الخطة والخطة المضادة

عندما عقَدَ المغامرون الخمسة اجتماع المساء استعدادًا للزيارة … بدا «تختخ» مهمومًا وعصبيًّا إلى حدٍّ ما … ولم يستطع المغامرون فهم حكايته إلَّا بعد أن سألته «نوسة» قائلة: ماذا حدث يا «تختخ»؟ إنك لست في حالتك العاديَّة … كنت أظن أنك ستكون سعيدًا لأننا عثرنا على الفتاة، وعلى وشك أن ينتهيَ كلُّ شيء.

قال «عاطف» ضاحكًا: لعله لا يريد أن ينتهيَ كلُّ شيء.

لم يردَّ «تختخ» ولم يبتسم … وبدا واضحًا أنَّ من الصعب إخراجه من الحالة التي هو فيها … فغيَّر المغامرون الحديث عن حالته … وخرجوا من الموضوع إلى سؤال سأله «عاطف»: ماذا سنفعل؟ … هل سنذهب جميعًا للزيارة … أم نتصرف كما حدث في الصباح … يذهب «تختخ» و«محب» … وننتظر نحن الثلاثة هنا؟

كان لا بُدَّ من مناقشة هذا الموضوع معًا … ولا بُدَّ من اشتراك «تختخ»، ولكن «تختخ» ألقى بمفاجأة: سأبقى هنا.

محب: وحدك؟

تختخ: بل مع «نوسة» و«لوزة» … اذهب أنت و«عاطف».

محب: ولكن يا «تختخ» … من المهم أن تأتيَ … إنك بذلت جهدًا كبيرًا، ومن حقك أن تشهد الخاتمة.

تختخ: لا أظن أن الخاتمة اقتربت … ما زال أمامنا الكثير.

محب: وماذا تريدني أن أعرف من الفتاة؟

تختخ: أُرجح أنك لن ترى الفتاة … إنك ستعرف فقط إذا كانت حالتها قد سمحت باستجوابها أم لا … ستعرف إنْ كانت استعادت ذاكرتها أم لا … إنهم سيقولون لك تلك المعلومات.

محب: هل هذا كل شيء؟

تختخ: أظن هذا كل شيء، وعليك أن تعودَ فورًا بالمعلومات التي ستسمعها، فقد نحتاج إلى عمل شيء ما هذه الليلة.

محب: وهل ستبقى هنا حتى نعود؟

تختخ: طبعًا … لا بُدَّ أن أَطْمَئنَّ أنَّ كل شيء على ما يُرام.

وأسرع «محب» و«عاطف» إلى منزل الدكتور … كانا مُتلهِّفَيْنِ على سماع الأنباء، وبقيَ «تختخ» جالسًا في الحديقة، وقد مدَّ ساقيه أمامه، وأحنى رأسه للخلف وسنده بيديه، وأغمض عينيه … كان يبدو نائمًا تمامًا، ولكن الحقيقة أنه كان يفكِّر في كل ما حدث … كان يفكِّر بعمق، حتى إنه لم يسمع «نوسة» و«لوزة» وهما تتحدثان عن غرابة سلوكه. واستمر «تختخ» على حاله … في حين وصل «محب» و«عاطف» إلى المنزل، واستقبلهما «مراد» بترحيب شديد وهو يسأل: أين الأستاذ «توفيق»؟

محب: إنه مُتعَب قليلًا ولم يستطع الحضور.

مراد: إن الأخبار عظيمة جدًّا … لقد استردت الفتاة ذاكرتها، وقد كتبت وصفًا تفصيليًّا لمكان المستندات.

قفز قلب «محب» في صدره عندما سمع هذه الأنباء، وقال: وهل أحضرتم المستندات؟

مراد: لا … يجب أن تقوموا أنتم بذلك.

محب: نحن على استعداد.

مراد: إنني لا أثق بأحد في هذه الدنيا إلا المغامرين الخمسة؛ لذا لم أُطْلِع أحدًا على سر الوثائق والمستندات الهامة إلَّا أنتم.

محب: إننا فخورون حقًّا بهذه الثقة.

دخل الصديقان إلى الصالة، وأسرع «مراد» بإحضار ورقة بيضاء مرسوم عليها خريطة بالقلم الرَّصاص … وأخذ يشرح لهما المطلوب: إن المكان الذي أخفت فيه «راوية» الوثائق ليس بعيدًا … ولكنه يحتاج إلى شخص يعرف المعادي جيدًا، والمغامرون خير من يعرف المعادي، وشوارعها.

عاطف: طبعًا.

مراد: إنني أقترح أن تذهبوا في وقت متأخر نسبيًّا حتى لا تلفتوا إليكم الأنظار … وعليكم العودة بعد الحصول على الوثائق والمستندات، وسوف يقابلكم الدكتور ويعطيكم مكافأة.

محب: إننا لا نعمل من أجل المكافأة … بل من أجل العدالة، وحماية الوطن.

مراد: طبعًا … طبعًا … على كل حال، سوف نتكلم عن كل ذلك فيما بعد.

وأخذ «مراد» يشرح لهما الخريطة كما رسمها بناءً على أقوال الفتاة …

ويحدد المكان الذي أخفت في الوثائق … وكان مكانًا مهجورًا يقع على حافة الصحراء، قرب المكان الذي كانت الفتاة مسجونة فيه.

قال «محب»: إنني أعرف هذا المكان جيدًا … إنه من أشد الأماكن وحشة.

ضحك «مراد» وهو يقول: وهل يخاف المغامرون شيئًا؟

محب: لا أدري لماذا لا نُبلغ الشرطة الآن.

مراد: لقد اتصلنا بالشرطة فعلًا … ولكنكم سوف تسبقونهم إلى العثور على المستندات كما سبقتموهم في العثور على الفتاة.

محب: عظيم.

مراد: وطبعًا أنتم عند وعدكم بعدم إبلاغ أي شخص عن الموضوع حتى نضع كل المعلومات أمام رجال الشرطة.

محب: طبعًا.

مراد: إذن خذوا حذركم، إننا لا نريد أن نعرضكم لأية مخاطر.

ودَّعهما «مراد» حتى الباب، وأسرع الصديقان بالعودة إلى بقية المغامرين … كان الموقف كما هو، «تختخ» يجلس كالنائم، و«لوزة» و«نوسة» تتحدثان … وفتح «تختخ» عينيه عندما ظهر «محب» و«عاطف»، وقال على الفور: إنكما لم تريا الفتاة!

محب: لا.

تختخ: هذا ما قلته لكما، وهي لم تستردَّ ذاكرتها بعد.

محب: هذا ما أخطأتَ فيه … لقد استردت الفتاة ذاكرتها.

انتبه «تختخ» وأنزل ساقيه، وبرقت عينا «لوزة»، وفتحت «نوسة» فمها دهشةً، وقال «تختخ»: بهذه السرعة؟

محب: هذا ما قاله الأستاذ «مراد»، وقد اعترفت بالمكان الذي أخفت فيه الوثائق.

تختخ: اعترفت … وهل أحضروا الوثائق؟

محب: لا … لقد أبقَوْا هذه المهمة لنا.

وأخذ «محب» يشرح ما حدث … ثم أخرج الخريطة التي رسمها «مراد» بناءً على حديث الفتاة «راوية»، وأخذ «تختخ» يتأملها طويلًا.

قالت «لوزة» باندفاعها المعتاد: لقد جاءت النهاية بأسرع مما توقعنا … لقد عثرنا على الفتاة، وسنعثر الليلةَ على الوثائق والمستندات … إنه انتصار كامل.

تختخ: ومتى يجب أن نذهب؟

محب: قرب منتصف الليل … حتى لا يرانا أحد.

تختخ: لا بأس … إن كل شيء يبدو واضحًا الآن … وسوف نقسم العمل بيننا.

نوسة: ألن نذهب معًا لإحضار الوثائق؟

تختخ: لا … هناك ثلاث مهمات … أنتِ و«لوزة» ستقومان بمهمة … و«محب» و«عاطف» بأخرى … وأنا بالثالثة.

عاطف: وما هي هذه المهام؟

تختخ: ستذهب أنت و«محب» لإحضار الوثائق في الموعد المحدد … وعليكما بالحذر الشديد … إنها مهمة محفوفة بالمخاطر.

عاطف: أية مخاطر؟

تختخ: إن المكان بعيد وموحش، ونحن لا نعرف ماذا سيحدث … كُونا في منتهى الحذر … وقد ألحق بكما هناك.

ثم التفت إلى «نوسة» و«لوزة» قائلًا: أما أنتما فستذهبان لمراقبة المنزل.

نوسة: أي منزل؟

تختخ: منزل الدكتور … عليكما باختيار مكان مناسب وقريب، وراقبا جيدًا المنزل … إنني أتوقع أن تقع هناك أحداث، ويجب أن أعرف ما سيحدث.

بدت «لوزة» في غاية السعادة، فهي تحس أنها لم تشترك في هذا اللغز بما يكفي، ولكن الآن بدا دورها عظيمًا، فهي ستراقب المنزل، وستعرف المعلومات وقد تقع أحداث تشارك فيها.

فكر «تختخ» لحظات، ثم قال: سآخذ معي «زنجر».

محب: ولكن متى نلتقي؟

تختخ: سنلتقي هنا … كل من تنتهي مهمته يعود فورًا إلى الكشك الصيفي وينتظر، لن ننام الليلة حتى ننتهيَ من هذه المغامرة … وحتى نطمئن على أنفسنا! وخرج «تختخ» مسرعًا … وأسرعت الفتاتان إلى دراجتيهما، وانطلقتا لمراقبة منزل الدكتور … أما «محب» … و«عاطف» فنظر كلٌّ منهما في ساعته.

قال محب: إن الساعة ما زالت الثامنة والنصف وأمامنا ثلاث ساعاتٍ تقريبًا قبل أن نبدأ رحلتنا.

عاطف: تعالَ نتناول بعض الساندوتشات على الكورنيش … ثم نشرب كوبين من الشاي للمساعدة على السهر، ثم نبدأ مهمَّتنا.

واتجه الصديقان إلى كورنيش النيل، أما «تختخ» فقد عاد إلى منزله، وجلس بجوار التليفون وأجرى بعض الاتصالات التليفونية، وأحسَّ كعادته أن الجوع يقرصه فأسرع يطلب العشاء، وأخذ يتناوله وهو صامت غارق في التفكير … ثم دخل إلى غرفته فغيَّر ثيابه، ثم خرج وقفز على دراجته بعد أن وضع «زنجر» خلفه، وانطلق إلى منزل الشاويش.

عندما وصل إلى المنزل، شاهد الضوء في نافذة غرفة الشاويش، فتقدَّم منها ودقَّ عليها، وسمع صوت الشاويش من الداخل يسأل عن الطارق.

رد «تختخ» بصوت مرتفع: أنا «توفيق».

زمجر الشاويش وهو يقول: ماذا تريد في هذه الساعة؟

تختخ: أريدك أن تلبس ثيابك وتخرج فورًا.

زاد غضب الشاويش وزمجر قائلًا: ماذا تقول؟

تختخ: أقول البس ثيابك واخرج فورًا … إن الأمن الذي أنت مشغول عنه مهدَّد تهديدًا خطيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤