الفصل الرابع

العهد البيزنطي

٥٣٤–٦٤٧م
ما حقيقية الدولة البيزنطية؟ «الدولة البيزنطية هي في الحقيقة دولة الروم الأرثوذكس التي أسَّسها الإمبراطور الروماني «قسطنطين» سنه ٣٣٠م في مدينة القسطنطينية.»١

(١) الجزائر تحت النير البيزنطي

بانتصار الثورات الأمازيغية على جيوش الوندال، أُطيح ﺑ «هيلديريك» Héldéric، وعُين مكانه جيليلمير Gélimer، إلا أنَّ هيلديريك ساءه ما وصل إليه الحال فاستنجد بالإمبراطور البيزنطي جوستينيان Justinien. أُعلنت الحرب على الوندال وجهَّز بيليسير Bélisaire أسطولًا بحريًّا مكَّنه من احتلال قرطاجة سنة ٥٣٤م، ثم الاستيلاء على باقي نوميديا وسردينيا وجزر البليار.
طُبقت على الأمازيغ نفس سياسات القهر والجور التي سنَّها الرومان والوندال فاستجمع الأمازيغ قواهم وأعلنوا الحرب مجددًا على المستعمِر البيزنطي قُتل على إثرها القائد البيزنطي سليمان الخصي Solomon في ضواحي تبسة سنة ٥٤٤م خلال معركة كيليوم Cillium.٢
عرفت الجزائر قيام إمارات أمازيغية مستقلَّة عن الحكم البيزنطي، كما ظهرت مقاومات بجبال الأوراس قادها ضد البيزنطيين «يابداس» منعت البيزنطيين من الاستيلاء على سيرتا وتيمقاد٣ وثورات أخرى بالحضنة والزيبان.

(٢) آثار الثورات الأمازيغية على البيزنطيين

بعد مرور ١١٣ سنة من الاحتلال، بات وشيكًا سقوط الإمبراطورية البيزنطية تحت وطأة الثورات الأمازيغية، وإفلاس الخزينة وتوسُّع رقعة الفساد والفوضى، ولم يَعُد سلطانٌ يحكم توازنات الجيش البيزنطي بسبب القصور عن دفع المرتبات الجند، ولعل السبب الرئيسي في السقوط هو ثورات الأهالي التي باتت تهدِّد السلطة البيزنطية.

(٣) سقوط الحكم البيزنطي

وانتهى الحكم البيزنطي من شمال إفريقية بقتل جرجير، وانتهت بذلك غطرسة الإمبراطوريات جميعها، وأصبح الناس في شغف يترقَّبون شريعةً توحِّد الصفوف، وتزرع في النفوس الطمأنينة والأمن والخلاص.

ولم يَفُت مفدي زكريا أن ينوِّه بفضل الأمازيغ في رد كل أشكال الاستعمار، ويعتز بالانتساب لهم مهما كانت دياناتهم في العصور القديمة:

أولئك آباؤنا منذ عيسى
وكان محمد صهرًا لعيسى
ولم نكُ نُنكِر آباءنا
أكانوا نصارى! أكانوا مجوسا!
وهل كان بربر إلا شقيقًا
لجرهم؟ هلا نسينا الدروسا؟
إذا عرَّب الدين أصلابنا
فما زال أحمد صهرًا لعيسى!
١  عمار بوحوش، «التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ١٩٦٢»، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، ١٩٩٧م، ص٢٢.
٢  محمد الهادي جارش، «التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي»، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر، ١٩٩٢م. ص٢٧٤.
٣  عمار بوحوش، «التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية ١٩٦٢»، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، ١٩٩٧م، ص٢٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤