سيتي مرنبتاح

تولى الملك بعد «مرنبتاح» ابنه الأكبر «سيتي مرنبتاح» أو «سيتي الثاني». وتدل النقوش التي لدينا على أنه كان في أيام والده هو الوالي على العرش، إذ كان يحمل الألقاب التالية: الأمير الوراثي، والحاكم، ورئيس الأرضين، وكاتب الملك، والقائد الأعلى للجيش؛ هذا فضلًا عن لقب الكاهن «سم» الذي كان يحمله. وهو الكاهن الأكبر للإله «بتاح».

fig12
شكل ١: الفرعون سيتي (الثاني) مرنبتاح.
وفي تل «بسطة» عُثر على قاعدة تمثال جالس «لمرنبتاح» ومعه ابنه «سيتي مرنبتاح» ويُلقب بولي العهد.١ وكذلك يُشاهد مع والده على مناظر مقصورة «بانحسي».٢
وقد تولى الحكم في السادسة والخمسين من عمره تقريبًا، وإذا كانت «تاخعت» هي بنت «رعمسيس الثاني» كما تدل على ذلك الألقاب التي تحملها وهي: البنت الملكية، والزوجة الملكية العظيمة، والتي ضمت إليها «حور» فإنها كانت لا تزال في السنة الثالثة والخمسين من حكم «رعمسيس الثاني» أميرة، إذ كانت آنذاك تبلغ الخامسة والعشرين من عمرها تقريبًا. وكان «سيتي مرنبتاح» نفسه وقتئذ في السنة الثالثة والعشرين من عمره، ويُحتمل أنهما قد تزوجا بعد ذلك مباشرة.٣

(١) مبانيه

وقد دلت الكشوف الحديثة على أن هذا الفرعون كان ذا نشاط نسبي في إقامة المباني في معبد الكرنك بنوعٍ خاص، وربما كان السبب في ذلك رغبته في إرضاء كهنة «آمون» وطمعه في أن ينحازوا إلى جانبه في ذلك الوقت المضطرب، ولذلك نجد له بعض إضافات ونقوش في أنحاء هذا المعبد.

وقد أثبتت الحفائر التي قام بها «شڤرييه» في السنين الأخيرة في «الكرنك» أنه أقام معبدًا صغيرًا للإله «آمون» هناك. (راجع Chevrier: Le Temple Reposoir De Seti II, a Karnak).

(١-١) معبد استراحة «آمون»

كان أول من نوه عن وجود معبد باسم هذا الفرعون هو الأثري «لجران»٤ في عام ١٩١٣م، وقد لمح «مريت» إلى وجود مباني هذا المعبد الخارجية؛ لأنه تكلم عن بعض الصيغ الدينية، وقد نسبه بحق «لسيتي الثاني».٥

ويحتوي هذا المعبد على ثلاث محاريب متوازية لتُوضع فيها السفن المقدسة لثالوث «طيبة» وهم: «آمون» و«موت» و«خنسو».

ويقع في الجزء الشمالي الغربي من الردهة الكبيرة لمعبد «آمون»، ومحوره عمودي على محور المعبد الكبير. وتركيب المعبد بسيط في ذاته، فواجهته الرئيسية يخترقها أبواب ثلاثة يؤدي كل منها إلى أحد المحاريب الثلاثة؛ فالباب الأوسط يؤدي إلى محراب «آمون» وهو في العادة أكبر من الآخرين، ويحتوي على ثلاث مقاصير في الجدار الخلفي، والمحراب الغربي مُهدًى للإلهة «موت» ولا يحتوي إلا على مقصورتين في الجدار الخلفي، والمحراب الشرقي مهدًى للإله «خنسو» ويحتوي على مقصورتين في الجدار الخلفي أيضًا، ولكن يشمل فوق ذلك ثلاث مقاصير منحوتة في الجدار الشرقي.

والظاهر أن «سيتي الثاني» قد عُني عناية خاصة بمباني هذا المعبد فلم يغتصب من مباني أسلافه، بل وضع أساسه بأحجار من الكوارتسيت المستخرج من «الجبل الأحمر» القريب من القاهرة، وهو الذي تباهى «أمنحتب الثالث» بعمل تماثيله منها في «طيبة» الغربية، وقد وُضعت على طبقة سميكة من الرمل.

وجدران هذا المعبد سميكة جدًّا أكثر من اللازم لمبنًى بهذه الأهمية؛ «فالمدماك» الأول الذي فوق الأساس من الكوارتسيت، وكذلك إطارات الأبواب. أما باقي المباني فمن الحجر الرملي العادي المستخرج من «جبل السلسلة» والظاهر أن الجدار الغربي لم يكن قد تم تنسيقه.

(أ) المناظر الخارجية

زُينت واجهة المعبد الرئيسية بصف واحد من المناظر يشاهَد فيها بعض الشخصيات وهم واقفون، والملك يقدم القربان لآلهة مختلفين، وعلى عتب الباب الكبير نقش تام يشمل اسم الملك ولقبه، ولكن نقوش عارضتي الباب المصنوعتين من الكوارتسيت لم تتم بعد، وقد رُسمت دون تفصيل.

وعلى الواجهة الشرقية على الجدار الشرقي الرئيسي بعض إشارات في ثلاثة صفوف عمودية. ونجد المناظر على الجدار نفسه مقسمة صفين يمثل كل منهما منظر قربان يقدمه «سيتي الثاني» لآلهة «طيبة»، وهم من جانبهم يكافئونه بطول العمر والسلام والسيطرة على الأقواس التسعة، وبالأعياد الثلاثينية إلخ، وهكذا على الجوانب الخارجية الأخرى.

(ب) النقوش الداخلية

نشاهد على جدران المحاريب تمثيل المناظر التي تتحدث في هذه المحاريب، أي نشاهد الملك يقدم القربان أمام السفن المقدسة «لآمون» و«موت» و«خنسو» ثم أمام الثالوث معًا.

وكان الملك مرسومًا يسبق ابنه، غير أن الأخير قد مُحي — ولا بد أن خلفه هو الذي فعل ذلك بسبب المشاحنات التي كانت قائمة على تولي العرش بعد «سيتي الثاني» — في محراب «آمون». وكانت المناظر مصورة بحيث تواجه الناظر إليها في المحراب الرئيسي، كما كانت في محراب «موت» ولكن الأمر لم يكن كذلك هنا؛ لوجود ثلاث كوات في الجدار الشرقي، والجدران الخلفية لهذه المحاريب الثلاثة يحتوي كل منها على صف من النقوش فوق الكوات مُثل فيها الآلهة جالسين. وفي المحراب الأوسط — أي محراب «آمون» — نجد الكوات يعلوها قرص الشمس المجنح وسطر من المتون على جزأين محورهما وسط الجدار. وهذه العناصر لا توجد فوق كوات المحرابين الآخرين. وجوانب الأبواب ليست مزخرفة على نسق واحد في المحراب الأوسط وفي المحاريب الأخرى الجانبية، ففي المحراب الأوسط نجد جانبي الباب قد زُخرفا بأربعة أسطر أفقية بطغراءات موزعة عمودية، وسطر أفقي من الكتابة يقدم لنا روايات مختلفة لألقاب الفرعون يفصل الأسطر التي تحتوي الطغراءات. أما جوانب الأبواب في المحرابين الآخرين فيحتوي كل منهما على منظر قربان في صف واحد.

ويُلاحظ هنا أن نقوش هذا المعبد قد حُفرت بالنقش الغائر على حسب طراز هذا العصر، غير أنها ليست عميقة في نقشها، كما نشاهد ذلك في معابد «رعمسيس الثاني» وأخلافه.

وأهم النقوش التي في محراب «آمون» ما نجده في المقصورة فوق السفينة المقدسة؛ خطاب «آمون رع» سيد الأرضين:

يا بني من ظهري، ومن أحبه، يا سيد التيجان «سيتي مرنبتاح»، إني مسرور مما فعلت، وإن قلبي مغتبط، وإني أهب جمالك الحياة والسعادة، وإني أعطيتك القوة في كل البلاد الأجنبية، وأمراؤها يقومون بالتضرع إلى وجهك، وهم يأتون منحنين وجزيتهم محملة على ظهورهم خوفًا منك.

وزينة رأسك على وجهك الجميل، وشعرك المستعار يتآخى مع الصلين اللذين على جبينك، وإني أجعله يلمع بقدر ما تمكث الآثار التي أقمتها لي في «الكرنك» حتى الأبدية.

وتجد على طول الجدار الشرقي تحت الصف الرئيسي المتن التالي الذي يحدثنا عن تقديم المعبد للإله «آمون» وهو:

«حور» الثور المنتصر المحبوب من «رع» سيد التاجين، حامي مصر. وغال البلاد الأجنبية — «حور»، قاهر «نبتي»، عظيم الانتصارات في كل الممالك — ملك الوجهين القبلي والبحري، سيد الأرضين «وسر خبرو رع مري آمون» — ابن «رع» سيد التيجان (سيتي مرنبتاح)، لقد أقام هذا أثرًا لوالده «آمون رع» ملك الآلهة مثوًى له لملايين السنين من الحجر الأبيض الجميل الرملي، وبأبواب من الأرز الحقيقي، واسمه الجميل هو (مثوى «سيتي مرنبتاح» في معبد «آمون») وقد أقام (هذا) له ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر خبرو رع مري آمون» ابن الشمس «سيتي مرنبتاح» محبوب «آمون».

وكذلك نجد في محراب «خنسو» الفرعون يقدم المحراب لإلهه «خنسو» في «طيبة» الملقب «نفر حتب» «حور» الثور المنتصر، محبوب «رع»، سيد الإلهتين، حامي مصر، وغال البلاد الأجنبية «حور الذهبي»، عظيم الانتصارات في البلاد الأجنبية كلها، ملك الوجهين القبلي والبحري، وسيد الأرضين، «وسر خبر ورع مري آمون» ابن «رع» سيد التيجان «سيتي مرنبتاح». لقد أقام هذا بمثابة أثره لوالده «خنسو» في «طيبة» «نفر حتب» بانيًا له مكانًا جديدًا «عظيمًا» من الحجر الرملي الأبيض الجميل المتقن الصنع. وعمل هذا له ابنه ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» ابن «رع» «سيتي مرنبتاح» محبوب «خنسو» في «طيبة» «نفر حتب».

وفي محراب الإلهة «موت» نشاهد على الجدار الشرقي في الجزء الجنوبي الملك يحلق فوق العقاب. ويتبعه أمير ملكي لا يزال في طفولته يصب الماء أمام المقصورة الصغيرة التي تستر القارب المقدس المحلى برأس «موت»، وقد كتب فوق الفرعون ألقابه: «المحبوب من «موت» العظيمة سيدة «إشرو» وملكة الآلهة كلهم.»

وكُتب فوق الأمير الصغير:

التعبد «لموت» العظيمة، وانشراح روحها، وتقبيل الأرض أمام (عين رع) سيدة كل الآلهة … الساحرة الكبيرة التي تسكن في المحراب «رعيت» سيدة الواحة (؟).

ليتها تحرس ابنها سيد الأرضين «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» لكل الحياة والثبات والسعادة بطول عمر مثل الشمس مخلدًا ليتها (؟) تعطي الخطوة … في صحة على الأرض، وأن أكون محترمًا … جلالته لهذا الإله المفخم «آمون رع» ملك الآلهة. الأمير الابن الأكبر للملك «سيتي مرنبتاح» «المبرأ».

ولا نعلم من هو هذا الأمير؛ لأن اسمه لم يُذكر في النقوش.

أما باقي نقوش المعبد فليس فيها ما يلفت النظر، بل كلها تحتوي على تقديم القربان والعطور بوساطة الفرعون، ومخاطبة الآلهة شاكرين له صنعه وما يحبه وكل ما يتمناه في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

أما آثار هذا الفرعون الأخرى في معبد الكرنك فهي كالآتي:
  • (١)
    نجد له سطرين من النقوش على البوابة الرابعة، وكذلك نُقش اسمه وألقابه مع متن «لتحتمس الرابع».٦
  • (٢)
    نقش متنًا على عارضة باب في معبد «آمون» الكبير بالقسم الشرقي مع نقوش «لتحتمس الثالث» (راجع Porter and Moss, II, p. 33).
  • (٣)
    عثر «لجران» في الزاوية الجنوبية الشرقية من قاعة العمد الكبرى لمعبد «آمون» على عدة أحجار منقوشة كانت تؤلف الجزء الأعلى من الجدار، وقد أُرخت بعهد الفرعون «رعمسيس الثاني» غير أن «سيتي الثاني» قد وضع عليها اسمه عليها. والمتن الذي نُقش على هذه الأحجار يشمل أنشودة للإلهة «وازيت» وقد وُجدت هنا مهمشة، غير أنها موجودة برمتها في معبد «رعمسيس الثالث» الذي أقامه «لآمون» في معبد الكرنك العظيم، وقد نشر هذا المتن «بركش».٧
  • (٤)
    البوابة السابعة: نجد عند مدخل هذه البوابة كوة صور عليها «سيتي الثاني» مع ثالوث «طيبة» (راجع Jequier, L’Architecture I, pl, 56 (3)).
  • (٥)
    البوابة العاشرة: نجد اسم «سيتي الثاني» منقوشًا على قطعة جرانيت في هذه البوابة (راجع Porter and Moss, II, p. 63).
    وله لوحة من الجرانيت عُثر عليها بين تماثيل «بو لهول». (Rec. Trav. XIV, 30, 31).
  • (٦)
    معبد «موت»: أقام هذا الفرعون بوابة هذا المعبد وقد زيد فيها في عصر البطالسة، وأمام البوابة الأولى أقام هذا الفرعون مسلتين صغيرتين لم يبقَ منهما إلا واحدة الآن (راجع Mariette, Karnak p. 17).
  • (٧)
    البوابة السادسة: نقش اسمه على البوابة السادسة من معبد الكرنك (راجع Mariette, Carnak p. 30). وكذلك قام بإصلاحات في الردهة التي في شرق البوابة السادسة (راجع Champ. Notices II, p. 139). وعلى الجدار الغربي بين البوابة الثانية والبوابة الثامنة كتب اسمه (راجع Champ. Notices II, 194).
  • (٨)
    البوابة التاسعة: نجد على هذه البوابة أنشودة للإله «آمون رع» (راجع L. D. III, 237 c; A. Z. XI, 174). وكذلك وُجد عند هذه البوابة تمثال «لبو لهول» كُتب عليه اسمه ولكنه مغتصب (راجع Champ. Notices II, 174).
  • (٩)
    معبد «خنسو»: كتب هذا الفرعون اسمه على «كرنيش» هذا المعبد (راجع Weidemann. Gesch, 482).
  • (١٠)
    معبد الأقصر: نقش اسمه على قاعة عمد «أمنحتب الثالث» (راجع Ibid).
  • (١١)
    الرمسيوم: وُجدت ألواح من الخزف باسمه (راجع Quibell, Ramasseum p. 9).
  • (١٢)
    : مدينة «هابو»: توجد خلف المعبد لوحة منحوتة في الصخر باسمه اغتصبها من «ستنخت» (راجع L. D. III, p. 204 d).
  • (١٣)
    الحمامات: وُجد اسم «سيتي الثاني» على صخور وادي الحمامات (راجع Golenischeff Hammamat, II).
أما سائر آثاره في أنحاء القطر فهي كالآتي:
  • (١)
    الإسكندرية: يُوجد بها عمود من الجرانيت باسم «سيتي الثاني» (راجع Rec. Trav VII, P. 178 and L. D. Text I, p. 217).
  • (٢)
    تانيس: قطع من الحجر عليها اسم هذا الفرعون (Petrie, Tanis II, pl. VII, p. 11, 19).
  • (٣)
    تل بسطة: وُجدت صورته وهو أمير على تمثال من Naville, Bubastis p. 45.
  • (٤)
    تل الفراعين: يوجد في «متحف برلين» سيف عليه طغراء «سيتي الثاني» يحتمل أنه من هذا المكان.٨
  • (٥)
    هليوبوليس: وفي «متحف جلاسجو» قطعة حجر عليها اسم هذا الفرعون٩ وكذلك عُثر على جزء مسلة «لرعمسيس الثاني» اغتصبها «سيتي الثاني» لنفسه.١٠
  • (٦)
    منف: وُجد في معبد «ميت رهينة» قطعة من عمود عليها اسمه١١ وكذلك نُقش اسمه على قطعة من معبد «بتاح».١٢
  • (٧)
    أطفيح: عُثر في هذه الجهة على الجزء الأسفل من تمثال راكع يقبض على محراب فيه تمثال «إزيس حتحور». وقد عُثر عليه في أساس بناء في الجنوب الشرقي لهذه القرية،١٣ وهذا التمثال من الجرانيت الصلب، ارتفاعه ٦١ سنتيمترًا، ويمثل «سيتي الثاني» راكعًا على قاعدة مستطيلة، وقد وُجد اسمه وبعض ألقابه على القاعدة، وعلى عمود ظهر التمثال.
    وهذا الفرعون قد أقام لنفسه قصرًا في الفيوم أيضًا١٤ وآخر في «منف».
  • (٨)
    الأشمونين: وُجد اسمه على تمثال مغتصب من «رعمسيس الثاني»١٥ وقد كشف «ريدر» عن بقايا معبد وقصر له في هذه الجهة.١٦
  • (٩)
    جبل أبو فودة: نقش «سيتي الثاني» اسمه بحروف ضخمة جدًّا على الصخور المطلة على النيل على الشاطئ الأيسر، قبالة محط «بني قرة»، ويبلغ ارتفاع الطغراء ثماني أقدام وعرضها أربع أقدام.١٧
  • (١٠)

    العرابة: وُجد اسمه على قطعة من الحجر عثر عليها «بتري» في مقبرة «إتم حتب».

    (راجع porter and moss, v, p. 100).
  • (١١)
    دشنا: عُثر على قطعة حجر عليها اسم «سيتي الثاني» مستعملة في أسكفة شيخ.١٨
  • (١٢)
    المدمود: قطعة من عمود باسم «سيتي الثاني» مستعملة في أرضية الكشك الجنوبي.١٩
  • (١٣)
    أرمنت: نقش اسمه على بوابة «تحتمس الثالث».٢٠
  • (١٤)
    السلسلة الغربية: نجد على سمك الباب الجنوبي الأوسط للقصور الكبيرة لوحة للفرعون «سيتي الثاني» أمام ثالوث «طيبة» ومتنها مؤرخ بالسنة الثانية.٢١
  • (١٥)
    بلاد النوبة: لم يُذكر اسم «سيتي الثاني» في بلاد النوبة إلا على آثار قليلة؛ فذُكر مرتين على جدران معبد «بوسمبل» (L. D. III, 204, e f) ومرة في جزيرة «بجة» (راجع Champ. Notices I, p. 614 and L. D. Text IV, p. 175) وأخرى في جزيرة «سهيل» (راجع De. Morgans. Cat, de. Mon. I, 95 (No. 144)).

(٢) تماثيل «سيتي الثاني»

يوجد لهذا الفرعون تمثال ضخم يبلغ ارتفاعه ٤٫٦٥ مترًا مصنوع من الجرانيت الأحمر، ويلبس على رأسه التاج المزدوج، ونُقش اسمه وألقابه على قاعدته وعلى العمود الذي يستند عليه وعلى العصا التي يمسكها بيده اليسرى، أما ما يقبض عليه في اليد اليمنى فلا يُعرف كنهه بالضبط، ويقول «اسبيجلبرج»: إنها علبة تشمل الألقاب الملكية.٢٢
وفي «المتحف البريطاني» يوجد له تمثال جالس من الحجر الرملي.٢٣
وفي «المتحف المصري» له تمثال مع الملكة زوجه.٢٤
وأخيرًا يوجد له تمثال في «تورين».٢٥

(٣) آثار أخرى له

وقد وُجد له لوحة من الخشب يتعبد فيها للإلهين «آمون» و«بتاح».٢٦ وفي «متحف أشموليان» يوجد له طبق من حجر استياتيك عُثر عليه في بلدة «غراب».٢٧
وفي «متحف ليفربول» قاعدة تمثال اغتصبها لنفسه «أمنمس» أحد أخلافه.٢٨
وفي «تورين» و«ليدن» له لوحات صغيرة محفورة باسمه (راجع Aegypt. Monuments). وجعارينه كثيرة معظمها مطلي بلون زاهٍ.

(٤) أسرته

لم يُعرف لهذا الملك إلا زوجة واحدة وهي «تاخعي»، وأولاده الذكور هم — على ما يُقال: «أمنمس» و«سبتاح» و«ستنخت»، وابنته الوحيدة هي «تاوسرت». وقد تولوا الحكم كلهم — على حسب بعض الآراء — على التوالي كما سنرى بعد.

ولا نعرف على وجه التأكيد من أولاد الملكة «تاخعي» إلا «أمنمس» أما الباقون فلا نعرف أمهاتهم.

(٥) قبر «سيتي مرنبتاح»

يقع قبر «سيتي الثاني» على مسافة قريبة من مقبرة «تاوسرت» ابنته، ويحمل رقم (١٥)، وقد حكم هذا الفرعون خمس سنين، وموميته أخفاها الكهنة في مقبرة «أمنحتب الثاني» حوالي عام (٩٦٠ق.م) عندما أخذت اللصوص تعبث عبثًا مشينًا بموميات الملوك، وقد عثر عليها الأستاذ «لوريه» ضمن الموميات التي كانت محفوظة بهذا القبر.

وقبره يُعد الأول من نوعه الذي قُطع في الصخر دون انحدار إلى أعماق بعيدة في الصخر. وتدل نقوشه على تقدم كبير في أسلوب الحفر بالنسبة للمقابر الملكية التي سبقته. ويظهر ذلك جليًّا في نقوش دهليزه الجميلة.

ومما يلفت النظر في نقوشه أن طغراءات هذا الفرعون وصوره القريبة من المدخل قد مُحيت ثم نُحتت من جديد، وتدل شواهد الأحوال على أن الطغراءات نفسها قد أُزيلت ونُقش مكانها غيرها. وتخطيط المقبرة نفسه لا يدع مجالًا للظن في أن هذا القبر كان قد بدأه ملك آخر قبله. والظاهر أن «سيتي الثاني» كان قد أقصى عن الملك مدة فمُحيت أسماؤه من المقبرة، ولكنه لما عاد من نفيه أعادها ثانية. ويشاهَد على نقوش الدهليز من اليسار الملك يتعبد للإله «بارع» والإله «نفرتم»، وعلى اليمين يتعبد للإلهين «رع» و«سكر». وهذا الدهليز يؤدي إلى آخر يُشاهد على جدرانه المغطاة بطبقة من الملاط أن ألوانه لم تكن قد تمت بعد.

وهذا الدهليز الأخير يؤدِّي إلى حجرة صغيرة نُقش على جدرانها أشكال مختلفة للملك وعدد كبير من الرموز المقدسة كل منها في محرابها الخاص، ثم يدخل الزائر بعد ذلك قاعة محمولة على أربعة عمد يتفرع منها ممر آخر منحدر، وقد صُور على هذه العمد الآلهة «نفرتم» و«حور» و«حرمخيس» و«بتاح» و«أنوبيس» و«حور» عماد والدته، و«ماعت» و«جب». وبعد ذلك ينتهي القبر فجأة بعد مسافة قليلة؛ مما يدل على أن الملك قد تُوفي قبل أن يتم. ويُلاحَظ أن الجدران قد تم تلوينها بسرعة، ويُشاهد على السقف صورة كبيرة للإلهة «نوت» إلهة السماء رُسمت كذلك على عجل. وقد وُجد في القبر قطع من بقايا تابوت هذا الفرعون،٢٩ ولدينا قائمة عن الأيام التي كان يشتغل فيها العمال والأيام التي كانوا يستريحون فيها في فترة تبلغ ثمانية وخمسين يومًا. ومما هو جدير بالملاحظة في سجل هذه الأيام أنها تتفق مع الأيام المحددة للراحة في الشهر وهي الأيام التالية: الأول، والتاسع، والعاشر، والتاسع عشر، والعشرون، والتاسع والعشرون، والثلاثون، هذا غير الأيام العديدة التي كان يقف فيها العمل.
والظاهر أنهم كانوا يعملون في حفر قبر الفرعون «سيتي». وهذا المتن قد كُتب على قطعة من الخزف مؤرخة بالسنة الأولى في الشهر الثالث من فصل الزرع، اليوم الثالث والعشرون من عهد «سيتي الثاني»،٣٠ وهذه الاستراكون (الخزف) تشبه الاستراكون الأخرى التي كتب عنها «دارسي» أيضًا،٣١ ومنها نعلم اليوم الذي تُوفي فيه هذا الفرعون وهو التاسع عشر من الشهر الأول في فصل الشتاء من السنة السادسة، والاستراكون الأخيرة سجل للعمل الذي تم في «جبانة طيبة»، ولا نزاع في أنه كان في قبر هذا الملك. وقد كان له سجل لكل يوم من السنة السادسة الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم السادس عشر وما بعده. ولم يحدث أي تغيير في سنة الحكم في أول السنة الجديدة، أي في اليوم الأول من الشهر الأول من فصل الفيضان، والتواريخ المختلفة التي تلت ذلك تدل على أن السنة السادسة قد استمرت حتى يوم موت الملك، ومن ذلك يتضح جليًّا أن سني حكم الفرعون كانت تُعد في ذلك العهد من أول يوم تولية الملك العرش، ففي اليوم التاسع عشر من الشهر الأول من فصل الشتاء نجد الملاحظة التالية:

إنه اليوم الذي أتى فيه رئيس الشرطة «نخت مين» قائلًا: إن الصقر قد طار إلى السماء (أعني «سيتي الثاني») وإن آخر قد اعتلى مكانه.

وبعد ذلك توجد ملاحظة تشبه السابقة، جاء في أولها:

السنة الأولى لتاريخ سني حكم الملك الجديد، اليوم التاسع عشر من الشهر الأول من فصل الشتاء.

وتدل شواهد الأحوال — من إشارات أتت بعد — على أن الملك الجديد هو «سخن رع ستبن رع رعمسيس سبتاح»، وهذا الرأي هو رأي الأستاذ «جاردنر»٣٢ وهو يخالف ما قررناه سابقًا في ترتيب هؤلاء الملوك؛ إذ المتفق عليه هو أن «أمنمس» كان خليفة «سيتي الثاني».

(٦) معبد «سيتي الثاني» الجنازي

لم يُعرف حتى الآن مكان المعبد الجنازي الذي أقامه «سيتي الثاني» لنفسه، ولكن جاء ذكره في الوثائق المصرية التي ترجع إلى عهد هذا الفرعون. فمثلًا نشر الأستاذ «جاردنر» لوحة «بلجاي»،٣٣ ونجد فيها اسمي موظفين كانا يقومان بجمع الضرائب لهذا المعبد الذي كان يُدعى «بيت سيتي مرنبتاح» في ضيعة «آمون»، وكذلك نجد آنية خمر ذُكر عليها اسم «كرم بيت سيتي مرنبتاح»، وقد وُجد هذا الإناء في ودائع الملكة «تاوسرت».٣٤
ولدينا خطاب نموذجي مفروض أن موظفًا إداريًّا قد كتبه، ومضمون هذا الخطاب ما يأتي:
سافر موظف من معبد «سيتي الثاني» الجنازي من «طيبة» منحدرًا في النهر نحو «نارعمسيس» ومعه عدة سفن تسير في قناة «بتي» حيث تقع كروم الفرعون، وبعد أن أجرى التفتيش على الموظفين تسلم النبيذ والمحاصيل الأخرى من الكروم وحملها على ظهر السفن، ثم سار منحدرًا في النيل حتى مقر الملك «بررعمسيس» حيث سلم حمولة سفنه إلى المراقبين وعمال المعبد الجنازي، وقد كان واجبهم بطبيعة الحال أن يرسلوها إلى «طيبة» في الوقت المناسب.٣٥
ومن هذا الخطاب نعلم أن معبد «سيتي الثاني» كان له شأن كبير، وأن «بررعمسيس» كانت مركز الإدارة العامة، وأن «طيبة» كانت العاصمة الدينية وحسب. وهاك نص الخطاب برمته:٣٦

تحية أخرى لسيدي مخبرًا إياه أني قد وصلت «نارعمسيس مري آمون» الواقعة على شاطئ قناة «بتي» بالفلك التابعة لسيدي، وكذلك بقاربي تعدية الماشية ملك (قصر ملايين السنين) للملك «سيتي الثاني» في ضيعة «آمون» (اسم معبد «سيتي الثاني»). لقد جمعت كل عمال البساتين التابعين لبساتين قصر ملايين السنين ملك «سيتي الثاني» في ضيعة «آمون»، ووجدت أن هناك سبعة بستانيين، وأربعة شبان، وأربعة رجال مسنين، وستة أطفال، ومجموعهم واحد وعشرون. وأحيط سيدي علمًا أن كمية النبيذ التي وجدتها مختومة في يدي رئيس البساتين «ثاتري» هي (١٥٠٠) مكيال من النبيذ، و(٧٠) مكيالًا من نبيذ العنب غير المطبوخ، و(٥٠) مكيالًا من الباور، و(٥٠) حقيبة رمان، و(٥٠) سلة «بتر» من الفول، و(٦٠) كرحت، وقد حملت معها سفينتي المواشي التابعتين لقصر ملايين السنين ملك «سيتي الثاني» في ضيعة «آمون»، وسافرت منحدرًا في النهر إلى بيت «رعمسيس» محبوب «آمون» الروح العظيمة للشمس، «حور» الأفق، وسلمتها إلى مراقبي قصر ملايين السنين ملك «سيتي الثاني» في ضيعة «آمون». وإني مرسل ذلك لأخبر سيدي.

وفي هذا الخطاب إشارة واضحة لمقدار ما كان يحبسه على مثل هذه المعابد من الأطيان في مختلف جهات القطر، إذا علمنا أن ما جاء به هنا كان من خراج الكروم وحدها. هذا فضلًا عما تدل عليه هذه المقادير من حياة البذخ والترف التي كان يتمتع بها موظفو المعابد وكهنتها من الأرزاق الوفيرة التي كانت تأتيهم من هذه الأوقاف الطائلة، وسنرى بعد أن هذا الملك كان مهتمًّا بالأوقاف الإلهية، وبخاصة أوقاف آلهة «طيبة» العظام وعلى رأسهم «آمون رع» ملك الآلهة، فقد أمر بإعادة بناء المؤسسات الخاصة بتموين معبده وبخاصة حظيرة الدواجن والطيور، ويحتمل كذلك مخازن الغلال أيضًا وهي التي كانت تشرف على البحيرة المقدسة الواقعة في داخل المعبد العظيم كما سنرى بعد.

(٧) الموظفون والحياة الاجتماعية في عهد «سيتي الثاني»

(٧-١) الوزراء في عهد «سيتي الثاني»

لم يأتِ ذكر وزراء بارزين إلى الآن في عهد هذا الفرعون، وكل ما لدينا هو بعض أسماء وزراء جاء ذكر أسمائهم عرضًا على الأوراق البردية التي من هذا العصر.

(أ) مري سخمت

جاء اسم هذا الوزير في ورقة «بولوني» وكان يحمل لقب «الوزير»،٣٧ وسنتحدث عن الورقة التي ذُكر فيها فيما بعد.

(ب) بارع محب

ذُكر اسم هذا الوزير في ورقة «صولت»،٣٨ وكذلك ذُكر في نقوش «وادي الحمامات»،٣٩ وعلى حسب ما جاء في ورقة «صولت» يُعد أنه جاء قبل الوزير «أمنمس» وكان يحمل الألقاب التالية: «الأمير الوراثي، والحاكم، ونائب «نخن»، والكاهن الأول، وعمدة المدينة، والوزير.»

(ﺟ) أمنمس

ذُكر اسم هذا الوزير في ورقة «صولت»٤٠ أيضًا، كما جاء ذكره على قطعة من إناء،٤١ وذُكر اسمه كذلك على آثار «الكرنك»٤٢ ويحمل اللقب العادي: «عمدة المدينة، والوزير».

(د) «مس سوى»

نائب الفرعون في بلاد السودان (راجع الجزء الخامس.)

(٧-٢) كهنة الإله «آمون الأوَّل» بالكرنك في عهد «سيتي الثاني»

(أ) محوي

دلَّت الكشوف الحديثة على أن الكاهن الأكبر للإله «آمون» في «الكرنك» في عهد «سيتي الثاني» هو «محوي»، وأن ما استنبطه الأثري «لفبر» عن هذا الكاهن كان صحيحًا، وما قاله «لجران» من أنه عاش في عهد «رعمسيس الثاني» ليس له نصيب من الصحة كما سنبين ذلك فيما يلي. فلهذا الكاهن تمثالان محفوظان «بالمتحف المصري» أحدهما صغير الحجم جميل الصنع، والثاني نُحت بالحجم الطبيعي تقريبًا.٤٣ وكل من التمثالين يمثله راكعًا وممسكًا مرة بيده أمامه محرابًا صغيرًا به صورة الإله «آمون»، ومرة مائدة قربان، ويرتدي شعرًا مستعارًا مجدولًا مسبلًا على كتفيه، ويأتزر بالثوب الفضفاض المتثني ذي الكمين الواسعين، وهو الثوب الذي كان يلبسه الكاهن الأول في الاحتفالات في عهد الأسرة التاسعة عشرة، ونشاهده في غير ذلك ممثلًا على نقوش «جبل السلسلة» في مقصورة «حور محب».

ألقابه

يحمل «محوي» على تمثال «متحف القاهرة» رقم (٤٢١٥٧) الألقاب التالية: الأمير الوراثي، والحاكم، وكاتب الملك الحقيقي الذي يحبه الملك، والمشرف على كل كهنة الآلهة في الوجهين القبلي والبحري، والمشرف على بيت المال، والمشرف على مخازن «آمون»، ورئيس كهنة «آمون». وفي نقوش «السلسلة»٤٤ يُلقب كذلك: الأمير الوراثي، والحاكم، ورئيس كهنة كل آلهة «طيبة»، والكاهن الأعظم «لآمون» في «الكرنك».
أما على تمثال «متحف القاهرة» رقم (٣٦٨١٠) فلا يحمل إلا لقب «الكاهن الأعظم لآمون»، وقد وضع «لجران» هذا الكاهن في السنة الأربعين من حكم «رعمسيس الثاني» في حين أن «لفبر» وضعه في عهد «سيتي الثاني»،٤٥ وهذا الرأي الأخير هو الذي أثبتته النقوش التي وُجدت على اللوحة الجديدة التي عثر عليها «شفرييه» في معبد «الكرنك».٤٦ ونقوش هذه اللوحة وما يحيط بالمكان الذي وُجدت فيه تكشف لنا عن صفحة جديدة في تاريخ «معبد الكرنك» وعناية الملوك به في هذا العهد وغيره، وعما كان للكاهن «محوي» من منزلة ويد طولى في خدمة إلهه الأعظم «آمون رع» ولذلك آثرنا أن نفصل القول في محتوياتها بعض الشيء.

عثر المهندس «شفرييه» في أثناء الحفائر التي قام بها في الجهة الجنوبية من البحيرة المقدسة في معبد «الكرنك» على لوحة من عهد «سيتي الثاني». وتدل شواهد الأحوال على أن هذا الأثر له علاقة ببقايا المبنى الذي وُجدت فيه، وهو ما سنفحصه هنا، وهذه البقايا هي التي يُطلق عليها اسم مباني الفرعون «بساموت» أحد ملوك الأسرة التاسعة والعشرين، والجزء المحفوظ من هذه اللوحة المنحوتة في الحجر الرملي كان في الأصل من قطعة حجر ضخمة من باب في مدخل صغير أو جدار يبلغ ارتفاعها ١٨٢سم، وعرضها متر واحد، وسمكها يبلغ حوالي ٣٤سم. ولا بد من أن هذه اللوحة كانت مسندة إلى جدارٍ؛ لأن سمكها الضيق لا يسمح بنصبها قائمة بذاتها، بل كانت ترتكز على ما يظهر على كتلة عالية من الحجر متصلة بها يبلغ ارتفاعها حوالي ٢٥سم، وتحتوي على الجزء الأسفل المكمل للنقوش، وكذلك الجزء الضائع.

ويُشاهَد على الجزء الأعلى المستدير لهذه اللوحة صورة الفرعون «سيتي الثاني» يقدم القربان أمام ثالوث «طيبة»، وقد نُقش فوقه: «سيد الأرضين «وسر-خبرو-رع محبوب آمون»، وسيد التيجان «سيتي مرنبتاح» معطي الحياة مثل «رع» سرمديًّا.» ويرتدي ثوبًا فضفاضًا يتدلى منه ذيل الثور، وينتعل حذاء، ويلبس على رأسه قبعة محلاة بالصل الملكي وبشريطين، وقد وقف أمام مائدة قربان وبإحدى يديه علامة الحياة وبالأخرى صولجان يشير به. وقد بدت مائدة القربان عالية لما كُدس عليها من طيور، ويتدلى في أسفلها طائران، ووُضع فوقها آنية فيها ثلاث فتائل، مما يدل على أن المنظر يمثل إحراق قربان، وعلى يسار مائدة القربان يجلس الإله «آمون رع» سيد عروش الأرضين، ورئيس «الكرنك» على عرشه يحلي رأسه ريشتان عاليتان، وفي إحدى يديه علامة الحياة، وفي الأخرى الصولجان «واس»، وخلفه تقف الإلهة «مورت» سيدة السماء، وأميرة الآلهة، ويحلي رأسها تاج مصر المزدوج، وخلفها يقف الإله «خنسو نفر حتب» يتدلى من رأسه جديلة شعر مسبلة على صدره وله لحية، ويحلي جيده عقد، وفي أسفل هذا المنظر المتن التالي:

«حور» الثور القوي، محبوب «رع» صاحب السيدتين (التاجين)، حامي مصر، قاهر البلاد الأجنبية «حور» قاهر نبتي «أي ست»، عظيم الانتصارات في الأراضي كلها، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، وسيد الأرضين «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» بن «رع» رب التيجان «سيتي مرنبتاح» محبوب «آمون» ملك الآلهة، معطي الحياة. يحيا الإله الطيب ابن «آمون رع» البذرة الإلهية لرب الآلهة، والبيضة الطاهرة الخارجة من «رع»، وحامي أرباب الكرنك، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» ابن «رع» «سيتي مرنبتاح» معطي الحياة، الملك المحبوب مثل «آمون»، الطويل العمر مثل «رع»، العظيم في ملك «منتو» وابن «منتو» والمارد الشجاع القلب، الفتى، والثور الغاضب الحاد القرنين، وصاحب الخطوات الواسعة مثل «ست» ابن «نوت» ملك الوجه القبلي والوجه البحري، وسيد الأرضين، «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» بن «رع» رب الآلهة.

لقد عمل هذا أثرًا لوالده «آمون رع» ملك الآلهة، فقد جدَّد له حظيرة دواجن ملأى بالأوز والكراكي، وطيور «زنزن» ودواجن مستنقعات، وطيور ماء، وحمام ويمام (قمري)، وطيور (سشا) لتموين مائدة قربان الإله من أجل والده «آمون».

وقد أقامها رجاء أن يعطي ابنه سيد الأرضين «وسر خبرو رع» محبوب «آمون» الحياة.

وتحت هذا المتن سبعة أسطر أفقية وتشمل دعاء، ولم يبقَ منها إلا أوائل الأسطر، بيد أنه في استطاعتنا معرفة طول الأسطر من جلسة الكاهن الأول للإله «آمون» راكعًا أمام هذه الأسطر، رافعًا يده تضرعًا وهو يقرأ الدعاء. ولحسن الحظ قد حفظ لنا اسم الكاهن «محوى» سليمًا، وهو الذي حدث اختلاف عن العهد الذي عاش فيه، كما ذكرنا ذلك قبلًا. ومن النص الذي أمامنا لم يصبح لدينا أي شك في أن هذا الكاهن الأكبر للإله «آمون» كان يقوم بأداء وظيفته في عهد «سيتي مرنبتاح» في عهد «رعمسيس الثاني» كما ذكر ذلك لنا «لجران».

وما تبقى من هذا الدعاء هو:

«صلاة» (لآمون رع … يأتي بعد ذلك نعوت مختلفة، والذي) «موت» سيدة «اشرو» (… نعوت أخرى (و) خنسو) شو في — طيبة وخنسو — (نعت …) (١٤) أنت رب الأرضين (وسر خبرو رع مري آمون) … وعلى ذلك يعطيك حياة جميلة في (بيت آمون …) (١٦) آمون لأجل الروح … (ألقاب مختلفة رئيس كهنة كل الآلهة) ورئيس كهنة «آمون» بالكرنك «محوى» المرحوم.

ويُلاحظ أن المتن مهشم لا يكاد يُفهم منه إلا القليل جدًّا، ولكنا نعرف منه أن «محوى» كان رئيس الكهنة.

ومن محتويات المتن كله نفهم أن «سيتي الثاني» قد أمر بإقامة حظيرة دواجن من جديد «لآمون» رب الكرنك لتموين موائد الآلهة بالطيور على غرار من سبقه من الملوك كما يدل على ذلك ما جاء في لوحة «نوري» في عهد «سيتي الأول» (راجع مصر القديمة ج٦) إلخ الذي حصد المزارع الشاسعة لإمداد قربان «أوزير» بالطيور ومختلف أنواع الحيوان، ومثل «رعمسيس الثالث» الذي رصد حظائر الدواجن اللازمة للإله «بتاح» في «منف».٤٧

والسؤال الهام الذي لدينا الآن هو: أين كانت حظيرة الدواجن من معبد الكرنك؟ وما الذي تبقى منها حتى الآن؟

ولا بد من أن نبحث عن هذه الحظيرة التي كانت تزخر بالأوز وطيور الماء في المباني التي كانت على ضفاف البحيرة المقدسة، وهي التي كانت مغمورة بقطعان الأوز في عهد «تحتمس الثالث»،٤٨ وقد دل البحث الذي قام به الأستاذ «ركي» على أنها تقع في الجهة الجنوبية من البحيرة بالقرب من المكان الذي وُجدت فيه لوحة «سيتي الثاني»، وليس هناك أي شك في أنها قد أُقيمت في المباني التي على البحيرة.

ويُلاحظ حتى الآن أن البقعة الواقعة بين الشاطئ الشرقي والشاطئ الجنوبي من البحيرة، وكذلك السور الكبير، لم تُحفر كلها على الرغم من أن مبانيها تبشر بنتائج غاية في الأهمية، ولا بد من أنه في هذا المكان الذي لم يُكشف عنه بعد كانت توجد مبانٍ للمصالح المختلفة لإدارة أملاك المعبد. وتدل الظواهر على أنه يوجد في هذه الجهة بقايا مبنى عظيم يقع مباشرة جنوبي البحيرة المقدسة، ويُنسب إلى الملك «بساموت» أحد ملوك الأسرة التاسعة والعشرين. وقد بقي إلى مدة قريبة لم يعرف كنهه، غير أن الموضوع كما يقول الأستاذ «ركي» ليس معقدًا إلى هذا الحد، لأنه يمكن عمل تصميم له قد لا يختلف كثيرًا عن الذي وضعه «لبسيوس». هذا فضلًا عن أنه لدينا ما يكفي من بقايا النقوش التي وُجدت فيه مما نستطيع به الكشف عن ماهية هذا المبنى، والغرض الذي أُقيم من أجله، ويمكننا أن نستخلص من النقوش الباقية على الجدران ما يأتي:

لقد أقام ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بساموت» لوالده «آمون رع» سيد عروش الأرضين، ورب السماء، وملك الآلهة والإلهات للوجهين القبلي والبحري، والمسيطر على «طيبة» ورئيس الكرنك، مخزن غلال نظيفًا جديدًا مملوءًا بالمأكولات، وكل الأشياء الطيبة لتجهيز مائدة قربان الإله، وإمدادها يوميًّا؛ ولذلك سيصبح محبوبًا من الإله «آمون» وكل الآلهة، ويمنح الحياة مثل «رع» إلى الأبد.

ومن ثم نفهم أن المبنى المنسوب إلى الفرعون «بساموت» هو مخزن غلال يتألف من جزءين وحوله يمتد شريط من الأرض عرضه ٥٥٫٥ مترًا وعمقه ٢٨٫٧٥ مترًا في الجزء الأول، وعمق الجزء الثاني ١٦٫٧ مترًا، ومقسم إلى عدَّة ردهات أمامية. أما حجرات المخازن التي كانت تُملأ بالغلال فكان يحلي مدخلها أحواض من الحجر، أو أوانٍ ذات مقاعد يصل إليها الإنسان من ثلاثة مداخل عُملت حول البناء، وفي المدخل الجنوبي منها بُنيت مقصورة، وفي نهاية كل مدخل باب من الحجر المنحوت يؤدِّي إلى حجرة منفصلة في نهايتها محراب صغير من الحجر الرملي. ومن بقايا النقوش التي في هذا المبنى نعرف منها أن الفرعون «بساموت» يقف أمام ثالوث «طيبة» مقدمًا القرابين، وقد نُقل جزء من أحد المحاريب إلى «برلين»، ومنه نعلم أنه كان في قسم من أقسام مخازن القربان. وعند مدخل القسم الأوسط من هذه المخازن على مسافة مترين أمام المقصورة حاجز من خشب في وسطه باب.

وأمام الجزء الأوسط من القسم الشمالي من بيت المخازن أُقيم في الردهة الأمامية صف من العمد مؤلف من ثمانية وحدات كثيرة الأضلاع محمل عليها السقف. ويتصل بالردهة الوسطى الأمامية مكان جانبي لا يوجد فيه حجرات لخزن الغلال يمكن معرفة الغرض منه من مدخله المصنوع من الحجر الذي بُني بانحدار في جدار الردهة الشمالية.

وقد تعرَّف الأستاذ «هربرت ركي» على هذا الباب، وفسره بأنه باب نفق ضخم للأوز تصعد إليه الطيور من البحيرة إلى حظائرها المتصلة بالردهة الأمامية من الجهة الغربية.

(راجع٤٩ ما كتبه «كابار» عن هذا الموضوع).
والظاهر أن هذا المخزن قد أقامه «بساموت»، وقد وُجد اسم هذا الملك على عوارض الأبواب، وعلى نقوش المحاريب الصغيرة. وعلى أية حال فإن البناء لا يظهر أنه بناء جديد برمته، بل يدل ما تبقى من النقوش التي على العمد، وعلى باب المخزن الغربي، على أنه جُدد: «وإن ما قد تداعى قد عُمل من جديد للأبدية»، ومن ثم نعلم أنه كان يوجد هنا مبنًى قديم، ولذلك يُحتمل أن القطع التي عُثر عليها فيه باسم «رعمسيس الثاني» كانت من هذا المبنى. وقد شاهد هذه النقوش «ماريت»،٥٠ وكذلك جدد «سيتي الثاني» فيه حظيرة الطيور فحسب. هذا بالإضافة إلى أنه قد وُجد اسم الفرعون «بساماتيك»٥١ على عمود مُلقًى في الردهة الأمامية.

وعلى ذلك يمكننا القول بأنه توجد أجزاء من مبانٍ قديمة في البناء المنسوب للفرعون «بساموت» من بينها نفق الأوز الذي أشرف على إقامته «محوى» رئيس الكهنة في «الكرنك».

و«محوى» هذا لا يفخر مثل أسلافه رؤساء الكهنة بمواهبه في إقامة العمائر على الرغم من أنه قد أقام هذه الحظيرة من جديد، كما قام برحلة لقطع الأحجار من جبل السلسلة، وهي التي بنى منها «سيتي الثاني» أجزاء من معبد «آمون» الصغير الذي أسسه في «الكرنك». ولكن نجده في مقابل ذلك يحمل بين ألقابه وظيفة كان لا يحملها إلا القليل جدًّا من الشخصيات الذين تقلدوا وظيفة «الكاهن الأكبر لآمون»، وهذه الوظيفة هي «كاتم سر الملك» أو «كاتب الملك الحقيقي». ولا نشك في أن «محوى» كان متصلًا بشخص الفرعون الذي كان يحبه، وقد رقاه الفرعون تقديرًا له في مجال الكهانة، وجعله الكاهن الأول لآمون.

ويتساءل الإنسان: هل بقي «محوى» كاهنًا أول «لآمون» حتى مماته أو لا؟ وشواهد الأحوال تدل على أنه لم يبقَ في وظيفته هذه حتى أواخر أيام حياته؛ وذلك لأن تمثال القاهرة رقم (٣٦٨١٠) قد اعتُدِيَ عليه اعتداءً شائنًا، فقد شُوه وجهه ثم أُصلح إصلاحًا فاسدًا. وكذلك يُلاحَظ أن اليدين وماء القربان التي كان يحملها قد اختفت، هذا إلى أن المتن الذي كان منقوشًا على التمثال قد هُشم منذ الأزمان القديمة عمدًا. ومع ذلك فإنه كما رأى «لجران» يمكن أن نخمن في وسط هذا التهشيم الذي أصاب التمثال — وبخاصة على الميدعة — أن عبارة «الكاهن الأول» قد مُحيت وحدها من بقايا لقب «محوى» المصحح فيما بعد، في حين أن اسم «آمون» قد بقي في كل مكان لم يُمس بسوء.

وليس لهذا المحو معنًى إلا أنه قصد به إخفاء شخصية «محوى»، فأُزيل اسمه ووظيفته على يد أعدائه في أيام حياته بمجرد تخليه عن وظيفته، وليس من الضروري أن نفرض لتبرير هذا العمل المشين أن الملك الذي رقاه هو نفس الملك الذي غضب عليه وجرده من حظوته التي أنعم بها عليه.

والواقع أن الارتباك الذي حدث في أواخر الأسرة التاسعة عشرة كان كفيلًا بتفسير ما حاق بتمثال «محوى» وإن كان تمثاله الآخر لم يُصب بأي سوء، ويرجع السبب في ذلك أن رجال الدين كانوا وقتئذ في تقلب مستمر لا يكاد الواحد منهم يمكث عهدًا طويلًا في وظيفته. وقد جاء في ورقة «هاريس» الأولى — التي سنفحصها في حينها — وصف موجز للفوضى التي كانت تعم البلاد، وبخاصة بعد نهاية عهد «سيتي الثاني» (راجع Pap. Harris I, pl. 752–6).
وهذا ما يفسر لنا في أي أحوال عاش الكاهن الأكبر «محوى» فقاسم أهل البلاد حظوظها وربما كان نصيبه أن جُرد من وظيفته (راجع A. Z, 73 p. 124 ff).

(ب) إيري

الكاهن الأكبر في «منف»، وقد وُجد له تمثال صغير محفوظ الآن «بمتحف اللوفر».٥٢

(٧-٣) سيأمون

كاتب وُجد اسمه في «أسبايدا» على الصخر.٥٣

(٧-٤) مري

وُجد لهذا الرجل لوحة منقوشة في صخور «بوسمبل»،٥٤ ويحمل لقب الوكيل، وكاتب خزانة رب الأرضين ورئيس جيش الأرضين في بلاد النوبة، ووكيل بلاد «واوات». وهذا النقش عُثر عليه في معبد «بوسمبل» جنوبي المعبد.٥٥

(٧-٥) نخت مين

رئيس الشرطة «المازوي»، وقد مات في حياته «سيتي الثاني»، وهو الذي جاء بخبر الوفاة مكتوب على «استرا كون».٥٦

(٧-٦) «باسر» كاتب

وقد كتب نبأ تولية «سيتي الثاني» على استراكون أيضًا.٥٧

(٧-٧) كاما

المشرف على اصطبل الفرعون، وُجد اسمه على نقش في «وادي حلفا».٥٨

(٨) الثقافة في عهد «سيتي مرنبتاح»

تدل أوراق البردي التي أُرخت بعهد الفرعون «سيتي مرنبتاح» على أن الأدب كان مزدهرًا إلى حد ما في عهده، وبخاصة أن قصة الأخوين المشهورين تُنسب إلى «سيتي مرنبتاح» عندما كان لا يزال ولي عهد للبلاد، وهذا يبرهن على أنه كان من أصحاب الذوق الأدبي في تلك الفترة. وقد وصل إلينا حتى الآن عدد من أوراق البردي من عهده أهمها «ورقة أنسطاسي الرابعة»، وقد أُرخت بالسنة الأولى من حكمه،٥٩ و«ورقة أنسطاسي الخامسة»، وتشمل خطابًا كتبه قائد رديف إلى قائدين آخرين للرديف على الحدود، ويسأل فيه عن عبدين قد هربا، (راجع كتاب الأدب المصري القديم الجزء الأول).
نص الخطاب:

إن قائد رديف «زكو» «كماكور» يكتب إلى قائد الرديف «آني»، وإلى قائد الرديف «بكنبتاح» (داعيًا لهما) بالحياة والفلاح والصحة، وأن يكونا في حظوة «آمون رع» ملك الآلهة، وفي حظوة حضرة الملك «سيتي الثاني» سيدنا الطيب. وإني أقول «لرع-حوراختي»: (احفظ فرعونا) سيدنا الطيب في صحة، ودعه يحتفل (بملايين) الأعياد الثلاثينية، ونحن كل يوم في حظوته. وبعد: فقد أرسلت من قاعات القصر الملكي وراء هذين العبدين في اليوم التاسع من الشهر الثالث في فصل الصيف وقت المساء، ولما وصلت إلى حصن «زكو» في اليوم العاشر من الشهر الثالث من فصل الشتاء، علمت أن الأخبار من الجنوب تقول إنهما قد مرَّا ذاهبين … اليوم من الشهر الثالث من فصل الصيف، ولما وصلت إلى القلعة أُخبرت أن السائس قد حضر من الصحراء (وأُعلن) أنهما تخطيا الحدود شمال حصن (مجدول) «سيتي» الذي … مثل «ست» (الإله).

وعندما يصل خطابي إليكم اكتبوا إليَّ بكل ما حدث عندكم. أين وجد أثرهما؟ وأي حارس عثر عليهما؟ ومن هم الرجال الذين اقتفوهما؟ اكتبوا إليَّ بكل ما عُمل من أجلهما، وكم رجلًا اقتفى أثرهما؟ ولتعيشوا سعداء.

وكذلك لدينا «ورقة أنسطاسي السادسة» التي كُتبت في عهد هذا الفرعون،٦٠ وكذلك عُثر على الجزء الأخير من خطاب يُقال إنه من عهد «سيتي الثاني» في مدينة «غراب»، وهذا الخطاب من سيدة من عِلية القوم خاص ببعض الأجانب الذين كانوا تحت رعايتها، لتقوم على تعليمهم أو تدريبهم على شيء ما، وقد أعقب ذلك الخطاب مذكرة ذُكر فيها قصر «سيتي الثاني» في «منف» ومؤرخ بالسنة الثانية من حكمه، وقد ذُكر في السطرين الأخيرين من هذه المذكرة:

تسلم إيصالات بسمك قد ورد بمثابة ضرائب.

وعلى ظهر هذه الورقة نجد ذكر توريد زيت أو توزيعه، كما نجد كذلك توريد سمك، هذا إلى توزيع الخبز والجعة.٦١

أما «ورقة أوربني» التي تشمل قصة الأخوين، فقد تكلمنا عنها فيما سبق. (راجع الجزء السادس من مصر القديمة)، و(كتاب الأدب المصري القديم الجزء الأول).

وأهم ورقة لدينا من عهد هذا الفرعون على ما يظهر هي «ورقة بولوني» رقم (١٠٦٨)، وتشمل خطابًا حقيقيًّا يكشف لنا عن بعض الأحوال في مصر٦٢ في هذا العهد، ويصف لنا بخاصة دقة النظام والحراسة على الحدود بين مصر و«سوريا»، وعن عمل السخرة واستخدام العبيد الأجانب من الآسيويين فيها، وما لأصحابهم عليهم من حقوق، وأنه لم يكن من حق أي فرد الاستيلاء عليهم غير ملاكهم ما داموا ليسوا ملكهم، وأن القضاء كان يفصل في مثل هذه الأحوال عند حدوث أي اعتداء، ولو كان المعتدي هو وزير البلاد نفسه؛ إذ كان عليه أن يبرئ نفسه لأنه كان يُعد نبراس العدالة، حتى إن البيت الذي كان يقضي فيه للناس كان يُسمى «بيت ماعت في المدينة».٦٣
وهاك نص ما جاء في هذا الخطاب حرفيًّا:٦٤

العنوان

(من) كاتب مائدة الشراب «باكنأمون» (إلى) كاهن معبد «تحوت» «رعموسي».

إن كاتب مائدة الشراب «باكنأمون» يحيي والده «رعموسي» كاهن المعبد المسمى «تحوت» مسرور في منف بحياة وعافية وصحة في حظوة «آمون رع» ملك الآلهة. إني أتحدث إلى «رع حوراختي» عند شروقه وعند غروبه، وإلى «آمون» وإلى «برع» وإلى «بتاح رعمسيس مري آمون» (له الحياة والعافية والصحة)، وإلى كل الآلهة والإلهات أرباب بيت «رعمسيس مري آمون» (له الحياة والعافية والصحة)، وإلى روح «برع حوراختي» العظيمة: ليتهم يعطونك العافية، وليتهم يعطونك الحياة، وليتهم يمنحونك الصحة، وليتني أراك سليمًا، وليتني أضمك إليَّ. وبعد: لقد تسلمت من البريد معلومات دوَّنتها أنت تحييني بها، وإن «برع» و«بتاح» يشاطرانك فيها. ولست أعلم إذا كان غلامي قد وصل إليك؟! والواقع أنني عندما أرسلته إلى بلدة «سخم بحتي» أعطيته خطابًا في يده ليوصله إليك. وبعد: لا تسكت عن الكتابة باستمرار، فاجعلني إذن أسمع عن آرائك.

انظر: إن عندي معلومات جمعتها عن سوري معبد «تحوت» وهو الذي كتبت لي عنه، وقد عرفت عنه أنه كان عاملًا في حقول معبد «تحوت» تحت إشرافك في السنة الثالثة، الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم العاشر. وهو الآن أحد عبيد سفينة نقل قد أحضره قائد الحامية. واعلم أن اسمه السوري «نقدي» بن «سررث» وأمه تُدعى «قدي» من أرض «إرواد» وهو عبد لسفينة هذا البيت في سفينة الضابط «كنر». والملاحظ عليه يقول: إن رئيس نائب الجيش لجنود «إيوعتي» الفرعونية (له الحياة والعافية والصحة) المسمى «خعمؤبي» هو الذي استولى عليه واستخدمه بوصفه مالكه الذي جلبه. وقد أسرعت إلى نائب الجيش الأعلى لجنود الفرعون (له الحياة والعافية والصحة) فنفى ذلك قائلًا بشدة: إن الوزير «مري سخمت» هو الذي استولى عليه ليستخدمه، وإنه هو سيده الذي جلبه. فأسرعت إلى الوزير «مري سخمت» فنفى هو وكاتبه قائلين: إنا لم نره. وقد كنت يوميًّا وراء رئيس جنود «سكت» الأعلى قائلًا له: مر بأن يرد الفلاح السوري التابع لمعبد «تحوت»، وهو الذي استوليت عليه لأن كاهنه هو الذي جلبه. والآن قد رفعت عليه دعوى أمام محكمة العدل العليا «قنبت».

وبعد: فقد سمعت بموضوع عصا «تحوت» التي كتبت لي عنها إنه لم يحضر٦٥ لي «حبت» (أي عصا تحوت)، وإني سأرسلها فلا تشغل نفسك بها، غير أنه من الخير أن تجعلها تُحمل إليَّ، وسأردها (أي عندما تحمل إليه يردها ثانية بعد قضاء مأربه منها). وبعد؛ لا تفكر في الأمر الخاص بالحبوب، لقد فحصته ووجدت أن ثلاثة رجال وشاب، أي (أربع نسمات) يعملون سبعمائة حقيبة، ولقد تباحثت مع رؤساء من يمسكون دفاتر الغلال وقلت لهم: خذوا ثلاثة الزراع الخاصين بالإله ليقوموا بالخدمة هذه السنة، (أي جندوهم هذا العام في العمل)، وقد أجابوا: سنفعل ذلك. سنفعل ذلك. سنصغي لطلبك.
وهكذا تحدثوا إليَّ، وإني الآن أمكث معهم إلى أن يرسلوا الكتابات الخاصة بالتسجيل إلى الحقول، وإنك تعلم كل ما سأجعلهم يفعلون لك. فكل رجل يورد مائتي حقيبة وهو ما قرر وجوب عمله، والنتيجة التي تكون لك من رجلين وشاب هي ٥٠٠ حقيبة. أما عن هذا المزارع السوري الذي كنت أعطيته، فإنه قد أعطيت إياه مدة شهور الصيف، وعلى ذلك فإن صيفه سيعد مضيعًا عليك ما دام حيًّا. (راجع Wilbrur Pap. II, p. 115).

والمفهوم من هذا الخطاب أن الكاهن على ما يظهر كان يأمل نظرًا لاختفاء العبد السوري، أن مقدار سبعمائة الحقيبة التي كان ينتظرها وهي ما ينتجه ثلاثة رجال وشاب سينقص إلى خمسمائة حقيبة أي بنقص رجل واحد. والظاهر أن الأستاذ «ولف» قد أخطأ فهم هذه القطعة جملة عند ترجمة هذا الخطاب، وبخاصة أنه لم يفهم أن الذين قاموا بهذا العمل هم جنود. والجنود في أوقات السلم كانوا يقومون بأعمال الفلاحة وغيرها.

١  راجع: Naville, Bubastis pl. XXXVIII, p. 45; A. S. VIII, p. 211.
٢  راجع: Porter & Moss, V. p. 210.
٣  راجع: Maspero, Guide p. 149 & Petrie, Hist, III, p. 123.
٤  راجع: Legrain, Karnak p. 75.
٥  راجع: Mariette, Karnak p. 8.
٦  راجع: Champ. Notices II, p. 131.
٧  راجع: A. S. XV, p. 273 ff; & Brugsch, Recueil de Monuments Egyp. III; Dumichen, Geogr, Insch. I, pl. XCIII.
٨  راجع: A. Z, pl. V, (1) p. 61. Fig 2, Berlin Mus: 20305.
٩  راجع: Ibid p. 64.
١٠  راجع: Ibid p. 70.
١١  راجع: A. S. III, p. 31.
١٢  راجع: P. S. III, p. 222.
١٣  راجع: A. S. III, p. 213-14.
١٤  راجع: Griffith, Kahun Pap. Pl. XL; Ramesside Administrative Documents p. IX.
١٥  راجع: P. S. VI, p. 167.
١٦  راجع: Metteilung (1937) p. 19–22.
١٧  راجع: A. S. XI, p. 171.
١٨  راجع: Bull. Inst. Fr. Archeol. Oriental IX, 88.
١٩  راجع: Rapport Medamoud (1926) p. 71 (2457) fig. 41.
٢٠  راجع: Temple of Armant Text p. 163, 164.
٢١  راجع: L. D. Text IV, p. 85.
٢٢  راجع: JEA Vol 7, p. 116; Boreux, Guide I, pl. II, p. 41.
٢٣  راجع: Arundale and Bonomi, Gallery. Br. Mus. 43.
٢٤  راجع: Maspero, Guide p. 149.
٢٥  راجع: Lanzone, Cat. Turin No. 1383.
٢٦  راجع: British Mus, 138.
٢٧  راجع: Ashmulian Museum, Petrie, Illahun pl. XIX, 23.
٢٨  راجع: Petrie, Hist. III, p. 119.
٢٩  راجع: Weigall, Guide p. 211.
٣٠  راجع: A. S. XXVII, p. 172 ff.
٣١  راجع: Daressy. Rec. Trav. XXXIV, p. 46.
٣٢  راجع: J E A, V, p. 191.
٣٣  راجع: A. Z. L. pp. 49–57.
٣٤  راجع: Petrie, Six Temples at Thebes pl. XIX, No. 3.
٣٥  راجع: J. E. A. V. p. 188-189.
٣٦  راجع: Pap. Anastasi IV, 6, 10–7, 9.
٣٧  راجع: Pap. Bologne 1086, II, 2; Wolf A. Z, 65, p. 92; JEA 12, pl. 35.
٣٨  راجع: Pap. Salt. 124, 1, 3.
٣٩  راجع: Golenischeff Hammamat II, No. 1; Proceeding 15,562 note.
٤٠  راجع: Pap. Salt. 2, 1, 17.
٤١  راجع: Varucchi, Vatic. Phot. Portner Aus Der Samlung Spiegelberg.
٤٢  راجع: Mariette, Karnak, 46, 1, 12; SBA. XV, 524.
٤٣  راجع: egrain Cat. Gen. No. 42157, and journale D’éntree No. 3680.
٤٤  راجع: A. S. 5 (1904) p. 137.
٤٥  راجع: Lefebvre, Histoire Des Grandes Pretres etc p. 154, 259.
٤٦  راجع: A. S. 36 p. 140 pl. 11.
٤٧  راجع: Pap. Harris I, 48.
٤٨  راجع: Urk, IV, 745, 1–5.
٤٩  راجع: Chronique D’Egypte 26 Juillet 1938 p. 312.
٥٠  راجع: Mariette, Karnak Text p. 11 and pl. 2, P. S. B. A. (1884-5) p. 108 ff.
٥١  راجع: Wiedemann. P. S. B. A. VII, 109.
٥٢  راجع: Pierret, Recueil Insc. Louvre I, p. 10.
٥٣  راجع: Petrie, Season p. 691.
٥٤  راجع: L. D. III, 204 e.
٥٥  راجع: Champ. Notice p. 78.
٥٦  راجع: J. E. A. V, p. 190.
٥٧  راجع: Ibid p. 191.
٥٨  راجع: Rec. Trav. XVII, p. 192.
٥٩  راجع: Wiedemann, Gesch p. 48.
٦٠  راجع: Wiedemann, Gesch p. 483.
٦١  راجع: Gardiner, Ramesside Administrave Documents p. 14–18.
٦٢  راجع: A. Z. 65; p. 92.
٦٣  راجع: J E A 27, p. 66.
٦٤  راجع: Wolf A. Z, 65 p. 89–97.
٦٥  أي الرسول الذي أرسلته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤