خاتمة

بانتهاء الفصل الثاني من الباب الثالث تكون قد اكتملت فصول هذا البحث، ويبقى أن نُلقي نظرة عامة ونهائية على أهم النتائج التي استخلصناها منه، فبعد أن تناولنا النصوص الأصلية بالتفسير والتحليل في البابَيْن الأولَيْن، وتعاطفنا مع تفكير فيكو واقتربنا منه، كان لزامًا علينا في الباب الثالث أن نبتعد عنه قليلًا لنتمكن من تقييم مذهبه وخاصة نظرية المعرفة التاريخية التي هي لب فلسفته التاريخية، وقد تعرضنا لجوانبها المختلفة، كما بينا أثر هذه النظرية على أهم فلاسفة التاريخ في القرنَيْن الثامن عشر والتاسع عشر. وسوف نحاول في هذه الخاتمة أن نُلقي الضوء على أهم النتائج التي توصَّلنا إليها في هذا البحث، مع علمنا بأنه ليس هناك مذهبٌ فلسفي يخلو من جوانب نقصٍ أو لا يقع في متناقضات. بيد أن هناك أفكارًا أساسيةً في كل مذهبٍ فلسفي لا بد أن تكون مترابطةً ترابطًا منطقيًّا، وهذه الأفكار هي التي نخصها بالتقييم، وإذا حاولنا أن ننظر إلى مذهب فيكو من هذه الزاوية أمكننا أن نبرز أهم الجوانب الإيجابية على النحو التالي:
  • (١)

    يمكن القول إن فيكو امتداد أمين ووفي لرواد النزعة الإنسانية في عصر النهضة. لقد جعل الإنسان محور الدائرة ومركزها، فإذا كان الله هو خالق الطبيعة، فالإنسان هو صانع التاريخ — وهذا هو الجانب المشرق والمضيء في فلسفة فيكو — والإنسان هو موضوع المعرفة وهدفها، وموضوع التاريخ وغايته، وبمعنًى آخر أصبح صانع التاريخ هو ذاته موضوع التاريخ، بحيث يمكن القول إن صنع الإنسان للتاريخ من أوضح وأهم الأفكار في فلسفة فيكو.

  • (٢)
    إذا كنا قد اقتصرنا في بحثنا هذا على فلسفة التاريخ عند فيكو، إلا أنه يمكن استخلاص العديد من الدراسات المتنوعة من مجالات مختلفة من فكر فيلسوفنا، فعلى سبيل المثال يمكن استخراج دراسة جمالية من نظرية فيكو في اكتشاف حقيقة هوميروس ومن نظريته في أصل الشعر، وهي مشكلة شغلَت العديد من المفكِّرين في القرن التاسع عشر. ومن نظريته في أصل اللغات والحروف ودراساته في الاشتقاقات اللغوية يمكن لعلماء اللغة أن يتناولوه من زاوية فقه اللغة، ومن دراسته لعادات وتقاليد الشعوب، وهي الدراسة التي انتهَتْ به إلى وضع مبادئ علمه الجديد التي تقوم على ثلاثة تنظيمات اجتماعية أساسية وهي الدين والزواج ودفن الموتى؛ إذ لا توجد أمةٌ إلا ولديها هذه التنظيمات الأساسية، من هذه المبادئ يمكن استخلاص دراسة في الفولكلور والأنثروبولوجيا الاجتماعية، كما يمكن استخلاص دراسةٍ في القانون الروماني والتشريع وتطورهما (وقد قام فيش Fisch بدراسةٍ بعنوان «فيكو في القانون الروماني»)١ كما يمكن لفقهاء القانون أن يجدوا مادةً خصبةً لدراسة القانون الطبيعي للأمم، ولا تخفى أهمية فلسفة فيكو على المهتمين بالفلسفة السياسية في تحليله لنشأة المجتمعات السياسية وتطور نظم الحكم فيها، ولا أهميته بالنسبة لعلماء الاقتصاد في تحليله لنشأة النظم الاقتصادية وتطورها نتيجة تطور الصراع الطبقي؛ إذ كان النظام الاقتصادي كما رأينا في الفصل الثاني من الباب الثاني هو أساس النظام السياسي، وهكذا يمكن استخلاصُ دراساتٍ متنوعة من فلسفة فيكو، ونرجو أن يُفيد هذا البحث في توجيه نظر الباحثين إلى المزيد من الاهتمام بفكره.
  • (٣)

    أضِفْ إلى ما سبق أن فيكو يعدُّ مؤسس فلسفة التاريخ في الفكر السياسي الغربي أو بالأحرى مؤسِّس علم التاريخ. فعلى الرغم من المادة الكثيفة التي حشدها في كتابه الأساسي فقد استطاع أن يستخلص البنية النظرية للتاريخ. لقد أراد للتاريخ أن يكون علمًا على نمط العلوم الطبيعية، فأقام الجانب النظري لعلم التاريخ ووضع المسلَّمات والفروض التي لا بد من التسليم بصحتها منذ البداية، ثم قام بدراسة كل ما يتعلق بالمجتمعات البشرية في ضوء هذه الفروض والمسلَّمات من تنظيمات أو مؤسسات اجتماعية وقانون ولغة وفن وسياسة واقتصاد … إلخ، واستخلص في النهاية القانون العام الذي يحكم مسار التاريخ وتطوره، وقد حاولنا أن نُبرز الأساس النظري في الباب الأول من البحث، ثم الجانب التطبيقي التجريبي في الباب الثاني، وتناولنا في الباب الثالث تقييم نظرية المعرفة التاريخية مع الاهتمام بوجهٍ خاص بتأكيد النسق المعرفي الذي يقوم عليه علم التاريخ، أو إذا شئنا استخدام لغة كانط الشروط القبلية في المعرفة التاريخية. وبهذا حاولنا أن نحل المشكلة التي ما تزال تشغل الباحثين: هل تعدُّ فلسفة فيكو من قبيل الفلسفة العقلية الصرفة، أم هي فلسفةٌ تجريبيةٌ صرفة؟ وقد توصَّلنا — كما رأينا في الباب الأخير من البحث — إلى أنه جمع بين الجانبَيْن: بين القبلي والبعدي، وبين المثالية والتجريبية.

  • (٤)

    استحدث فيكو نظرةً جديدة للتاريخ؛ فبعد أن كان التاريخ يقتصر على الأحداث السياسية والمعارك الحربية وسير الأبطال، أصبح يهتم بمشكلة أصول تكوين المجتمع المدني ويتناول البنية الحضارية للمجتمع البشري بما تشمله من تنظيماتٍ سياسية واقتصادية وفن وقانون ولغة إلى سائر التنظيمات الاجتماعية الأخرى، وإذا كان فولتير هو أول من استحدث اسم فلسفة التاريخ فإن فيكو هو أول من تناول بالدراسة مادة فلسفة التاريخ ذاتها فتعرَّض للتاريخ الحضاري للمجتمعات البشرية دون أن يُدرك التسمية الكامنة وراء هذه النوعية من دراسة التاريخ.

  • (٥)

    على الرغم من اعتماد فيكو على الأساطير اليونانية والرومانية اعتمادًا كبيرًا في تفسيره لتطوُّر التنظيمات الاجتماعية من خلال هذه الأساطير — وهي تمثِّل معظم المادة التاريخية التي كانت متوفِّرةً في عصره — إلا أنه استطاع أن يصوغ قواعد منهجية علمية اشترط على المؤرخين والدارسين لتطوُّر المجتمعات البشرية أن يتبعوها.

  • (٦)

    إن بحث فيكو في نشأة المجتمعات الإنسانية وتطورها أكثر واقعية من فلاسفة عصره. فهو لم يبحث تطور الإنسانية بحثًا نظريًّا مجردًا كما فعل بعض فلاسفة القرن الثامن عشر وكما نجد عند أوجست كونت وغيره في القرن التاسع عشر بحيث أصبحت فكرة الإنسانية عند هؤلاء الفلاسفة فكرة نظرية لا وجود لها إلا في عقول من أبدعوها. إن الإنسانية في نظر فيكو هي شعوب متعددة ومتنوعة لها وجودها في الزمان والمكان. وهو بإدراكه لهذا التنوع والتعدُّد كان أكثر وعيًا بالواقع التاريخي من فلاسفة عصره؛ إذ قام بدراسة التاريخ دراسة حيَّة من خلال المستندات والوثائق وما خلفته الشعوب القديمة في آدابها وأشعارها وأساطيرها، ومن خلال ما تركته من آثار كالنقود والميداليات والأوسمة والنياشين والدروع والصور والنقوش … إلخ، وربما كان بذلك أول من تنبه إلى أهمية الآثار والحفريات في البحث التاريخي في عصرٍ كان فيه علم الآثار ما يزال يخطو خطواتِه الأولى.

  • (٧)

    يرى فيكو أن الأمم تتطوَّر عبر مراحل ثلاث؛ المرحلة الإلهية، والمرحلة البطولية، ثم المرحلة البشرية، وقد استقى هذا القانون — كما رأينا في الفصل الأول من الباب الثاني (قانون تطور الأمم) — من تقسيم المصريين القدماء للعصور التاريخية، ولكن لماذا تمسَّك فيكو بهذا القانون الثلاثي على وجه التحديد؟ لقد قال بعض الفلاسفة إن التاريخ يتطور عبر مراحل أربع مثل هردر، وهناك من قال إن التطوُّر يكون من خلال عشر مراحل مثل كوندورسيه، وأيًّا ما كان الرأي في عدد المراحل التاريخية التي يجتازها التطوُّر، فهي ليسَتْ بالشيء الهامِّ الذي نقف أمامه ونقول لماذا هي ثلاث عند فيكو وأربع عند هردر وعشر عند كوندورسيه … إن الأهم من ذلك هو عودة هذه المراحل مرة أخرى ومدى تطابق هذا مع الواقع التاريخي؛ فالدورات التاريخية عند كل من فيكو وهردر تعود مرة أخرى بصورة أكثر تقدمًا، ولكنها عند كوندورسيه — على سبيل المثال — لا تتكرر؛ فالتقدم يسير في خط مستقيم ويبلغ مداه ولا يتراجع إلى الوراء مرة أخرى. وهنا لا بد أن نتساءل: هل هذه النظرة للتاريخ تصدق على الواقع التاريخي الفعلي؟ الحق أن التقدم لا يسير دائمًا في خط مستقيم، فعلى الرغم من التقدم العلمي الهائل الذي حققته البشرية وما زالت تحققه إلا أن هناك مراحل تدهور ثقافي وحضاري وإنساني، ولا شك في أن نظرة فيكو للتاريخ كانت نظرة أكثر واقعية وأكثر فهمًا للطبيعة البشرية، وقد ناقشنا هذه الفكرة في الفصل الأول من الباب الثالث.

تلك هي بعض الأفكار الإيجابية التي يجب أن نشيد بها ونلقي عليها الضوء في فلسفة فيكو. غير أن هذا البناء الشامخ الذي شيده فيكو في العلم الجديد من أجل إعادة بناء التاريخ لا يخلو من بعض جوانب الضعف والقصور التي ناقشناها في ثنايا الرسالة ونود أن نجملها في النقاط التالية، وقد ألقت هذه الجوانب على مذهبه ظلال التناقض أحيانًا والغموض أحيانًا أخرى الأمر الذي حال دون فهمه فهمًا واضحًا وتمثله على الوجه الصحيح.

  • (١)
    اعتمد فيكو على الحضارتَيْن اليونانية والرومانية واستقى منهما مادته التاريخية. وقد يؤخذ عليه اقتصاره على هاتَيْن الحضارتَيْن دون سائر حضارات الشعوب الشرقية والوسطية، ولكن يجب أن نأخذ في اعتبارنا أمرَيْن هامَّيْن؛ الأول أن الثقافة الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) كانت هي الثقافة السائدة في عصره، فكان من الطبيعي أن يستمد مادته التاريخية منها لا سيما أنه كان مختصًّا بدراسة البلاغة عند الرومان وتدريسها. أضِفْ إلى هذا أنه لم تتوفَّر المادة التاريخية الكافية في عصر فيكو ولم يُدوَّن التاريخ العالمي بصورة علمية منظمة؛ لأن الدراسات التاريخية لم تتبلور بالشكل الواضح إلا في القرن التاسع عشر، وهو القرن الذي وُصف بحقٍّ بأنه عصر التاريخ؛ لهذا لم يستطع أن يطبق مبادئ علمه الجديد على كل الحضارات؛ إذ لم تكن هذه الحضارات قد عُرفت في عصره معرفة كافية. أضِف إلى هذا أن علم الحفريات لم يكن قد تقدَّم بعدُ ولم تُكتشف حضارات الشعوب الشرقية القديمة مثل الحضارة المصرية القديمة — التي لم تُكتشف إلا في القرن التاسع عشر وبعد اكتشاف حجر رشيد الذي مكَّن العلماء من فك رموز اللغة الهيروغليفية — وكذلك لم تُكتشف الحضارات البابلية والآشورية إلا بعد ذلك تاريخ، ربما أمكننا لكل هذه الأسباب أن نلتمس لفيكو العذر في اقتصاره على دراسة الحضارتَيْن اليونانية والرومانية، فلم يصله إلا القدر الضئيل من المعلومات المشوهة عن تاريخ الحضارات القديمة، لكن الميزة الكبرى لفيلسوفنا أنه وضع المبادئ النظرية لعلم التاريخ وعهد إلى الأجيال التالية أن تستكمله وأن يقوم كل شعبٍ بتطبيقه على حضارته؛ فالعلم الجديد — كما صرَّح هو نفسه — لم يُستكمل بعد وما يزال قابلًا للتطوير. والأمر الثاني أن الاستشهاد بالتاريخ اليوناني والروماني — كما يؤكد فيكو نفسه في هذا النص: «لم يكن الهدف منه سرد التاريخ الخاص لهذه الشعوب وعاداتها وتقاليدها وقوانينها، بل كان الهدف هو إلقاء الضوء على التاريخ المثالي الذي يعبِّر عن القوانين الأبدية التي تحكم أعمال جميع الأمم والتي ستظل تحكم كل تواريخ الشعوب في نشأتها وتطورها ونضجها ثم انحلالها وتدهورها وسقوطها، فهناك جوهر واحد وراء تنوع وتطور أشكال الحكومات هو القانون المثالي الذي يحكم أعمال البشر وتاريخ الأمم إلى الأبد.»٢ وقد تناولنا بالتفصيل نظرية فيكو في التاريخ الأبدي في الفصل الأول من الباب الثالث موضحين أنها لبُّ فلسفته في التاريخ لأنها تمثل النسق المذهبي الذي يقوم على أساسه البناء التاريخي كله.
  • (٢)

    لا شكَّ أن هناك بعض الأفكار التي توحي بالازدواجية في بناء فيكو المذهبي، وهي تتجلَّى واضحة في فكرتَيْن أساسيتَيْن: الأولى هي «نظرية التاريخ المثالي الأبدي» الذي صرح أنه استخلصه من معارضته لمنهج ديكارت الاستنباطي، واتباع منهج بيكون الاستقرائي، وقد رأينا في الفصل الأول من الباب الأخير أنه جمع بين الطابع الاستنباطي الديكارتي والطابع الاستقرائي البيكوني ووضع البناء النظري الميتافيزيقي في مقابل الجانب التجريبي التطبيقي، ومن العسير أن نحكم أيهما أسبق في الوجود من الآخر وإن كنا نرجح أنه استخلص البناء النظري بعد دراسة الواقع التجريبي وتحليله؛ الثانية «فكرة العناية الإلهية» وهي من أكثر الأفكار غموضًا في فلسفة فيكو وتبدو فيها الازدواجية واضحة، بل وتبدو متناقضة مع فكرته الأساسية التي تقوم عليها فلسفته التاريخية وهي أن الإنسان هو صانع التاريخ، فكيف يتفق صنع البشر لتاريخهم مع تأكيد دور العناية الإلهية في توجيه التاريخ؟ لا يمكن أن يُفسَّر هذا التعارض إلا على أنه نوع من الازدواجية التي يتسم بها فكر فيكو، فهو من ناحية فيلسوف يحمل في عقله مبادئ وأفكار علم جديد سابق على عصره ومخالف للفكر السائد فيه، ومن ناحية أخرى لا يمكن إغفال الظروف التاريخية التي عاشها في ظل محاكم التفتيش، ولا بد أنه سمع عن المصير الذي انتهى إليه برونو وكامبا نيلا وجاليليو، فكان لا بد من إخفاء آرائه الجريئة وراء فكرة العناية الإلهية التي أخذ يؤكدها في كل صفحة من صفحات العلم الجديد. وربما يكون هذا السبب نفسه هو الذي جعله يستبعد التراث العبري والمسيحي من نطاق العلم الجديد ويكتفي بالحديث عن الأمم الأممية في الحضارتَيْن اليونانية والرومانية؛ لذلك لا نستطيع أن نقول إن التاريخ المثالي الأبدي تجسيدٌ للعناية الإلهية وتحقيق لخطتها حتى لو قال فيكو بذلك؛ لأن هذا يتعارض مع تأكيد صنع البشرية لذاتها، أضف إلى هذا أن قوله بالعناية الإلهية لا يجعله بالضرورة من أصحاب التفسير اللاهوتي للتاريخ كما ذهب إلى ذلك بعض الدراسين. ويجب ألَّا ننسى أن الأهم من قوله بالعناية الإلهية هو قوله بالتاريخ المثالي الأبدي، وهذا ما حاولنا التركيز عليه في الفصل الأول من الباب الأخير لإثبات أن نظريته في التاريخ المثالي الأبدي يمكن أن تُفهَم فهمًا علميًّا خالصًا بعيدًا عن الفهم اللاهوتي، بحيث لو استبعدنا فكرة العناية الإلهية لما تأثرت تحليلاته العلمية لنشأة المجتمعات البشرية وتطورها من خلال الصراع الطبقي بين النبلاء والعبيد وتكوين الأنظمة الاقتصادية والسياسية … إلى آخر التنظيمات البشرية.

  • (٣)
    على الرغم من عبقرية فيكو التي لا شك فيها إلا أن طريقته في طرح أفكاره وترتيبها لا تساعد على فهمها بسهولة، فهناك بعض العقبات التي تحول دون ذلك نذكر منها:
    • (أ)

      تميل أفكاره إلى الغموض والإبهام الأمر الذي تسبب في عدم الإقبال على قراءته في عصره.

    • (ب)

      الإكثار من التفاصيل الجزئية المرهقة إلى حد كبير، والتي كان من الممكن الاستغناء عنها دون المساس بالأفكار الرئيسية لمذهبه.

    • (جـ)

      الإسهاب في تفاصيل القانون الروماني ابتداءً من قانون الألواح الاثني عشر وتطور هذا القانون عبر العصور التاريخية بحيث يصعب على قارئ العلم الجديد متابعة الكتاب إن لم يكن لديه إلمامٌ كافٍ بالقانون الروماني.

    • (د)

      كثرة التحليلات اللغوية للعبارات والأمثال والكلمات اللاتينية التي اعتمد عليها فيكو كثيرًا في تفسيره لتطوُّر المجتمعات البشرية من خلال تطور معاني الكلمات والاشتقاقات، مما أوحى للقارئ المتسرع للعلم الجديد أنه ليس إلا كتابًا في فقه اللغة والبلاغة اللاتينية القديمة …

    وفي ختام هذا البحث نود أن نكون قد ألقينا الضوء على أهم الجوانب الرئيسية في فلسفة فيكو ألا وهي فلسفته التاريخية، ونقول أهم الجوانب لأن هناك العديد من الجوانب التي لم يتطرق إليها البحث لأنها تخرج عن حدوده، وما زال فيكو في حاجة إلى العديد من البحوث والدراسات التي تستوفي كل جوانبه فكره، وبحثنا هذا ليس إلا بداية على الطريق لفيلسوف بخسه التاريخ حقه، وجنى عليه سبقه لعصره، وظلمه مواطنوه ومعاصروه، ولقد توالَت الدراسات الجادة عنه في النصف الثاني من القرن العشرين ونرجو أن يكون هذا البحث المتواضع بدايةً لبحوث أخرى من الدراسين العرب في المستقبل بإذن الله.

١  Fisch, M. H; “Vico on Roman Law”.
٢  Vico; N. S. par. 1096.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤