صراع فوق الجبل!

لم يكن مكان «أماندوليون» بعيدًا … ضبط «باسم» بوصلة السيارة على اتجاه المكان، ثم انطلق. قال «رشيد» بعد دقائق: هناك فكرةٌ جديدة تتردَّد في رأسي، وأظن أنَّها فكرة تستحق الاهتمام.

نظر له «أحمد»، وعلى وجهه تساؤلٌ لم يستطع إخفاءه. أضاف «رشيد»: كان يجب أن يكون أحدنا «أماندوليون».

لمعتَ عينا «باسم»، ونظر في مرآة السيارة، بحثًا عن وجه «رشيد»، ثم هتف: إنَّها حقًّا فكرةٌ لامعة، وتستحق الاهتمام.

قال «أحمد»: نعم، إنَّها فكرة تستحق التنفيذ فورًا.

وفي لحظة، أخرج «أحمد» من جيبه بعض الماكياج، وأخذ يُجري على وجهه بعض الخطوط. كان يتذكَّر وجه «أماندوليون» ثم يضيف إلى وجهه ما يجعله قريب الشبه منه. كان «رشيد» يتابع عملية الماكياج السريعة … بينما وجَّه «باسم» مرآة السيارة تجاه وجه «أحمد»، ثم صاح: غير معقول، إنَّ «أماندوليون» معنا!

عندما انتهى «أحمد» من عملية الماكياج كان يبدو وكأنَّه «أماندوليون» فعلًا. ابتسم رشيد وقال: إنَّك رائع بهذه الخطوط، وقد أفادنا الشَّعر الأبيض والنظارات الطبية.

قال «أحمد» في هدوء: ينقصنا صوت «أماندوليون».

ما إن انتهى من جملته، حتى رفع سماعة التليفون، وأجرى اتصالًا سريعًا مع «فهد». كان يطلب رقم تليفون «أماندوليون» الذي كان مثبَّتًا عنده في أجندةٍ سرية. وعندما انتهت المحادثة مع «فهد» أسرع يطلب «أماندوليون»، الذي ردَّ بسرعة، وإن كان يبدو في صوته الكثير من العصبية. سأله «أحمد» عن اجتماع الليلة، فأخذ «أماندوليون» يقُص عليه بتقاصيلَ كثيرة، كلَّ ما حدث، ومكالمة «سانتينا» وانتظاره المكالمة الثانية. وأبدى دهشةً لأنَّ أحدًا لم يتحدث ولم يسأل عنه. كان «أحمد» يستمع إليه جيدًا ويختزن في ذاكرته طريقة نطقه للكلمات. وعندما انتهت المكالمة كان صوت «أماندوليون» قد أصبح مؤكَّدًا في ذاكرة «أحمد». في نفس الوقت، كانت السيارة قد اقتربَت من المكان. فجأةً، لمع ضوءٌ قوي في عينَي «باسم»، حتى إنَّه اضطُر إلى إيقاف السيارة. غطى «أحمد» و«رشيد» عينَيْهما؛ فقد كان الضوء قويًّا تمامًا. لم يكن هناك صوت يمكن أن يحدد مصدر الضوء، لكنَّه كان يقترب أكثر فأكثر، وبسرعةٍ كبيرة همس «باسم»: يبدو أنَّها سيارة.

قال «رشيد»: لماذا لم تستخدم أضواء السيارة، حتى يختفي هذا الضوء؟

ردَّ «باسم»: أعتقد أنني فعلتُ الصواب. إنَّ هذا يجعل موقفنا عاديًّا، وإلا انكشفنا؛ فالأضواء في سيارتنا مبهرة أكثر مما يجب؛ الأمر الذي يمكن أن يلفت النظر.

لم تمر دقيقة حتى كان ثلاثة من الحراس يقتربون من سيارة الشياطين، وقد شَهَروا مسدَّساتهم. تحدث الشياطين بلغتهم حتى لا يفهمهم أحد.

قال «رشيد»: إنَّهم حُراس المكان.

ردَّ «أحمد»: من يدري؟ قد يكون هؤلاء أصحاب المكالمة التليفونية ﻟ «أماندوليون».

أحاط الحراس بسيارة الشياطين، اقترب أحدهم وانحنى، ثم هتف: السيد «أماندوليون». لقد كنا في الطريق إليك.

ثم نظر إلى «رشيد»، وقال: من أنت؟

ردَّ «رشيد» مباشرة: مساعد السيد «أماندوليون».

قال الحارس: نحن لا نعرف أنَّ السيد له مساعد.

ردَّ «رشيد» بصوتٍ ثابت: لقد وصلتُ لتوِّي.

انتظر الرجل لحظة، ثم قال: إننا نريد السيد وحده؛ فالاجتماع خاص بالسادة فقط، وليس للمساعدين.

فهم الشياطين الموقف؛ فقد ظهر كل شيء. قال «أحمد» وهو يقلِّد صوت «أماندوليون»: لا بأس، تقدَّموا أمامنا وسوف نتبعُكُم بسيارتنا. وسوف يظل السيد «بوليو» في السيارة دون حضور الاجتماع؛ فربما احتجت إليه.

صمت الحارس قليلًا، ثم قال: كما تأمر يا سيدي، سوف تَتبعُون سيارتنا.

انسحب الحارس، وخلفه الحارسان الآخران. وعندما ابتعدوا قليلًا، قال «رشيد»: لقد نجحت الخطة، وساعدَنا فيها الحظ.

قال «أحمد»: تقدَّم خلفهم بالسيارة، ولكن بسرعةٍ بطيئة.

في نفس الوقت كان يُرسِل رسالةً شفرية إلى «فهد» و«زبيدة» يشرح لهم ما حدث … وفي نهاية الرسالة قال: «٢٩ – ٢٦ – ١٦ – ٧». وقفة. «٢٨ – ٢٩ – ٧ – ٩ – ٢٠ – ١٧». وقفة. «٢٩ – ٢٣ – ٢٨ – ٢٠ – ٣». وقفة. «٢٩ – ٥». وقفة. «٦ – ٤ – ١٢ – ٢٢». وقفة. «٢٩ – ٧ – ١٦ – ١ – ٢٢». وقفة. «٢٧ – ٢٩ – ٢٥ – ٧». انتهى.

وبسرعةٍ جاءه الرد، لكن فجأة، ظَهرتْ سيارةٌ أخرى من الخلف، وتَبِعَت سيارة الشياطين، رأى «باسم» السيارة الخلفية في مرآة سيارته … فتحدَّث همسًا بلغة الشياطين: إننا قد وقعنا في كمين. هناك سيارةٌ أخرى تتبعنا.

ردَّ «أحمد»: لا بأس، المهم أن نظل في خداعنا لهم، وعندما تحين الفرصة، سوف نتصرف.

ظلَّت السيارات الثلاثة في تقدُّمها، حتى خرجَت من مدينة «سان لويس بوتوس»، وبدا الخلاء يمتد أمام الجميع. في الوقت الذي كان الليل يقطع طريقه نحو الفجر، قال «رشيد»: إنَّ الساعة الآن قد تجاوزَت الثالثة صباحًا، كما تُشير ساعة السيارة، وهذا يعني أننا لن نكون موجودين عند لحظة الكسوف في المدينة، وقد يحدُث شيء لا ندريه.

قال «أحمد» بعد قليل: لا بأس، إننا سوف ننتهي من كل شيء الآن. إنَّ علينا أن نبتعد فقط عن المدينة بما يكفي، لكي نُضيع عليهم الوقت.

همَس «باسم»: هل هناك خطَّةٌ معينة.

انتظر «أحمد» قليلًا، قبل أن يقول: علينا فقط أن نطمئن الآن، ثم نبدأ خطَّتنا.

أسرع بإرسال رسالةٍ شفرية إلى فهد وزبيدة: «٦ – ٢٩». وقفة. «٢٩ – ٢ – ٢٣ – ٢٨ – ٢٩ – ٢٠». انتهى. مرَّت دقيقة، ثم جاء الردُّ: «٢٧ – ٦ – ٢٩ – ٦». وقفة. «٥ – ٢٩ – ٦». وقفة. «٢٩ – ٦ – ٢٩ – ٥ – ٢٢ – ٤». انتهى.

نقل الرسالة إلى «باسم» و«رشيد»، ثم أضاف: الآن ينبغي أن نُزيل الماكياج، وعندما ننتهي تمامًا منه، سوف نلجأ إلى قنابل الدخان، ثم يتم الاختفاء.

قال «رشيد»: إنَّها بدايةٌ طيبة، لكن ماذا سوف يحدث ﻟ «أماندوليون»؟ أجاب «أحمد»: إنَّ أمامنا مرتفعًا يكفي لأن يجعل كل شيء طبيعيًّا، سوف نجعل السيارة تتهاوى من فوق المرتفع، فتبدو وكأنَّها حادثةٌ طبيعية. صمت لحظة، ثم أضاف: سوف نقفز طبعًا من السيارة.

كان هناك جبل متوسط الارتفاع، يمر حوله طريقٌ متعرِّج، ملفوف، وكان «أحمد» و«رشيد» قد انتهيا من إزالة الماكياج. بدأَت السيارة الأولى تدخل الطريق المتعرِّج الملفوف حول الجبل، ثم اختفت. تقدَّمَت سيارة الشياطين على نفس الطريق، وعندما دخلَت في منطقة الاختفاء، كانت هذه هي الفرصة لاستخدام قنابل الدخان. أخرج «أحمد» و«رشيد» عددًا من القنابل الصغيرة، في حجم «البلية»، ثم ألقيا بها من نافذتَي السيارة، لحظة. ثم بدأ الدخان يتفجَّر بسرعةٍ غزيرة، حتى اختفت السيارة الخلفية تمامًا. في نفس الوقت، رفع «باسم» درجة السرعة، وهو يُطلِق أصواتًا تَلفِت النظر، ثم همس: يجب أن تستعد عند الدورة القادمة حتى تقفز من السيارة. فتح «أحمد» و«رشيد» بابَي السيارة بما يكفي لأن يقفزا. وفعل «باسم» نفس الشيء، ثم همَس: سوف أعُد من واحد إلى ثلاثة، ثم نقفز في لحظةٍ واحدة.

بدأ يعُد: «واحد. اثنان. ثلاثة.» وعندها كان الشياطين يقفزون من السيارة، التي فقدَت توازنها عند منحنًى، فخرجَت عن الطريق، واصطدَمتْ بجانب الجبل، فأحدثت صوتًا قويًّا، تردَّد في الليل الساكن، ثم تهاوت إلى أسفل. كان الدخان يلُفُّ الجبل في هذه اللحظة. فجأةً تردَّد صوت سقوط سيارةٍ أخرى، وعلت أصوات استغاثة، قال أحمد: لا بد أنَّها السيارة الخلفية …

كانوا يلتصقون بجانب الجبل. همَس «رشيد»: يجب أن ننزل بسرعة، حتى نبتعد عن الطريق.

فجأةً دوَّى انفجارٌ رهيب، وارتفعَت ألسنة اللهب من أسفل الوادي، فأضاءت المكان. أسرع «أحمد» يقول: يجب أن نختفي، وإلا نكُن قد فَشِلنا في خطتنا كلها …

التصق الثلاثة بالجبل. في الوقت الذي كانوا يتحرَّكُون فيه نزولًا، قال «باسم»: يجب أن ننزل أسرع.

أسرع الثلاثة جريًا. لكن فجأةً، نفَذ ضوءٌ قوي، يمتد إليهم. كان ضوء السيارة الأمامية. قال «باسم»: كيف عادت؟

ردَّ «أحمد»: أنت تتعامل مع عصابة «سادة العالم»، التي تستطيع أن تفعل أي شيء.

لم يتوقَّفوا، لكن السيارة كانت قد بدأَت تقترب منهم حتى كشفَتهم تمامًا. وفي لمح البصر كانوا يقفون وسط ضوء السيارة. رفع «أحمد» يده مشيرًا إلى السيارة، في الوقت الذي قال فيه: استعدوا، يجب أن نأخذها منهم؛ فهي وسيلتنا الوحيدة للعودة.

توقَّفتِ السيارة أمامهم، وهي تُسلِّط ضوءها القوي عليهم. لحظةً، ثم نزل الحارس مقتربًا منهم. كان «باسم» يضع يدَيه على وجهه وكأنَّه يتحاشى الضوء، لكنَّه في الوقت نفسه كان يُقرِّب من بين أصابعه؛ «فباسم» هو الوحيد الذي لم تتغير ملامحه، ويمكن أن يكشفه الحارس. أمَّا «أحمد» و«رشيد» فقد اختفت ملامح «أماندوليون» ومساعده. قال الحارس في شراسة: من أنتم؟

ردَّ «أحمد» بثقة: نحن من أهالي المنطقة، كنَّا في رحلة صيد. إننا نصطاد الطيور الليلية.

سأل الرجل: ماذا شاهدتم الآن؟

ردَّ «أحمد»: أيضًا سيارتان تنفجران.

الحارس: ألم تَرَوْا أحدًا فيها؟

قال «أحمد»: لا، لقد سمعنا صوت الانفجار ثم رأينا النيران.

نظر لهم قليلًا، ثم سأل: هل يمكن أن ننزل إلى الوادي … الذي سقطت فيه السيارتان …

ردَّ «أحمد»: نعم، هناك طريقٌ أسفل الجبل …

سأل الحارس مرةً أخرى: هل يمكن أن تدلُّونا عليه؟

ابتسم «أحمد» قائلًا: بالتأكيد.

أشار الحارس إلى السيارة، ثم تقدم، فساروا خلفه. كان «باسم» حريصًا على أن يكون في المؤخرة، حتى لا يكشفه أحدًا. ركب الجميع السيارة، ولم يكن فيها مع الحارس سوى السائق، وحارسٍ آخر، لكن كان يبدو أنَّ الحارس الأول هو قائد السيارة. تقدَّموا حتى نهاية الجبل. قال «أحمد»: اتَّجِه شمالًا ببطء؛ لأنَّ أمامك منطقةً رملية، يمكن أن تختفي فيها السيارة. سوف ننزل عند بداية المنطقة الرملية، ونمشي إلى حيث سقطَت السيارتان …

اتجه السائق شمالًا، وبعد عدة أمتار، صاح «أحمد»: انتظر.

داس السائق قدَم الفرملة، فتوقَّفَت السيارة، وهي تهتَز بشدة، قال «أحمد»: معذرة؛ فهذه المنطقة خادعة، ويمكن أن تأكلنا لو تقدَّمنا بالسيارة.

عندما بدءوا ينزلون، كان «أحمد» قد أشار إلى «رشيد» و«باسم» بعينَيه، إشارةً فهما معناها. وما إن وصلَت أقدام الحراس إلى الأرض، حتى كان الشياطين قد نفَّذوا خطَّة «أحمد»، التي فَهِمَها منذ أول الخطة، فقد ضرب «أحمد» الحارس الأول ضربةً قوية جعلَته يترنَّح، في نفس الوقت الذي اشتبك فيه «رشيد» و«باسم» مع الآخرين، ولم تستمر المعركة دقائق، حتى كان الشياطين قد انتهوا منها سريعًا. وفي لحظةٍ كانوا يركبون السيارة في طريق عودتهم إلى مدينة «سان لويس بوتوس»، لكن فجأةً دقَّ جرس تليفون داخل السيارة. نظر الشياطين إلى بعضهم، وأسرع «أحمد» يرفع السماعة ويستمع، جاءه صوتٌ قوي يقول: هل انتهت المهمة؟

بسرعة، كان «أحمد» يتذكَّر صوت الحارس، فقلَّده قائلًا: نعم يا سيدي، فقد انتهت المهمة.

سأل الصوت مرةً أخرى: هل الصيد بين أيديكم؟

ردَّ «أحمد» بنفس صوت الحارس: نعم، يا سيدي.

سأل: هل تتجهون إلى العش؟

ردَّ «أحمد»: إنَّ المنطقة التي نقف فيها من الصعب التقدُّم داخلها الآن في الليل … سوف ننتظر حتى طلوع النهار ثم نتقدم.

قال الصوت: لا بد من التقدُّم الآن قبل أن ينكشف الموقف. إنَّ الطائرة سوف تكون في انتظاركم في السادسة تمامًا.

ردَّ «أحمد»: أمرك يا سيدي.

قال الصوت: سوف أنقل نجاحكم إلى الزعيم، الذي سوف يكافئكم مكافأةً ضخمة؛ فأنتم تعرفون أهمية الشخصية التي بين أيديكم.

ردَّ «أحمد» مبتسمًا: شكرًا يا سيدي، نحن يهمنا فقط رضاء الزعيم.

وعندما وضع السماعة، انفجر الشياطين في الضحك. لقد وقعَت عصابة «سادة العالم» في كمينٍ لم تكتشفه بعدُ … وصل الشياطين إلى مركز العمليات. كان «فهد» و«زبيدة» في حجرة المراقبة، وعلى الشاشة ٨ كانت تظهر صورة «أماندوليون» وهو نائم في سريره في اطمئنان. بسرعةٍ حكى «أحمد» ما حدث. وظلَّت المراقبة مستمرة، حتى جاء وقت الكسوف. وتحرك «أماندوليون» تحت حراسةٍ عادية، لكنَّ الشياطين كانوا يقومون حوله بحراسةٍ مشددة لا يعرفها أحد. وعندما اجتمع العلماء في منطقة الرصد، وقبل أن يبدأ الكسوف، كانت هناك مغامرةٌ أخرى …

مفتاح الشفرة
أ – ٢٩ ص – ١٦
ب – ٢٨ ض – ١٥
ت – ٢٧ ط – ١٤
ث – ٢٦ ظ – ١٣
ج – ٢٥ ع – ١٢
ح – ٢٤ غ – ١١
خ – ٢٣ ف – ١٠
د – ٢٢ ق – ٩
ذ – ٢١ ك – ٨
ر – ٢٠ ل – ٧
ز – ١٩ م – ٦
س – ١٨ ن – ٥
ش – ١٧ و – ٤
ﻫ – ٣
لا – ٢
ي – ١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤