الفصل التاسع

مايكل جنسن يَحْمل الشركات على طاعة السوق

فرضية كفاءة السوق تلتقي بعالم الشركات الأمريكية، وتتلو ذلك استحواذات عدائية وكثير من الكلام عن القيمة المضافة للمساهمين.

***

فرضية كفاءة السوق إحدى نظريات الأسواق المالية، وكان تأثيرها المبدئي على الأسواق المالية ومن يكسبون عيشهم منها. لكن الأوراق المالية المتداولة في الأسواق متصلة عمومًا بالعالم الحقيقي، ومن بين أكثر تلك الصلات مباشرة تلك القائمة بين الأسهم والشركات. وبداية من سبعينيات القرن العشرين، بدأت فكرة السوق الكفء تجد طريقها إلى الشركات الأمريكية.

كانت الشركات الحديثة الأولى حالات خاصة؛ حيث أنشأتها قوانين برلمانية في هولندا والمملكة المتحدة إبان القرن السابع عشر لإتاحة أنشطة معينة رُئِيَ أنها تعزِّز الصالح العام، لكن ذلك لم يكن دائمًا هو ما عززته. انهارت «ساوث سي كومباني» في فقاعة مضاربية سنة ١٧٢٠؛ مما حدا البرلمان البريطاني لحظر إنشاء مثل هذه الكيانات التي اتَّسمت بمساهمين مشتتين اقتصرت مسئوليتهم القانونية عن دين الشركة على قيمة أسهمهم.

في سنة ١٧٧٦، جادل آدم سميث بأن «الشركة المساهمة» — كما كانت الشركة تعرف آنذاك — أثبتت أنها كارثة مطلقة؛ حيث كتب في كتابه «ثروة الأمم» يقول: «مديرو هذه الشركات … كونهم قيِّمين على مال الآخرين لا على مالهم الخاص، لا يمكن أن نتوقع منهم حمايته بالدرجة ذاتها من اليقظة القلقة التي يحمي بها الشركاء في شراكة خاصة أموالهم عمومًا.» واستطرد: «ومن ثم فإن الإهمال والتبذير لا بد أن يغلبا دائمًا — بدرجة تقل أو تكثر — في إدارة شئون مثل هذه الشركة.»1
أثناء الثورة الصناعية التي بدأت بعد وفاة سميث، بات جليًّا أن تحليله غير دقيق. فلم تكن هناك جماعة صغيرة من الشركاء تملك مالًا كافيًا لتمويل قناة أو سكة حديدية أو مصنع للمصابيح الكهربائية، وحتى لو كانوا يملكون المال، فالأرجح أنهم لم يكونوا يملكون الخبرة المطلوبة لإنجاز المهمة. أدرك المشرِّعون في بريطانيا والأمم المتحدة هذا القصور، فخففوا القوانين الحاكمة لإنشاء الشركات محدودة المسئولية في منتصف القرن التاسع عشر، فصار تأسيس واحدة آنذاك لا يتطلب قانونًا تشريعيًّا بل توقيع بضع وثائق؛2 فنمت الشركات المساهمة وازدهرت.

بحلول عشرينيات القرن العشرين كانت الشركات المساهمة قد نمت وازدهرت بشدة في الحقيقة، لدرجة أن الأكاديميين بدءوا يركزون من جديد على الفصل بين الملكية والإدارة الذي شغل بال آدم سميث كثيرًا. لم يكونوا هذه المرة قلقين من إخفاق الشركات المساهمة، بل من معاملة مديري الشركات المساهمين بإنصاف. ومع انتشار حمى سوق الأسهم إلى الجماهير في خلال ذلك العقد شديد التقلب، صار مُلَّاك الشركات الكبيرة أكثر تبعثرًا من ذي قبل وأقل جدوى كصوت في توجيه الإدارة، وصار المديرون ومحاموهم أعظم مهارة من ذي قبل في إيجاد سبل لمنع المستثمرين الخارجيين المختلِّين من تشكيل أي تهديد.

كتب أدولف بيرلي الابن — المحامي بنيويورك والأستاذ غير المتفرغ بجامعة كولومبيا — سنة ١٩٢٧ يقول: «بدأت سلطة إدارات الشركات تتحول إلى سلطة مطلقة عمليًّا، في حين أن الضوابط الاجتماعية على هذه السلطة ما زالت في مرحلة تكاد تكون بدائية.» لم يكن بيرلي يعارض اتخاذ المديرين جميع قرارات الأعمال المهمة، لكنه كان يرى ضرورة وجود ضوابط على قدرة المسئولين التنفيذيين على العبث بحقوق المساهمين الخارجيين (بوسائل من قبيل إصدار فئات أسهم مميزة وأقوى للأعضاء الداخليين). وقد تشبَّث بالأمل في أن تتحدث البنوك الاستثمارية وأسواق الأوراق المالية والأنواع الجديدة من المستثمرين المؤسَّسِيين (شركات التأمين والصناديق الاستثمارية المشتركة وما إلى ذلك) باسم المساهمين الخارجيين وتضبط سلوك الإدارة.3
اعتنق بعض مهنيي وول ستريت هذا الدور، فشنَّ ويليام جراهام حملة كبيرة من ١٩٢٦ إلى ١٩٢٨ لإجبار نورثرن بايبلاين كومباني (إحدى ثمار تقسيم شركة ستاندرد أويل بأمر القضاء سنة ١٩١١) على بيع أرصدتها الهائلة من السندات وتوزيع العوائد على المساهمين. وكتب فيما بعد يقول: «نظر إليَّ مخضرمو وول ستريت باعتباري دون كيشوت أبله يحارب طاحونة هواء عملاقة.» وفي نهاية المطاف أقنع جراهام مؤسسة روكفلر — أكبر مساهم في نورثرن بايبلاين — وكان له ما أراد.4 لكن قلة من مديري الأموال المحترفين الآخرين أوتوا صبره.
في سنة ١٩٢٧، حصل بيرلي من مؤسسة أخرى مرتبطة بروكفلر على منحة لدراسة مسألة إدارة الشركات بمزيد من العمق،5 فاستعان بجاردنر مينز — رفيقه السابق بالمعسكر الصيفي الذي كان يدْرس من أجل نيل الدكتوراه في الاقتصاد في جامعة هارفرد — واعتكف الاثنان في أحد المكاتب في كلية الحقوق بكولومبيا وبدآ العمل الذي فرغا منه بعد ذلك بخمس سنوات، بعد كدٍّ دام خلال نشوة أواخر العشرينيات المزدهرة والانهيار الكبير وسنوات القحط الأولى من الكساد الكبير.6 كانت النتيجة كتاب «الشركة الحديثة والملكية الخاصة»، الذي جمع بين ملاحظات بيرلي بشأن الفصل بين الملكية والإدارة وصفحات متتالية من الأدلة الإحصائية التي جمعها مينز، وأثبتت بالضبط إلى أي مدى وصلت قوة الشركات الأمريكية الكبرى المائتين؛ إذ كانت تسيطر على ٤٩ في المائة من ثروة الشركات غير المصرفية في ذلك الزمان. كانت نشوة السوق في أواخر العشرينيات والانهيار الذي تلا ذلك قد حررا بيرلي من فكرة أن المصرفيين الاستثماريين أو كبار المستثمرين ربما يجبرون مديري الشركات على فعل الصواب، وكانت الشركات قد أصبحت كبيرة جدًّا وقوية جدًّا، لدرجة أيقن معها بيرلي ومينز أن القوى التنافسية وحدها لا تستطيع كبح جماحها. فانتهيا إلى أن العلاج الوحيد هو أن تتطور إدارة الشركات الكبرى «متحولةً إلى تكنوقراطية محايدة حيادًا محضًا؛ تُوازن بين مجموعة متنوعة من المطالب من قِبل العديد من الفئات في المجتمع، وتخصص لكلٍّ منها قسمًا من تدفق الدخل استنادًا إلى السياسة العامة لا إلى الجشع الخاص.»7
كانت الاستجابة الفورية للكتاب مذهلة؛ حيث أعلنت مجلة «ذا نيشن» أنه «بداية حقبة جديدة»، فيما وصفته مجلة «ذا نيو ريببلك» بأنه «مزلزِل للحقبة». وفي مطبوعة «ييل لو ريفيو»، كتب جيروم فرانك — رئيس هيئة الأوراق المالية فيما بعد — يقول إنه «لعله يكون في مصافِّ كتاب «ثروة الأمم» لآدم سميث باعتباره أول وصف مفصل بعبارات واضحة وضوحًا جديرًا بالإعجاب لوجود حقبة اقتصادية جديدة.» وفي واحدة من المراجعات النقدية القليلة التي لم تستخدم كلمة «حقبة»، أعلن المؤرخ تشارلز بيرد في الصفحة الأولى من قسم الكتب بصحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» أنه ربما يكون «أهم عمل ذي صلة بفن الإدارة العامة في أمريكا» منذ «الأوراق الفيدرالية».8
لا غرو أن كتاب «الشركة الحديثة والملكية الخاصة» حط على طاولة قراءة المرشح الرئاسي الديمقراطي فرانكلين ديلانو روزفلت. وبعد أن تغلَّب روزفلت على شاغل المنصب هيربرت هوفر سنة ١٩٣٢، ضم بيرلي إلى «فريق الخبراء» الذي استحدثه وتألَّف من مستشاري البرج العاجي. كما انضمَّ مينز أيضًا إلى إدارة روزفلت. لم يَدم بيرلي مستشارًا للرئيس (كتابة خطابات إلى روزفلت مستهَلة بالتحية «عزيزي القيصر» ما كانت لتساعده في هذا الشأن)،9 ولا هو ولا مينز مارسا نفوذًا شخصيًّا عظيمًا في واشنطن إبان الخطة الاقتصادية الجديدة،10 لكن أفكارهما كانت في بال الجميع فيما أقرَّ الكونجرس قانوني الأوراق المالية والصرف لسنة ١٩٣٣ وسنة ١٩٣٤، مُنشئًا هيئة الأوراق المالية وسانًّا قانونًا حديثًا للأوراق المالية.

ما هو أكثر من ذلك أن المسئولين التنفيذيين في الشركات الكبرى اقتنعوا — بتردد في سنوات الثلاثينيات العجاف من القرن العشرين، وأصبح هذا الاقتناع من صميم قلوبهم بمجرد خوض البلاد الحرب العالمية الثانية — بفكرة اشتمال وظائفهم على قدر معين مما سماه بيرلي ومينز «السياسة العامة لا الجشع الخاص». فقبلت الشركات الكبرى انخراطًا حكوميًّا أكبر من ذي قبل في أنشطتها، ومسئولية أكبر من ذي قبل تجاه رفاه العاملين بها؛ حيث وسعت نظم معاشاتها التقاعدية وبدأت توفر تأمينًا صحيًّا.

ولمَ لا؟ بدا العمالقة أمثال جنرال إلكتريك وجنرال موتورز جزءًا أساسيًّا ودائمًا من المشهد الاقتصادي مثل الحكومة ذاتها.11 وعندما سئل تشارلي ويلسون — رئيس جنرال موتورز المتقاعد للتوِّ الذي وقع عليه اختيار الرئيس أيزنهاور لمنصب وزير الدفاع — أثناء جلسة الاستماع التي عقدها الكونجرس للموافقة على تعيينه سنة ١٩٥٣ كيف سيكون قراره في حال التضارب بين مصالح جهة عمله السابقة ومصالح الأمة، فرد بقولته المشهورة: «لا يحضُرني أي تضارب؛ لأنني اعتبرت لسنوات أن ما فيه خير البلاد فيه خير جنرال موتورز والعكس بالعكس. لم يوجد اختلاف. شركتنا كبيرة جدًّا. إنها جزء أصيل من رفاه بلادنا.»12

•••

بحلول هذا الوقت، بدت فكرة احتمال خضوع الشركات الكبرى للقوانين الاقتصادية التي اختُرعت في عهد سالف — عهد أصحاب المحال وأصحاب مبادرات الأعمال المستقلين — مثار سخرية لدى معظم مثقفي أمريكا. كانت السخرية قد بدأت في مطلع القرن بخطب ثورستاين فبلن المسهبة العنيفة ضد اقتصاديي السوق الحرة والرأسماليين الذين يمجدونهم،13 وتواصلت بقسوة أقل في كتاب بيرلي ومينز، وبلغت صورة أشد قوة بنظرية «المنافسة الاحتكارية» التي اقترحها إدوارد تشيمبرلن في أطروحته لنيل الدكتوراه من جامعة هارفرد سنة ١٩٢٧ ونظرية «السعر الموجَّه» التي اقترحها مينز في مذكرة حكومية سنة ١٩٣٥.14 كان لُب كلتا النظريتين أن الشركات الأمريكية الكبيرة يمكنها تحديد الأسعار كما تشاء، وتُكره المستهلكين عمليًّا على قبول منتجاتها. وفي سلسلة من الكتب الذائعة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، بسَّط جون كنيث جالبريث — أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفرد — هذا الرأي بذكاء لعامة الجمهور. شبَّه جالبريث — وهو آخر ممثل عظيم للمدرسة المؤسَّسِية الأدبية في علم الاقتصاد الأمريكي التي بدأت بفبلن — مسئولي الشركات الأمريكية التنفيذيين بالأباراتشيك السوفييتيين، وهم المسئولون البيروقراطيون عن إدارة نظام هائل موجَّه نحو الاستهلاك المفرط والتبذير.15

في خمسينيات القرن العشرين، كان الاقتصاديون منشغلين بنبذ النهج المؤسَّسِي من عِلمهم، لكن معظمهم كان يشارك جالبريث آراءه بشأن الشركات الأمريكية. كان معقل معارضة حجج جالبريث موجودًا في ساوث سايد جنوب شيكاجو، ولم تأت أشرس المقالات النقدية من كلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاجو ولا حتى من قسم الاقتصاد بها، بل من كلية الحقوق.

كان آرون دايركتور هو زعيم الثورة المضادة. كان دايركتور أول عضو بدائرة ميلتون فريدمان يجاهر بشكوكه في الحكومة، ربما لأنه كان أكبر سنًّا، وأمضى زمنًا أطول في واشنطن (حيث عمل في وزارة الخزانة). وعندما أنبأته شقيقته روز — وهي ثمرة أخرى من ثمار برنامج علم الاقتصاد بجامعة شيكاجو — سنة ١٩٣٨ بنيَّتها الزواج من فريدمان، جاوبها آرون كاتبًا: «قولي له إنني لن آخذ عليه ميوله القوية جدًّا نحو الخطة الاقتصادية الجديدة؛ المتسلطة إذا شئنا لفظًا مُسيئًا.»16 كان دايركتور قد تألق — أثناء دراسته في جامعة شيكاجو — في المحاضرات وفي الحديث، لكنه لم يُتم أطروحة قط، فلم تكن الكتابة موضع اهتمامه. وقد أراد كثيرون من مدرسيه بجامعة شيكاجو إعادته إلى الجامعة في أربعينيات القرن العشرين، لكن لم تكن معه دكتوراه، ولم يكن يخطط لنيل واحدة. وبما أن المرء لا يحتاج إلى أن يكون حاملًا للدكتوراه كي يكون أستاذًا للقانون، أقنع الاقتصاديون كلية الحقوق بالجامعة بتعيينه سنة ١٩٤٦.17

درَّس دايركتور في بادئ الأمر مقررًا واحدًا، وهو التحليل الاقتصادي، لكن سرعان ما توسَّع؛ حيث قاد تدريس مقرر في قانون مكافحة الاحتكار مع عميد كلية الحقوق إدوارد ليفاي وأحد الخبراء ذائعي الصيت في هذا الموضوع، وصار هذا المقرر أسطورة. فوفقًا للطلاب الذين كانوا هناك، كان ليفاي يقضي الأيام الأربعة الأولى من الأسبوع في شرح قانون مكافحة الاحتكار القائم، وبعدها يكرس دايركتور اليوم الخامس ليبين أسباب خلوِّه من أي معنى اقتصادي. في البداية شمخ ليفاي بأنفه، لكنه في نهاية المطاف اقتنع بمنطق دايركتور الاقتصادي الذي لا يلين.

وكذلك فعل الطلاب. يقول روبرت بورك، الذي درَس القانون في جامعة شيكاجو في أوائل خمسينيات القرن العشرين: «كثيرون منا ممن درسوا مقرر مكافحة الاحتكار أو مقرر الاقتصاد تعرَّضوا لما لا يمكن أن يوصف إلا بأنه تحوُّل ديني. فقد غيَّر هذا رؤيتنا للعالم بأسره.»18 مضى كثيرون من طلاب دايركتور ليجعلوا تعاليمه في علم الاقتصاد محور حياتهم المهنية. كانت هناك حركة أكاديمية قد انطلقت.
كانت رسالة دايركتور الرئيسية تتمثل في أن الأشياء تحدث في عالم الأعمال لداعٍ ما، وأنه عندما يدقق المرء بإمعان كافٍ، فسيرى عادة يد آدم سميث الخفية وهي تمارس تأثيرها، حتى في جنرال موتورز. كتب جورج ستيجلر — أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاجو وشبيهه في أفكاره — يقول: «في كل واحدة من الممارسات العديدة التي حللها (البيوع الشرطية، وبراءات الاختراع، والمحافظة على سعر البيع، وما إلى ذلك)، التمس داعي طلب الربح الذي يقود رجال الأعمال إلى تبني الممارسة. كان الداعي أحيانًا هو ممارسة القوة الاحتكارية، لكن في أحيان أخرى كانت الممارسة تحقق كفاءة مهمة.»19 وجادل دايركتور بأنه نتيجة لذلك، هناك حاجة أقل كثيرًا مما كان يُعتقد عمومًا، إلى قوانين لمكافحة الاحتكار أو لوائح لحماية المستهلك.
ثمة مدرسة فكرية منفصلة، دُشنت في أواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن العشرين على أيدي اثنتين من ثمار جامعة شيكاجو اشتغلا بالتدريس في جامعة فيرجينيا، وهما جيمس إم بيوكانان وجوردون تالوك، وقد انسجمت هذه المدرسة تمامًا مع حجج دايركتور. قالت «نظرية الاختيار العام» — الاسم الذي صارت تعرف به هذه المدرسة — بأن الأجهزة التنظيمية والمشرعين كائنات اقتصادية تتصرف بغية مصالحها الذاتية؛ مما يعني أنه لا يمكن الاعتماد عليها بحق لفعل ما هو أصلح للاقتصاد.20 امزج هذا بالقانون وعلم الاقتصاد، وسوف تحصل على تفسير واسع شامل للأسباب التي جعلت التنظيم سيئًا والأسواق الحرة جيدة.

•••

لم يكن ميلتون فريدمان عضوًا كامل العضوية في فريق القانون والاقتصاد الذي ينتمي إليه صهره آرون دايركتور؛ إذ كان مشغولًا جدًّا بعمل آخر. لكن أثناء تحوله من أكاديمي إلى نجم إعلامي في ستينيات القرن العشرين، تولى فريدمان مسئولية تقديم أفكار زملائه بجامعة شيكاجو إلى العالم الخارجي الذي كان ما زال عدائيًّا إلى حد كبير. في سنة ١٩٧٠، شرح على صفحات مجلة «نيويورك تايمز» وجهة نظر جامعة شيكاجو في دور الشركات المساهمة في الحياة الأمريكية. كان الحدث الذي تمحور حوله حديثه هو ظهور «حملة جنرال موتورز»، وهي حركة بقيادة رالف نادر — الناشط في مجال حماية المستهلك — لضم ثلاثة ممثلين عن «المصلحة العامة» إلى عضوية مجلس إدارة عملاق صناعة السيارات. وقد روَّج نادر لهذه الفكرة طوال سبعينيات القرن العشرين مجادلًا بضرورة إلزام الشركات المساهمة بمستويات رفيعة من المسئولية المدنية؛ نظرًا لأنها أُنشئت بتدخل حكومي.

كان لدى فريدمان تفسير مختلف؛ حيث كتب يقول: «توجد مسئولية اجتماعية واحدة — وواحدة فقط — تتحمَّلها الشركة؛ وهي أن تستخدم مواردها وتنخرط في أنشطة لزيادة أرباحها ما دامت ملتزمة بقواعد اللعبة، بمعنى أنها تنخرط في منافسة مفتوحة وحرة دون غش أو احتيال.» لم يكن مسئولو الشركات التنفيذيون الذين زعموا أنهم يناضلون لتحقيق هدف أسمى يغشون مساهميهم فحسب، بل كانوا «يقوضون أساس المجتمع الحر».21
كان فريدمان قد صرَّح بهذه الحجة من قبل في كتابه «الرأسمالية والحرية»، لكنها هذه المرة وصلت إلى قراء أكثر بكثير، إلى قراء مختلفين. كانت هذه حججًا صادمة يفتح شخص مشترك في مجلة «تايمز» المحسوبة على الليبرالية المؤسَّسِية عيناه عليها، صبيحة يوم أحد من أيام شهر سبتمبر، وسرعان ما كانت تمتلئ صفحة بريد القراء بالمجلة بالتفنيدات الغاضبة، التي قال أحدها: «دفاع فريدمان عن أفكار آدم سميث المحضة أشبه بدفاع بيلي جراهام عن الحقيقة الحرفية لسفر التكوين.» وأعلن أحد طلاب ماجستير إدارة الأعمال بجامعة هارفرد أن فريدمان «رمز العقل الذي يواصل الدعاية «للوضع الراهن» متجاهلًا النُّذر التي تزداد وضوحًا في الأفق.»22
الحقيقة أن من جاء بهذه النُّذر فريدمان (وبيلي جراهام، عندما أتأمل في الأمر). لقد احتوى تصوير جالبريث لمشهد اقتصادي جامد يحكمه أباراتشيك الشركات كثيرًا من الحقيقة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. لكن في السبعينيات من القرن ذاته، كان الاقتصاد الأمريكي أخذ يبدو أشبه بشيء مأخوذ من كتب الاقتصاد الدراسية. بدأ المنافسون محدثو النعمة الآتون من خارج البلاد — ساعدهم في ذلك ظهور حاوية الشحن التي قضت على معظم تكلفة النقل عبر البحار — ينافسون العمالقة الأمريكيين ويفوزون.23 لم يعد بمقدور المسئولين التنفيذيين في يو إس ستيل أو جنرال موتورز تحديد الأسعار كما يشاءون وطرح المنتجات بكميات قليلة لمستهلكين أُسارى بين أيديهم، على النحو الذي يرونه مناسبًا. لم يكن أمامهم إلا النجاح أو الفشل في سوق تنافسية بحقٍّ.

كان دايركتور ومريدوه محقين في قولهم إنه حتى الشركات المساهمة الكبيرة لا يمكنها الاستهانة بالقوانين الاقتصادية، لكنهم تجاهلوا — في نبذهم هذا الهراء الفكري — عنصرًا بالغ الأهمية في حجة بيرلي لم يفقد دلالته بمرور الوقت، وهو الفصل بين الملكية والإدارة، الذي كان قد أثار اهتمام بيرلي (ناهيك عن آدم سميث) بالشركات المساهمة في المقام الأول. لكن لا تقلق أبدًا؛ فقد كان مايكل جنسن وزميله بجامعة روتشستر ويليام مكلنج يوشكان أن ينقذا هذا الفصل ويعيدا اكتشافه.

كانت الجامعة التي كان جنسن ومكلنج يدرِّسان فيها مؤسسة خاصة، ومن قبل كانت متواضعة الطموح، برزت في ستينيات القرن العشرين كواحدة من أثرى المؤسسات التعليمية في أمريكا. كان السبب في ثروة روتشستر المفاجئة أنها استثمرت بكثافة في أسهم شركتين محليتين هما إيستمان كوداك وزيروكس، وكانت الشركة الأخيرة بالأخصِّ قد أثارت ضجة في سوق الأسهم؛ حيث تحولت من شركة مغمورة إلى واحدة من عُظمى الشركات قيمة في أمريكا في غضون نصف عقد على خلفية قوة آلتها الناسخة الجديدة.24 وفي سنة ١٩٦٢، أغرى رئيسُ مجلس إدارة الجامعة — الذي تصادف أن كان أيضًا رئيس مجلس إدارة زيروكس — دبليو ألن واليس بترك كلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاجو ليكون الرئيس الجديد لجامعة روتشستر.

بدأ واليس عاجلًا في تعيين اقتصاديين من جامعة شيكاجو، فاستقدم مكلنج — تلميذ فريدمان في جامعة شيكاجو الذي كان يعمل في راند وفي مركز تحليل البحرية — وعينه عميدًا لكلية إدارة الأعمال. وعين مكلنج بدوره جنسن من أجل انطلاقة قوية لبرنامجه الخاص بدراسة المالية. ومن ثَمَّ فقد مكَّن نجاحُ وقفٍ يدار كصندوق استثماري مشترك جريء جامعة روتشستر من تعيين أكاديمي صنع سمعته الأكاديمية بالبرهنة على أن نجاح الصناديق الاستثمارية المشتركة الجريئة وهمي. لم يتوقف جنسن كثيرًا عند هذه المفارقة. وذات يوم طُلب إليه هو ومكلنج استعراض استراتيجية استثمار الكلية، لكن أيًّا منهما لم يكن أحمق بما يكفي لاقتراح تغييرات كبيرة.

قرر جنسن ومكلنج، مستلهِمين مقالة فريدمان في مجلة «تايمز»، أن يكتبا بحثًا عن «المسئولية اللااجتماعية للأعمال» يقدمانها إلى مؤتمر صيفي سنة ١٩٧١. كانا يظنان أن ترجمة حجج فريدمان الصحفية إلى لغة الاقتصاد ستكون مسألة بسيطة، لكنها لم تكن كذلك. يقول جنسن متذكرًا: «بدأنا ننظر إلى الأمر كاقتصاديين. رأينا أن المنافسة بين شركتين لن تضمن نتيجة مثلى؛ لأن الأشخاص الذين يديرون الشركتين لديهم دوافعهم الخاصة.» وكان فريدمان قد نوه إلى هذه المشكلة في مقالته أيضًا، قائلًا إن ملاك شركة ما هم «الأصلاء» ومديريها «الوكلاء»، وإن المشكلات تنشأ دائمًا عندما يتولى الوكلاء مسئوليات تتجاوز الاعتناء بالأصلاء. لكن في حين أن فريدمان اكتفى بالقول بأن المسئولين التنفيذيين «ينبغي ألا» يسلكوا ذلك السلوك، نظر جنسن ومكلنج نظرة أعمق على بواعث المديرين.

كررا حجة بيرلي بشأن الفصل بين الملكية والإدارة، لكنهما أعطياها اسمًا مختلفًا هو «تكاليف الوكالة»، ومثَّلاها بمجموعة من المعادلات كانت من شأنها أن تفحم بيرلي (الذي مات سنة ١٩٧١). كما رأَيَا مخرجًا من المأزق لا يشتمل على تدخل حكومي؛ ألا وهو السوق الكفء؛ إذ يمكن التعويل على أن سوق الأسهم «تعكس تمامًا البيانات المتاحة كافة»، بل وبعض البيانات التي لم تكن متاحة على الفور. وستعاقَب الشركات التي أخفق مسئولوها التنفيذيون في التصرف بما يصب في مصلحة المساهمين بانخفاض أسعار الأسهم. كانت مهمة رصد سلوك المديرين من ثَمَّ متروكة لوول ستريت، وقد وفَّر هذا الرصد — الذي كان يقلص تكاليف الوكالة ويجعل الشركات تسلك سلوكًا أكثر كفاءة — تفسيرًا عقلانيًّا لما يدعو الصناديق الاستثمارية المشتركة وشركات السمسرة إلى إنفاق ملايين الدولارات على تحليل الأسهم بينما يستحيل التفوق على السوق. جادل جنسن ومكلنج بأن ما يجعل جهود محللي الأوراق المالية ذات شأن هو القيمة الكلية المزيدة للأسهم المتداولة في السوق.25

كان مفهوم السوق الكفء قد خطا خطوة كبيرة. أمر مختلف أن تتصدى لفرضية في العلم الذي صيغت فيه؛ أي في موطنها الطبيعي إذا جاز التعبير. فهناك يمكن أن يجد المرء تحذيرات وشكوكًا وأشخاصًا «عرفوا الشيء في وقت سابق وفي ظروف مختلفة وأقل مواتاة.» وعندما تُنقل مثل هذه النظرية غير منقوصة إلى علم آخر، فإن كثيرًا من الأمتعة يضيع حتمًا أثناء الرحلة. كانت فكرة السوق العقلانية قد انتقلت لأول مرة من الاقتصاد النظري إلى العلم الفرعي التجريبي الذي هو المالية؛ حيث ضاعت فروقها الدقيقة وازدادت شدتها، بل وكانت آنذاك في طريقها إلى مجال أشد بعدًا. أراد جنسن ومكلنج أن يعتمدا على الحكم الجماعي لسوق الأسهم لحل تضاربات المصالح التي قضَّت مضاجع الأكاديميين والمسئولين التنفيذيين والمساهمين لأجيال عديدة.

لا نقصد أن أيًّا من هذا ذاع صيته على الفور؛ فقد استجابت الشركات الأمريكية الكبرى بفتور للتغيير في البيئة التنافسية الذي أحدثته الأزمة النفطية في ١٩٧٣-١٩٧٤ وصعود نجم المصنِّعين الألمان واليابانيين الذي لم يكن جليًّا على الفور، لكنه كان حتى أكثر دلالة. كانت سوق الأسهم بالتأكيد أسرع في الملاحظة؛ حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز — المعدل حسب التضخم — في الفترة من سنة ١٩٧٣ إلى سنة ١٩٧٧ أكثر حتى من انخفاضه في السنوات الخمس التي بدأت سنة ١٩٢٩. كانت الإشارات الصادرة عن السوق واسعة المعرفة واضحة. كانت الشركات الأمريكية بحاجة إلى الإصلاح من شأنها. كان السؤال هو كيف يُحمل المسئولون التنفيذيون على إعارة اهتمام.

•••

كان الإقناع أحد الخيارات. وصار هذا تخصُّص جويل ستيرن، وهو بروكليني متبجح التحق ببرنامج ماجستير إدارة الأعمال بجامعة شيكاجو سنة التحاق مايكل جنسن ومايرون سكولز به، لكنه لم يبق هناك للحصول على الدكتوراه، وذهب بدلًا من ذلك للعمل في بنك تشيس مانهاتن في نيويورك؛ حيث أُلحق بقسم يقدم المشورة المالية للشركات المقترضة. عندما جاء ستيرن سنة ١٩٦٤، كانت تلك المشورة تركز على مساعدة الشركات على استخلاص عصارة أرباحها الواردة في التقارير. نظرًا لتأثره بحجج أستاذه بجامعة شيكاجو ميرتون ميلر، كان ستيرن مقتنعًا بأن المساهمين يمكنهم إدراك حقيقة مثل هذه المكائد المحاسبية. كان المفتاح هو الحكم على جميع الاستثمارات والاقتناءات وقرارات الإنفاق الأخرى بمعيار ميلر ومودلياني: أمِن المرجَّح أن تدر للمساهمين عوائد أعلى مما يمكن أن يتوقع المساهم تحقيقه عند مستويات مخاطر مماثلة في مكان آخر في السوق؟

بمرور الوقت وجد ستيرن جمهورًا لهذه الأفكار. وفي سنة ١٩٧٢، كتب لصحيفة «وول ستريت جورنال» مقالة رأيٍ جادل فيها بأن ما يحرك السوق في الحقيقة ليس الأرباح ولا حتى الأرباح المتوقعة، بل «التدفق النقدي المتوقع الذي يتجاوز ويفوق متطلب الاستثمار المتوقع من المشروع.»26 هذا هو ما يهتم به المالك الوحيد لأية شركة. أثبت ستيرن أن هذا هو ما يسعى إليه أيضًا المساهمون في الشركات الكبيرة. أفضت مقالة ستيرن الأولى في صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أخريات، وإلى عمود يُنشر كل أسبوعين في صحيفة «فاينانشال تايمز» اللندنية. صار ضيفًا منتظمًا على برنامج «وول ستريت ويك» على شبكة بي بي إس. أنشأ في البنك مكتبًا خاصة به عبارة عن قسم استشاري يسمى «تشيس فاينانشال بوليسي» استقطب قائمة عملاء مرموقة ونجح في استمالة العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى طريقة تفكير ستيرن، وأبرزهم تشاك نايت الذي تولى زمام قيادة شركة إمرسون إلكتريك متعددة الأنشطة الكائنة في سانت لويس، وذلك في سنة ١٩٧٣، وبمساعدة ستيرن حولها إلى واحدة من أنجح الشركات أداءً في سوق الأسهم في الربع الأخير من القرن العشرين.
خرجت إلى الوجود في سبعينيات القرن العشرين شركات استشارية أخرى تجمعها روابط بالمالية الأكاديمية لتقديم مشورة مماثلة. فخرجت ماراكون كونسلتنج من رحم قسم علوم الإدارة في ويلز فارجو. وكانت ألكار صنيعة ألفريد رابابورت — أستاذ المحاسبة بجامعة نورثوسترن — وزميل له. في مقالة نشرت سنة ١٩٨١ في مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو»، أطلق رابابورت على هذا النهج اسمًا ذاع وانتشر؛ حيث كتب يقول إن السؤال الأساسي الذي يواجه أي مخطط استراتيجي في شركة ما هو: «هل ستخلق خطة الشركة قيمة مضافة للمساهمين؟»27 ومضى رابابورت يقول إنه للتوصل إلى كيفية خلق «قيمة المساهمين المضافة» هذه، يجب أن يقيس المرء العائد المتوقع من أي استثمار تستثمره الشركة على تكلفة رأس المال. ولحساب تكلفة رأس المال، أوصى رابابورت باستخدام علاوة مخاطر الأسهم التي توصل إليها إبتسون وسنكوافيلد ومقاييس بيتا التي وضعها بار روزنبرج.

كان ذلك لا بأس به، لكن مسئولي الشركات التنفيذيين لم يكونوا ليركزوا على خلق قيمة مضافة للمساهمين لمجرد أنهم قرءوا عن هذا في مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو». كانوا يحتاجون إلى حوافز، وكان ربط الأجر بأسعار الأسهم أحد السبل إلى ذلك، لكن ذلك النهج كان قد فقد أكثر شعبيته في سبعينيات القرن العشرين. كانت خيارات شراء أسهم الشركة قد استُخدمت استخدامًا واسعًا في خمسينيات وستينيات القرن ذاته لمكافأة المسئولين التنفيذيين والتوفيق بين مصالحهم ومصالح المساهمين. كما أنها كانت ملاذًا ضريبيًّا؛ ذلك أنه إذا احتفظ المسئولون التنفيذيون بالأسهم التي اشتروها بالخيارات، كانت مكاسبهم تُفرض عليها الضريبة لا كدخل بل كمكاسب رأسمالية تخضع لمعدلات ضريبية أقل كثيرًا. خُفضت تلك الميزة الضريبية تخفيضًا ثابتًا وتدريجيًّا في ستينيات القرن العشرين (وكان أكبر مخفِّض لها عضو مجلس شيوخ الولايات المتحدة آل جور الأب)، وأُلغيت بالكلية سنة ١٩٧٦. اختفت الخيارات فعليًّا من المشهد. هذا لا يعني أن معظم المسئولين التنفيذيين أقلقهم ذلك؛ ففي ظل تدهور أسعار الأسهم، لم يشاءوا رؤية أجورهم تحذو حذوها.

فكيف يمكن جعل المسئولين التنفيذيين يعيرون اهتمامًا لحكم سوق الأسهم؟ لو كان يقلقهم احتمال شراء شخص ما شركتهم والإلقاء بهم في الشارع، لربما كان «ذلك» حافزًا. في خمسينيات القرن العشرين، صار أخصائيو الاستحواذ (كانوا آنذاك يُطلق عليهم «أخصائيو التوكيلات»؛ لخوضهم معارك لكسب السيطرة على أصوات المساهمين بالوكالة) لأول مرة عاملًا مهمًّا في مشهد الشركات الأمريكية. وقعت المعركة الأبرز من بين معارك الاستحواذ الأولى في سنة ١٩٥٤، عندما قدَّم نجم جامعة كولومبيا السابق لكرة القدم لويس ولفسون عرضًا للسيطرة على بائع التجزئة مونتجومري وارد. فشل ولفسون، وشنَّ مسئولو الشركة التنفيذيون هجومًا مضادًّا؛ حيث مارسوا الضغط على الكونجرس لوقف هذه الهجمة البربرية.28
تزعَّم السيناتور هاريسون وليامز عن ولاية نيوجيرسي الحركة المناهضة للاستحواذ على الشركات، وقال من على منصة مجلس الشيوخ سنة ١٩٦٥: «في السنوات الأخيرة، رأينا شركات عريقة أبيَّة تُختزل إلى شركات واجهة بعد أن سيطر عليها قراصنة أصحاب ياقات بيضاء. المسئولية عن منع مثل هذا النوع من التخريب الصناعي تقع على عاتق إدارة الشركات المعرضة لهذا التهديد ومساهميها. لكن تساهل قوانيننا يضع الإدارة والمساهمين موضعًا غير مُواتٍ على نحو ملحوظ في صراعهما مع العدو.»29 أما كيف يمكن وضع المساهمين موضعًا غير موات على أيدي أشخاص كانوا يريدون دفع علاوة سعرية نظير أسهمهم؛ فكان لغزًا، لكن الخطر الذي كان يهدد الإدارة كان حقيقيًّا، واحتفظ مديرو الشركات بحضور ضاغط قوي في واشنطن. إبان ذلك، كان معظم نقاد الشركات الأمريكية يأتون من اليسار السياسي (أشخاص من قبيل جون كنيث جالبريث ورالف نادر)، ولم يكونوا متحمسين لقبول غزاة وول ستريت.

ترك ذلك المجالَ لهنري مان — خريج كلية الحقوق بجامعة شيكاجو دفعة سنة ١٩٥٢ — وكان قد مر بتجربة التحول المعتادة هناك؛ حيث أتاها وهو يخطط لأن يصبح محاميًا للنقابات العمالية، وخرج بعد ذلك بثلاث سنوات «مؤمنًا راسخ الإيمان بالسوق الحرة.» كدارس شاب للقانون، قادَه اهتمامه بحوكمة الشركات إلى السير في مسارات مثيرة للاهتمام طرَق بعضها قبله بيرلي، الرجل الذي نبذه أساتذته بجامعة شيكاجو باعتباره «مجنونًا». راسَلَ مان بيرلي وصار من المعجبين بولفسون وغيره من أخصائيي التوكيلات، الذين اعتبرهم حاسمي الأهمية لحل معضلة الملكية والإدارة التي تحدث عنها بيرلي. وبعد تطرقه إلى هذه الفكرة في عديد من المقالات المنشورة بالمطبوعات القانونية، تناولها تناولًا مباشرًا في دورية «جورنال أوف بوليتيكال إيكونومي» سنة ١٩٦٥ في مقالة أصبحت بعد ذلك مقالة معلمية.

لطالما كانت الاندماجات والاستحواذات بين المتنافسين موضع استياء في الأدبيات القانونية؛ لأنها تقلص عدد المتنافسين في السوق؛ ومن ثَمَّ تقلص عدد الخيارات أمام المستهلكين. جادل مان بأنك إذا لم تقتصر في نظرتك على سوق منتجات شركة ما، بل نظرت إلى ما سمَّاه «سوق الاستحواذ على الشركات»، ستبدأ مثل هذه الاندماجات في الظهور بمظهر أفضل كثيرًا. كتب يقول: «خطة الاستحواذ وحدها هي التي توفِّر بعض الضمان للكفاءة التنافسية بين مديري الشركات، وبهذه الطريقة توفر حماية قوية لمصالح أعداد هائلة من المساهمين الصغار الذين ليس لهم يد في الإدارة. إن جهود هيئة الأوراق المالية والمحاكم لحماية المساهمين من خلال تطوير مفهوم الواجب الاستئماني ودعوى المساهمين المشتقة تبدو ضئيلة في الحقيقة بمقارنتها بهذه الآلية.»30 واعترف مان آنذاك بأنك كي تصدِّق هذه الحجة، لا بد أن تفترض وجود «ارتباط موجب وكبير بين كفاءة إدارة الشركة والسعر السوقي لأسهم تلك الشركة».31 فالمديرون السيئون سيعاقَبون بانخفاض أسعار الأسهم؛ مما يزيد احتمال تعرض شركاتهم للاستحواذ. لم يكن مَن في كلية شيكاجو لإدارة الأعمال قد قدموا بعد «برهانهم» على مثل هذه الكفاءة السوقية، لكن مان كان يراه قادمًا.
استصدر السيناتور وليامز على الرغم من ذلك قانونًا لمحاربة الاستحواذ على الشركات سنة ١٩٦٨، لكن أفكار مان لعبت دورًا في جعل قانون وليامز النهائي أقل تشددًا مما كان السيناتور قد اقترحه في بادئ الأمر.32 وحظر هذا القانون إطلاق استحواذ عدائي دون تنبيه، لكنه لم يمنع إطلاق استحواذ عدائي تمامًا.

في ستينيات القرن العشرين، كانت الاستحواذات — عدائية أم غير ذلك — في أغلبها من عمل الشركات التي كدسها جيري تساي في صندوقه فيديليتي كابيتال. فالشركات الناجحة متعددة الأنشطة — مثل إل تي في، وآي تي تي (شركة الهاتف والتلغراف الدولية) — استخدمت سهمها المسعَّر بسعر مرتفع لشراء الشركات الأرخص والأقل جاذبية. وفي سبعينيات القرن العشرين، تلك الفترة التي اتسمت بهبوط أسعار الأسهم، لم تعد تفلح مثل هذه الاستحواذات على كل الأسهم، لكن بحلول منتصف العقد، كانت أسعار الأسهم قد انخفضت بشدة، لدرجة أن الشركات التي لديها نقدية فائضة بدأت تتشمم بحثًا عن صفقات. آذن استحواذ شركة إنترناشونال نيكل العدائي على صانع البطاريات إي إس بي (إلكتريكال ستوريج باتري كومباني) سنة ١٩٧٤ مقابل ٢٢٤ مليون دولار دُفعت نقدًا بالكامل ببداية عهد جديد له خصوصيته؛ لأن صاحب العرض العدائي كان عملاق تعدين من الشركات الممتازة، وكانت ممثلته شركة من الشركات الممتازة بوول ستريت، وهي مورجان ستانلي. لم تكن هناك شركات كثيرة لديها ذلك القدر من المال عاطلًا، وكان ظهور طفرة الاستحواذات يتطلب خبيرًا ماليًّا.

وكان مايكل ميلكن هو ذلك الخبير المالي. كان ميلكن قد صادف وهو طالب بكالوريوس بجامعة كاليفورنيا في بيركلي في ستينيات القرن العشرين دراسة صادرة سنة ١٩٥٧ عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية تثبت أن السندات متدنِّية الرتبة حققت عوائد أفضل من السندات عالية الرتبة. بدا هذا معقولًا من منظور نموذج تسعير الأصول الرأسمالية، فالسندات التي خفَّضت ستاندرد آند بورز أو موديز رتبتها كانت تُعتبر أعلى مخاطر من السندات التي لم تخفض رتبتها؛ لذا «لا بد» أن يجني المستثمرون مكافأة على شرائها. بدأ ميلكن وهو ما زال طالبًا يستثمر في هذه السندات التي تسمى السندات الرديئة. وعندما ذهب ليعمل في شركة السمسرة المتعثرة دركسل هاريمان ريبلي بعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من كلية وارتون، بدأ يبني مشروع أعمال من بيع هذه السندات.

لم تكن السندات التي كان ميلكن يبيعها في الأيام الأولى سندات «رديئة»، بل كانت سندات خاصة بالشركات التي بدت ذات يوم آمنة ومضمونة لكنها لم تعد كذلك، وكان هناك كثير منها في سبعينيات القرن العشرين. لكن في سنة ١٩٧٧، بدأ دركسل «يصنِّع» هذه السندات الرديئة، وأعني بذلك أن يضمن تغطية إصدارات سندات ذات تصنيفات متدنية وأسعار فائدة مرتفعة من البداية. في ظل ارتفاع معدل التضخم إلى ١٠ في المائة وأكثر، اجتذبت هذه السندات «مرتفعة العائد» المستثمرين، وكان هذا معناه أنه على الرغم من أن سوق الأسهم كانت لا تزال متعثرة، أصبح آنذاك ممكنًا حتى بالنسبة لصغار المضاربين أن يجمعوا أموالًا طائلة في سوق الدين. بات بالإمكان أن يبدأ عهد جديد من الاستحواذات.33
هذه المرة، سيكون للاستحواذات العدائية مدافعون مفوَّهون ومؤثرون. كان أعلاهم صوتًا دائمًا مرتبطًا بجامعة شيكاجو،34 لكنَّ مان حرص ألا يكون أكاديميو جامعة شيكاجو وحدهم هم الذين فهموا حجته. ففي سنة ١٩٧١، وأثناء تدريسه في جامعة روتشستر، بدأ يأتي بأساتذة القانون من كل أنحاء البلاد لحضور ندوة اقتصادية صيفية سنوية. وفيما بعد استهلَّ برنامجًا مماثلًا للقضاة الفيدراليين. كما كان صاحب كلمة مسموعة لدى إدارة ريجان التي جاءت إلى السلطة سنة ١٩٨١. وعلى الرغم من عرض المئات من مشاريع القوانين في الكونجرس في الثمانينيات لكبح جماح الاستحواذات أو السندات الرديئة، لم يُمرَّر أي منها ليصبح قانونًا. وعندما بدأ رئيس هيئة الأوراق المالية إبان ريجان يبدي قلقه الشديد سنة ١٩٨٤ من أخطار الاستحواذات، أعلن وزير الخزانة دونالد ريجان — الرئيس التنفيذي السابق لميريل لينش — موقف الإدارة واضحًا بتصريحه بأن الاستحواذات «مفيدة»؛ لأنها «توفر وسيلة — أحيانًا الوسيلة الوحيدة المجدية — لمراقبة الإدارة في الشركات المملوكة لمساهمين كُثر.»35 بعد ذلك ببضعة أشهر، تضمَّن التقرير الاقتصادي السنوي لرئيس الجمهورية فصلًا كاملًا بعنوان «سوق الاستحواذ على الشركات» — من وضع مايكل جنسن وهو أحد أساتذة قسم الاقتصاد بجامعة شيكاجو — وكان مجرد نسخة محدَّثة من مقالة مان المبدعة المنشورة سنة ١٩٦٥.36
انتهت طفرة استحواذات ثمانينيات القرن العشرين في نهاية المطاف؛ حيث أوقفتها الهيئات التشريعية بالولايات المختلفة التي لم تتأثر بمنطق أكاديميي جامعة شيكاجو، ومحامٍ أمريكي في مانهاتن (رودي جولياني) مصمم على إسقاط بعض أسماء وول ستريت الكبيرة، وانهيارُ سوق السندات الرديئة. لكن قوة حجج مان ساعدت على تأخير هذا المصير لمدة عقد من الزمن تقريبًا، أحدثت أثناءه مؤسسة كولبِرج كرافيس روبرتس آند كومباني المتخصصة في شراء الشركات، وقطبا الأعمال نلسون بلتز وكارل أيكان، وآخرون أمثالهما — تحولًا في المشهد الاقتصادي، وقد أحدثوه باستخدام ما بدا لكثيرين وحشية وإسرافًا هائلين. بحلول أواخر ثمانينيات القرن العشرين، كان كثيرون من المعلقين القلقين يجادلون بأنه فيما بنت اليابان وألمانيا قوتهما الصناعية، أجبرت موجة الاستحواذات الشركات الأمريكية على إغلاق مصانعها والإفراط في الاستدانة. كان عباقرة شراء الشركات بأموال مقترضة يضرون بالقدرة التنافسية الأمريكية.37

•••

كان مايكل جنسن مقتنعًا بالعكس، وأعني أنه كان مقتنعًا بأن موجة الاستحواذات كانت تجعل الاقتصاد الأمريكي أكثر قوة. وفيما ساق مان وآخرون حججهم في واشنطن وبين المشتغلين بمهنة القانون، روَّج جنسن لمزايا الاستحواذات أمام جمهور لديه أعلى درجة ممكنة من الارتياب، وأعني قادة الشركات الأمريكية الحاليين والمستقبليين. جعله هذا الموقف مثار جدل، كما جعله يداني في شهرته أقصى ما يمكن لأستاذ بكلية لإدارة الأعمال أن يحققه. كما أنه جعله الأب الفكري الرئيسي لما صار المدرسة التقليدية في الشركات بل وما يشبه المذهب الوطني في تسعينيات القرن العشرين.

على الرغم من كل النجاح الذي حققته الأفكار الجديدة حول الأسواق الكفء في الأحرام الجامعية وداخل دوائر معينة من عالم الاستثمار، لم تكن قد تغلغلت بعدُ في المراكز الحقيقية للقوة الاقتصادية في أمريكا بحلول أوائل ثمانينيات القرن العشرين. كانت الصناديق المرتبطة بمؤشرات ما زالت في المهد. كان قليلون ممن هم خارج الأعمال الاستثمارية قد لاحظوا النمو والتحول الموجَّه بنظرية المحفظة الحديثة الذي شهدته صناديق المعاشات التقاعدية. كان وول ستريت نفسه ما زال بعيدًا عن قلب العالم الاقتصادي الذي سيصبحه بعد حين. وفي حين أن النهج القائل بالنظرية أولًا، القائم على كفاءة السوق، في تعليم إدارة الأعمال، والذي نشأ في كارنيجي ميلون وبسط نفوذه على جامعتي روتشستر وشيكاجو ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان قد امتد إلى مؤسسات تعليمية أخرى،38 لم يكن قد وصل جامعة هارفرد بعد.
ظلت جامعة هارفرد أكبر كلية لإدارة أعمال، والأكثر تأثيرًا لدى كبار قادة الأعمال، والأشد مقاومة للنظرية الاقتصادية، لكنها كانت تمر بأزمة هوية؛ ففي سنة ١٩٧١، قال عمداء كليات إدارة الأعمال الذين استطلعتْ آراءَهم مجلة «إم بي إيه» إن ستانفورد تفوقت عليها في الجودة الأكاديمية. وبعد ذلك بعام، كانت جامعة هارفرد قد تراجعت مجددًا في استطلاع الرأي لتحلَّ بعد جامعة شيكاجو ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.39 وبحلول نهاية العقد، صار النقد يأتي حتى من إدارة جامعة هارفرد ذاتها؛ حيث كتب رئيس الجامعة ديريك بوك في تقريره السنوي لسنة ١٩٧٩ يقول إن كلية إدارة الأعمال صارت منكفئة على ذاتها ولا تنتج إلا قليلًا من الأبحاث المبتكرة.40

وهكذا كانت كلية هارفرد لإدارة الأعمال راغبة في شراء ما كان جنسن يبيعه. من جانبه، كان جنسن قد بدأ يسأم قليلًا من محاولة إقناع المقتنعين في جامعة روتشستر. وفي سنة ١٩٨٤، وفد على حرم بوسطن كأستاذ زائر، لكن سرعان ما تعاقد مع الجامعة كأستاذ متفرغ، وابتكر مقررًا في السلوك التنظيمي متمحورًا حول نظرية الوكالة صار في غضون بضع سنين المقرر الاختياري الأكثر شعبية في كلية إدارة الأعمال. كما أنه حقق استفادة كاملة من المنبر الذي منحه إياه منصب أستاذ في جامعة هارفرد، فلم يعد يُدلِي بحججه لأقرانه خبراء المالية في دورية «جورنال أوف فاينانشال إيكونوميكس». كان كلامه آنذاك يُنشر في مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» بل وصحيفة «نيويورك تايمز».

قال جنسن لصحيفة «نيويورك تايمز» سنة ١٩٨٥: «توفر سوق الاستحواذات آلية فريدة وقوية ومجردة لإتمام إعادة الهيكلة الكبرى وإعادة توزيع الأصول اللتين تتطلبهما باستمرار التغيرات في التكنولوجيا وأفضليات المستهلكين.»41 وكتب بعد ذلك بسنة يقول إن المشكلة مع معظم مديري الشركات أن لديهم ميلًا إلى الاستثمار المفرط، إلى بناء شركات أكبر مما ينبغي. والسبب في ذلك أن النمو يرضي غرورهم ويزيد أجورهم عادة. أرهقت الاستحواذات العدائية وغيرها من عمليات الشراء بأموال مقترضة — حتى عمليات الشراء بأموال مقترضة التي تبادر بها الإدارة — كاهلَ الشركات بأعباء مديونيات غيَّرت سلوك المديرين. كتب جنسن يقول سنة ١٩٨٦: «في هذه الحالات، يؤتي رفعُ الشركة ماليًّا بشدة لدرجة لا تستطيع معها الاستمرار في الوجود بصورتها القديمة ثمارًا؛ إذ يخلق الأزمة التي تحفز تقليص برامج التوسع وبيع الأقسام التي تتمتع بقيمة أكبر خارج الشركة.»42

كان جنسن يقدم حجة أشمل مما قدمه مان على الإطلاق. لم يكن الأمر يقتصر على أن تهديد الاستحواذات يمنع مديري الشركات من تجاهل المساهمين. كانت دراسة جنسن لتكاليف الوكالة قد أقنعته بأن مديري الشركات يحتاجون إلى هدف واحد موحِّد كي يؤدوا أعمالهم جيدًا، والهدف الوحيد الذي له معنى هو القيمة الاقتصادية. فلو تبيَّن أن خلق تلك القيمة لحملة السندات الرديئة أبسط من خلقها للمساهمين، فليكن ذلك. كان ذلك، بأية حال، وما برهن عليه فرانكو مودلياني وميرتون ميلر قديمًا في سنة ١٩٥٨ سواءً.

الدين لا بأس به. الأزمة لا بأس بها. معدل دوران الإدارة لا بأس به. فبإجبار الشركات على التخلي عن مشاريع الأعمال غير الواعدة وإغلاق المصانع قاصرة الأداء، كانت عمليات الشراء بأموال مقترضة تجعل أمريكا أعظم قدرة على التنافس. كتب جنسن في مجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» سنة ١٩٨٩ يقول: «بإيجاد حل لنقطة الضعف المحورية التي تعتري الشركة العامة الكبيرة — وأعني الصراع بين المُلَّاك والمديرين على السيطرة واستخدام موارد الشركة — تُحقق هذه المؤسسات الجديدة مكاسب ملحوظة في الكفاءة التشغيلية وإنتاجية العاملين والقيمة المضافة للمساهمين.»43
لم تكن الفكرة القائلة بضرورة إدارة الشركات لتفيد مُلاكها بالفكرة الجديدة؛ حيث ظلت تناقَش عرَضًا، وتُنتهك مرارًا، منذ بزوغ فجر الشركة الحديثة. ما كان جديدًا هو القناعة والطبيعة الشاملة لرؤية جنسن العالمية. ونقتبس هنا كلمات الإعجاب التي تفوَّه بها ناقد يساري على مضض:
الميزة الكبرى لرؤية جنسن هي أنها — عندما تُقرن بقبول غير ناقد لعقيدة الأسواق الكفء — تعدل نظرية ميدانية موحَّدة للتنظيم الاقتصادي. فالأسواق المالية العليمة ستوجه القرارات الاستثمارية الحقيقية نحو الأمثل لها، وبالمجموعة الملائمة من الحوافز، سيتبع الملاك-المديرون هذا التوجيه دون تحفظ.44

في ثمانينيات القرن العشرين كانت «رؤية جنسن» هذه بمنزلة أيديولوجية تعتنقها الأقلية، لكنها لم تظل كذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤