أَلاَّ يُنفَرَ حتى يتمَكَّنَ سُقوطُ القُرْصَةِ، ويَحينَ وقتُ المَغْرِبِ. ومن السَّرْوِ اليَمَنِيِّينَ من نَفَر (انْصَرف) قَبْلَ ذلك. فلَما أن حان الوَقتُ أشارَ الإِمامُ المَالِكيُّ بيَدَيهِ، ونَزَل عن مَوقِفِه، فدَفَع الناسَ — بالنَّفِر — دفْعًا ارتَجَّتْ له الأَرضُ، ورَجَفَت الْجبالُ.

فيا لَه مَوقِفًا ما أَهوَلَ مَرآهُ، وأَرجَى في النُّفوسِ عُقباهُ!

(١٩) سُرادِقُ الأَميرِ العراقيّ

وكانت مَحلَّةُ هذا الأَميرِ العِراقيِّ جَميلَةَ المَنظَر، بهيَّةَ العُدَّةِ، رائقَةَ المَضارِبِ والأَبنِيَةِ، عجيبةَ القِبابِ والأَرْوِقَةِ، عَلَى هَيئاتٍ لم يُرَ أَبدعُ منها مَنظَرًا. فأَعظمُها مَرأَى مَضرِبُ الأَميرِ، وذلك أَنه أَحدَقَ به سُرادِقٌ — كالسُّورِ — من كَتَّانٍ، كأَنه حَديقةُ بُستانٍ، أَو زَخرَفةُ بُنيانٍ. وفي داخِلِه القِبابُ المضْرُوبةُ، وهي كلُّها سَوادٌ في بَياضٍ، مُرقَّشَةٌ مُلوَّنةٌ، كأَنها أَزاهيرُ الرِّياضِ. وقد جَلَّلتْ صَفحاتِ ذلك السُّرادِقِ — من جَوانِبهِ الأَربعةِ كلِّها — أشكالٌ دَرَقيَّةٌ، من ذلك السَّوادِ المُنزَّلِ في البَياضِ، يَستَشعِرُ الناظرُ إِليها مَهابةً، يَتَخَيَّلُها دَرَقًا مُزَخرَفًا (والدَّرقُ: التُّرُوسُ، وهي: قِطَعٌ منَ الجِلدِ تُحْمَلُ لِلْوقَايةِ مِنَ السُّيُوفِ). ولهذا السُّرادِقِ — الذي هو كالسُّورِ المضْرُوبِ — أَبوابٌ مُرتفِعةٌ كأَنها أبوابُ القُصورِ المُشَيَّدِة، يُدخلُ منها إِلى دَهاليزَ وتَعاريجَ، ثم يُفضَى منها إِلى الفَضاءِ الذي فيه القِبابُ.

(٢٠) مَحَلَّة الأَمير

وكأَنَّ هذا الأَميرَ ساكِنٌ في مَدينة قد أَحدَقَ بها سُورُها، تنْتقِلُ بانتِقالِه، وتنزِلُ بنزُولِه. وهي من الأُبَّهاتِ المُلوكِيةِ التي لم يُعهَدْ مِثلُها عند مُلوكِ المَغرِبِ. وداخِلَ تلكَ الأَبواب حُجَّابُ الأَميرِ وخَدمُهُ وغاشِيَتُه (الَّذِينَ يَغْشَوْنَ مجلِسَهُ). وهي أبوابٌ مُرتفِعة يَجيءُ الفارِسُ برايتِه فيَدْخُل عليها دونَ تَنكِيسٍ ولا تطأطُؤٍ، قد أُحكِمَتْ إِقامةُ ذلك كلِّه بتَدبيرٍ هَندسِيٍّ غريبٍ، ولسائِرِ الأُمراء — الواصِلينَ صُحْبَةَ هذا الأَميرِ — مضارِبُ دونَ ذلك، لكنَّها عَلَى تلك الصِّفةِ، وقِبابٌ بَديعةُ المنْظَرِ، عجيبةُ الشَّكلِ، قد قامت كأَنها التِّيجانُ المنصوبَةُ، إلى ما يَطُولُ وصْفُهُ، ويَتَّسِعُ القَولُ فيهِ، من عظيمِ احتفَالِ هذه المحلَّةِ في الآلةِ والعُدَّةِ، وغير ذلك مِمّا يَدُلُّ عَلَى سَعةِ الأَحوالِ، وعظيمِ الانخِراقِ (الزِّيادَةِ والمُبالَغَةِ) في المَكاسِبِ والأحوالِ.

(٢١) محامل المُتْرَفين

ولهم أَيضًا — في مَراكِبِهم عَلَى الإِبِلِ — قِبابٌ تُظِلُّهُم، بَديعةُ المنْظَرِ، عَجِيبةُ الشكْلِ، قد نُصِبَت عَلَى محامِلَ من الأَعوادِ يُسمُّونَها القشاواتِ، وهي كالتَّوابِيتِ المُجَوَّفةِ. وهي لرُكَّابِها — من الرِّجالِ والنساءِ — كالأَمْهِدَةِ للأَطفالِ، تُمْلأُ بالفُرُشِ الوَثِيرَةِ، ويَقعُد الرَّاكِبُ فيها مُسْتريحًا، كأَنه في مِهادٍ لَيِّنٍ فسِيح، وبإزائِهِ معادِلُهُ — أَوْ مُعادِلتُه — في مثل ذلك من الشِّقَّةِ الأُخرَى. والقُبَّةُ مضروبة عليهما. فَيُسارُ بهما — وهُما نائمان لا يشعُرانِ — أو كَيفَما أَحَبَّا. فعنْدَما يَصِلانِ إلى المَرحَلَةِ التي يَحُطَّانِ بها، يُضْرَبُ سُرادِقُهما — للْحِينِ — إن كانا من أَهلِ التَّرفُّهِ والتنَعُّمِ، فيُدْخَل بهما إِلى السُّرادِقِ وهما راكِبان، ويُنصَبُ لهما كُرْسِيٌّ ينزلانِ عليهِ، فيَنْتَقِلانِ من ظِلِّ قُبَّةِ المَحْمِلِ إلى قُبَّةِ المَنزِل، دونَ واسطةِ هواءٍ يلْحَقُهُما، ولا خَطفَةِ شمسٍ تُصِيبُهما. وناهِيكَ من هذا التَّرْفيه! فهؤلاءِ لا يَلْقَون لِسَفرِهم — وإن بَعُدَت شُقَّتُه — نَصَبًا، ولا يجِدُونَ — عَلَى طُولِ الحَلَّ والتَّرْحالِ — تَعَبًا.

(٢٢) راكِبو المَحارات

ودُونَ هؤلاءِ في الرَّاحَةِ راكِبُو المَحاراتِ — وهي شبيهَةُ الشَّقادِفِ التي تقدَّم وَصْفُها في ذِكرِ صحراءِ «عَيْذابَ» لكنَّ الشَّقادفَ أَبسطُ وأَوسَعُ، وهذه أَضَمُّ وأَضيَق، وعليها أَيضًا ظَلائلُ تَقي حرَّ الشمْسِ. ومَن قصُرتْ حالُه عنها — في هذه الأسفار — فقد حَصَل علَى نَصَبِ السَّفرِ الذي هو قِطعةٌ من العَذابِ.

(٢٣) في «مزدلفة»

ثم يَرجعُ القولُ إِلى استيفاءِ حالِ النَّفْرِ، عَشِيّةَ الوَقْفَةِ بعرفات. وذلك أن الناسَ نَفَرُوا منها بعد غُروبِ الشَّمْسِ كما تقدَّم الذَّكْرُ، فوصلُوا «مُزْدَلِفَة» مع العِشاءِ، فجمعُوا بها بَيْنَ العِشاءِ والمَغْربِ، حَسْبَما جَرَتْ بهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ واتَّقدَ المَشْعَرُ الحرامُ تلك الليلَةَ كلها مَشاعِيلَ من الشَّمَعِ المُسْرَج (المُوقَدِ)، وأَمَّا مَسْجِدُهُ المذكُورُ فعادَ كله نُورًا، فيُخَيَّلُ لِلنَّاظِر إلَيْهِ أَن كواكِبَ السَّماءِ كلَّها نَزَلَت بهِ.

(٢٤) شُمُوع العَجَم

وعَلَى هذِه الصَّفَةِ كان جبلُ الرَّحْمَةِ ومسجِدُه ليلَةَ الجُمُعَةِ، لأَنَّ هؤلاءِ الأَعاجِمَ والخُراسَانِيِّينَ — وسِواهُم من العِراقيِّينَ — أعظَمُ الناسِ هِمَّةً في استِجْلابِ هذا الشَّمَعِ والاسْتِكْثارِ منه، إضاءَةً لهذهِ المشاهِد الكَريمةِ. وعلى هذه الصِّفَةِ عادَ الحرمُ مُدَّةَ مُقامِهم فيه. فَيَدْخُلُ منهم كلُّ إِنْسانٍ بشَمْعةٍ في يدِه. وأَكْثَرُ ما يَقْصِدُون بذلك حَطِيمُ الإِمامِ الحَنَفِيِّ، لأَنَّهم عَلَى مَذْهَبه. وشاهَدْنا شَمَعًا عَظِيمًا تنوءُ الشَّمْعَةُ منه بالعُصْبَةِ (تَعْجِزُ الجَماعَةُ مِنَ النَّاسِ عَنْ حَمْلها). وقد وُضِعَ أَمامَ الحنَفِيِّ، فباتَ الناسُ بالمَشْعَرِ الْحرامِ هذهِ الليلةَ، وهي ليلةُ السَّبْتِ. فلما صَلُّوُا الصُّبْحَ غَدَوْا منه إلى «مِنى» بعدَ الوُقُوفِ والدُّعاءِ، لأنَّ «مُزْدَلِفَةَ» كلَّها مَوْقِفٌ إلاَّ «واديَ مُحَسَِّر»، ففيه تَقَعُ الهروَلَةُ في التَّوَجُّهِ إلى «مِنى» حتى يُخْرَجَ عنه. ومن «مُزْدَلِفَةَ» يَسْتَصْحِبُ أَكثرُ الناسِ حَصَياتِ الجِمارِ — وهو المُسْتَحَبُّ — ومنهم من يلتَقِطُها حولَ مسجِد الخَيْفِ بِمِنًى، وكلُّ ذلكَ جائزٌ.

(٢٥) رميُ الجَمَرات

فلمَّا انتهى الناسُ إلى «مِنى» بادرُوا إلى رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ بسَبْعِ حَصَياتٍ، ثمَّ نَحَرُوا أو ذَبَحُوا، وحلُّوا من كلِّ شيءٍ (صارَ كُلُّ شيء حَلالًا لَهُمْ)، — إِلاَّ النِّساءَ والطِّيبَ — حتى يَطوفوا طوافَ الإفاضَةٍ. ورَميُ هذه الجَمْرَةِ (جَمْرَةِ العَقَبةِ) عند طُلوعِ الشمسِ من يومِ النحْرِ. ثمَّ تَوَجَّهَ أَكْثَرُ الناسِ لِطوافِ الإِفاضَةِ، ومنهم من أَقامَ إلى اليومِ الثاني، ومنهم من أَقامَ إلى اليوم الثالِثِ، وهو يومُ الانحِدارِ إلى «مكةَ» فلمَّا كان اليومُ الثاني من يومِ النَّحْرِ — عند زَوالِ الشَّمْسِ — رَمَى النَّاسُ بالجَمْرَةِ الأُولى سَبْعَ حَصَياتٍ، وبالْجَمرةِ الوُسْطَى كذلك. وبهاتَيْنِ الجَمْرتَينِ يَقِفُونَ للدَّعاءِ، وبجمرَةِ العَقَبَةِ كذلك. ولا يَقِفُونَ بها، اقتداءً في ذلك كلِّه بفِعل النَّبِيِّ ، فَتَعُودُ جمرةُ العَقَبَةِ — في هذيْن اليوميْنِ — أَخيرةً. وهي — يوم النَّحْرِ — أُولَى مُنْفَرِدَةٌ لا يُخْلَطُ معها سِواها.

(٢٦) رسول الْخليفة

وفي اليومِ الثاني من يومِ النَّحْر — بعد رمْي الْجَمَراتِ — خَطَبَ الخطيبُ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ، ثُمَّ جمعَ بين الظُّهْرِ والعَصْرِ. وهذا الخطيبُ وصل مع الأميرِ العِراقِيِّ مُقَدَّمًا من عند الخْليفةِ للخُطبةِ والقضاءِ ﺑ«مكَّةَ» — عَلَى ما يُذكَرُ — ويُعرَفُ ﺑ«تاجِ الدِّينِ»، وهو ظاهِرُ البلادَةِ والبَلَهِ؛ لأَنَّ خُطْبَتَهُ أَعْرَبَتْ عن ذلك، ولسانُه لا يُقيمُ الإعْرابَ.

(٢٧) العائدون إلى «مكة»

فلمَّا كان اليومُ الثَّالِثُ تَعَجَّلَ النَّاسُ في الانحدارِ إِلى «مكةَ» بعد أَن كَمَلَ لهم رَمْيُ تِسعٍ وأَرْبَعِينَ جَمْرَةً: سَبْعٌ منها يومَ النحر بالعَقَبَةِ وهي المُحَلِّلَةُ، ثم إحدى وعِشْرُونَ في اليومِ الثَّاني — بعدَ زوالِ الشَّمْسِ — سَبْعًا سَبْعًا في الجَمراتِ الثَّلاثِ، وفي اليوم الثَّالِث كذلك. ونفَرَ النَّاسُ إِلى «مَكَّة» فمنهم من صلَّى العصرَ بالأَبْطَحِ، ومنهم من صلاَّها بالمَسْجِدِ الحَرَامِ، ومنهم من تعجَّل فصلَّى الظُّهْرَ بالأَبْطَحِ.

(٢٨) سبب التعْجيل

ومضَتِ السُّنَّةُ قديمًا بإِقامَةِ ثلاثَةِ أَيَّامٍ بعدَ يومِ النَّحْرِ بِمنًى لإكْمالِ رَمْيِ سَبْعِينَ حَصاةً، فوقَع التَّعْجِيلُ — في هذا الزَّمانِ — في اليوْمَينِ؛ كما قالَ اللهُ تَبارَكَ وتعالَى: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وذلك مخافَةَ بني شُعْبَةَ، وما يَطرَأُ من حَرَّابةِ المَكِّيِّينَ.

(٢٩) القضاءُ على الفِتنة

وقد كانت في يومِ الانحدارِ المذكورِ بين سُودانِ أَهْلِ «مكةَ» وبين الأَتراكِ العِراقيِّينَ جَوْلَةٌ وهَوْشَةٌ وَقَعَتْ فيها جِراحاتٌ، وَسُلَّت السُّيوفُ، وفُوِّقَت القِسِيُّ (جمع قَوْس، أَيْ: أُعِدَّتْ لِينْطَلِقَ النَّبْلُ مِنْها)، ورُميَتِ السِّهامُ، وانتُهِبَ بَعْضُ أَمْتِعَةِ التُّجَّار؛ لأَنَّ «مِنًى» — في تلك الأَيَّامِ الثَّلاثةِ — سُوقٌ من أَعْظَمِ الأَسْواقِ، يُباعُ فيها من الجَوْهَرِ النَّفيسِ، إِلى أَدْنَى الخرَزِ، إلى غير ذلك من الأَمْتِعَةِ وسائرِ سِلَعِ الدُّنْيا، لأَنَّها مُجْتَمَعُ أَهْلِ الآفاقِ. فوَقَى اللهُ شَرَّ تلك الفِتْنَةِ تَسْكينًا لها سَريعًا، وكانت عَيْنُ الكَمالِ في تلك الوَقْفَةِ الهَنيئَةِ، وكَمَلَ للنَّاسِ حَجُّهُمْ، والحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين.

(٣٠) الكُسْوَةُ العِراقيَّة

وفي يومِ السَّبْتِ — يومِ النَّحْرِ المذكورِ — سِيقَت كُسْوَةُ الكَعْبَةِ المُقَدَّسَةِ من مَحَلَّةِ الأَمير العِراقيِّ إِلى «مكَّة» عَلَى أَرْبعةِ جمالٍ تقدَّمَها القاضى الجديدُ بكُسْوَةِ الخليفَةِ السَّوادِيَّةِ، والرَّاياتُ عَلَى رَأْسِهِ، والطُّبولُ تَهُزُّ وراءَه (يَعْلو صَوْتُها ويرتَفِعُ، والهِزَّةُ: الصوتُ القَويُّ)، وابنُ عمِّ الشَّيْبِيِّ: «محمدُ بنُ إسماعيل» معَها؛ لأَنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ أَمْرَ الخليفَةِ نَفَذَ بِعَزْلِهِ عن حِجابَةِ البيْتِ لِهَناتٍ (مَساوئَ، وَخِصالٍ مَكْروهَةٍ) اشْتَهَرَتْ عنهُ، واللهُ يُطَهِّرُ بَيْتَهُ المُكرَّمَ بِمَن يرضَى من خُدَّامِهِ بِمَنِّهِ. وهذا ابنُ العَمِّ هو — كما أَسْلَفْنا — أَحسنُ طريقةً منهُ، وأَمْثَلُ حالًا. فوُضِعَتِ الكُسْوَةُ في السَّطْحِ المُكرَّمِ أَعلَى الكعبةِ. فلمَّا كان يومُ الثُّلاثاءِ — الثالثَ عَشَرَ من الشهرِ — اشْتَغَلَ الشَّيبِيُّونَ بإِسْبالِها (إِرخائها) خضراءَ يانِعَةً، تُقَيِّدُ الأَبْصارَ حُسْنًا، في أَعلاها رسمٌ أَحمرُ واسعٌ مَكْتُوبٌ فيه في الصَّفْحِ المُوَجَّهِ إلى المَقام الكريمِ — حيث البابُ المُكرمُ، وهو وجْهُها المُباركُ — بعدَ البَسْمَلَةِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ.

وفي سائِر الصَّفَحاتِ اسْمُ الخليفةِ والدعاءُ له. وتَحُفُّ بِذلك الرسمِ طُرَّتان حَمْراوان بدوائرَ صغارٍ بيضٍ، فيها رسْمٌ بخطٍّ رقيق يتضمَّنُ آياتٍ من القُرْآن وذكرَ الخليفةِ أَيضًا. فَكَمَلَتْ كُسْوَتُها، وشُمِّرَتْ أَذيالُها الكَريمةُ صَوْنًا لها من أَيْدِي الأَعاجِمِ، وشدةِ اجتِذابِها، وقُوَّةِ تهافُتِها عليها وانْكِبابها. فلاحَ للناظِرِينَ منها أجملُ منظرٍ، كأَنَّها عروسٌ جُلِيَتْ في السُّنْدُسِ الأَخْضَر. أَمتعَ الله بالنَظَرِ إليها كلَّ مشتاقٍ إلى لقائِها، حَريصٍ عَلَى المُثولِ بفِنائها (ساحَتِها).

(٣١) زَحْمة الوافدين

وفي هذه الأَيامِ يُفْتَحُ البيْتُ الكريمُ كلَّ يوم للأَعاجِمِ العِراقيِّين والخُرسانِيِّينَ وسِواهم من الواصِلين مع الأَمير العِراقِيِّ. فظهرَ من تَزاحُمِهِمْ وتَطارُحِهِمْ عَلَى البابِ الكريمِ، ووصولِ بعضِهم عَلَى بعضٍ، وسباحَةِ بعضهم عَلَى رءوسِ بعض — كأَنَّهم في غديرٍ من الماءِ — أَمرٌ لم يُرَ أَهْوَلُ منه يؤَدِّي إلى تَلَفِ المُهَجِ (الأَرْواحِ)، وكَسْرِ الأَعضاءِ، وهم في خِلال ذلك لا يُبالُونَ ولا يتَوَقَّفُونَ، بل يُلْقُونَ بأَنْفُسهم عَلَى ذلك البيْتِ الكريم — من فرْطِ الطَّرَبِ والارتياحِ — إِلْقاءَ الفَراشِ بِنَفْسِهِ عَلَى المِصْباحِ. فعادَت أحوالُ السَّرْو اليَمَنِيِّينَ في دخولهم البيتِ المُباركِ — عَلَى الصِّفَةِ المتُقدمةِ الذِّكْرِ — حالَ تُؤَدَةٍ (هَوادةٍ وَرِفْق) وَوَقارِ، بالإضافَةِ إلى هؤلاءِ الأَعاجمِ، نَفَعَهُم اللهُ بنِيَّاتهم. وقد فُقِدَ مِنْهم في ذلك المُزْدَحَمِ الشَّدِيد من دَنا منهم أَجلُهُ، واللهُ يَغْفِرُ لِلْجَميعِ. وربما زاحَمَهُم في تلك الحالِ بعضُ نسائِهم، فيخُرجْن وقد نَضِجَتْ جلودُهُن طَبْخًا في مَضِيقِ ذلك المُعتَرَكِ الذي حَمِيَ بأَنْفاسِ الشَّوْق وطَيْشِهِ، واللهُ يَنْفَعُ الجميعَ بمُعتَقَدِهِ وحسنِ مقْصِدِهِ، بِعِزَّتِهِ.

(٣٢) الواعظ الخُراسانيّ

وفي ليلَةِ الخميسِ — الخامسَ عَشَرَ من الشهرِ — إِثْرَ صلاةِ العَتَمَة (صلاةِ العشاءِ) نُصِبَ مِنْبَرُ الوَعْظِ أَمامَ المَقامِ، فَصَعِدَه واعظٌ خُراسانِيُّ البَشارَةِ (والبَشارَةُ: الْجَمالُ)، مليحُ الإشارَةِ، يَجْمَعُ بينَ اللِّسانَيْنِ: عَرَبيٍّ وعَجمِيٍّ، فأَتَى — في الحالَيْن — بالسِّحْرِ الحَلالِ من البَيانِ. فصيحُ المَنْطِق، بارعُ الأَلْفاظِ، ثُمَّ يَقْلِبُ لسانَهُ للأَعاجِمِ بِلُغَتهم فيَهُزُّهم إِطْرابًا، ويُذِيبُهم زفراتٍ وانتِحابًا. فلمَّا كانت الليلَةُ الأُخْرَى بعْدَها، وُضِعَ مِنْبَرٌ آخرُ خَلْفَ حطيمِ الحنَفِيِّ، فصَعِدَ إِثْرَ صلاةِ العَتَمَةِ أيضًا شَيْخٌ أَبْيَضُ السِّبالِ (جَمْع سَبَلَ، وهي مُقدَّمُ اللِّحْيَةِ)، رائِعُ الجلالِ، بارعُ التَّمامِ في الفَضْلِ والكَمالِ. فصدَع (جَهَرَ) بِخُطْبَة انتَظَمَتْ آيةَ الكُرْسِيِّ كلِمَةً كلمَةً، ثم تَصَرَّفَ في أَساليبَ من الوَعْظِ، وأَفانينَ من العِلْمِ — باللِّسانَيْن أَيضًا — حرَّكَ بها القُلُوبَ حتى إَطارَها، وأَوْرَثَها احْتِدامًا (شِدَّةَ غَلَيان) بالخَشْيَةِ بعدَ اسْتِعارِها (اشْتِعالها)، وفي أَثناءِ ذلك تَرْشُقُه سِهامٌ من المَسائِل، فيَتَلقَّاها بمِجَنٍّ (وِقايةٍ) من الجواب السَّريعِ البَليغِ، فتَحارُ لهُ الأَلْبابُ، وَيْلكُ كلّ نَفْسٍ منهُ الإِغرابُ والإِعجابُ، فكأنَّما هُوَ وَحْيٌ يُوحَى. وهذا الذي مَشَى بهِ وُعَّاظُ هذه الجهاتِ المَشْرِقيَّةِ من إِلْقاءِ المَسائِلِ إِليهم، وإِفاضَةِ شآبيبِ (سُيُول) الامْتِحانِ عليهم، من أَعجَبِ المُعْرِبَةِ عن غريبِ شأْنِهِمْ، والنَّاطِقَةِ بِسِحْرِ بَيانِهم وليْسَت في فَنٍّ واحِدٍ، إِنَّما هِيَ في فُنونٍ شَتَّى. رُبَّما قُصِدَ بها التَّعْنيتُ (الإِرْهاقُ والتَّشْدِيد)، والتَّنْكِيتُ (الطَّعْنُ والاسْتِهْزاءُ)، فَيأْتُونَ بالجوابِ كخَطْفَةِ البَرْقِ، وارْتِدادِ الطَّرْفِ. والفضْلُ بِيَدِ اللهِ يُؤْتيهِ مَن يَشاءُ. وبين أَيْدِي هؤُلاءِ الوُعَّاظِ قرَّاءٌ يَنْغِمونَ بالقِراءَةِ، فَيأْتُونَ بأَلْحانٍ تُكْسِبُ الجمادَ طَرَبًا وَأَرْيَحِيَّةً، كأَنَّها المَزاميرُ الدَّاوُودِيَّةُ. فلا تَدْرِي من أَيِّ أَحْوالِ هذا المُجْتَمَعِ تَعْجَبُ. واللهُ يُؤْتِي الحِكْمَةَ من يَشاءُ. وسَمِعْتُ هذا الشَّيْخَ الواعِظَ يُسْنِدُ الحديثَ إلى خَمْسَةٍ من أَجْدادِهِ: جَدٍّ عن جَدٍّ، نَسَقًا مُسَلْسَلًا عن أَبيهِ إِليهم عَلَى اتِّصالٍ، كلُّهم لهُ لَقَبٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْزِلَتِهِ من العِلْمِ، ومكانَتِهِ من التَّذْكِيرِ والوَعْظِ، فهو مُعْرِقٌ (أَصِيل) في الصَّنْعَةِ الشَّريفَةِ، تَليدُ المَجْدِ فيها (والتَّلِيدُ: القَدِيم المَوْروث). وفي أَيَّامِ المَوْسِمِ كلِّها عادَ المَسْجِدُ الحرامُ — نزَّهَهُ اللهُ وشَرَّفَهُ — سُوقًا عظيمةً، يُباعُ فيها من الدَّقيقِ إلى العَقِيقِ، ومن البُرِّ إلى الدُّرِّ، إلى غَيرِ ذلك من السِّلَعِ. فكان مَبيعُ الدَّقيق بدارِ النَّدْوَةِ إلى جِهَةِ بابِ بَنِي شَيْبَةَ. ومُعْظَمُ السُّوقِ في البَلاطِ الآخِذِ من الشَّمالِ إلى الشَّرْقِ. وفي ذلكَ من النَّهْي الشَّرْعيِّ ما هُو مَعْلُومٌ. واللهُ غالبٌ على أَمرِه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤