الفصل الحادي عشر

بوب شيلر يبيِّن الخطأ الأبرز

بعض الاقتصاديين الشباب المشاغبين يبرهنون على عدم وجود أدلة مقنعة على عقلانية السوق المالية للأسف.

***

في ربيع سنة ١٩٧٩، وبُعيد نشر مقالتهما حول «نظرية الإمكانيات»، زار دانيال كانيمان وعاموس تفرسكي ريتشارد تالر في جامعة روتشستر، فرتب تالر لضيفيه عشاءً، وأجلس — قاصدًا المشاغبة — تفرسكي بجوار رائد الأسواق الكفء مايكل جنسن. الحوار الذي نشأ عن ذلك، كما روى هيرش شفرين — زميل تالر في روتشستر وكان على الطاولة — «هيأ الجو نوعًا ما للجدال على مدى السنوات الخمس عشرة التالية.»

لم يستطع عالم النفس مقاومة طرح أحد اختباراته على أستاذ المالية، فطلب تفرسكي من جنسن أن يصف له كيف تتخذ زوجته قراراتها، فأغدق عليه جنسن حكايات عن سلوكها اللاعقلاني. فسأل تفرسكي جنسن عن رأيه في الرئيس جيمي كارتر، فأجابه جنسن قائلًا: «أحمق.» وماذا عن سياسات رئيس الاحتياطي الفيدرالي؟ فأجابه: «كلها خاطئة.» واصل تفرسكي سرد متخذي القرارات بمختلف أنواعهم، وكلهم وجدهم جنسن يشوبهم القصور. وأخيرًا قال تفرسكي: «دعني أرى ما إذا كنت فهمتُ هذا بوضوح. عندما نتحدث عن الأفراد — ولا سيما واضعي السياسات — فإنهم جميعًا يرتكبون أخطاءً كبيرة في قراراتهم. لكن بصورة عامة، هم جميعًا يصيبون.»

كان رد جنسن: «حسنًا يا عاموس، أنت ببساطة لا تفهمني.»1 ببساطة لم تكن الأخطاء واللاعقلانيات من النوع الذي سأل عنه تفرسكي تهم. فالسوق ككل هي التي تصيب وليس المشاركون الأفراد فيها. ويمكن التعويل على انقضاض المستثمرين المحترفين غلاظ القلب على أي «فرصة مراجحة» كما يُسمى هذا في الرطانة المالية والقضاء عليها. ذلك هو ما يجعل الأسواق بتلك الروعة. في ديمقراطية ما، يمكن لأغلبية لا عقلانية أن تهيمن. أما في سوق مالية حرة، فإن أقلية عقلانية حتى ولو صغيرة جدًّا ستسود دائمًا.
أشهر تعبير عن وجهة النظر هذه أدلى به ميرتون ميلر — الأستاذ بجامعة شيكاجو — بعد ذلك ببضع سنوات. كانت المناسبة مؤتمرًا عُقد بجامعة شيكاجو حول «الأسس السلوكية للنظرية الاقتصادية» وكان مدفوعًا كما قال منظموه ﺑ «الكم المتنامي من الأدلة» التي توثِّق «الانحرافات النظامية عن إملاءات السلوك الاقتصادي العقلاني».2 اجتذب المؤتمر كوكبة من النجوم من كلا جانبي خط التقسيم العقلاني، من بينهم ميلر.3 وفي بحث أعيدت طباعته عدة مرات واستُشهد به مرات لا حصر لها، أقر الأستاذ بجامعة شيكاجو بأن علم النفس الإدراكي ربما يفسر لماذا يفعل بعض المستثمرين الأفراد والشركات الفردية ما يفعلون. لكن مثل هذه التفسيرات لم تكن ما تُعنى به المالية. جادل بقوله: «استبعادنا كل هذه القصص عند بناء نماذجنا ليس لأن القصص غير مثيرة للاهتمام، بل لأنها ربما تكون مثيرة للاهتمام أكثر مما ينبغي؛ ومن ثَمَّ تصرف انتباهنا عن قوى السوق السائدة التي ينبغي أن تكون شاغلنا الرئيسي.»4 السوق عقلانية، فمن ذا الذي يبالي بالأفراد؟

كان هذا هو النموذج الفكري العلمي الذي كان يعمل في إطاره ميلر منذ عقود. كل البحوث كانت تنطلق من افتراض أن «قوى السوق السائدة» تدفع دائمًا الأسعار إلى قيمها الأساسية الصحيحة. ولا ننسى أن هذا كان قد أُثبت تجريبيًّا بنجاح قديمًا في ستينيات القرن العشرين. أوَلم يحدث ذلك؟

•••

يبدو كتاب «إمكانية التنبؤ بأسعار الأسهم» الذي نشر سنة ١٩٧٠ — من تأليف كلايف جرينجر وأوسكار مورجنشتيرن — لقارئه نسخةً موازية من خلاصة فرضية كفاءة الأسواق الأكثر شهرة التي وضعها يوجين فاما. كان جرينجر ومورجنشتيرن من قبل عضوين حَسَنَيِ السمعة في طائفة السير العشوائي إبان ستينيات القرن العشرين، وكانا أيضًا اقتصاديين ذوي شأن. وقد مضى جرينجر في طريقه ليفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد، على عمل غير ذي صلة، سنة ٢٠٠٢. وكان مورجنشتيرن قد شارك في تأليف (إن لم يكن بالأحرى في إبداع) نموذج نويمان-مورجنشتيرن لاتخاذ القرار في ظل اللايقين الذي هيمن على الاقتصاد والمالية.

غير أن جرينجر ومورجنشتيرن لم يريا نتائج العقد السابق من المنظور نفسه الذي رآها منه أساتذة المالية. في البداية، أعلنا أنه «لعل الوصف الأكثر تبصرًا لسلوك سوق الأسهم حتى الآن» لم يكن مقالة في مجلة أكاديمية ما، بل كتاب «لعبة المال» للصحفي جورج إيه دبليو جودمان (الذي نشره باسمه الأدبي آدم سميث). في ذلك الكتاب الرائج الممتع، الذي نُشر سنة ١٩٦٧، كرَّس جودمان فصلًا كاملًا للسير العشوائي، لكنه أعلن أنه لا يقبله، مجادلًا بدلًا من ذلك بأن «الأرباح المستقبلية تمثِّل القيمة الحالية على المدى الطويل، والعامل الغالب هو مزاج الجماهير على المدى القصير.»5 لم يختلف جرينجر ومورجنشتيرن؛ حيث كتبا يقولان: «فرضية السير العشوائي لا تقول إن تغيرات الأسعار لا يمكن التنبؤ بها، بل تقول إنها لا يمكن التنبؤ بها باستخدام التوليفات (الخطية) لتغيرات الأسعار السابقة. من الوارد أن المرء كان يمكنه إدخال متغيرات أخرى لها بعض القيم التنبُّئية.»6
الأهم من هذا كله أنهما جادلا أنه من العبث أن نقول إن أسعار الأسهم تعكس القيم الذاتية؛ حيث كتبا يقولان إن هذه القيم الذاتية للأسهم «يُفترض أن تعكس المؤشرات الأساسية لشركاتها؛ مثل المعدات الرأسمالية والمخزونات السلعية والطلبيات غير المستوفاة والأرباح. وقلما سيتذبذب معظم هذه البنود، والقيم المرتبطة بها، بالسرعة والشدة التي تتذبذب بها أسعار الأسهم. إنها … حيلة تعود على الأقل إلى آدم سميث وديفيد ريكاردو أن تقول إن سعر السوق سيتذبذب دائمًا حول سعر (التوازن) الحقيقي. لكن بما أنه لم تُطوَّر طرق لكيفية فصل التذبذبات عن الأساس، فهذا ليس جزمًا قابلًا للاختبار التجريبي، ويمكن إهماله.»7

كان فاما قد اقترح أن السبيل إلى اختبار فرضية كفاءة السوق هو رؤية ما إذا كانت تحركات أسعار الأسهم تطيع إملاءات نموذج تسعير الأصول الرأسمالية، لكن هذا لم يكن إلا اختبارًا نسبيًّا، فربما يكشف عما إذا كانت تحركات أسعار الأسهم معقولة بمقارنة بعضها ببعض وبالسوق ككل، لكنه لم يكن مجديًا في بيان ما إذا كانت السوق ككل مسعَّرة بالسعر الصحيح أم لا.

كان أبو فرضية كفاءة السوق الآخر، المنسيُّ عمومًا، وهو هولبروك وركينج، قد حاول أن يستنبط محاسبة جوهرية بدرجة أكبر، وحصل على مساعدة بالغة الأهمية على طول الخط من بورصة شيكاجو التجارية ومزارعي البصل في أمريكا والكونجرس الأمريكي. كانت بورصة شيكاجو التجارية قد بدأت نشاطها باسم مجلس شيكاجو للزبد والبيض، وفقدت عملها في عقود الزبد المستقبلية في ثلاثينيات القرن العشرين مع قدوم الإعانات المالية الفيدرالية لإنتاج الألبان. ثم أُطلقت عقود البصل المستقبلية في أواخر أربعينيات القرن العشرين لتحل محل ذلك الدخل المفقود. ظلت بورصة شيكاجو التجارية المناضلة تحت هيمنة عدد قليل من المتعاملين، وفي سنة ١٩٥٧ احتكر اثنان منهم عقود البصل المستقبلية فارتفعت الأسعار ارتفاعًا حادًّا وسريعًا. انجرف مزارعو البصل، الذين كانوا ينبغي أن يبيعوا بأسعار مرتفعة ويضعوا هذه الأموال في جيوبهم، في خضمِّ هذا الحماس، «واشتروا» العقود المستقبلية. وكانت النهاية محزنة.

يقول ليو ميلامد — وهو متعامل جاء يوم صار يدير فيه البورصة — عائدًا بذاكرته إلى تلك الأيام: «انتهى الحال بأن بِيعَ البصل بأقل من سعر جوالات الخيش التي كان يسلَّم فيها، فاستشاط مزارعو البصل الأمريكيون غَضَبًا. لقد خسروا المال في محاصيلهم وفي عقودهم المستقبلية.» ضغط المزارعون على نوابهم في واشنطن لتخليصهم من التعامل في عقود البصل المستقبلية، وفي سنة ١٩٥٨ فُرض حظر فيدرالي ما زال نافذًا حتى يومنا هذا.8

بالنسبة لبورصة شيكاجو التجارية، كان هذا الإخفاق دافعًا لعملية تنظيف كبيرة، ثم طفرة مذهلة من الابتكار والتجديد بقيادة ميلامد بدأت بإنشاء عقود لحم بطن الخنزير المستقبلية سنة ١٩٦١، واستمرت من خلال إدخال العقود المستقبلية المالية استنادًا إلى العملات، وأسعار الفائدة، ومؤشرات أسواق الأسهم في سبعينيات القرن العشرين. بالنسبة لوركينج، كان الحظر على عقود البصل المستقبلية فرصة ممتازة لاختبار كفاءة أسواق العقود المستقبلية. حسِب أنه بمقارنة تذبذب أسعار البصل في وجود التعامل في العقود المستقبلية وعدمه، يستطيع فهم ما إذا كانت أسواق العقود المستقبلية تُسيِّر الأسعار نحو مستوياتها الصحيحة أم أنها تضيف تذبذبًا ليس إلا.

درس وركينج في البداية سلوك أسعار البصل قبل بدء التعامل في عقود البصل المستقبلية في أربعينيات القرن العشرين وبعدها، ووجد أن الأسعار كانت أقل تذبذبًا أثناء سنوات التعامل في العقود المستقبلية.9 كانت النتيجة مشجعة، لكن دراسات ما بعد الحظر، التي أجراها اقتصاديون زراعيون آخرون في الاتجاه الذي رسمه وركينج، هي التي استطاعت تقديم أدلة أكثر إقناعًا. أظهرت الأولى — وقد نشرت سنة ١٩٦٣ — تذبذبًا أكثر في الأسعار بعد الحظر، مؤيدةً فرضية أن أسواق العقود المستقبلية تجعل الأسعار أكثر عقلانية بهدوء.10 لكن في سنة ١٩٧٣، وجدت دراسة أخرى أن أسعار البصل خلال فترة ستينيات القرن العشرين بأكملها، وهي عقد خالٍ من التعامل في عقود البصل المستقبلية، هي أقل الأسعار المسجلة تذبذبًا.11 ربما كانت هناك عوامل أخرى لعبت دورًا؛ من تحسُّنٍ في وسائل النقل وتحسُّن في الطقس وتحسُّن في جودة البصل. لكن لم تكن هناك أدلة واضحة من حقول البصل تؤيد فرضية أن أسواق المضاربة تصوِّب الأسعار.12
نُشرت الدراسة الأخيرة في نشرة فنية صادرة عن وزارة الزراعة، وقليل هم من لاحظوها من الاقتصاديين غير الزراعيين، فتوارى الموضوع برمته عن الأنظار لفترة. ظل بعض الاقتصاديين لديهم ريبة في الاعتقاد الراسخ بأن عقلانية الأسواق انتهت. وكما قال فرانكو مودلياني الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأحد المحاورين سنة ١٩٨٢:
أَقبلُ عمومًا فرضية السير العشوائي كتقريب جيد، لكن مع إدراك أنها متسقة مع حالة انعدام التوازن التي استمرت وقتًا طويلًا نوعًا ما. على المدى القصير، يمكن أن تُحاصَروا في وضع لا يمكنكم تحقيق مكسب فيه، حتى بالرغم من عدم كونه وضع توازن جوهري. سوق الأسهم الآن على المسار الخاطئ، لكن لا أنصح أحدًا بالاندفاع. أتوقع أنه بعد بضع سنين من الآن، ستكون أعلى ثلاث مرات، لكن يمكن أن تسوء كثيرًا جدًّا قبل أن تتحسن.13

لم يكن مودلياني يقول إنه يستطيع التنبؤ بتحركات سوق الأسهم بدقة تُربح مالًا (وإن كان أي شخص اشترى أسهمًا سنة ١٩٨٢ واحتفظ بها ربح كثيرًا). كان يقول إنه واثق من أن السوق يمكن أن تكون خاطئة لفترات زمنية طويلة على نحو لا يمكن التنبؤ به. كان ذلك تصريحًا سيوافق عليه معظم الاقتصاديين من أبناء جيله، بما فيهم بول سامويلسون وميلتون فريدمان. لم يكرس أي من هؤلاء الرجال شيئًا من عمله الأكاديمي الجاد للتوسع في هذه الأفكار عن خطأ السوق المالية.

•••

تلك ستكون مهمة تلاميذهم. في حين أن جو ستيجلتز كان في صدارة البحث عن عيوبٍ نظريةٍ في النظرة العالمية القائلة بكمال السوق، كانت هناك نتيجة أخرى من ثمار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إبان سامويلسون ومودلياني، وهي التعامل مع فرضية كفاءة السوق حيثما تصبح مهمة؛ وأعني في البيانات. كان روبرت شيلر — الذي حصل على الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة ١٩٧٢ — إحصائيًّا متمرسًا ومبرمج كمبيوتر من الطراز الأول، وقد ضم إلى تلك المهارات لهفة تبدو ساذجة إلى تطبيقها على أسئلة على درجة من البساطة قد تجعلها تبدو طفولية أو صفيقة أو حتى غبية غباءً محضًا.

في أطروحته وعمله المبكر كأستاذ في جامعة بنسلفانيا، ركَّز شيلر على ما إذا كانت أسعار الفائدة في العالم الواقعي تسير تبعًا لنظرية التوقعات العقلانية أم لا. كانت إجابته بالإثبات في أغلب الأحيان، لكن يقينًا ليس في كلها. ثم مضى في طريقه إلى سوق الأسهم.14
كان إرفينج فيشر وجون بير وليامز قد علَّما طلابهما أن أسعار الأسهم تمثل القيمة المخصومة لأرباح الأسهم المستقبلية. فانطلق شيلر ليختبر هذا الادعاء بأحسن طريقة مباشرة ممكنة، فقارن تحركات ستاندرد آند بورز ٥٠٠ بالتغيرات اللاحقة في أرباح الأسهم التي وزعتها شركات ستاندرد آند بورز ٥٠٠، فتبيَّن أن أسعار الأسهم كانت أكثر تذبذبًا «بشدة» من أرباح الأسهم. ما استنبطه شيلر كان في الواقع دراسة من دراسات اللاحدث. كان يبحث عن حالات لم يحدث فيها شيء مؤثر، لكن الأسعار تحركت على الرغم من ذلك.15

كان لدى روبرت ميرتون — زميل شيلر بالدراسات العليا — رد جاهز: بالتأكيد أسعار الأسهم أكثر تذبذبًا من أرباح الأسهم؛ لأن مديري الشركات يتحملون العناء للحفاظ على ثبات مدفوعات أرباح الأسهم. أما لماذا يفعلون ذلك فكان سؤالًا لا يملك أساتذة المالية إجابة مقنعة عنه، لكن ميرتون «كان» مصيبًا في أنه كانت هناك طريقة أخرى للنظر إلى التناقض.

تكاد تكون أسعار السوق المالية أنظف البيانات وأصعبها في التلاعب بها في علم الاقتصاد كله. وجادل ميرتون قائلًا إنها إذا كانت أكثر تذبذبًا من المؤشرات الأساسية كأرباح الأسهم أو الأرباح أو الإيرادات أو القيمة الدفترية، فربما تكمُن المشكلة في هذه المؤشرات الأساسية:
إذا … ثبتت فرضية العقلانية، إذن فبدلًا من طرح السؤال: «لماذا أسعار الأسهم أكثر تذبذبًا من الاستهلاك (المقيس) وأرباح الأسهم وتكاليف الاستبدال؟» ربما سيبدأ أساتذة الاقتصاد العام في طرح أسئلة مثل «لماذا يُظهر الاستهلاك (المقيس) وأرباح الأسهم وتكاليف الاستبدال تذبذبًا ضئيلًا جدًّا عند مقارنته بأسعار الأسهم العقلانية؟»16

كانت تلك مجادلة ذكية، مجادلة ينبغي أن تثير على الأقل بعض التعاطف من أي شخص على دراية بالتفاصيل البغيضة التي تنطوي عليها عملية إنتاج البيانات الاقتصادية أو تقارير أرباح الشركات، لم تستطع إخفاء عدم امتلاك ميرتون وزملائه في المالية أدلة جديدة يثبتون بها «فرضية العقلانية». كان ميرتون يردد القائمة المعتادة من دراسات الحالة وعمل السير العشوائي في ستينيات القرن العشرين، لكنها لم تكن كافية لإثبات أن أسعار الأسهم كانت «عقلانية». ولم تكن أدلة شيلر كافية لإثبات أنها لم تكن عقلانية أيضًا. لكنها كانت كافية لإثارة الشكوك في الأمر برمته. لقد أصاب سؤاله الصفيق الطفولي بل والغبي، مرماه، وكان يعلم ذلك.

أُعلن في مؤتمر سنة ١٩٨٤ أن القفزَ من إدراك صعوبة التنبؤ بتحركات أسعار الأسهم إلى استنتاج أن تلك الأسعار يجب من ثَمَّ أن تكون صحيحة؛ «واحدٌ من أبرز الأخطاء في تاريخ الفكر الاقتصادي. فهو بارز في خطئه المنطقي بداهةً، وفي مدى نتيجته ومدلولات هذه النتيجة.»17 تقدم بعد ذلك أستاذ كان بين الجمهور نحو شيلر ونصحه وهو مضطرب بأن يحذف هذه الكلمات المثيرة للفتنة من النسخة المنشورة من مقالته. ثم تقدم آخر، لديه إدراك أفضل للكيفية التي يترك بها المرء بصمته في العالم، قائلًا: «كلا، كلا، لا تحذفها.»18 تركهما شيلر وخرج.
كان شيلر يشتغل بالتدريس في جامعة ييل بحلول ذلك الوقت، وكان قد اكتسب حليفًا على نفس القدر من الصفاقة في هارفرد على امتداد طريق ٩٥ السريع، ذلك هو لورانس سامرز الذي كان يتميز بنضجه المبكر. بصفته ابن شقيق بول سامويلسون وابن شقيقة كنيث أرو، كان سامرز الأشرف نسبًا بين الاقتصاديين في كل العصور.19 عمل سامرز، الذي اعتُبر النجم الأسطع في كوكبة متألِّقة من الاقتصاديين الشباب الأذكياء في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، في إطار الاتجاه الاقتصادي السائد. كان في الحقيقة به مسحة من الولع بالجدل، ومسحة من الميل إلى المشاغبة، وقد دفعته مزاعم أنصار كفاءة السوق المشكوكُ فيها إلى ممارسة كلتيهما.
كان سامرز — مثله مثل شيلر — بارعًا في الجمع بين الرياضيات المتقدمة والخطاب الاستفزازي. وكمثال على الأولى، فإنه أنشأ نموذجًا لكوْنٍ ماليٍّ موازٍ؛ المستثمِرون فيه لم يكونوا عقلانيين، والأسعار فيه لم تكن تعكس القيم الأساسية، وأثبت — على مدى فترة ملاحظة قوامها ٥٠ سنة — أنه لا سبيل لتمييزها إحصائيًّا عن سوق عشوائية عقلانية. ولن يمكنك التمييز بينهما إلا باستخدام بيانات ألف سنة.20 وفيما يخص الثانية، فإنك لن تتفوق كثيرًا على نقده خفيف الظل واللاذع أيضًا لعلم المالية بأكمله الذي وجَّهه — من دون كل الأماكن — خلال اجتماع سنوي لجمعية المالية الأمريكية.

بدأ سامرز حديثه بوصف عالَم يكرس فيه الاقتصاديون حياتهم المهنية لدراسة الكاتشب. قال إن بعضهم يدرسه في إطار النظام الاقتصادي الأشمل، وبعضهم الآخر «اقتصاديو كاتشب مقرهم وزارة الكاتشب ويتقاضون رواتب أعلى كثيرًا من عامة الاقتصاديين.» يساور عامة الاقتصاديين قلق بشأن العوامل التي قد تؤثر على عرض الكاتشب والطلب عليه (تكلفة الطماطم ومستويات دخل المستهلكين وما إلى ذلك)، ويحاولون قياس ما إذا كانت تقلبات أسعار الكاتشب تتسق مع هذه المؤشرات الأساسية. يقول سامرز إن اقتصاديي الكاتشب «يرفضون — دون تفكير — معظم هذه البحوث حول سوق الكاتشب؛ إذ يعتقدون أن أسعار معاملات الكاتشب هي البيانات المادية الوحيدة التي تستحق الدراسة.»

يتألف البرنامج البحثي لاقتصاديي الكاتشب هؤلاء في أغلبه من البحث عن سبلٍ — لا إيجادها — لتحقيق أرباح استثنائية في سوق الكاتشب. فزجاجات الكاتشب سعة ٢ كوارت تباع دائمًا بضعفي ثمن الزجاجات سعة ١ كوارت «ما عدا انحرافات تُعزى إلى تكاليف المعاملات»، ويمكنك الحصول على الكاتشب بسعر منخفض بشراء المكونات وخلطها بنفسك. ومضى يقول: «في الحقيقة، معظم اقتصاديي الكاتشب يعتبرون كفاءة سوق الكاتشب أحسن حقيقة مثبتة في الاقتصاد التجريبي.» ثم تقمَّص سامرز نبرة جادة للحظة:
ينبغي أن يكون طرفا التشبيه واضحين. الاقتصاديون الماليون مثل اقتصاديي الكاتشب لا يعملون إلا بالبيانات المادية، ومعنيون بالعلاقات المتبادلة بين أسعار مختلف الأصول المالية. فهم يتجاهلون ما يبدو لكثيرين أنه السؤال الأهم؛ وهو ماذا يحدد المستوى الكلي لأسعار الأصول. لا ريب أنها ستكون مفاجأة للشخص العادي أن يعلم أنه لا توجد تقريبًا أبحاث تمثل الاتجاه السائد في مجال المالية في العقد الأخير، حاولت تفسير انتعاش سوق الأسهم في ستينيات القرن العشرين، أو التراجع المذهل في أسعار الأسهم الحقيقية خلال منتصف سبعينيات القرن العشرين.21

فمن الذي سمح لسامزر بإلقاء مثل هذه الكلمة في اجتماع لأساتذة المالية؟ إنه فيشر بلاك، الذي كان مسئولًا عن جدول أعمال اجتماع سنة ١٩٨٤. كانا قد تعرَّفا أحدهما إلى الآخر سنة ١٩٧٩، عندما بدأ سامرز يدرِّس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بعد حصوله على الدكتوراه في جامعة هارفرد (عاد إلى هارفرد سنة ١٩٨١). وكان بلاك قد رحل عن جامعة شيكاجو قاصدًا معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لحنين زوجته إلى موطنها.

في سنة ١٩٧٩، كان بلاك ما زال يؤمن بالسوق العقلانية، وقد استفزه سامرز في هذا الشأن. جاء في مستهل بحث غير رسمي أطلع عليها سامرز بلاك بعد ذلك ببضع سنين: «هناك حمقى. انظر حولك.» مَن لم يتبعوا تعاليم المالية — وهم الحمقى — بدا أنهم ليسوا موجودين بكثرة فحسب، بل يحركون الأسعار. كان لهم هذا النوع من التأثير، لدرجة أنه بدا في بعض الأحيان كما لو أن الحمقى أمامهم فرصة أحسن ممن يستمعون إلى أساتذة المالية ويستثمرون في الصناديق المرتبطة بمؤشر. سأل سامرز: «كم أستاذًا للمالية تضمُّهم قائمة مجلة فوربز ٤٠٠؟» ويقصد القائمة السنوية لأثرى ٤٠٠ شخص في أمريكا. «كم شخصًا ممن هم في القائمة يعتقدون أن السوق كفء؟» كان أساتذة المالية يفترضون أن المتعاملين الأذكياء سيتغلَّبون على الحمقى ومن ثم يعيدون السوق إلى الكفاءة. لكن سامرز لم يكن يفهم لماذا لا يستطيع الحمقى الاستمرار في الهيمنة على السوق لفترة طويلة جدًّا.

أعاد بلاك البحث وعليه تعليقات مكتوبة على عجل في الهوامش. لم يوافق على استنتاجات سامرز بأنه «قد نكون جميعًا أحسن حالًا من دون سوق أسهم.» وأن «أسعار الصرف المرنة غير حكيمة.» لكنه نظر بعين الرضا إلى تقييم سامرز للأسواق، وإن لم يرضَ عن اختياره الدقيق للكلمات؛ إذ كتب يقول عن حمقى سامرز: «أنا أسميهم «متعاملو الضوضاء»، فهم يتعاملون على خلفية الضوضاء كما لو كانت معلومات.»22

بذلك انتقل بلاك من كونه أحد أهم أنصار كفاءة السوق إلى مناصر غير متوقع لنقاد هذه النظرية. فلماذا التحول؟ يقول سامرز مفسرًا: «كان أخلص باحث عن الحقيقة عرفته على الإطلاق. لم يكن يتشبث في جمود بأي أفكار مسبقة أو صداقات أو يكترث بما يظن الناس أنه معقول، بعبارة أخرى لم يكن يتشبث بأي شيء.»

أول نتيجة ملموسة لموقف بلاك الجديد كان نشر مقالة سنة ١٩٨٤ في دورية «جورنال أوف فاينانشال إيكونوميكس»، بقلم المتمردَين السلوكيَّين هيرش شفرين ومائير ستاتمان، فسَّرت توزيعات أرباح الأسهم من حيث سلوكيات المستثمرين الشاذة؛ وفي المقام الأول الميل إلى تفضيل الحصول على عائد مؤكد اليوم بدلًا من عائد غير مؤكد غدًا.23 كان سؤال «لماذا تتجشم الشركات حتى عناء دفع أرباح أسهم؟» قد شغل أساتذة المالية منذ أن أعلن فرانكو مودلياني وميرتون ميلر سنة ١٩٦١ أن قرار توزيع الأرباح أو الاحتفاظ بها لا أثر له على قيمة الشركة. كان بلاك قد كتب من قبل عن «لغز أرباح الأسهم»24 هذا؛ لذا أرسل محررو الدورية إليه المقالة لمراجعتها. ولخيبة أملهم، أقرَّها بامتياز.
كتب بلاك يقول: «هذه المقالة عظيمة. تبدو لي جديدة ودقيقة في الوقت نفسه.»25 وهكذا حدث أن أول محاولة حقيقية لتطبيق تعاليم كانيمان وتفرسكي على المالية نشرتها — على مضض — الدورية التي تمثل لسان حال أنصار كفاءة الأسواق (فدورية «جورنال أوف فاينانشال إيكونوميكس» أسَّسها يوجين فاما ومايكل جنسن وروبرت ميرتون). كان ذلك صدمة لقراء كثيرين، وكان إعلان ميرتون ميلر أن المالية ينبغي ألا تركز إلا على قوى السوق السائدة رد فعل لها إلى حد كبير.

كانت تلك مجرد البداية لبلاك. فبصفته الرئيس المنتخب لجمعية المالية الأمريكية سنة ١٩٨٤، كان مسئولًا عن برنامج اجتماعها السنوي، فأفسح المجال لكلمة سامرز عن الكاتشب، وطلب من هيرش شفرين تنظيم أول جلسة على الإطلاق لجمعية المالية الأمريكية حول المالية السلوكية. بالكاد حضر أحد هذه الجلسة، لكن بلاك حرص على وصول اثنين من الأبحاث التي تمخَّضت عنها — وكلاهما رُفضا من قبل من جانب دوريات أخرى — إلى جمهور أكبر في دورية «جورنال أوف فاينانس».

كان أحد البحثين أول صولة حقيقية للاقتصادي ريتشارد تالر في علم المالية؛ فقد شرع هو والطالب فيرنر دي بونت في اختبار الاكتشاف النفسي الذي يفيد بأن «معظم الناس يميلون إلى «المبالغة في ردود أفعالهم» تجاه الأحداث غير المتوقعة والدراماتيكية ذات الأهمية الإخبارية.» وجمَّعا محافظ الأسهم التي كانت الرابح الأكبر على مدى فترة ثلاث سنوات، ومحافظ الأسهم التي كانت الخاسر الأكبر؛ ذلك لأن المكاسب الكبرى أو الخسائر الكبرى عادة ما تكون نتاج أحداث غير متوقعة ودراماتيكية. من سنة ١٩٣٢ إلى سنة ١٩٨٢، وجدا أن «المحافظ الخاسرة» تفوقت بانتظام في أدائها على السوق على مدى فترة ثلاث السنوات التالية، في حين أن «المحافظ الرابحة» تخلفت عنها. كان ذلك دليلًا قويًّا على عدم كفاءة في السوق، وهو عدم كفاءة بدا أن له جذورًا نفسية.

بعد ذلك بعام، جاء الدور على بلاك كي يلقي الخطاب الرئاسي في الاجتماع، وكان بعنوان «الضوضاء»، ولم يدم إلا خمس عشرة دقيقة. قال بلاك إن الضوضاء «تجعل وجود الأسواق المالية ممكنًا، لكنها تجعلها أيضًا غير كاملة.» وإن الضوضاء التي يحدثها المتعاملون غير المطلعين هي التي تجعل الأسواق سائلة وتسمح للمتعاملين المطلعين بكسب المال. ومن دونها، قد تصبح الأسواق عالقة في الورطة التي وصفها سانفورد جروسمان وجوزيف ستيجلتز قبل ذلك ببضع سنين؛ حيث لا يتعامل المتعاملون العقلانيون فعلًا فيها أبدًا؛ لأنهم جميعًا متفقون على ما ينبغي أن تكون عليه الأسعار. لكن هذه الضوضاء لا تُبعد الأسعار عن قيمها الأساسية فحسب، بل يستحيل معها بيان ماهية تلك المؤشرات الأساسية:
ربما نعرِّف السوق الكفء بأنها سوق يكون فيها السعر في حدود معامل قدره ٢ من القيمة؛ بمعنى أنه أكثر من نصف القيمة وأقل من ضعفي القيمة. وهذا المعامل عشوائي بالتأكيد. لكن بداهة، يبدو لي هذا معقولًا في ضوء مصادر اللايقين بشأن القيمة، وشدة القوى التي تميل إلى جعل السعر يعود إلى القيمة. بهذا التعريف، أرى أن معظم الأسواق كفء في معظم الأوقات. وقولنا «معظم» يعني ٩٠٪ على الأقل.26
كان تعريفًا فضفاضًا براجماتيًّا يحمل طابع بن جراهام، ويلائم رجلًا ترك قبل ذلك بسنة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ليتولى وظيفة في نيويورك في جولدمان ساكس. سار الخطاب الرئاسي لجمعية المالية الأمريكية بعد ذلك بسنتين على لسان ريتشارد رول، الذي كان بحلول ذلك الوقت يعمل في وول ستريت أيضًا، على نهج مماثل. كان رول قد محص أسواق الأسهم الأمريكية من سبتمبر ١٩٨٢ إلى أغسطس ١٩٨٧، ووجد أنه يستطيع تفسير أقل من ٤٠ في المائة من تحركات الأسهم باستخدام البيانات المتاحة حول الأوضاع الاقتصادية، وديناميكيات الصناعة، وأخبار الشركات الفردية. فإما أنه كان هناك كثير من المعلومات الخاصة التي تحرك أسعار الأسهم ولا توجد في قواعد البيانات التي رجع إليها رول، وإما أن الهوس والهلع كانا يستحوذان على المستثمرين من حين إلى آخر. واختتم رول بقوله هازلًا: «سيكون لطيفًا أن نتوصل إلى طريقة لاكتشاف الفرق.»27

•••

جاءت هذه الاعترافات الجديرة بالملاحظة من أكاديميين بارزين كانا قبلًا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بفرضية كفاءة السوق، لكن لم يكن لها تقريبًا أثر فوري على الممارسة اليومية للمالية الأكاديمية. تجاهل معظم أساتذة المالية هجوم شيلر-سامرز الحاد على السوق الكفء. انبرى روبرت ميرتون للدفاع عن فرضية السوق العقلانية في مواجهة نقد شيلر؛ في المقام الأول لأن فرانكو مودلياني طلب إليه ذلك ليسترعي مزيدًا من الانتباه إلى المسألة على ما يبدو. وحسِب زملاء ميرتون أن لديهم أشياء أفضل يفعلونها.

هذه هي طبيعة العلم مهما بدت من الخارج عبثية ومنكرة للواقع. يقول توماس كون في كتاب «بنية الثورات العلمية»: «العلم السويُّ، النشاط الذي يُمضي فيه معظم العلماء حتمًا جل وقتهم، قائم على افتراض أن الأوساط العلمية تعرف ماهية العالم. وكثير من نجاح المشروع يأتي من استعداد هذه الأوساط للدفاع عن ذلك الافتراض، وبثمن كبير لو لزم الأمر.» وهكذا فالأرجح أن تخفق الهجمات التي تُشنُّ من الخارج. ولا يكون التغيير ممكنًا إلا عندما تظهر انحرافات غير معتادة يصعب تفسيرها في نموذج علم ما.

في المالية، كانت مثل هذه الانحرافات تظهر من البداية. حتى في أوج السير العشوائي، وجد الأكاديميون أنماطًا غير عشوائية متوارية في فوضى تحركات الأسعار. اختفت أنماط كثيرة من هذه أثناء الفحص الدقيق، أو لم تكن مربحة عند حساب تكاليف التعامل، بينما ظل بعضها كما هو.

بعض من أقدم هذه الأنماط وأبقاها اكتشفه فيكتور نيدرهوفر، الذي أتى كلية شيكاجو لإدارة الأعمال سنة ١٩٦٤. ترك نيدرهوفر، الذي تُوج بطلًا قوميًّا في لعبة الإسكواش عدة مرات، ملابسه الرياضية كريهة الرائحة تتراكم في حجيرة مذاكرته وأخذ يتجوَّل في الحرم الجامعي وعلى كتفه قرد يسمى لوري، تيمنًا بمشرفه جيمس لوري. كان قد قرأ أثناء دراسته الجامعية في جامعة هارفرد وصف إم إف إم أوسبورن سنة ١٩٥٩ للحركة البراونية في سوق الأسهم، وأقام علاقة مراسلة ودية مع ذلك الفيزيائي. كان زملاء نيدرهوفر من الطلاب في جامعة شيكاجو مهووسين بطرح الحجج الاقتصادية المؤيدة لعشوائية السوق، وكان نيدرهوفر وأوسبورن أكثر اهتمامًا بكثير بإيجاد طرق للالتفاف حول تلك العشوائية.

كتب الرجلان — معًا ومنفرِدَيْن — عديدًا من الأبحاث في منتصف ستينيات القرن العشرين وثقت أدلة على مظاهر نقص السوق. كان بعض هذه الأدلة من النوع الذي تعرَّف عليه تشارلز داو قبل ذلك بثلثي قرن من الزمان، وهو أنه أيما كان الاتجاه الذي تمضي فيه السوق أو يمضي فيه سهم معين، فاحتمال استمرار مضيهما في ذلك الاتجاه أكبر من عدمه. كما وجدا أيضًا أنماطًا يمكن التنبؤ بها في الاتجاه الآخر، فبعد تراجع مقداره ثُمن نقطة، كان التحرك التالي لسهم ما بالارتفاع أرجح من تحركه بالانخفاض.28
كان نيدرهوفر وأوسبورن كلاهما حريصين في عملهما الإحصائي، ولم تكن احتمالات التنبؤ بالسوق التي وجداها كبيرة. تلقى أقران نيدرهوفر وأساتذته في جامعة شيكاجو أدلتهما، لا كإهانة، بل كنوع من الضوضاء الحتمية التي ربما تضفي حتى على نظرياتهم المزيد من الموثوقية.29 وحسب تعبير فاما عن ذلك في مقالته الشهيرة عن الأسواق الكفء سنة ١٩٧٠، كانت أدلة نيدرهوفر وأوسبورن «ذات دلالة إحصائية» لكن «ليست أساسًا يُستند إليه في استنتاج أن السوق غير كفء.»30
لكن هذه الانحرافات الصغيرة جدًّا كانت مجرد البداية، فمع مرور السنين وانتقال أجهزة الكمبيوتر من بدرومات الجامعات إلى مكاتب الأساتذة، اكتُشف مزيد ومزيد منها. اشتملت بعض الانحرافات الأشد إثارة للاهتمام على وجود روابط بين بيانات أسعار الأسهم التي وفرها مركز بحوث أسعار الأوراق المالية بشيكاجو، والأرقام المالية المؤسَّسِية التي جُمعت منذ سنة ١٩٦٢ في قاعدة البيانات الحاسوبية «كُمبيوستات» التابعة لستاندرد آند بورز. فعلى سبيل المثال، عندما كانت أية شركة تعلن أرباحًا ربع سنوية مرتفعة أو منخفضة على نحو غير متوقع، كشفت قاعدتا البيانات أن الأمر كان يستغرق وقتًا كي يعكس سعر سهمها تمامًا المعلومات الجديدة، وهي ظاهرة صارت تُعرف باسم مفاجأة الأرباح، أو تجمُّع الأرباح.31 بل كان هناك انحراف أكثر دوامًا وأصعب في تفسيره، وهو أن الأسهم الرخيصة تفوقت في أدائها على الأسهم الغالية.
ما كان ينبغي أن يكون هذا الاكتشاف صادمًا؛ فهو في النهاية يمثل ما كان قد قاله المستثمرون في القيمة منذ أجيال. كان روجر بابسون قد نصح المستثمرين بشراء الأسهم التي تقل نسبة أرباحها إلى أسعارها عن عشرة وبيع ما فوق ذلك. ومال بنجامين جراهام في الاتجاه ذاته، على الرغم من أن نصيحته كانت أشد تعقيدًا بعض الشيء. وأول وثائق تجريبية دالَّة تفيد بأن الأسهم ذات نسب «الأرباح إلى الأسعار» المنخفضة تتفوق في أدائها على الأسهم ذات نسب «الأرباح إلى الأسعار» المرتفعة؛ صنَّفها نائب رئيس بنك في فيلادلفيا ونشرها في دورية «فاينانشال أناليستس جورنال» سنة ١٩٦٠.32 كان سهلًا بدرجة كافية تجاهل هذا التأريخ، لكن في أواخر سبعينيات القرن العشرين بدأ الأكاديميون الماليون باستخدام أحدث البيانات والأساليب في اكتشاف أن أسهم القيمة تفوقت على السوق حتى مع أخذ المخاطر في الحسبان. لم يتجاهل هذا العلم — المنغمس أبناؤه في وصف توماس كُون الثورات العلمية — التحدي الذي يواجه نموذجه الفكري.33

كتب مايكل جنسن سنة ١٩٧٨ يقول: «على نحو مشابه لما وصفه توماس كون، يبدو أننا داخلون مرحلة فيها أدلة متناثرة على نطاق واسع وغير متماسكة حتى الآن آخذة في الظهور وتبدو غير متسقة مع النظرية.» جاءت هذه الجملة في مقدمة عدد خاص لدورية «جورنال أوف فاينانشال إيكونوميكس» حول «أدلة شاذة بخصوص كفاءة السوق»، ولا تفصلها إلا جمل قليلة عن مقولة جنسن الشهيرة «أعتقد أنه لا توجد في علم الاقتصاد فرضية أخرى تؤيدها أدلة تجريبية أقوى مما تؤيد فرضية كفاءة السوق.» من الواضح أن جنسن لم يكن على استعداد بعد للاستسلام.

كانت هناك مقالة في العدد ذاته بقلم راي بول — أستاذ محاسبة أسترالي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاجو — بيَّنت طريق المضي قدمًا؛ حيث كتب بول يقول: «كما زعم كون، لا مجال من مجالات العلم السوي يمكنه تبرير تتبُّع كل انحراف على حساب البحوث الأعظم نفعًا.» وقد أقر بأنه كانت هناك آنذاك أدلة شاذة كثيرة جدًّا بشأن الأرباح وأسعار الأسهم لدرجة أن شيئًا ما لا بد أن يخضع للتغيير. وجادل بأن ذلك الشيء لا ينبغي أن يكون فرضية كفاءة السوق، بل نموذج المخاطرة والعائد المتضمن في نموذج تسعير الأصول الرأسمالية. كان الوقت قد حان للانصياع لحقيقة أن بيتا — وهي مقياس حساسية السهم لتقلبات السوق الكلية — لم تكن المخاطرة الوحيدة التي تهم.34
كان أول عامل خطر جديد يتم إثباته هو «الصِّغر». محَّص رولف بانتز — طالب الدراسات العليا بجامعة شيكاجو — ثلاثًا وخمسين سنة من بيانات بورصة نيويورك، ووجد أن أسهم الرسملة الصغيرة تتفوق في أدائها على الكبيرة تفوقًا مثيرًا. جادل بانتز بأن المعلومات المتاحة عن الشركات الصغيرة كانت أقل؛ لذا تعيَّن تعويض المستثمرين عن «مخاطر التقدير» التي ينطوي عليها شراؤها. وفي غضون ذلك برر كثيرًا من التفوق في أداء أسهم القيمة، بما أن الأسهم الصغيرة في مجموعها تتميَّز بنسب «أرباح إلى أسعار» أقل من الأسهم الكبيرة.35
كانت أطروحة معقولة بدرجة كافية، لكنها سرعان ما بدأت تتفسَّخ. فالأسهم الصغيرة توقفت عن التفوق على السوق بعد سنة ١٩٨٣؛ مما يدل على أن تفوُّقَهَا السابق في الأداء ربما لم يكن مكافأة على «مخاطر التقدير» بقدر ما كان مجرد مثال على عدم اغتنام المستثمرين فرصة ما، ثم انقضاضهم عليها بعد أن بيَّنها لهم شخص ما (في حالتنا هذه رولف بانتز).36 بدا أن ذلك عدم كفاءة في السوق استمر لعقود وإن كان تلاشى في النهاية.

في هذه الأثناء، كشف تفتيش أساتذة المالية في البيانات مزيدًا من الظواهر التي يصعب تفسيرها ضمن نموذج السوق الكفء. كانت هناك الحالة التي يتحوَّل فيها الفائزون إلى خاسرين، والعكس بالعكس، التي تعرَّف عليها تالر ودي بونت. كانت هناك «ظاهرة يناير» التي يكون أداء الأسهم فيها جيدًا فوق العادة في الشهر الأول من العام. وفي المقام الأول كانت هناك أسهم القيمة، تلك التي — كما كشفت الدراسة المستمرة — تتفوق على السوق حتى عندما تؤخذ ظاهرة الأسهم الصغيرة المفترضة في الحسبان.

•••

ظل صاحب فرضية كفاءة السوق لأطول وقت مجرد متفرج على هذه الأحداث المربكة. كان يوجين فاما في الطليعة، وأحد أسباب ذلك أنه كان ضمن لجنة مناقشة أطروحة بانتز. لكن بعد منتصف سبعينيات القرن العشرين، غيَّر اتجاهه بعيدًا عن الأبحاث الجادة أو الكتابة عن كفاءة السوق. قام ببعض العمل مع تلميذه السابق مايكل جنسن في مجال نظرية الوكالة. درس تأثير التضخم على الأسواق. تعلم التزلج الشراعي على الماء وأجاده لدرجة أنه بحلول منتصف تسعينيات القرن العشرين أعلن أنه «ربما يكون أفضل متزلج شراعي على الماء في العالَم فوق سن الخمسين.»37 لكنه لم يستطع أن يصمت إلى الأبد. وعندما عاد فاما إلى النظرية الكبرى التي جلبت له الشهرة، حقَّق نهجه المدفوع بالبيانات شبه المُعَمَّى نتائج مذهلة. لم يتبرأ على وجه الدقة من السوق الكفء، لكنه تمكَّن من زلزلة قواعدها على نحو لم يكن يقدر عليه أحد غيره.

بدأ ذلك في ١٩٩١ بمراجعة — بناءً على طلب محرري دورية «جورنال أوف فاينانس» — للبحث المهم حول فرضية كفاءة السوق التي نشرها قبل ذلك بعقدين من الزمن. استهل فاما قائلًا: «نادرًا ما تكون التتمَّات بمثل جودة الأعمال الأصلية.» وفي حين أن بقية رأيه كانت إيجابية إلى حد كبير، فإنها كانت بعيدة كل البعد عن كونها انتصارية. كانت فرضية كفاءة السوق قد «اجتازت اختبار الجدوى العلمية الحاسم» كما قال. وأردف قائلًا: «لقد غيرت آراءنا في سلوك العوائد عبر الأوراق المالية وعبر الزمن.» كما كانت قد غيَّرت أيضًا وول ستريت؛ حيث ساعدت على ظهور الصناديق المرتبطة بمؤشر، وقياس الأداء، وما شابه ذلك. وعلى نحو يشبه قليلًا ما كان مايكل جنسن قد ادعاه سنة ١٩٧٨، كتب فاما يقول إن «البحوث السابقة حول كفاءة السوق من أنجح البحوث في علم الاقتصاد التجريبي، والاحتمال كبير أن تظل هكذا في المستقبل.»

كان ذلك شيئًا مختلفًا عن قولنا إن السوق عقلانية أو كفء تمامًا، ولم ينكر فاما أن بعض أوجه اليقين التي تراءت في الأيام الأولى تبيَّن أنها سراب. وقد اعترف أن سانفورد جروسمان وجوزيف ستيجلتز برهنا على أن الصورة القوية من فرضية كفاءة السوق لا يمكن أن تكون صحيحة. كان يتعيَّن أن يكون من الممكن التفوق على السوق باستخدام المعلومات الخاصة، وإلا فإن أحدًا لن يتجشَّم أبدًا عناء إنفاق المال لجمع المعلومات. ومضى فاما يقول إن الدرس المستفاد من هجمات بوب شيلر ولاري سامرز في ثمانينيات القرن العشرين، هو أن «الفقاعات اللاعقلانية في أسعار الأسهم لا يمكن تمييزها من العوائد المتوقعة العقلانية المتغيرة زمنيًّا.» لم يكن هناك سبيل للتأكد مما إذا كانت السوق متقلبة على نحو لا عقلاني أم لا.38

لكن مع ذلك كانت هذه موضوعات ثانوية من وجهة نظر فاما في المسألة. كانت فرضية كفاءة السوق، على نحو ما اقترحها في الأصل، تؤكد أن تحركات أسعار الأسهم لا يمكن التنبؤ بها إلا بواسطة نموذج تسعير الأصول الرأسمالية. ووفقًا لنموذج تسعير الأصول الرأسمالية، كانت بيتا — تذبذُب السهم بمقارنه بسائر السوق — هي التي تقرر مدى جودة أداء ذلك السهم بمرور الوقت. كان ذلك مفاضلة بسيطة بين المخاطرة والمكافأة. كانت الأدلة في تراكم منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين ضد هذا الجمع بين السوق الكفء ونموذج تسعير الأصول الرأسمالية، لكن أساتذة المالية — عدا بعضهم ممن هم خارج التيار السائد — تحاشوا تحدي نظرية فاما، ووجدوا بدلًا من ذلك طرقًا ملتفة أكثر فأكثر لإلقاء اللوم في كل انحراف على ظاهرة السهم الصغير.

لم يفعل فاما ذلك، بل انطلق هو وكنيث فرنتش، زميله الأصغر منه سنًّا بجامعة شيكاجو، لإعادة اختبار فرضيته الأصلية، فلم تكن النتائج جيدة، وقد وصفها بإيجاز في بحثه المنشور سنة ١٩٩١، وفصَّله تمامًا في السنة التالية في بحث كالقنبلة اشترك في تأليفه مع فرنتش. محَّص فاما وفرنتش بيانات السوق من سنة ١٩٤١ إلى سنة ١٩٩٠، وقرَّرَا على نحو قاطع أن بيتا ببساطة لا تحقق ما هو مطلوب، على الأقل ليس وحدها. كتبا يقولان: «نحن مضطران إلى استنتاج أن نموذج تسعير الأصول الرأسمالية لا يصف آخر ٥٠ سنة من متوسط عوائد الأسهم.» جادل فاما وفرنتش بأن أداء بيتا القوي في عقد واحد فقط — وهو أربعينيات القرن العشرين — هو الذي حقق نتائج إيجابية في الجولة الأولى من اختبارات نموذج تسعير الأصول الرأسمالية في أوائل سبعينيات القرن العشرين.

بدا أنهما يقولان إن واحدًا من أقوى الأدلة على بنية مالية الأسواق الكفء برمتها هو مجرد بيانات مصطنعة. كان لهذا الحكم — الذي صدر عن فاما نفسه — تأثير لم يكن لأدلة أنماط السوق السابقة. وبعد ذلك بسنوات كتب ناقد السوق الكفء روبرت هاوجن — الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في إرفين — يقول: «قال البابا إن الإله قد مات، على الأقل إله نموذج تسعير الأصول الرأسمالية.»39

لم يكن فاما جاهزًا البتة للتسليم بأن السوق الكفء ماتت؛ مما كان يعني أنه يحتاج إلى نموذج مخاطر جديد ليحل محل نموذج تسعير الأصول الرأسمالية. وجد هو وفرنتش أن كلًّا من الشركات ذات الرسملة السوقية المنخفضة (الأسهم الصغيرة)، ونسب «السعر إلى القيمة الدفترية» المنخفضة (أسهم القيمة)؛ حقَّقت عوائد أعلى من المعتاد بين عامي ١٩٤١ و١٩٩٠. والحقيقة أن هذين المقياسين — بجانب بيتا — بدا أنهما «يفسران» معظم سلوك السوق.

في حين أن بيتا كانت معقولة نظريًّا إلى حد كبير كعامل مخاطرة، وكانت ظاهرة السهم الصغير معقولة على الأقل بعض الشيء، كان تفوق أسهم القيمة في الأداء أصعب كثيرًا في تفسيره من حيث المخاطرة. وهذا لا يعني أنهما لم يحاولا. كتبا يقولان إنه «إذا كانت أسعار الأسهم عقلانية»، فإن نسبة القيمة الدفترية إلى السعر لا بد أن تكون «مؤشرًا مباشرًا على الإمكانيات النسبية للشركات»؛ فالشركة ذات نسبة «القيمة الدفترية إلى السعر» المرتفعة كانت من ثَمَّ شركة محفوفة بالمخاطر، ولهذا كانت عوائدها للمستثمرين مرتفعة.40 كان هذا يضاهي القول بأن الشركة ذاتها تمثل استثمارًا أكثر مخاطرة عندما يكون سعر السهم فيها ٥ دولارات وليس ٢٠ دولارًا، وهو كلام غريب يتناقض مع تعاليم المستثمرين الناجحين من روجر بابسون وبنجامين جراهام ومَن بعدهما.
بعد ذلك بعام، أثبت أكاديميان آخران وجود «زخم» مستمر في أسعار الأسهم؛ فعلى مدى فترات تتراوح بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهرًا، وجدا أن الأسهم التي كانت تحقق أداءً جيدًا فوق العادة، ظلت كذلك، والأسهم التي كانت تحقق أداءً سيئًا فوق العادة، ظلت كذلك. كان روبرت ليفي — طالب الدكتوراه بالجامعة الأمريكية — قد قدَّم برهانًا مماثلًا، قديمًا في منتصف ستينيات القرن العشرين، وقتله مايكل جنسن بحثًا على صفحات دورية «فاينانشال أناليستس جورنال». وها هو قد عاد هذا الزخم الآن، مؤيدًا ببيانات أشمل بكثير.41 لم يكن بالإمكان نبذه.
اعترف فاما بأن الزخم أصعب حتى في وصفه كعامل مخاطرة من القيمة، فلم يمنع ذلك واحدًا من طلابه من إضافته إلى نموذج فاما-فرنتش كعامل مخاطرة آخر يؤخذ في الحسبان عند الحكم على أداء المستثمر.42 لم يكن على قدر بالغ من عدم المعقولية من ذلك المنظور، فلو أنك تدين بنجاحك كله لاستراتيجيات زخم أو قيمة بسيطة يستطيع أي أستاذ مالية لديه كمبيوتر أن يستنسخها، فأنت ربما لم تكن ذكيًّا جدًّا في نهاية المطاف. لكن كتفسير لأسعار الأصول، كان غير مرضٍ إلى حد بعيد.

كان فاما قد أعاد اختبار فرضيته المشتركة الأصلية لكفاءة السوق ونموذج تسعير الأصول الرأسمالية، ووجد أن ثمة قصورًا يشوبها، وبدلًا من التخلص من كفاءة السوق، تخلص من نموذج تسعير الأصول الرأسمالية، لكنه أخفق في التوصل إلى فرضية موثوقة تحل محلَّها. لم يكن «نموذج فاما-فرنتش ثلاثي العوامل» — كما صار يُعرف — و«النموذج رباعي العوامل» الذي تلاه واشتمل على الزخم؛ نظريتين اقتصاديتين في الحقيقة، بل كانا ممارستين في التنقيب عن البيانات اشتملتا على تفسيرات مشكوك فيها أضيفت بعد تمام العملية. علاوة على ذلك، كانا بمنزلة ممارستين في التنقيب عن البيانات كشفتا أن العديد من استراتيجيات وول ستريت العريقة — التي نبذها أساتذة المالية منذ ستينيات القرن العشرين باعتبارها فولكلورًا أو ما هو أسوأ — مربحة على الدوام. كان كثير من زملاء فاما وطلابه يقولون في أنفسهم بالفعل إنه «ربما» كان ذلك الهراء حول التفوق على السوق صحيحًا برغم كل شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤