آية الجدوى

ظنُّوا الكواكب فيكَ من أشعاري
إذْ شبَّهُوا بكَ نيِّرَ الأقمارِ
لو كُنَّ منها ما غَرُبنَ أوافِلًا
أو كان مثْلَكَ ما ارتضَى بِسِرار
أو لِلغزالةِ نورُ طلعةِ فاضلٍ
لم يبْدُ وجهُ الليلِ بعدَ نَهار
أو سار في الأفلاكِ بعضُ قصائدي
لَغَرِقتمُ في لُجَّةِ الأنوار
ما زلتُ أَشدو في الزمانِ مُغرِّدًا
حتى حَسِبْتُ صُروفَه أوْتاري
من كلِّ بيتٍ لم يَسِرْ في عُرضِها
إلَّا لِحتْفِ الكوكبِ السيار
وأنا الذي أحْمي اللئامَ مدائحي
ولو انَّهم سبَحوا ببحرِ نُضار
وأصُونُ عن عُجْمِ الملوكِ عِرابَها
كرمًا وأصرِفُها عن الأغرار
ورفعتُ عن هِمَم الجوائزِ قدْرَها
فسَمَتْ على الدِّينار والقنطار
فَبناتُ شعري لا يكونُ مُهورُها
إلَّا كنوزَ مودَّةِ الأخيار

•••

ولقد بُلِيتُ من الزمانِ بِفِتْيةٍ
صاحبْتُهم أعراضُهم من قارِ
لم يصدُقوا في ودِّهم وصدقْتُهم
والصدقُ أوَّلُ زينَةِ الأحرار
حتى تَخذْتُكَ يا محمدُ صاحبًا
فمحوْتَ آيةَ ليلهم بنهار
وصدَقْتَني في الودِّ في زمنٍ به
خبْرُ الصداقةِ أَكذبُ الأخبار
وجرَيتَ بي شوطًا تعلِّمُني العُلَى
متقَدِّمًا وأنا على الآثار
حتى بدوتَ على الثريا واقفًا
وأنا على قمرِ الزمانِ الساري
ورفعتَ عن قدر الزمانِ مكانتي
وجريتَ بي في حلْبةِ الأقدار
يا سائلي عن فاضِلٍ وخَلاقِهِ
هلَّا سألتَ هواطِلَ الأمطار
هو آية الجدوى ومعجزة العُلا
وعجيبةُ الأيام والأمصار
وأبو شموسِ البِيضِ يسطعُ نورُها
في ليلِ نَقْعِ الجحفلِ الجرَّار
وسِعَ الخَلائقَ والزمانَ عَجاجُه
فالدهرُ تحت جناحِهِ مُتَوَارِي
وتصافحتْ فيه الصِّفاحُ وقبَّلتْ
فيه الأَسِنَّةُ وجْنةَ الأعمار
والخيلُ فيه تَرَنَّحتْ أعطافُها
كَتَرَنُّحِ الفقراءِ في الأذكار
كَستِ الدماءُ نحورَها وصدورَها
فكأنَّما لَبِستْ مدارِعَ نار

•••

فإليكَ يا رَجُلَ الحِفاظِ قصيدةً
كتَرَنُّمِ الأطيارِ في الأسحار
واشدُدْ يدَيَّ بحبلِ ودِّكَ وادَّخِرْ
أدبي لِيوْمَيْ سُؤْدَدٍ وفخار
تَقْطفْ ثِمارَ الحمدِ من أفنانِهَا
وتَجِدْ ثناءً ضاحكَ النُّوَار
وإذا تباعدَتْ المناسِبُ بيننا
فقد اقترَبْنا في نُهًى ووَقار
لو كنتُ روضًا كنَت ماءً جاريًا
أو كنتُ ماءً كنتَ صِرْفَ عُقار
أنفاسُ حمدي مثلُ أنفاسِ الصَّبَا
وعُلاكَ مثلُ حديقةِ الأزهار

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤