قليل جدًّا من المعلومات

في المساء اتجه المغامرون الخمسة إلى المنزل رقم ١٩ حيث جرت وقائع سرقة المستندات … وقابلهم الأستاذ «مراد» بتَرحابٍ شديدٍ … وقادهم إلى غرفة المكتب حيث كانت المستندات موجودة، واعتذر لهم عن غياب الدكتور في اجتماع هام.

كانت الغرفة مُؤثَّثة بشكل ملفت، من ناحية الفخامة والترتيب، والرفوف الخاصة بالكتب … وهناك ثلاثة أجهزة تليفون … والستائر تُغطي الجدران بلون أزرق داكن. والهدوء يسود كلَّ شيء.

وأخذ الأستاذ «مراد» يشرح لهم أسلوب العمل في المنزل … وقال إن الدكتور نادرًا ما يقابل أحدًا … فهو إمَّا مشغول في اجتماعات … أو يقوم بعمله داخل مكتبه، وأضاف: إنني الإنسان الوحيد الذي يقابله تقريبًا.

وابتسم قائلًا: إنه ككل العلماء لا تعنيه سوى بحوثه.

قالت «نوسة»: أين كانت تقيم «راوية»؟

مراد: كان لها غرفة خاصة صغيرة.

نوسة: هل يمكن زيارتها؟

مراد: بالطبع.

وخرج «مراد» من الغرفة … وتبعته «نوسة» و«لوزة» في حين بقيَ «تختخ» و«محب» و«عاطف» في غرفة المكتبة.

بعد المرور في عدة دهاليز ساكنة وصلوا إلى باب غرفة تحت السُّلَّم الداخلي للفيلَّا … ودفع «مراد» الباب ودعاهما للدخول … كانت الغرفة صغيرةً حقًّا … ولكنها نظيفة وبها بعض الأثاث البسيط … ولاحظت «لوزة» أن ثمة شيئًا ما في الغرفة يلفت النظر … هذا الشيء أشعرها أن الفتاة الصغيرة تركت الغرفة على عجل … فعندما فتحت أدراج الدولاب لاحظت أن هناك بعض الملابس الناقصة … إنها فتاة في مثل سنها تقريبًا … وهناك أشياء ناقصة تعرفها كل فتاة.

وسألت «لوزة»: متى خرجت «راوية»؟ أو على الأقل متى اكتشفتم أنها تركت البيت؟

مراد: ليلًا بالتأكيد.

لوزة: في أي موعد بالضبط؟

مراد: بعد منتصف الليل.

لوزة: وكيف عرفت؟

مراد: لأنني أمرُّ ليلًا على البيت كله لأطمئن على إغلاق الأبواب … وفي الساعة الحادية عشرة سمعتها وهي تستمع إلى راديو صغير كانت تملكه.

لوزة: وأين هذا الراديو؟

تلفَّت «مراد» حوله وأخذ يبحث هنا وهناك، ثم قال: يبدو أنها أخذته معها.

نوسة: ولكن … أليس لهذه الفتاة «راوية» أقارب أو أصدقاء من أي نوع … حتى من الجيران؟

مراد: للأسف نحن لا نعرف من أين أتى بها الدكتور … فهو لم يكن يتحدث عنها كثيرًا برغم أنها كانت موضع ثقته الكاملة، كما أنها لم تكن تختلط بأحد من الجيران.

نوسة: شيء مدهش!

مراد: فعلًا.

نوسة: وماذا قال رجال الشرطة؟

مراد: إننا لم نُبلغ الشرطة بالطريقة التقليدية، لقد اتصل الدكتور بالمفتش «سامي» الذي حضر ومعه رجاله وقاموا بفحصِ كل شيءٍ، ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة، كأنَّ الفتاة قد انشقَّت الأرض وابتلعتها.

ثم صمت لحظات وقال: وهناك احتمال كما قال رجال الشرطة … احتمال بسيط ولكنه ممكن، وهو أن تكون الفتاة قد أصيبت بلوثة مفاجئة … فالإنسان لا ينتقل من الأمانة إلى السرقة في لحظة واحدة.

لوزة: ماذا تعني بلوثة بالضبط؟

مراد: إصابة الشخص باختلال عقلي مفاجئ.

ثم سكت لحظات وقال: هل تريدان شيئًا آخر من الغرفة؟

نوسة: لا، وشكرًا لك.

وخرجوا ثم عادوا إلى المكتب حيث كان «تختخ» و«محب» و«عاطف» قد فتَّشوا كل شيء بسرعة … وكان «تختخ» يبدو صامتًا أكثر من اللازم، حتى إنه لم ينطق بكلمة واحدة.

قال «مراد»: بالمناسبة ليس أمامَكم سوى سبعةِ أيام فقط للبحث عن الفتاة.

بدت الدهشة على وجوه المغامرين … وقال «مراد» مبتسمًا: لأننا بعد ذلك سنغادر مصر كلها إلى سويسرا، فقد نُقل الدكتور إلى هناك لإكمال عمله.

خرج الأصدقاء بعد أن شربوا عصير البرتقال المثلج … وعندما أصبحوا في الشارع، قال «محب»: أعتقد أننا في حاجة إلى اجتماع عاجل لبحث هذا الموضوع.

عاطف: ما الفائدة؟ … إذا كان رجال الشرطة أنفسهم لم يتوصلوا إلى حلٍّ للغزِ اختفاء الفتاة … فماذا سنفعل نحن؟

ثارت «لوزة» عندما سمعت هذا التعليق، وقالت: إنَّ لنا أساليبنا الخاصة.

عاطف: أؤكد لكِ أننا لن نصل إلى شيء … لقد اختفت آثار الفتاة منذ فترة طويلة … ومن المؤكد أن الشرطة بحثت كل الاحتمالات، ولم يتركوا شيئًا يمكن عمله، فماذا سنفعل نحن؟

كان «تختخ» صامتًا … فالتفت إليه «محب» قائلًا: إننا لم نسمع رأيك يا «تختخ»، ومع ذلك ظلَّ المغامر السمين ساكتًا لحظات، ثم قال: إنها مشكلة طبعًا.

عاطف: ياه … متى اكتشفت هذه الحقيقة؟ إنها طبعًا مشكلة يا «تختخ».

تختخ: إن فتاةً أمينةً وموضع ثقة شخصية هامة مثل الدكتور لا يمكن أن تفكِّر في خيانته … ثمة شيء غامض في الموضوع.

محب: هل تقصد أنَّ خَلْفَ الفتاةِ عصابة؟

تختخ: لا أعرف … وبالمناسبة … لقد نسينا أن نطلب صورة لها … كيف يمكن البحث عن فتاة بمجرد معرفة اسمها؟

كانوا يمشون بجوار درَّاجاتهم وقد قطعوا مسافة قصيرة، فقال «محب»: سأعود وأطلب من «مراد» إعطاءنا صورة للفتاة.

تختخ: إذا كان عندهم.

محب: هل تقصد أنهم لا يحتفظون بصورة لها؟

تختخ: في الأغلب لن تجد صورة … وعندما كنا نفتش المكان كان ضمن تفكيري أن أجد صورة … ولكني لم أجد شيئًا.

محب: لا بأس من سؤالهم.

ثم قفز إلى دراجته … بعد أن اتفقوا على أن يكون اتجاههم إلى حديقة منزل «عاطف» ليلحق بهم «محب» هناك، وساروا صامتين … كان كلٌّ منهم يفكر في نقطة البداية … من أين يبدءون؟ إن المفتش «سامي» مسافر خارج البلاد، ولو كان موجودًا لسألوه أن يعطيَهم المعلومات التي تَوَصَّل إليها رجال الشرطة … لعلهم يجدون فيها نقطة بداية … ولكن المفتش مسافر، وسوف يتغيَّب طويلًا … فماذا في إمكانهم أن يفعلوا؟

وصلوا إلى حديقة منزل «عاطف»، وكانت الساعة لا تزال الثامنة مساءً، والجو منعشًا.

فقالت «لوزة» مقترحة: ما رأيكم في عشاء خفيف من ساندوتشات الفول والطعمية؟

وافقوا جميعًا بحماس … خاصة المغامر السمين الذي لا يشبع … وأسرعت «لوزة» إلى داخل الفيلَّا … كانت شغَّالتهم تجيد عمل الطعمية … وكانت قد أعدَّت هذا المساء كميةً كبيرةً منها.

عادت «لوزة» إلى المغامرين … ووصل «محب» في نفس الوقت … وكان يبدو عليه الانتصار … لقد وجد صورة للفتاة المختفية … وأسرع المغامرون إليه، وكل واحد منهم يتمنى أن يرى الصورة قبل الآخر … وكانت صورة صغيرة مما يصوره المصوِّرون المتجوِّلون … فتاة صغيرة ذات شعر مَجْدول … تبدو عليها علامات البساطة والذكاء … وتلبس فستانًا به نقوش بسيطة … وقد وقفت بجوار سلة زهور صناعية مما يستخدمه المصوِّرون المتجوِّلون لتجميل الصور … وخلفها يبدو جدار منزل قديم، وسور متوسط الارتفاع به مثلثات من الحجر … وبجواره أشجار صغيرة … وجانب من سيارة قديمة قد فرغت إطاراتها من الهواء.

كان «تختخ» يتأمل خلفية الصورة أكثر مما يتأمل الصورة نفسها … إن المنزل القديم والسور والأشجار قد أوحت له بفكرة ما … أما صورة الفتاة ذاتها فكيف يمكن البحث عنها بين ملايين البشر … إنها ذات ملامح عادية … يمكن أن تكون لأي فتاة في سنها … ولكن الملحوظة الذكيَّة جاءت من «نوسة» التي أخذت تتأمل الصورة طويلًا تحت المصباح، ثم قالت: إن هذه الفتاة حَوْلاء.

نظر إليها بقية المغامرين فمضت تقول: إنَّ في عينيها حَوَلًا خفيفًا … ولكن المصور كان بارعًا فاستطاع إخفاءه ببعض الرتوش.

لوزة: كيف عرفتِ ذلك؟

نوسة: إذا تأمَّلتِ الصورة … فستلاحظين أن قلم المصور قد ترك آثارًا بسيطة يمكن ملاحظتها داخل العين.

كان «تختخ»: صامتًا ثم قال فجأة: إن عندنا معلومات لا بأس بها حول الفتاة.

عاطف: إنها حولاء.

تختخ: ليس هذا فقط … ولكن هي فتاة من وسط بسيط … فقيرة … كانت تعيش في منزل قرب مسجد.

محب: مسجد؟

تختخ: طبعًا … إن السور ومثلثات الحجر الواضحة عليه، والأشجار تعني أنه سور جامع … خاصة النقوش التي تظهر في الصورة … كذلك السيارة القديمة … إنها سيارة مُهمَلة لم تتحرَّك من مكانها وهذا المكان يمكن العثور عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤