الفصل الثاني

السير العشوائي من فريد ماكولاي إلى هولبروك وركينج

الإحصاء والرياضيات يجدان طريقهما نحو الاتجاه الاقتصادي السائد في ثلاثينيات القرن العشرين؛ مما يمهد الساحة لتغيرات كبيرة مقبلة.

***

وصل رمي العملات النقدية إلى أبحاث أسواق الأسهم في أبريل ١٩٢٥، وذلك في عشاء الإحصائيين نفسه الذي وصف فيه روجر بابسون وويليام بيتر هاملتون طريقتيهما للتنبؤ. وبعد فراغهما والمتحدثين الآخرين، اعتلى المنصة فريدريك ماكولاي.

كان ماكولاي أكاديميًّا تأخر بزوغ نجمه — حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كولومبيا قبل ذلك بأربع سنوات وهو في سن التاسعة والثلاثين — منخرطًا في استقصاء لسلوك السوق لصالح مركز بحثي جديد يسمى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، كما كان من النوع المشاغب.1 واستعدادًا لعرضه التقديمي الذي سيلقيه خلال العشاء، ابتكر تجربة هدفها السخرية من ادعاءات المتنبِّئين، وبالأخص ادعاءات هاملتون، مدير تحرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، الذي كان يعتقد أن باستطاعته التنبؤ بالحكمة الاقتصادية العليا من خلال قمم متوسطات داو جونز ومنخفضاته. رمى ماكولاي (أو ربما يكون من رمى هم بعض المساعدين متدني الأجر) عملةً معدنية عدة آلاف من المرات، حاسبًا «الوجه» كزيادة سعرية بمقدار نقطة واحدة و«الظهر» كنقص بمقدار نقطة واحدة. ثم جمع الزيادات والنقوصات ووضع النتيجة على رسم بياني. وكما أفاد خلال العشاء، بدا نتاج جهوده — على نحو غريب — كمخطط أسهم. قال ماكولاي: «سيقر الجميع بأن مسار مثل هذا المنحنى التصادفي المحض لا يمكن التنبؤ به.»
على خلاف كثيرين جدًّا من الأكاديميين الذين يعتمدون على رمي العملة في تقديراتهم المستقبلية، لم يَرَ ماكولاي أن القصة انتهت عند هذا الحد. أولًا: كان يرى أن طريقته يمكن أن تؤدي إلى أرقام سالبة، في حين أن أسعار الأسهم يمكن أن تنخفض إلى الصفر لكن دون أن تمضي أبعد من ذلك.2 ثانيًا: عشوائية السوق الفعلية لن تتبع بالضرورة توزيع منحنى الجرس البسيط لماراثون رمي عملة. فأسعار الأسهم غالبًا ما تقفز أو تهبط مسافات أطول من قطعة عملة. ثم كانت هناك قضية كبيرة حقًّا، قضية نوَّه إليها كلٌّ من إرفينج فيشر وهنري بوانكاريه؛ ألا وهي أن السلوك البشري ليس عشوائيًّا بحق. فالناس — ومن ثَمَّ المستثمرون — يتصرَّفون في بعض الأحيان كالخراف.
تعرَّف ماكولاي على سلوك المستثمرين تعرُّفًا مباشرًا؛ إذ كان والده رئيس شركة صن لايف الكندية، التي كانت آنذاك وما زالت من بين أكبر مديري الأموال في العالم، كما سبق لجدِّه أن أدار الشركة أيضًا.3 لم يعمل ماكولاي الحفيد هناك قط، لكنه أمضى أواسط ثلاثينيات القرن العشرين كشريك في شركة استثمارية صغيرة في نيويورك، مما أعطاه فكرة أدق كثيرًا مما أتيح للأكاديميين الآخرين عن آليات وول ستريت.4
بحلول الوقت الذي طُلب منه فيه الحديث خلال حفل عشاء آخر للإحصائيين في نيويورك سنة ١٩٣٤، كان ماكولاي قد مضى في طريقه من رمي العملة المعدنية إلى تصوير مجازي آخر للسوق، وهو زوجان مثقلان من النرد، مع تبديل الثقل من حين إلى آخر. قال إن تحركات الأسهم اليومية ربما يصفها التوزيع الطبيعي وصفًا جيدًا، معيدًا إلى الأذهان عمل باشوليي المبكر، الذي لا يبدو أنه كان على دراية كبيرة به، لكن التقلبات الأطول أمدًا كانت شيئًا آخر تمامًا.5
أوضح ماكولاي الأسباب سنة ١٩٣٨، وهي السنة التي نَشر فيها نتائج مشروعه البحثي الطويل الذي نفذه لصالح المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية حول الأسواق المالية في صورة كتاب؛ حيث كتب يقول: «إذا كانت أهواء السلوك الفردي دائمًا موزعة «طبيعيًّا» حول «منوال» يتسم بالعقلانية الصارمة، فإن آثارها المقيِّدة على تطور الاقتصاد كعلم اجتماعي يتَّسم بالمنطقية الصارمة قد تكون ضئيلة أو لا تُذكر.» ومع ذلك فالأخطاء التي يرتكبها المستثمرون والمضاربون بمراهنتهم على المستقبل عن طريق الأسواق المالية لم تكن عشوائية. كانت «نظامية» و«ثابتة»، وهي النتيجة الحتمية «للعاطفة وغياب المنطق ونقص المعرفة» التي اتسم بها اتخاذ القرار البشري، لكن بالأخص اتخاذ القرار بشأن المستقبل. جادل ماكولاي بأن هذه الأخطاء النظامية هي السبب الرئيسي «للاضطرابات الاجتماعية العنيفة» المعروفة باسم دورة الأعمال.6 وأما الدواء الذي وصفه فكان المزيد من التخطيط الحكومي للنشاط الاقتصادي بحيث يحمل المستقبل مفاجآت أقل.

•••

كانت تلك وصفة رائجة جدًّا بحلول أواخر ثلاثينيات القرن العشرين. لكن تشخيص ماكولاي كان آخذًا في فقدان مكانته، على الأقل بين الاقتصاديين. كان هذا العلم يوشك أن يندفع بلا روية إلى التحول إلى «علم اجتماعي يتسم بالمنطقية الصارمة». وكحال الفيزيائيين الذين تجاهلوا الاحتكاك عند بنائهم نماذجهم للعالم، صار الاقتصاديون أكثر وأكثر ارتياحًا لتجاهل حقائق السلوك الإنساني المعروفة على نطاق واسع كي يبنوا له نماذج أفضل. كانت هذه العملية قد بدأت بجدية فيما كان الاقتصاديون يفتِّشون في حطام الانهيار الكبير وما تبعه من كساد بحثًا عن تفسيرات لما حدث وأدوات لمكافحته، وحتى ماكولاي انهمك في ذلك.

كان ماكولاي قد بدأ استقصاءه الطويل للأسواق المالية مثل معلمه ويسلي كلير ميتشل — الأستاذ بجامعة كولومبيا، ورئيس المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية — الذي كان يعلِّم تلاميذه إمكانية التنبُّؤ بالحقيقة الاقتصادية كأفضل ما يكون بالتمحيص الدقيق للبيانات. اكتشف ماكولاي خلال سنوات انكبابه على دراسة أسعار الأسهم والسندات أن هناك حدودًا لما يمكن أن يفصح عنه محض فحص البيانات. كتب ميتشل يقول في مقدمة كتاب ماكولاي الذي نُشر سنة ١٩٣٨: «كلما صارع هذه المشكلات أكثر، صار أكثر انتقادًا للعلاقات التجريبية المحضة، وأشد رغبة في اكتشاف ما يجعل هذه السلسلة المختلفة تسلك السلوك الذي تسلكه.» في بحثه عن أجوبة، وجد ماكولاي نفسَه يتجه إلى نظريتي إرفينج فيشر عن الفائدة وقيم الأسهم، بل وابتكر معادلة «فيشريَّة» خاصة به لمقارنة قيمة السندات ذات آجال الاستحقاق المختلفة.

استعمل ماكولاي معادلاته ومعادلات فيشر لا كدليل على كمال السوق، بل لبيان عدم توافق الأسعار السائدة في الأسواق المالية مع العقلانية الاقتصادية. اتبعت الأجيال التالية من الاقتصاديين ببساطة هذه المعادلات وصولًا إلى استنتاجاتها المنطقية. والشيء الظريف الذي يحمل شيئًا من المفارقة، أن ماكولاي معروف اليوم فقط بمعادلته المتعلقة بأسعار السندات المسماة «مدة ماكولاي»، التي يستخدمها المستثمرون المهتمون بالناحية الكمية منذ سبعينيات القرن العشرين لاتخاذ قرارات الشراء والبيع التي من المفترض أنها تدفع الأسعار أقرب إلى الوضع المثالي العقلاني.

كان ذلك تطورًا دالًّا على اتجاه أوسع نطاقًا بكثير في الاقتصاد. فالمعادلات كانت تُستظهر وتُنقل. كانت الكلمات المصاحبة، وغالبًا البيانات الفعلية التي اختبرت المعادلات قياسًا عليها، تذهب في طي النسيان. انتُقد هذا التركيز المتزايد على الجانب الرياضي للاقتصاد بشدة مرارًا وتكرارًا على مر السنين، في الأغلب من جانب صحفيين وآخرين من خارج المجال ممن وجدوا أنفسهم لم يعودوا قادرين على متابعة ما يجري، لكن أيضًا من جانب بعض الاقتصاديين. غير أن هذا لم يكن نتاج مجرد تصلب في الرأي، بل حدث لأسباب وجيهة عديدة.

كان أحد الأسباب أن التطورات المتواصلة في الرياضيات والإحصاء بدأت تتمخَّض عن معادلات أكثر تعقيدًا وملاءمة من المعادلات التي كانت متاحة للاقتصاديين الرياضيين في أواخر القرن التاسع عشر. كما لعبت الحرب العالمية الثانية، التي جمعت بين الاقتصاديين والأساليب الكمية بطرق جديدة وتمكينية، دورًا كبيرًا أيضًا. ثم كان لظهور الكمبيوتر بعد ذلك أهمية بالغة. لكن ربما كان أول حافز كبير لظهور علم الاقتصاد الرياضي هو انهيار المدرسة التجريبية الشكوكية التي ينتمي إليها ماكولاي؛ حيث أسفر ذلك عن فراغ فكري هرولت الرياضيات لملئه.

•••

في العقود الأولى من القرن العشرين، كانت هناك مدرستان رئيسيتان للفكر الاقتصادي الأمريكي، إحداهما هي النوعية التقليدية المتحدرة من آدم سميث عن طريق الثورة النيوكلاسيكية في أواخر القرن التاسع عشر، وكان أتباعها يرون الاقتصاد كدراسة أفراد عقلانيين مهمتهم تعظيم المنفعة. كان إرفينج فيشر عضوًا في هذه الجماعة، لكنه كان عضوًا منعزلًا؛ إذ إن قليلين آخرين اشتركوا معه في ميله الرياضي أو في رغبته القوية في تحسين العالم. كانت الأغلبية تميل بدلًا من ذلك إلى نهجٍ قوامه عدم التدخل في السياسة الاقتصادية، واستمدوا نظرياتهم من «مبادئ الاقتصاد» — وهو كتاب دراسي نُشر أول مرة سنة ١٨٩٠ لمؤلفه الأستاذ بجامعة كامبريدج ألفريد مارشال — الذي أبعد المعادلات إلى ملحق ورَوَّج الرسوم البيانية الخاصة بالعرض والطلب المألوفة لدى دارسي أساسيات الاقتصاد في يومنا هذا. وصارت المقولة التي يرددها الناس بثقة تامة: «كل شيء في كتاب مارشال.» لكن جمهورًا متناميًا من الأكاديميين الأمريكيين اعترضوا بأنه ليس كل شيء في كتاب مارشال. صار هؤلاء المنشقون يُعرفون باسم «المؤسَّسِيين»؛ لأن بعضهم أكد على دور المؤسَّسات الاقتصادية (كالقوانين والأعراف) أكثر من متخذي القرارات الأفراد. لكنها كانت في حقيقة الأمر حركة أوسع نطاقًا وأكثر تنوعًا من ذلك.

عكَس الانقسام بين النيوكلاسيكيين والمؤسَّسِيين فجوة مزَّقت العلوم منذ مطلع العقد الأول من القرن السابع عشر. فقبل ذلك الحين، هيمن الاستنباط — وهو الممارسة المتمثِّلة في قبول مسلمات معينة بشأن العالم ثم استخدام المنطق لاستنتاج أجوبة منها — على الفكر الغربي. لاحظ رجال عصر النهضة شديدو الانتباه، مثل عالم التاريخ الطبيعي فرانسيس بيكون، أن الأجوبة العلمية المستنبطة من المبادئ الأساسية لأرسطو والكنيسة لا تتوافق دائمًا مع الحياة الواقعية، فوضع فلسفة جديدة للاستدلال الاستقرائي مفادها ملاحظة الطبيعة والبحث عن أنماط.

كانت هناك حلقة مفقودة بالغة الأهمية في النهج الاستقرائي كما أوضح ديفيد هيوم، الفيلسوف الاسكتلندي ومعلم آدم سميث: مجرد رؤية ظاهرة تتكرر لا يضمن أنها ستستمر في المستقبل، والتأكيد على أنها ستواصل التكرار يعني ضمنًا قبول نظرية ما تتعلق بالأسباب.7 منذ ذلك الحين، ظلت معظم العلوم تتأرجح إقبالًا وإدبارًا بين قطبي الاستنباط والاستقراء، وعند مطلع القرن العشرين، بدا علم الاقتصاد في الولايات المتحدة مهيَّأً لمنعطف في الاتجاه الأخير؛ اتجاه المؤسَّسِيين.
كان المؤسَّسِيُّ الأبقى شهرة هو ثورستاين فبلن، كاتب المقالات النقدية اللاذعة للرأسمالية التي ما زالت تُطبع إلى الآن، وصائغ المصطلحات الخالدة من قبيل «الاستهلاك المظهري» و«التكنوقراطية». كان فبلن قد تتلمذ على يدي ويليام جراهام سمنر في جامعة ييل مثله مثل إرفينج فيشر، لكن يبدو أنه دوَّن ملاحظات مختلفة خلال المحاضرات؛ حيث انتقد الاقتصاد النيوكلاسيكي بقسوة معتبرًا إياه عبثًا مجردًا لا صلة له بالواقع. أما عن «طبيعة رأس المال والدخل» — الكتاب الذي ضاع من فيشر وأعاد تأليفه سنة ١٩٠٦ — فقد كتب فبلن يقول إن «ما ينقصه هو نبض الحياة.»8

كان فبلن زير نساء كثير النَّزَوات، ودأب على ارتكاب أفعال تؤدي إلى طرده من العمل، بمعنى أنه لم يُخلق كي يكون قائدًا عملياتيًّا لحركة فكرية، خلافًا لتلميذه النجم ويسلي ميتشل الذي خُلق ليكون كذلك. كان ميتشل ضمن دفعة طلاب البكالوريوس الأولى التي تخرجت في جامعة شيكاجو، تلك التجربة التي موَّلها جون آر روكفلر في مجال التعليم العلمي وفتحت أبوابها سنة ١٨٩٢. كان فبلن معلمًا متواضعًا في قسم اقتصاد يهيمن عليه النيوكلاسيكيون، لكنه ترك تأثيرًا كبيرًا على ميتشل، الذي استمرَّ في شيكاجو للحصول على الدكتوراه، ثم واصل مشواره ليصبح أعظم حُجة في الولايات المتحدة في دورة الأعمال. لم يقبل ميتشل معادلة «الفعل يولِّد رد الفعل» المبالِغة في التبسيط التي وضعها روجر بابسون، كما لم يقبل اعتقاد فيشر أن «تقلب الدولار» يفسر جميع التقلبات. بدا أنه لا يقبل أية نظرية إطلاقًا. بدلًا من ذلك كان يرى دورة الأعمال كجزء طبيعي من آليات الرأسمالية، ويأمل أن يمكِّنه التمحيص الدقيق للبيانات من فهمها فهمًا أوضح.

أثار التزام ميتشل — بعمل مليء بالمشاق في جمع أدلة اقتصادية أفضل — اهتمامَ إرفينج فيشر بشدة جعلته يحاول اجتذاب الأكاديمي الشاب إلى جامعة ييل؛ حيث دعا أسرة ميتشل إلى نيو هيفن لقضاء عطلة أسبوعية لديه سنة ١٩١٢، وأقام مأدبة عشاء على شرفهم. وبينما كان الضيوف يستمتعون بوجبة متعددة الأصناف، كان مضيفهم المهووس بالصحة يلتهم البيض النيئ.9 رفض ميتشل عرض فيشر مؤْثِرًا عليه جامعة كولومبيا.
بُعيد الحرب العالمية الأولى، فاتَحَ إحصائي محافظ في شركة الهاتف والتلغراف الأمريكية (إيه تي آند تي) واقتصادي اشتراكي ميتشلَ في مقترح لحسم خلافاتهما بشأن السياسية الاقتصادية بتحسين جودة الإحصاء الاقتصادي،10 فكانت النتيجة إنشاء المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الذي فتح أبوابه في نيويورك سنة ١٩٢٠، ومضى ليحدث ثورة في جمع البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة ونشرها وفهمها. وكان الناتج القومي الإجمالي واحدًا من مقاييس مبتكرة كثيرة أفرخها هذا المكتب.
مارس ميتشل جاذبية قوية على الاقتصاديين الأصغر سنًّا. كان مفكرًا تقدميًّا من الطراز الأول يسكن منزلًا في حي جرينتش فيليدج بمدينة نيويورك، ومتزوجًا من نصيرة ذائعة الصيت من أنصار التجريب التعليمي (وهي لوسي سبراج ميتشل، مؤسِّسة بنك ستريت كوليدج أوف إديوكيشن)، وهو نفسه مؤسِّس مشارك لنيو سكول فور سوشال ريسيرتش. عندما وصل النمساوي الشاب فريدريش هايك إلى الولايات المتحدة لأول مرة سنة ١٩٢٣، صُدم عندما اكتشف أن أقرانه الأمريكيين ما عادوا يأبهون لفيشر أو أي من عظماء النيوكلاسيكية الآخرين في البلاد، فكتب في هذا فيما بعد يقول: «كان الاسم الوحيد الذي يحلف به الشباب المتحمِّسون هو الاسم الوحيد الذي لم أكن أعرفه … ويسلي كلير ميتشل. والحقيقة أن دورات الأعمال والمؤسَّساتية كانتا محوري النقاش الأساسيين.»11 وقد قيل إن فريد ماكولاي — تلميذ ميتشل في كولومبيا وأحد موظفيه الأوائل في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية — كان «يُجلُّ ميتشل كما لو كان معبودًا.»12

عندما حدث الانهيار الكبير وتلاه الكساد، بدت اللحظة مواتية لميتشل والمؤسَّسِيين للإمساك بزمام السيطرة على علم الاقتصاد الأمريكي نهائيًّا وإلى الأبد. كانت دورة الأعمال قد أثبتت وجودها بكل شراسة. فقد ثبت أن حديث إرفينج فيشر عن «هضبة مستقرة الارتفاع» بلغتها أسعار الأسهم مجرد هراء، ولم يكن كتاب ألفريد مارشال الدراسي النيوكلاسيكي يقينًا يضم بين دفتيه الجمود شبه التام الذي أصاب النظام المالي في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين.

لكن ميتشل لم يرتفع إلى مستوى الأحداث، مُؤْثرًا الانسحاب؛ حيث أمضى السنة الأكاديمية ١٩٣٠-١٩٣١ بعيدًا على مسافة ٣٥٠٠ ميل في جامعة أكسفورد، وفيما عدا ذلك، لم يكد يفعل شيئًا إلا الدعوة إلى المزيد من الدراسة. أحد تلامذته في كولومبيا أذهله بشدة اعتزال معلمه حتى إنه كتب مقالة بحث فيها دواعيه التاريخية والنفسية. (كان مما كتب: «أتاح الإحصاء لميتشل الوسيلة للهروب من الواقع؛ لأنه كان واقعيًّا يخشى الواقع».)13
كان بعض رفاق ميتشل المؤسَّسِيين أقل تحفظًا، وتوجهوا إلى واشنطن للعمل في إدارة روزفلت. هؤلاء أيضًا كافحوا، فحاربوا في أغلب الأحوال بعضهم بعضًا. كانت معظم الابتكارات الاقتصادية الدائمة التي تعود إلى سنوات روزفلت الأولى (بداية من تأسيس هيئة الأوراق المالية إلى إعادة تنظيم نظام الاحتياطي الفيدرالي) ثمرةَ عمل محامين ومصرفيين وأشخاص عمليين آخرين لا اقتصاديين. تصور الاقتصاديون المؤسَّسيُّون أنفسهم من التكنوقراط، أو بعبارة أخرى، مهندسي أعمال كالذين جادل ثورستاين فبلن بأنهم سيسيِّرون الاقتصاد على نحو أكثر عقلانية مما يستطيعه «مالك غائب» مدفوع بتحقيق الربح.14 لكن من الصعب أن تدار تكنوقراطية دون تكنولوجيا. وفي حين كان الشك في نظريات الاقتصاد النيوكلاسيكي الكبرى يوحِّد المؤسَّسِيين، لم يكن لديهم نظرية كبرى خاصة بهم لتفسير السلوك الاقتصادي.

من ثمَّ حدث شيء جدير بالملاحظة. ففي البيئة الفكرية الأوسع في ثلاثينيات القرن العشرين، كان ما دحضه الانهيار والكساد الكبيران هو مبدأ عدم التدخل، وهو فلسفة اقتصاد السوق التي سبقت هذين الحدثين. كان طلاب الدراسات العليا المتخصصون في الاقتصاد يشتركون في هذه الرؤية. كان الكساد الكبير هو الذي اجتذب معظمهم إلى علم الاقتصاد. (زُعم فيما بعد أن هذه كانت المرة الأولى التي التحقت فيها أعداد كبيرة من الأذكياء بدراسة هذا العلم.) لكن في خضم البحث عن أدوات لفهم الأزمة المحيطة بهم ومحاربتها، وجد هؤلاء الأكاديميون الشباب أن الاقتصاديين المؤسَّسِيين الذين ينتقدون مبدأ عدم التدخل أشد النقد لا يكاد يكون لديهم أي شيء يقدمونه لهم. وكتاب «مبادئ الاقتصاد» لمارشال لم يذكر الكثير عن الكساد، لكن في أعماق صندوق الأدوات النيوكلاسيكي كانت هناك أفكار ومناهج تقول الكثير عنه، وأعني الأفكار والمناهج الرياضية.

وهكذا بدأ الشباب الأذكياء الذين درسوا هذا العلم في ثلاثينيات القرن العشرين يُنشئون — رغمًا عن إرادتهم تقريبًا — علم اقتصاد يدين لإرفينج فيشر بأكثر مما يدين لويسلي ميتشل. هذا لا يعني أنهم سيسمون أنفسهم «الفيشريون»؛ إذ عُرفوا بدلًا من ذلك باسم «الكينزيون» نسبة إلى جون مينارد كينز، الإنجليزي المضارب والمجادل السياسي وجامع المقتنيات الفنية والذواقة الشامل، الذي سيصبح الاقتصادي الأشهر بين اقتصاديي القرن العشرين.

فماذا كانت الكينزية؟ كانت في جزء منها نقدًا لأفكار السوق الحرة فاق حتى نقد ثورستاين فبلن في سخريته اللاذعة. كتب كينز في فقرة مشهورة في كتابه الفذِّ «النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود» (١٩٣٦) يقول:

يجوز تشبيه الاستثمار الاحترافي بالمسابقات المنشورة في الصحف التي يُطلب فيها من المتسابقين اختيار أجمل ستة وجوه من بين مائة صورة، وتُمنح الجائزة للمتسابق الذي يتوافق اختياره أكثر ما يكون مع متوسط تفضيلات المتسابقين ككل، فتكون النتيجة ألا يختار كل متسابق الوجوه التي يراها الأجمل من وجهة نظره، بل يختار الوجوه التي يرى أنها ستروق لذائقة المتسابقين الآخرين، الذين ينظر كل منهم إلى المشكلة من المنظور نفسه.

وهكذا قضى اللاعبون في السوق أيامهم «يتنبئون بما يتوقع الشخص العادي أن يكون عليه رأيُ الشخص العادي.»15 فمن ذا الذي كان يريد أن يترك مصير الاقتصاد في أيدي أشخاص كهؤلاء؟
لكن كينز لم يُصدر هذا التقييم المسيء للأسواق المالية على أساس استراتيجيته الاستثمارية ولا علمه الاقتصادي. فهو — كمستثمر — نجح بتجاهل مسابقات الجمال اليومية. وقد أُثري ثراءً مفاجئًا بحق لأول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين، بعد سنوات من محاولاته عبثًا أن يتنبَّأ بتحركات الأسعار في السوق، وذلك بتمسكه — أيًّا كانت الظروف — بالأسهم التي كان يعتبرها ذات قيمة جيدة.16 ولم يكن الاقتصاد الكينزي يُعنى بلاعقلانية السوق المالية إلا هامشيًّا.

تأثَّر كينز كثيرًا بألفريد مارشال في جامعة كامبريدج، ليس فقط كتلميذ له، بل أيضًا كابن واحد من أقرب زملائه. كانت الكينزية تعديلًا لتعاليم مارشال النيوكلاسيكية أكثر من كونها إسقاطًا كاملًا لها. خلال العشرينيات، كان كينز وإرفينج فيشر صاحبيْ توجه اقتصادي متماثل؛ حيث كانا يجمعهما الاعتقاد بأن السياسات النقدية الخاطئة تسبِّب معظم المشكلات الاقتصادية.

أثناء الكساد الكبير، تعامل كينز مع الأمور على مستوى أبعد من ذلك. كان العلاج الذي وصفه فيشر يتمثل في طباعة المزيد من النقود. أحسَّ كينز باليأس قائلًا إن هذا سيكون أشبه بمن «يدفع — بدلًا من أن يجرَّ — شيئًا باستخدام حبل.» وإن على الحكومة «إنفاق» الأموال لتحريك الاقتصاد مجددًا. فيما يخص السياسة الاقتصادية، كان هذا اختلافًا كبيرًا، ومن حيث النظرية الاقتصادية، لم يكن بالشيء الكثير جدًّا. صار المذهب الذي حمل اسم كينز يتألف من الاقتصاد الرياضي للاختيار الفردي العقلاني (وأعني اقتصاد فيشر)، مقرونًا ببعض الإضافات غير الحاذقة التي حاولت تمثيل عِلَّتي الاقتصاد الوطني المعروفتين بالركود والكساد.17 يقول أحد الكينزيين الشباب، وهو بول سامويلسون، مستعيدًا إلى الأذهان ذلك الموقف: «لم تكن هذه دراجة مثلى، لكنها كانت أفضل دراجة متاحة.»18

ظلت الدراجة المثلى المسماة اقتصاد التوازن الرياضي بلا مساس، ومع تلاشي ذكريات الكساد الكبير، بدأ الاقتصاديون يعودون إليها. استغرقت العودة الكاملة بضعة عقود أخرى، لكن البدايات كانت ظاهرة بالفعل في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، وفي مكان لا يخطر ببال، وأعني كولورادو سبرينجز.

•••

أمضى كلٌّ من إرفينج فيشر وروجر بابسون فترة النقاهة في مصحة السل بتلك البلدة الواقعة بولاية كولورادو مع انتهاء القرن وبداية قرن جديد. وحلَّ فريد ماكولاي على كولورادو سبرينجز لأجل إقامة طويلة بعد ذلك ببضع سنين.19 تبدو الصلة بين إقامة هؤلاء الرجال المؤقتة في الجبال وأبحاثهم المعنية بسوق الأسهم صلة عرَضية، لكنها لم تكن كذلك مع ألفريد كاولز الثالث، الذي جعل كولورادو سبرينجز المركز الرائد في العالم في البحوث الاقتصادية الرياضية والإحصائية في ثلاثينيات القرن العشرين.
أصيب كاولز بمرض السل سنة ١٩١٥ بعد تخرجه في جامعة ييل بسنتين، فأُرسل إلى كولورادو. لم يشعر إلا سنة ١٩٢٥ أنه معافى بما يكفي للاهتمام بما هو أبعد من فراش مرضه، وعندها اتجه إلى مساعدة أبيه في إدارة ثروة العائلة. كان كاولز حفيدَ وسَمِيَّ عبقري الأعمال الهادئ الذي كان وراء الصعود المذهل لصحيفة «شيكاجو تريبيون» في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. لقد زعم نعي نُشر في الصفحة الأولى من تريبيون عندما توفي ألفريد كاولز الجد سنة ١٨٨٩ أنه «في حدود علمنا، لم يَستثمر قط مالًا فخسر.»20 وظلت العائلة ثاني أكبر مساهم في تريبيون كومباني بعد موته.
لم تكن أسهم تريبيون تلك متداولة في البورصة، لكن في أواخر عشرينيات القرن العشرين، لم يكن خيال شاب ثري ليوجهه إلا نحو سوق الأسهم. وجد كاولز أصدقاء في كولورادو سبرينجز أكثر اهتمامًا حتى منه هو نفسه بالأسهم. كان أحدهم، وهو معاق من قدامى محاربي الحرب العالمية الأولى وبائع إطارات سابق، ينشر رسالة إخبارية رسَّخت مكانته على الأرجح كخليفة ويليام بيتر هاملتون كحامل شعلة نظرية داو.21
اقترب كاولز من سوق وول ستريت كغريب غير مهتم أكثر منه كمشارك ملهوف؛ حيث قال في مقابلة بعد ذلك بعقود: «كنت أشترك في كثير من الخدمات المالية المختلفة، وبدا الأمر لي إسرافًا بعض الشيء. فلماذا لا أنظر أيها أفضل وأختاره؟ لذا بدأت أتتبع سنة ١٩٢٨ الخدمات المالية الأربع والعشرين الأكثر انتشارًا.»22 في سنة ١٩٣٢، رأى كاولز أن الوقت قد حان لفعل شيء بكل ما لديه من بيانات، لكنه لم يكن يمتلك الخلفية الإحصائية التي تؤهله للمضي قدمًا. وبعد مشاورات، تواصل مع أستاذ للرياضيات كان يقضي الصيف في كولورادو سبرينجز، فوافق الأستاذ على مساعدته، لكنه أوصاه أيضًا بأن يتصل باقتصادي معروف باهتمامه بالإحصاء وسوق الأسهم؛ ألا وهو إرفينج فيشر.
بحلول هذا الوقت، كان فيشر في ضائقة مالية شديدة، وكانت سمعته العامة مدمَّرة، لكن ذلك لم يمنعه من العمل. كان قد نشر سنة ١٩٣٠ بحث «نظرية الفائدة» الذي يمثل صقلًا وإعادة نظر في كتاباته السابقة حول علم الاقتصاد المالي، ويعتبر اليوم أهم مساهمة له في هذا المضمار.23 كان النهج الرياضي الذي أيده قد بدأ بالفعل يكتسب شعبية، ولا سيما في أوروبا.

أغرت ثروة أمريكا في عشرينيات القرن العشرين الأكاديميين الأوروبيين على الجانب الآخر من الأطلنطي، فأقنع أحدُهم — وهو النرويجي راجنر فريش الذي نال نوبل فيما بعد — فيشر بالانضمام إليه في تدشين جمعية للاقتصاديين ذوي التوجهات الرياضية. انضم إليهما كمؤسس مشارك جوزيف شومبيتر، وهو أستاذ بهارفرد تعلم في النمسا ولم يكن شخصيًّا يمارس الرياضيات كثيرًا، لكنه كان معجبًا بمن يمارسونها. أطلقوا على جماعتهم الجديدة «جمعية الاقتصاد القياسي»، وبدءوا يعقدون اجتماعات صغيرة من حين إلى آخر تُقَدَّم خلالها أوراق بحثية. لم يكن لديهم من المال ما يكفي لفعل ما هو أكثر من ذلك.

جاء فيشرَ خطابٌ من كاولز. فقد استقطَب فيشر، الذي عَرَف من قَبل أبا كاولز وعمه في جامعة ييل، وريث الصحيفة كراعٍ للجمعية. بالنسبة لكاولز، الذي كان أشبه بشخص غير محترف عديم الفائدة، أعطاه هذا الدور غرضًا وتركيزًا؛ حيث صار أمين صندوق المنظمة، ومدير توزيع مجلتها الجديدة المسماة «إيكونومتريكا»، بل والكاتب الرئيسي لمحاضر اجتماعاتها. كما أسس أيضًا هيئة كاولز للبحوث الاقتصادية في كولورادو سبرينجز، مستعينًا بأستاذ الرياضيات الذي استشاره أول الأمر واثنين من الإحصائيين الشباب لمساعدته في أبحاثه. وفي السنوات التالية، حتى بعد عودته إلى شيكاجو لتولي إدارة أعمال العائلة واعتزاله أنشطة هيئة كاولز اليومية، كان يعتز دائمًا بتسجيل مهنته في سيرته الذاتية باعتباره «اقتصاديًّا».

كان له كل الحق في ذلك. فخلال اجتماعات جمعية الاقتصاد القياسي وندوات هيئة كاولز الصيفية، تعرَّف أفراد الزمرة المتناثرة من الاقتصاديين الرياضيين في العالم بعضهم على بعض وعلى أفكار بعضهم، مشكِّلين أُسس ما سيصبح حركة فكرية كاسحة سنتناول انتصاراتها وتجاوزاتها في الفصول التالية.24

كل هذا العمل بدأ بفضل اهتمام كاولز بالتنبؤ بسوق الأسهم. فقد قدم النتائج التي توصل إليها في ذلك الشأن في اجتماع لجمعية الاقتصاد القياسي في سينسيناتي في اليوم الأخير من سنة ١٩٣٢. وكان كاولز قد محَّص — بمساعدة موظفيه وآلة حاسبة بنظام البطاقات المثقبة طراز هوليريث (آي بي إم) — مختارات الأسهم الخاصة بست عشرة خدمة إحصائية، والسجل الاستثماري لخمس وعشرين شركة تأمين، وحقوق خيار شراء الأسهم الخاصة بأربع وعشرين خدمة تنبؤ، وافتتاحيات نظرية داو للمتنبئ الوحيد الذي ذكره كاولز بالاسم، وهو ويليام بيتر هاملتون.

كان الحكم الذي توصل إليه كاولز — والذي تضمنته ورقة بحثية بعنوان «أيستطيع المتنبئون بسوق الأسهم التنبؤ؟» — أنهم لا يستطيعون ذلك. فالمستثمر الذي اشترى وباع حسب تعليمات هاملتون فيما بين ديسمبر ١٩٠٣ وديسمبر ١٩٢٩ كان سيحقق عائدًا بنسبة ١٢ في المائة سنويًّا. ومجرد شراء متوسط داو جونز الصناعي والاحتفاظ به كان سيحقق عائدًا بنسبة ١٥٫٥ في المائة سنويًّا. ومن بين المتنبئين الآخرين، لم يتمكن إلا بعضهم من التفوق على السوق، وحتى مستويات الأداء التي فاقت المتوسط «لم تكن أفضل كثيرًا — هذا إن حدث — مما يمكن أن نتوقع أن تتمخَّض عنه الصدفة المحضة.»25 لم يكن ذلك تعليقًا بلا أساس؛ إذْ كان كاولز ومعاونوه قد جمعوا تنبؤات عشوائية عن السوق من مجموعات من أوراق اللعب المخلوطة المكونة من مئات البطاقات، وإجمالًا، تفوقت أوراق اللعب على المتنبئين المحترفين. وفي اليوم التالي كان عنوان صحيفة «نيويورك تايمز» الرئيسي يقول: «مقدِّمًا الحظ على خبراء وول ستريت … ألفريد كاولز الثالث يؤكد أن الاعتماد على أوراق اللعب أفضل من اتباع المتنبئين.»26
لم يكن كاولز نفسه مقتنعًا بأنه «لا أحد» بمقدوره التنبؤ بالسوق، وساند لسنوات عديدة عمل الاقتصاديين والإحصائيين الذين ظن أنهم ربما يقدرون على التفوق على خبراء وول ستريت. وفي سنة ١٩٣٧، وجد كاولز وأحد إحصائييه أنه على امتداد الفترات التي تتراوح بين ٢٠ دقيقة وثلاث سنوات يكون احتمال بقاء مؤشرات الأسهم متحركة في الاتجاه نفسه في الفترة التالية أرجح من انعكاس اتجاهها (والعكس صحيح بالنسبة للفترات الأطول). وقبل أن تثير هذه الأنماط اهتمام أحد بها، نبَّها إلى أن «هذا النوع من التنبؤ لا يصح استخدامه من قِبَل مضاربين لديهم أي ثقة في تحقيق أرباح منتظمة أو كبيرة.»27
كان آخر مشروعات كاولز الكبرى المعنية بسوق الأسهم تمديد مؤشر أسهم ستاندرد ستاتيستيكس (ما يسمى الآن ستاندرد آند بورز ٥٠٠) ليعود زمنيًّا إلى الوراء حتى سنة ١٨٧١، وحساب الأرباح المدفوعة على مدى تلك الفترة أيضًا. وكان الهدف «رسم صورة للتجربة المتوسطة لمن يستثمرون في هذه الفئة من الأوراق المالية في الولايات المتحدة من سنة ١٨٧١ إلى سنة ١٩٣٨.» كانت هذه نسخة أشمل كثيرًا جدًّا مما فعله إدجار لورانس سميث سنة ١٩٢٤. كان الحكم واحدًا، وهو أن الأسهم العادية استثمار جيد على المدى الطويل؛ حيث تحقق متوسط زيادة سنوية في القيمة السوقية بنسبة ١٫٨ في المائة وتدر متوسط أرباح بنسبة ٥ في المائة منذ ١٨٧١. وعلى مدى الفترة ذاتها، أدرَّت السندات عالية الرتبة ٤٫٢ في المائة في المتوسط.28 وعلى الرغم من نيل هذه الدراسة اهتمامًا من الباحثين وبعض ممارسي وول ستريت — وما زالت مرجعًا لمن يحسبون عوائد سوق الأسهم على المدى الطويل — فإنها لم تُحدث الضجة الجماهيرية التي أحدثها كتاب سميث. كان العام عام ١٩٣٩ ولم يكن هناك كثيرون مهتمون بشراء الأسهم.

•••

كان لا يزال هناك كثيرون مهتمون بمناقشة ما إذا كانت للأسواق المالية أية قيمة تعويضية اجتماعيًّا. كان جون مينارد كينز وفريد ماكولاي ومعظم المفكرين غيره في ثلاثينيات القرن الآخرين يرون أنها ليست ذات قيمة تعويضية اجتماعيًّا. شرع هولبروك وركينج، وهو باحث زراعي بجامعة ستانفورد ومن المواظبين على حضور ندوات هيئة كاولز الصيفية، في تجميع مجموعة من الأدلة التي أشارت في الاتجاه المعاكس ونالت اهتمامًا ضئيلًا ذلك الزمان، لكنها أثبتت لاحقًا أنها منسجمة بشدة مع الاتجاه المستقبلي لعلم الاقتصاد.

حصل وركينج، الذي وُلد في كولورادو ونشأ فيها، على الدكتوراه من جامعة ويسكونسن سنة ١٩٢١ بمقتضى أطروحة حول الخصائص الإحصائية لمنحنى الطلب على البطاطس. محصت أولى مقالاته المنشورة — وكانت سنة ١٩٢٣ — ما إذا كانت التغيرات في النقود المتداولة تؤدي إلى تغيرات في مستوى الأسعار، وكانت الإجابة نعم؛ مما لفت انتباه إرفينج فيشر ونال استحسانه.29 وسرعان ما عاد وركينج إلى المسائل الزراعية؛ حيث حصل سنة ١٩٢٥ على وظيفة لدى معهد بحوث الأغذية التابع لجامعة ستانفورد احتفظ بها طوال ما تبقى من مشواره المهني الطويل.
من بين الأسواق المالية كلها، بدا للأكاديميين أن أسواق العقود المستقبلية الزراعية تحقق الوظيفة الاقتصادية الأشد وضوحًا. وهذه العقود المستقبلية عقود لبيع القمح أو الذرة أو أي سلعة أخرى أو شرائها بسعر محدد في تاريخ محدد في المستقبل، وتتيح لمطاحن القمح ومصانع تكرير السكر وغيرهما من كبار المشترين تثبيت الأسعار والتخطيط للمستقبل، وتعطي المزارعين مستوى مماثلًا من الأمان. كتب آدم سميث سنة ١٧٧٦ يقول عن عقود الذرة المستقبلية: «لا تجارة تستحق الحماية التامة من القانون ولا تجارة تتطلبها بشدة أكثر من تجارة الذرة؛ لأنه لا توجد تجارة عرضة للكراهية الشعبية بمثل هذا القدر.»30
كانت أشد الاحتجاجات صخبًا في المملكة المتحدة تأتي عادة من المستهلكين الحضريين الذين كانوا ينحون باللائمة على المضاربين في رفع سعر الغذاء. أما في الولايات المتحدة، فكانت الشكوى تأتي من المزارعين، وكلما انخفضت أسعار المنتجات الزراعية، كانوا ينحون باللائمة على تجار العقود المستقبلية؛ مما خلق جمهورًا معاديًا للسوق لم يكن موجودًا في حالة الأسهم. وفي ذروة ثورة المزارعين في تسعينيات القرن التاسع عشر، سنَّ كلٌّ من مجلسي النواب والشيوخ مشروعي قانونين كانا سيحظران عمليًّا كل التعامل في العقود المستقبلية، على الرغم من أن المجلسين لم يحسما قط الاختلافات بين النسختين. وفي ألمانيا، فرض الرايخستاج حظرًا على التعامل في العقود المستقبلية سنة ١٨٩٦.31
في ظل معاناة المزارعين الأمريكيين من أوضاع «قصعة الغبار» في ثلاثينيات القرن العشرين، فإنهم رفعوا أصواتهم ضد التعامل في العقود المستقبلية من جديد. واستجابة لذلك، بدأ وركينج يدرس أسواق العقود المستقبلية سعيًا منه — في البداية — إلى اكتشاف ما إذا كان المضاربون حققوا بالفعل أرباحًا كبيرة من عرق المزارعين، فكانت الإجابة التي توصل إليها سنة ١٩٣١ أن ذلك لم يحدث. وبتمحيص سجلات التعاملات المأخوذة من مجلس شيكاجو للتجارة، وهو بورصة الحبوب الرئيسية، فصل وركينج المتعاملين الذين اعتبرهم «مضاربين» عن التجار والمزارعين الذين كانوا يشترون ويبيعون بدافع الضرورة، ووجد على مدى الاثنتين والأربعين سنة من البيانات التي محَّصها أن المضاربين — كمجموعة — خسروا أموالًا.32
مضى وركينج قُدمًا فبدأ يدرس تحركات أسعار العقود المستقبلية، فوجد بعض الأنماط المثيرة للاهتمام؛ حيث ذكر سنة ١٩٣١ أن: «أسعار القمح تميل بقوة إلى الارتفاع خلال الموسم الذي يلي ثلاثة مواسم تشهد انخفاضًا في متوسط السعر، وإلى الانخفاض خلال الموسم الذي يلي ثلاثة مواسم تشهد ارتفاعًا في متوسط السعر. وتُعزى هذه العلاقة في جزء منها إلى ميل المتعاملين في عقود القمح إلى التأثر بإفراط — في أحكامهم على الأسعار — بذكرى الأسعار السائدة في السنوات الأخيرة.»33 لكن كثيرًا مما رآه وركينج في تحركات الأسعار بدا عشوائيًّا.
يبدو أن عبارة «السير العشوائي» صيغت سنة ١٩٠٥ في مبادلة على صفحات رسائل القراء بمجلة «نيتشر» الإنجليزية بخصوص الوصف الرياضي للحركات المترنحة لسكِّير افتراضي.34 ولم يكن معظم الدراسات المبكرة للبيانات الاقتصادية معنيًّا بالبحث عن ترنحات السكارى بل عن أنماط سهلة التمييز — وليس من قبيل المفاجأة أن وُجد كثير من هذه الأنماط — أحدها الصلة المزعومة بين دورة الأعمال البريطانية والبقع الشمسية. وجاء مثال آخر شهير في منتصف عشرينيات القرن العشرين عندما اقترح الشاب نيكولاي كوندراتيف — مؤسس معهد موسكو لدورة الأعمال — أن النشاط الاقتصادي يتحرك في «أمواج» طول الواحدة نصف قرن.35
مع تقدُّم دراسة علم الإحصاء وفهم رياضيات العمليات العشوائية كالحركة البراونية على نطاق أوسع، بدأ من يقفون في طليعة هذا العمل يناقشون هذه الدورات الظاهرة. ففي الخطاب الرئاسي الذي ألقاه جورج أدني يول — الأستاذ بجامعة كامبريدج — في نوفمبر ١٩٢٥ أمام الجمعية الإحصائية الملكية البريطانية، برهن على أن الحركة البراونية العشوائية يمكن بشيء قليل من التعديل أن تُنتج أنماطًا مثيرة لا تبدو عشوائية على الإطلاق.36 وبعد ذلك ببضع سنين، كتب رياضي يعمل لدى كوندراتيف في موسكو ما صار يُعتبر الفضح القاطع لزيف الباحثين عن الأنماط؛ حيث كتب يوجين سلوتسكي يقول: «معظم ظواهر الحياة الاقتصادية تحدث في سلاسل متعاقبة من التحركات الصاعدة والهابطة مثل الأمواج.» ولا توجد على الإطلاق موجتان متطابقتان من هذه الأمواج:
لكن من الممكن في معظم الأحوال أن نكتشف، حتى في خضم الكثير من الظواهر والخصوصيات الفردية، أمارات على أوجه اتساق واطراد تقريبية. فعين المراقب تكتشف غريزيًّا فوق الأمواج التي تنتمي إلى طبقة معينة أمواجًا أخرى أصغر منها، والنتيجة أن فكرة التحليل التوافقي … تتبادر إلى الذهن بطريقة تكاد تكون عفوية.37

بعبارة أخرى، نحن «نريد» رؤية أمواج مطردة في البيانات الاقتصادية، ومن ثم نراها. مضى سلوتسكي لينشئ ما بدا — خلافًا للواقع — أنه أمواج منتظمة يمكن التنبؤ بها. وبجمع أعداد عشوائية فحسب، أنشأ سلاسل متعددة مستوفية لكل معايير الانتظام الإحصائية الموجودة آنذاك.

كان يول وسلوتسكي يطرحان الفكرة نفسها التي طرحها فريد ماكولاي برميات العملة المعدنية، لكن مع غياب الصرامة الرياضية من الخطاب المرح الذي ألقاه الاقتصادي في حفل العشاء. بدا أنهما يتساءلان: أيهما ستصدق: نظريات الإحصاء الأكثر تقدمًا أم عينيك اللتين يسهل خداعهما؟

انتشر ملخص مقتضب باللغة الإنجليزية لمقالة سلوتسكي حول الأنماط والعشوائية بين جماعة كاولز في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، ونُشرت سنة ١٩٣٧ ترجمة كاملة لها في مجلة «إيكونومتريكا». وفي المؤتمر البحثي الصيفي لسنة ١٩٣٦ في كولورادو سبرينجز، ذكر أحد المتحدثين أنه توجد الآن «مدرسة للفكر الاقتصادي … تنظر إلى السلاسل الزمنية الاقتصادية باعتبارها مكافئة إحصائيًّا للسلاسل العشوائية المتراكمة؛ ومن ثم فهي جوهريًّا لا يمكن التنبؤ بها.»38
كان وركينج يميل يقينًا نحو إمكانية أن تكون بيانات أسعار العقود المستقبلية التي يدْرسها عشوائية؛ حيث كتب فيما بعد يقول: «قليلون من أدركوا أن لهذه الأدلة أي معنى مهم لنظرية الأسعار. ولم يكن أحد — في حدود علمي — لديه أية فكرة واضحة عما قد تعنيه هذه الأدلة. أنا — على الأقل — ظللت فترة طويلة حائرًا في تفسير هذه المشاهدات.»39

قطع وركينج دراساته أثناء الحرب العالمية الثانية ليعلِّم صانعي الطائرات والسفن والدبابات والمدافع الأمريكيين كيفية السيطرة على عيوب التصنيع دون تحمل تكاليف زائدة، وفعل ذلك باستخدام طرق الرقابة على الجودة التي طُورت في عشرينيات القرن العشرين في مختبرات بل التابعة لشركة إيه تي آند تي، التي استخدمت الإحصاء لتعيين حدود عيوب التصنيع المسموح بها. بالنسبة لوركينج، أدت السنوات التي قضاها في تدريس الفرق بين الخطأ المقبول والخطأ غير المقبول إلى إنجاز فكري فيما يبدو.

كتب في ورقة بحثية قدمها في الاجتماع السنوي للجمعية الاقتصادية الأمريكية في كليفلاند في ديسمبر ١٩٤٨ يقول: «لا بد أنَّ أَتمَّ التوقعات الممكنة في الشئون الاقتصادية عرضة لخطأ جوهري؛ لأن الناتج يتوقف على أحداث مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها، ومن ثم فإن التوقعات السوقية تشتمل على «خطأ حتمي» معين.» كان شاغله هو ما مدى احتمال وجود «خطأ غير مقبول» نتيجة مبالغة المضاربين في رد فعلهم للأخبار أو استغراقهم وقتًا أطول مما ينبغي لاستيعابها. فأي نوع من الأخطاء المتكررة من جانب المضاربين سيؤدي إلى أنماط سوقية متكررة لا يمكن التنبؤ بها:
لو أمكن، في ظل أية مجموعة معينة من الظروف، التنبؤ بالتغيرات السعرية المستقبلية وتحققت هذه التنبؤات، فلا بد أن التوقعات السوقية كانت إذن معيبة. فالتوقعات السوقية المثلى كانت ستأخذ بعين الاعتبار البيانات التي أتاحت التنبؤ الناجح بالتغير السعري.40

كتب وركينج هذا في وقت كان فيه معظم الاقتصاديين ما زالوا متفقين مع تصوير كينز للأسواق المالية كمزاولة عقيمة سعيًا إلى «التنبؤ بما يتوقع الشخص العادي أن يكون عليه رأيُ الشخص العادي.» وأشاد وركينج بوصف كينز الساخر باعتباره «جوهرة»، لكنه رأى أنه ربما حان الوقت للتركيز على مدى نجاح الأسواق لا على مدى إخفاقها. واقترح أن يُنظر إلى الاستنتاج المثبِّط ظاهريًّا الذي خلص إليه ألفريد كاولز سنة ١٩٣٢ — وهو أن المتنبِّئين بسوق الأسهم لا يمكنهم التنبؤ — من منظور أكثر إيجابية، قائلًا: «النقص الظاهر في التنبؤ الاحترافي … ربما يكون دليلًا على كمال السوق. فإخفاقات المتنبِّئين بسوق الأسهم … تُحسب للسوق.»

كان ذلك أول تصريح واضح عما صار يُعرف بفرضية كفاءة السوق، التي إذا نظرنا إليها نجدها من العلامات البارزة في فكر القرن العشرين. كان آخرون قد أصدروا ادِّعاءات عظيمة بشأن قدرة الأسواق المالية على تجميع المعلومات بل وتوقع الأحداث المستقبلية. وكان آخرون قد أبدوا ملاحظاتهم على العشوائية الظاهرية لتحركات أسعار السوق. كان وركينج أول من جمع بين الاثنين.

ومثل الكثير جدًّا من المعالم الفكرية البارزة، كاد هذا التصريح يمر دون أن يتنبه إليه أحد في ذلك الزمان. إلا أن الورقة البحثية لفتت نظر الأستاذ بكلية هارفرد لإدارة الأعمال الذي كان يدير مؤسسة ميريل لتقدُّم المعارف المالية، الممولة من شركة ميريل لينش، فحصل وركينج على منحة مالية لإجراء المزيد من الأبحاث، فاختار كلود برينيجر — الطالب بستانفورد — مساعدًا له، واتخذ له مكتبًا يواجه مكتبه في معهد بحوث الأغذية، وكلَّفه بالعمل مستخدمًا «القوة الغاشمة» (حسب تعبير برينيجر) ومقياسًا إحصائيًّا من تصميم وركينج فقط ليقيِّم إلى أي مدى اقتربت أسواق العقود المستقبلية الحقيقية من الوضع الأمثل الذي لا يمكن التنبؤ به.

كان الاستنتاج الذي انتهى إليه برينيجر في أطروحته للدكتوراه سنة ١٩٥٣ — والذي كان عمليًّا استنتاج وركينج أيضًا — أن أسواق العقود المستقبلية أظهرت ميلًا طفيفًا إلى المبالغة في رد الفعل؛ بمعنى أنك تستطيع على مدى فترات من أسبوع أو أسبوعين ربح قليل من المال بالمراهنة على أن الأسعار ارتفعت أكثر مما ينبغي في أحد الاتجاهات وأنها توشك أن تعكس اتجاهها، كما أظهرت ميلًا أكبر تجاه «استمرارية السعر» على مدى فترات من أربعة إلى ستة عشر أسبوعًا. بعبارة أخرى، يمكن أن يحقق المرء بعض الربح بالمراهنة على استمرارية اتجاهات الأسعار. وخلص برينيجر بقوله: «من الجائز تمامًا أن يمثِّل نوع السلوك الذي لاحظناه أقرب طريق إلى تحقيق الحالة المثلى التي يمكن تحقيقها. ومن الجائز تمامًا أنه لو كانت السوق أكثر «كمالًا» على أي نحو، لما اشتملت على فرص تحقيق ربح كافية للحفاظ على اهتمام المضاربين المطلوب لإبقائها مستمرة.»41

بعد ذلك، حصل برينيجر على وظيفة في قطاع النفط؛ حيث رُقي إلى منصب المدير المالي في شركة يونيون أويل أوف كاليفورنيا وتولى حقيبة النقل في إدارة نيكسون. لم يكن لديه الحافز ولا الوقت لنشر عمله بحيث يتسنى للاقتصاديين الذين يدرسون الأسواق المالية الاطلاع عليه. في هذه الأثناء، ظل معلِّمه وركينج يلعب دورًا محدودًا فيما اكتسحت ثورة السير العشوائي الدوائر الأكاديمية طوال العقدين التاليين.

كان الأمر يتعلق جزئيًّا بالشخصية. فوركينج كان شخصًا متحفظًا، ومن لا يعرفه جيدًا كان يرى هذا التحفظ سوءًا في الطبع. وكان أيضًا عتيق الطراز أكثر مما ينبغي، وشديد التمسك بالأدلة التجريبية لدرجة حالت دون مضيِّه قدمًا في نظرياته، فظل بدلًا من ذلك يبحث عن طرق جديدة لاختبارها. يقول الاقتصادي هندريك هاوثاكر، وهو أحد زملائه في ستانفورد في الخمسينيات: «أوتي من المعرفة أكثر مما يجعله يقبل أية نظرية عامة. وبمجرد أن كان يتوصل أحدٌ إلى نظرية، كان يعرف أمثلة تفنِّدها.» شهدت خمسينيات وستينيات القرن العشرين عنفوان النظريات الشاملة الكبرى في علم الاقتصاد، ولم يكن هناك إلا قليل من التسامح مع الأمثلة المفنِّدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤