ثم كانت المفاجأة!

أسرع «أحمد» و«خالد» إلى خارج المطعم، فرأوا الرجل الأسمر وهو يركب سيارة، ثم انطلق بها مباشرة، فنادى «أحمد» أحد التاكسيات، ثم أشار إلى سيارة الرجل: نُريد أن نلحق بتلك السيارة المنطلقة أمامنا …

سأل السائق: هل هناك شيء …

أحمد: نعم، هناك قضية هامة …

ضغط السائق بقدمه على بدال البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة رهيبة، كانت السيارة الأخرى لا تزال أمامهم، وإن كانت تقف أمام سيارتَيْن، ظهرَت الإشارة الحمراء فتوقَّفت السيارات، إلا سيارة الرجل فقد تعدَّت الإشارة وانطلقت، شعر «أحمد» بالغيظ، وسأله «خالد»: هل قرأت رقم السيارة؟

أحمد: لم أستطع، لقد كانت مسرعة جدًّا، ولم أكن مُهْتمًّا بذلك قدر اهتمامي باللحاق بها.

مَرَّت دقائق قبل أن يتغير لون الإشارة، وعندما أصبحت خضراء انطلق السائق بسيارته، وعبثًا حاول «أحمد» أن يلمح سيارة الرَّجل الأسمر؛ فقد كانت هناك سيارات كثيرة تقطع الطريق في هدوء. وصلوا حتى نهاية الشارع ثم انحرفوا مع انحرافه، كان واضحًا أنه لا فائدة، قال «أحمد»: لا بأس، فلنعد إلى المطعم.

انحرف السائق، ثم أخذ طريقه إلى حيث كان المطعم، نزلا هناك وسارا إلى المطعم، كان الشياطين لا يزالون في مكانهم، حتى الطعام لم يكن أحد منهم قد أكمله … فجلسا في هدوء، وسألت «هدى»: ماذا حدث؟!

أجاب «خالد»: لا شيء، لقد اختفى!

باسم: تعني أننا يقينًا سنلتقي بأحدهم؛ إذ يبدو أن «باريس» هي مكان تجمعهم!

لم ينطق أحدٌ وظلوا يأكلون حتى انتهَوْا من طعامهم، دفع «خالد» الحساب، ثم أخذوا طريقهم إلى الفندق …

عندما ضمَّتْهم حجرة «أحمد» قال: أين الصورة؟

قدَّم «خالد» الصورة إلى «أحمد» الذي أخذ يتأمَّلها لحظة، ثم قال: كان يجب أن نسأل جرسون المطعم عنه …

أخذ «باسم» الصورة نظر إليها قليلًا، ثم قال: إنَّ كل التفاصيل حوله واضحة، وهذا يؤكد نظرية «شارل» في أن هذا الرجل وزملاءه فيهم خاصية معينة تجعل تصويرهم مستحيلًا!

هدى: يجب أن نعود إلى المطعم، فلا بد أن غيرَه سوف يذهب إليه …

باسم: ليس بالضَّرورة … لا بُدَّ أنهم سوف يتحاشون منطقتنا كلها، ما دُمنا قد ظهرنا أمامهم …

بعد قليل انصرف الشياطين كلٌّ إلى حجرته، على اتفاقٍ باللقاء في الخامسة … عندما أصبح «أحمد» وحده فكَّر هل يرسل رسالةً إلى رقم «صفر» يُخبره بما حدث، أو ينتظر حتى نتيجة أخرى في النِّهاية … أخرج جهاز اللاسلكي ثم أرسل إلى رقم «صفر»: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»: إنَّ الرجال هنا، التفاصيل سوف يُرسلها «شارل».

بعد لحظات جاءه الرد: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» وصلتنا التفاصيل. هناك معلومات مع «شارل» سوف تُبلَّغ لكم.

حاول «أحمد» أن ينام لكنه لم يستطع، لقد كانت رسالة رقم «صفر» مؤرِّقة، أخرج كتابًا وأخذ يقرأ، غير أنه لم يستطع الاستمرار، فرفع سماعة التليفون ثم طلب «شارل»، ورد طفلٌ صغير، فقال «أحمد»: هل السيد «شارل» موجود؟! جاءه صوت الطفل: بابا قد خرج منذ قليل، هل يمكن أن أخبره بشيء؟

ابتسم «أحمد» وقال: شكرًا يا عزيزي، فقط أخبِرْه أنَّ «أو» قد اتصل به … قال الطفل بصوته الرقيق: «أو» ماذا تعني؟

ابتسم «أحمد» وقال: إن بابا سوف يعرف، إلى اللقاء.

وضع سماعة التليفون، بعد أن سمع الطفل يقول: إلى اللقاء يا سيدي … لم يكد «أحمد» يضع سماعة التليفون حتى كان «شارل» يطرق الباب، ثم يدخل. ابتسم «أحمد» قائلًا: كنت أتحدث إلى طفلك العزيز الآن!

ابتسم «شارل» وقال: «شارل» الصغير، إنه رائع.

ضحك «أحمد»: إنه رائع فعلًا …

شارل: لقد وصلتني رسالة من رقم «صفر» منذ قليل.

أحمد: نعم، لقد كنت أتحدث إليه …

شارل: انتقل نشاط الرِّجال إلى خارج «أوروبا»، والمطلوب الاتجاه إلى حيث نشاطهم الجديد …

أحمد: لقد رأينا أحدهم اليوم …

شارل: اليوم؟!

أحمد: نعم، في أحد مطاعم «سان ميشيل» …

أخذ «أحمد» يشرح له ما حدث، فارتسمت الدَّهشة على وجه «شارل»، ثم قال: لا بأس، إن ما يحدث هنا سوف يُفيدنا بالتأكيد، عليكم أن تتجهوا إلى حيث نشاط هؤلاء الرِّجال الذي لا نعرفه حتى الآن …

أحمد: أين مجال نشاطهم الآن إذن؟!

شارل: في أمريكا الجنوبية …

ظهرت الدَّهشة على وجه «أحمد»، ثم قال: الجنوبية؟! كان يجبُ أن نفكِّر في ذلك من البداية؛ فأهل أمريكا الجنوبية لهم نفس الملامح!

شارل: لقد حجزت لكم على طائرة منتصف الليل، فعليكم أن تكونوا جاهزين وهناك سوف تجدون أحد الزملاء … صمت «شارل» قليلًا ثم قال: هذا رقم تليفونه … ثم قدم ورقة صغيرة ﻟ «أحمد»، فأخذها وقرأ الرقم فيها، ثم دسها في جيبه. قال شارل: تحياتي للأصدقاء، وأرجو لكم التوفيق.

انصرف «شارل» واستغرق «أحمد» في التفكير قليلًا، لقد تذكر كتاب «التاريخ القديم للعالم» قال في نفسه: إنَّ ذلك سيعني شيئًا مما قاله «خالد» من قبل! قطع تفكيره صوتُ الباب يُفتح كان «باسم» بالباب، فتذكر موعد السفر عند منتصف الليل … قال «باسم»: لم أستطع النوم، فجئت إليك!

قال «أحمد» في هدوء: ينبغي أن نستعد للسفر، هناك تذاكر طائرة في انتظارنا …

اجتمع الشياطين وحكى لهم «أحمد» ما دار بينه وبين «شارل»، أسرعوا جميعًا يجهزون حقائبهم، ودَقَّ جرس التليفون فأسرع «خالد» إليه، وجاءه صوت «شارل» يقول: سوف أكون عندكم في العاشرة مساءً، أرجو أن تكونوا جاهزين …

عندما أتمت الساعة التاسعة والنِّصف، كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى صالة الفندق في انتظار «شارل»، جلسوا وأعينهم على الباب … مرَّت دقائق ثم فجأة فُتح الباب، وظهر أحد الرِّجال كان يبدو جادًّا تمامًا، أخذ طريقه إلى المصعد ثم اختفى داخله. لم يكن يلفت النَّظر إليه إلا تلك الجدية المرتسمة على وجهه، غاب قليلًا ثم عاد يحمل حقيبةً صغيرةً وانصرف. قالت «هدى» مُبتسمة: «خالد»، هل يمكن أن تلتقط لي صورةً بجوار هذا التمثال.

كان هناك تمثالٌ ﻟ "فينوس" إلهة الجمال عند الإغريق، يتوسط قاعدة صغيرة أمام باب المصعد، أخرج «خالد» الكاميرا واتجه مع «هدى» إلى حيث يوجد التمثال، وقفت «هدى» ووقف «خالد» أمامها يلتقط الصورة … مرَّ رجلٌ يلبس معطفًا وقبعة، ويضع على عينيه نظارة سوداء سميكة، وكانت خطوته واسعة، لكنه كان خلف «هدى» تمامًا، عندما التقط «خالد» الصورة عادا معًا إلى حيث الشياطين، وأخرج «خالد» الصورة، ثم بدأ يعرضها للضوء، وأخذت الصورة تظهر شيئًا فشيئًا … ثم فجأة قفز «خالد» في اتجاه الباب واختفى … أمسك «أحمد» بالصورة، ثم تبعه جريًا … أمسك «باسم» بالصورة، وظهرت الدهشة على وجهه … قالت «هدى»: ماذا حدث؟ قدم لها «باسم» الصورة، وما إن وقعت عيناها عليها، حتى علَت الدهشة وجهها. كانت خلفية الصورة بيضاء، وهذا يعني أنَّ الرجل الذي مر خلفها هو أحد هؤلاء الرِّجال … أسرع «باسم» إلى الباب، في نفس اللحظة التي دخل فيها «شارل» مُبتسمًا، اصطدم «باسم» به حتى إنه قال: ماذا هناك؟

باسم: أحدهم!

ابتسم «شارل» وقال: أين باقي الأصدقاء؟

باسم: لقد تبعاه.

أخذ «باسم» يحكي له ما حدث، ولم يكد ينتهي حتى ظهر «أحمد» و«خالد» معًا … كان يبدو عليهما الضيق، فقال «شارل» مُبتسمًا عندما رآهما: لا بأس، إن هذه خطوة هامة، لا تنزعجوا!

حمل الشياطين حقائبهم، وأخذوا طريقهم إلى سيارة «شارل» التي تقف في الخارج، وأخذوا أماكنهم فيها، وانطلق «شارل» إلى مطار «ديجول».

كانت الشوارع خالية تقريبًا، سأل «باسم»: هل اليوم عطلة؟ … ضحك «شارل» وقال: لا! … غير أنَّ الباريسيين ينامون مبكرًا، ودائمًا لا يسهر في «باريس» سوى السيَّاح، فإن طبيعة الفرنسي أن ينام مبكرًا حتى يستيقظ مبكرًا للعمل، لكنه ينال إجازته جيدًا، ويقضيها بطريقةٍ تفيده طوال الأسبوع …

صمت الجميع، وأخذت السيارة تتهادى في طريقها حتى المطار … كان مطار «ديجول» مضيئًا كأنه النهار، نزل الشياطين وأخذوا طريقهم إلى الداخل، فتركهم «شارل» لحظة أحضر فيها تذاكر السفر، ثم عاد إليهم، قدَّم التذاكر إلى «أحمد» وهو ينظر في ساعة يده، كانت قد تجاوزت العاشرة بنصف ساعة، وقال: أتمنى لكم رحلة مُوَفَّقة، وأن أسمع أخبارًا طيبة … ودَّعهم «شارل» ثم انصرف … لم يكن أمام الشياطين سوى أن يدخلوا السوق الموجودة في المطار؛ لمشاهدة الأشياء المعروضة. كان هناك كثيرون يشترون، لكن الشياطين، لم يفكر واحدٌ منهم في شراء شيء، فهم في حاجة إلى سُرعة الحركة، وخِفَّة ما يحملون، طافوا طويلًا بأرجاء السوق حتى دقَّت ساعة المطار مُعلِنةً الحادية عشرة والنصف، فنظر «أحمد» في ساعة يده، وكانت مُختلفة عن ساعة المطار؛ فتذكر أنَّ هناك فارقًا في التوقيت. وعندما أعلنت إذاعة المطار عن وصول الطائرة المُسافرة إلى أمريكا، أخذ الشياطين طريقهم إلى أرض المطار، وخلال ربع ساعةٍ كانوا يجلسون داخل الطائرة. كانت «هدى» تشعر بالتعب؛ ولذلك فما إن جلست حتى تمدَّدَت في الكرسي وكأنها سوف تستغرق في النوم، نظر لها «أحمد» الذي كان يجلس بجوارها ثم قال: أظن أنكِ متعبةٌ تمامًا … ودون أن تفتح عينَيْها قالت: في منتهى التعب. سكت «أحمد» ثم حَوَّل عينَيْه إلى حيث «خالد» و«باسم» كان الاثنان منهمكين في الحديث، نظر «باسم» إليه وابتسم، ثم استغرق في حديثه، قال «باسم»: أعتقد أن هناك علاقةً بين أوَّل رجلٍ رأيناه مستر «باركر» وبين الكتاب الذي كان يقرؤه … ثم بينه وبين الآخرين …

خالد: أعتقد ذلك، خصوصًا وأنَّ أمريكا الجنوبية كانت لها حضاراتٌ قديمةٌ اندثرت، ومن يدري قد يكون هؤلاء الرجال من نسل إحدى هذه السلالات القديمة التي كانت لها حضارات … اندثرت …

باسم: هل تذكر آخر رسالة وصلت رقم «صفر» ونحن في المقر السري؟

خالد: تلك التي تحدَّثَت عن هذا الرجل الذي يظهر ويختفي، ثم يختفي خلفه الآخرون؟

باسم: بالضبط، أعتقدُ أنَّ هذا الرجل يمثِّل الزعيم بالنسبة لهم …

اقترب «أحمد» منهما، غير أنَّ المذيعة الداخلية للطائرة قالت: نرجو أن تربطوا الأحزمة، سوف نبدأ رحلتنا الآن …

أسرع «أحمد» بالعَودة إلى كرسيه، وكانت «هدى» قد استغرقت في النوم. أمسك «أحمد» حزامها، ثم بدأ يربطه، غير أنها استيقظت، ثم ابتسمت له وتركته يكمل ربط الحزام، ربط حزامه هو الآخر، ولم تمضِ دقيقة حتى تحرَّكت الطائرة. أسرعت الطائرة، حتى دارَت دورة كاملة، ثم توقفت لحظة وارتفع صوت محركاتها. كانت وكأنها قد أُصيبَت بالحمى، بدأت سيرها مرة أخرى ثم شعر الشياطين بها ترتفع، وترتفع، حتى استوَتْ تمامًا في مسارها، جاء صوت المذيعة يتمنَّى لهم رحلة طيبة، فَكَّ الشياطين الأحزمة، وقام «أحمد» إلى حيث «خالد» و«باسم» وكانت «هدى» لا تزال مستغرقةً في نومها، ابتسم «أحمد» وقال لهما: إنها رحلة إلى المجهول … «خالد»: نحن دائمًا نتعامل مع المجهول.

ابتسم «أحمد» بينما قال «باسم»: ليست هذه أول مرة نرحل فيها إلى أمريكا الجنوبية؛ فقد كانت لنا مغامرات رائعة في الأرجنتين.

سمع «أحمد» صوت خطوات تقترب، فالتفت خلفه كان هناك رجل يمر، لم يره «أحمد» جيدًا، فعاد إلى الحديث مع «خالد» و«باسم»، غير أنه التفت إليه مرة أخرى؛ فقد كان الرجل طويلًا، ظل يتابعه بعينيه حتى اختفى عند مؤخرة الطائرة. نظر «خالد» و«باسم» إليه، وسأله «خالد»: هل هناك شيء؟! هز «أحمد» رأسه وقال: لا أظن … ثم تحدث الثلاثة قليلًا، كانت عينا «أحمد» تلحظ اتجاه الرجل بين لحظة وأخرى، ثم فجأة ظهر الرجل، فارتسمت الدهشة على وجه «أحمد» فقال «خالد»: ماذا هناك؟

أحمد: حاول أن تلتقط لي صورة، عندما يمر هذا الرجل خلفي …

•••

أعطى «أحمد» ظهره للرجل، ثم وقف مُتبسمًا، بينما كان «خالد» يضبط الكاميرا على الرجل نفسه، وعندما اقترب تمامًا من «أحمد» ضغط مفتاح الكاميرا، فلمع ضوؤها بشدة جعلت الرجل يغمض عينيه، وعندما مر بجوارهما قال له «خالد»: معذرةً يا سيدي لم أكن أقصد ذلك … ابتسم الرجل، ثم استمر في طريقه … جلس «خالد» وأخرج الصورة بسرعة. نظر في ساعة يده ثم بدأ يتتبع عقرب الثواني. كان العقرب يقفز، وبدأت تفاصيل الصورة تظهر، وكاد «أحمد» يصرخ للمفاجأة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤