تعقيبًا على محمد يوسف نجم

د. سيد علي إسماعيل: صنوع كتب لنفسه تاريخًا مزعومًا ليسطو على ريادة المسرح المصري١
fig198

في البداية أتوجَّه بالشكر إلى جريدة «أخبار الأدب» الغرَّاء التي نشرتْ في الأسبوع الماضي مقالة للدكتور محمد يوسف نجم تحت ثلاثة عناوين؛ الأول: «بعيدًا عن أخطاء التاريخ … مَن رائد المسرح المصري؟»، والثاني: «يعقوب صنوع … المحتال … الموهوم … والمفترى عليه!»، والثالث: «مسامرة مع الدكتور سيد علي إسماعيل في كتاب: «تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر»، الكويت ١٩٩٨». ومِن ثمَّ أتوجه بشكري العميق إلى الأستاذة الفاضلة المتألِّقة «سناء فتح الله»، التي أثارت هذه القضية في عمودها «الساعة ٩»، طوال ثلاثة أشهر. وأخيرًا أتوجه بشكري إلى الدكتور محمد يوسف نجم، الذي صرَّح في جريدة «الأخبار» بتاريخ ٤ / ١ / ٢٠٠١ قائلًا: «إنه سيعيد كتابة تاريخ المسرح المصري وسيُراعي حذف الدور الزائف الذي صنعه يعقوب صنوع وابنته وأصدقاؤه افتراءً على المسرح المصري.»

وهذا التصريح كان نتيجة طبيعية لما نشرتْه سناء فتح الله من مقالات عن كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» قبل نشره. وبناءً على هذا التصريح قابلتُ د. نجم، وأوضحتُ له أن حديثي عن مسرح صنوع منشور في دراسة من «٥٠ صفحة»، بعنوان «يعقوب صنوع والحقيقة الغائبة»، ضمن كتابي «تاريخ المسرح في العالم العربي في القرن التاسع عشر» وطلبتُ منه قراءة هذه الدراسة، وإرجاء إرسال ردِّه عليها؛ لأنني طوَّرتُها، وذلك بإضافة أدلة ووثائق جديدة، فأصبحتْ كتابًا في «٣٧٠ صفحة»، صدر عن هيئة الكتاب منذ أسابيع قليلة. كما طالبتْه أيضًا الأستاذة سناء فتح الله إرجاء إرسال الردِّ عندما أبلغها بأنه كتب ردًّا على الدراسة الأولى.

ولكن بكل أسف تعجَّل الأستاذ الكبير، فكتب ردَّه المنشور في الأسبوع الماضي بناءً على الدراسة الأولى، ذلك الرد الذي اشتمل على عدة نقاط لم تُسفِر للأسف الشديد عن حسم قاطع للقضية، ولم تقدِّم القول اللامع على قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر، وجعلت ريادة صنوع للمسرح المصري أكذوبة مُختلقة، لا أساس لها إلا في خيال صنوع نفسه ومَن عاوَنَه، سواء بقصد أو بغير قصد. وإلى الدكتور محمد يوسف نجم — وإلى قُرَّاء «أخبار الأدب» — أقدِّم ردِّي على ما نُشِر في الأسبوع الماضي.

الريادة المسرحية

إن حديثك — تحت هذا العنوان — عما أثرتُه أنا بخصوص ريادة محمد عثمان جلال كان غريبًا، خصوصًا نتيجتك التي قلتَ فيها: «الأصح أن نقول إن محمد عثمان جلال كان رائد تمصير المسرحيات»، فأقول لك إنك لم تقرأ دراستي بصورة دقيقة، ولكنك تسرَّعتَ واندفعتَ؛ لأنني استنتجتُ في نهاية هذا الأمر هذه العبارة: «إن عثمان جلال من الرواد الأوائل في الكتابة المسرحية المصرية.» فهل هناك فارق بين النتيجتين؟! علمًا بأن نتيجتي جاءت بصورة موضوعية. فأنت تؤكد على ريادة عثمان جلال بصورة قاطعة قائلًا «كان رائدًا»، أما أنا فقلتُ: «مِن الرواد» ولم أقطع بالريادة المطلقة؛ لأنني أعلم — كما أنت تعلم — أننا نناقش ريادة صنوع التي أصبحتْ في مهبِّ الريح الآن!

أما إصرارك على أنك تحتفظ بنسخة من مسرحية «الفخ المنصوب للحكيم المغصوب» الناقصة لمحمد عثمان جلال، وتنوي نشرها فيما بعد، فلا معنى له! لأنني سبقتُك وسبقتُ الآخرين بنشرها. ومن غير المعقول مثلًا أن أسألك وأستأذنك أنت أو غيرك قبل أن أنشر نصًّا لم يسبقني فيه أحد! وبالرغم من ذلك أجدك تقول: «حاول الأستاذ الباحث، في حماسة منقطعة النظير، أن يُثبِت أن محمد عثمان جلال كان صاحب الريادة المسرحية في مصر، وذلك … لنشره ترجمة ممصَّرة لجزء من مسرحية … زعم أنه نص مجهول.» وأقول لك أنا لا أزعم، بل أؤكد وأصرُّ على أن النص الناقص من مسرحية «الفخ المنصوب …» هو نص مجهول بالفعل، وأنا أول مَن نشره في العالم العربي عام ١٩٩٨، بعد أن نشرتْه مجلة «روضة المدارس المصرية» عام ١٨٧١! فإذا كنتَ ترى غير ذلك، فلماذا لم تأتِ بالدليل لتثبتَ زعمي!

وأنا أرى أن قولك السابق جاء نتيجة طبيعية لانفعالٍ انتابك؛ لأنك أخبرتَنِي في مقابلتنا الوحيدة أنك كنتَ تنوي إعادة نشر مسرحيات محمد عثمان جلال، التي نشرتها في الستينيات، بعد إضافة نص مسرحية «الفخ المنصوب» ولكن نشري لهذا النص أوقف لك هذا المشروع! فيا سيِّدي لم يُصبِح الآن نشر النصوص والمخطوطات المسرحية حكرًا على شخص واحد بعينه! وأقول لك أيضًا: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذا الأمر أبعدتَنا وأبعدتَ القراء عن صلب القضية، فلم تأتِ بقول واحد على ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر، وهو قضية نقاشنا؟!

أحمد خيري باشا

حديثك في هذا الموضوع جاء بصورة غير متوقَّعة من باحث قدير … فكيف يا سيدي تطالبني بأن أستقي المعلومات من كتابين للرافعي نُشِرا عام ١٩٣٢، وأُفضِّل ما فيهما من معلومات على سجلات ووثائق ومستندات ومخطوطات حية في زمنها، مستقاة من دار الوثائق القومية، ودار المحفوظات العمومية بالقلعة؟! وأنا ألْتَمِس لك العذر؛ لأنك أبلغتَني في مقابلتنا أنك لم تقترب طيلة حياتك من هذين المصدرين التاريخيين، رغم أنك من مؤرِّخي الأدب! فإذا كنتَ اطَّلعتَ على هذه الوثائق، لكان لك موقف آخَر من بعض كتاباتك التاريخية! والأغرب من ذلك، أنك تختتم هذا الجزء بقولك: «فأيهما نصدِّق في هذه التناقضات، المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي، أو سجل قلم الوزارات الذي استند إليه الدكتور سيد إسماعيل والمعلومات التي أتى بها وما فيها من أخطاء في التواريخ؟» … وأنا أعلم أن هذا القول جاء منك بصورة عفوية لم تقصده بالطبع؛ لأنك أحد محقِّقي المخطوطات.

ومن جهتي أقول لك يجب أن تصدق معلومات الوثائق وما فيها من تواريخ صحيحة، عن معلومات وتواريخ الكتب الخاطئة، خصوصًا وأنك ارتكبتَ في دراستك عن صنوع أخطاءً تاريخيةً أصبحتْ مُسلَّمات وأساسيات يعتمد عليها الكثيرون الآن، وقد أثبتُّها لك في دراستي. ومنها أنك جئتَ في دراستك عن صنوع بإشارتين صريحتين عن نشاط صنوع في مصر؛ الأولى: من جريدة «السترداي ريفيو» عام ١٨٧٦ أثناء وجود صنوع في مصر، وأثبتُّ لك أن تاريخ الجريدة كان عام ١٨٧٩ أثناء وجود صنوع في باريس، وأن كاتبها أحد أصدقاء صنوع، وأن هذه الإشارة لم تطَّلع أنت على أصلها، بل نقلتَها من كتاب د. إبراهيم عبده دون الإشارة إليه!

والثانية: كانت من جريدة «الأزبكية»، وقلتَ أنت إنها من عام ١٨٧٣، وأثبتُّ لك أنها إشارة مُقحَمَة لا أصل لها؛ لأنها ذكرتِ اسم «أبو نضارة»، وهو اسم اشتُهر به صنوع بسبب جريدته. وهنا تساءلتُ كيف نقبل إشارة من جريدة في عام ١٨٧٣ تذكر اسم «أبو نضارة»، ذلك الاسم الذي اشتُهر به صنوع منذ عام ١٨٧٨ عندما أصدر جريدته «أبو نظارة». علمًا بأن كاتبه جول باربييه صديق صنوع! وهذه الأقوال الخاطئة ينقلها الباحثون منذ عام ١٩٥٦ وحتى الآن دون أن يتحقَّق منها أحد، لا لشيء إلا لأن قائلها هو المؤرخ الكبير الدكتور نجم!

وربما أردتَ أنت إيهام القراء بوقوعي في خطأ الخلط في الأسماء، عندما قلتَ: «ألا يمكن أن يكون هذا السجل لأحمد خيري آخَر؟»، وهنا أقول لك لا يوجد في هذا الوقت غير شخصين فقط اسمهما أحمد خيري، وكل منهما يحمل لقب «باشا»؛ الأول: «أحمد خيري باشا ١٨٢٤–١٨٨٦» رئيس الديوان الخديوي، والثاني: الحاج «أحمد خيري باشا ١٨٥٢–١٩٢٤» مدير الأوقاف. وبالطبع الأول هو المقصود وملفُّه محفوظ حتى الآن بدار المحفوظات العمومية بالقلعة تحت رقم ١٤١٠٤ محفظة رقم ٤٧٢. فإذا وجدتَ سيدي غير هذين الشخصية أحدًا اسمه أحمد خيري ويحمل الباشوية في هذا الزمن فأرجو أن تعرِّفني وتعرِّف القرَّاء به.

وفي نهاية هذا الأمر أتوجه إليك بهذا السؤال: إذا كنتَ ممن لا يؤمنون بالوثائق والسجلات الرسمية في زمنها، وتؤمن بكل ما كتبه المؤرخ الكبير الرافعي في كتابه «عصر إسماعيل»، ألم تلحظ يا سيدي أن الرافعي في هذا الكتاب كتب عن صنوع كصحفي فقط ولم يكتب عنه كمسرحي؟! علمًا بأن الرافعي، وفي الكتاب نفسه، تحدَّث عن بداية المسرح العربي في مصر ونسب ريادتها إلى السوريين! وقد أثَرْتُ هذا الأمر في دراستي، ولكنك أهملتَه … لماذا؟! وأقول لك وللمرة الثانية: ألم تلحظ يا سيدي أنك حتى الآن تراوغ، ولم تأتِ بقولٍ قاطع على ريادة صنوع للمسرح المصري، موضوع النقاش؟!

صنوع مؤلِّفًا

تحت هذا العنوان أتيتَ بعناوين كثيرة لمحاورات صنوع في صحفه، ومِن ثمَّ تتساءل يا دكتور، قائلًا عنِّي: «كيف أباح المؤلف لنفسه أن يُصدِر هذا الحكم الجائر على صنوع، قبل أن تتوافر لديه جميع الأدلة؟ فهو فيما يبدو لم يطَّلع على ما نُشِر من السنة الأولى لصحف أبو نظارة في مصر، ولو كان اطَّلع عليها لما تورَّط في هذا الخطأ الفادح، وفيما بناه عليه من استنتاجات جائرة.» وهنا أقول لك، إذا كنتَ تحتفظ «١٢» عددًا من أعداد صحف صنوع المصرية، وباقي لك «٣» أعداد، فإن جميع الأعداد في حوزتي، وفي حوزة آخرين أيضًا، ولكنها غير أصلية؛ لأنها منقولة في كراسة جاءتنا من خلال د. إبراهيم عبده، ومن جهتي شككتُ في أقوالها؛ لأنها غير أصلية.

أما إذا كنتَ تحتفظ بالأصول، فلا يفوتك أنها صحف صنوع، المشهور بالأكاذيب والمبالغات! وأقواله لا يُعتدُّ بها، ويجب أن تؤخذ بحرص شديد. ولا يفوتك أيضًا أنك ممَّن شكَّكوا في صحة أقواله وأفعاله منذ الستينات! هذا بالإضافة إلى أن محاورات صنوع لي فيها أقوال وعندي عنها وثائق كثيرة تُثبِت وجهة نظري، موجودة في الكتاب الكامل «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، فأنصحك بقراءته أوَّلًا قبل أن تتهمني بالتقصير، خصوصًا وأنني أرسلتُ لك نسخة منه منذ أسبوعين.

وبخصوص هذه المحاورات أطرح عليك هذا السؤال: هل هذه المحاورات تعتبرها كتابات مسرحية مكتملة العناصر الفنية؟! ألم تكن مجرد محاورات بين شخصين، أو بين عدة أشخاص؟! أكلُّ حوار بين شخصين يُعتبر في نظرك من النصوص المسرحية؟! فإذا نظرتَ إلى صحف القرن التاسع عشر ستجد معظمها يقوم على مثل هذه المحاورات! أنعتبر أصحاب هذه المحاورات من كُتَّاب المسرح؟ وإذا فرضنا جدلًا أن محاورات صنوع في صحفه هي كتابات مسرحية، أتستطيع أن تُثبِت أنها مُثِّلت بالفعل؟! نحن نناقش العملية المسرحية المكتملة، الذي زعم صنوع بأنه أتاها كاملة، من حيث إنه المؤلف والممثل والمخرج وصاحب فرقة مسرحية عرضت مئات العروض؟! فهل تعتبر هذه المحاورات هي العملية المسرحية المكتملة التي تكتب شهادة ميلاد ريادة صنوع للمسرح المصري؟!

صحيفة «أبو نظارة زرقا»، الإصدار المصري

تحت هذا العنوان وجدتُك أيضًا — وللمرة الثانية — تأتي بأقوال صنوع نفسه من صحفه. وهنا أتوقف لأقول: إن دراستي مبنية على الابتعاد عن أقوال صنوع عن نفسه وعن مسرحه الوهمي، وبمعنًى آخَر إن يعقوب صنوع استطاع أن يكتب لنفسه تاريخًا فنيًّا مزعومًا، ومن ثمَّ تلقَّف هذا التاريخ بعض المحدثين — وأنت منهم — فأثبتوه في كتب ودراسات ورسائل علمية كثيرة. وإذا حاول أي باحث أن يتحقق من هذه المزاعم، فما عليه إلا أن يبحث في التاريخ المعاصر لهذه المزاعم كي يتحقق بأنها أوهام اختلقها صنوع وأعوانه. ومن هذا المنطلق كان يجب عليك، وأنت الباحث القدير، أن تبتعد عن أقوال صنوع، التي خدعتْك من قبلُ، وخدعتْ جميع مَن كتبوا عنه.

وربما حاولتَ أن تبتعد عن هذه الأقوال، ولكنك لم تستطع. فقد قلتَ لي في ردِّك: «ولكي أُثبِت للأستاذ الدكتور أن صنوع قام بنشاط مسرحي في مصر استمر موسمين، أكتفي بإيراد الشواهد الثابتة من المراجع المعاصرة له في مصر، متجنِّبًا ما قاله صنوع عن مسرحه وهو في باريس»، وبعد ذلك تأتي بأقوال صنوع من صحفه عن مسرحه! فأين يا سيدي «المراجع المعاصرة لصنوع»؟! فأنتَ لم تأتِ إلا بصحف صنوع وبأقواله … وهل هناك فرق بين صنوع في مصر وبينه في فرنسا؟ وهل هناك فرق بين صحف صنوع في مصر وبينها في فرنسا؟ ولماذا تعتمد فقط على أقوال صنوع، المشكوك في صحتها أصلًا؟! وبالرغم من وقوعك في هذا الخطأ المنهجي إلا أنني سأتقبَّله بصدر رحب وسأردُّ عليك فيما أثرتَه.

  • أوَّلًا: تفخر بأنك أول مَن نشر ست مخطوطات لمسرحيات صنوع عام ١٩٦٣. ورغم هذا الفخر فقد أثبتُّ لك في دراستي بالأدلة القاطعة على أنها مخطوطات لا صلة لها بصنوع. فهذه المخطوطات التي تحتفظ بها ابنة صنوع «لولي»، والتي جاءتْك منها، لا تحمل أية إشارة تدل على أنها لصنوع، فلا اسم صنوع عليها، ولا تاريخ كتابتها، ولا تاريخ تمثيلها، حتى خطها فهو لإنسان آخر غير صنوع! ومن الغريب أنك لم تناقش هذا الأمر في ردك، ولم تفنِّد أدلَّتي لأنك واثق من صحتها! أما مسرحيات صنوع التي جاءت في المراجع الحديثة، وبخاصة كتاب د. إبراهيم عبده الذي اعتمدتَ عليه أنت، فهي مسرحيات معظمها كُتِبت أثناء وجود صنوع في باريس. وهنا أتوقف لأبيِّن لك وللآخرين نقطة مهمة. أنا لا أناقش نشاط صنوع المسرحي في حياته كلها، بل أناقش فقط نشاطه المسرحي المزعوم في مصر، فإذا أتيتَ أنت أو غيرك بأدلة على أن صنوع له نشاط مسرحي في فرنسا، فلن أهتم بها. المهم الأدلة على نشاطه في مصر.
  • ثانيًا: تقول لي وبصورة تعليمية: «بأن العملية المسرحية … الريادة فيها لا تتوقف على نص مجتزأ ممصَّر عن مسرحية فرنسية، بل تعني العملية التمثيلية بأركانها الثلاثة: النص الكامل الصالح للتمثيل، والعرض المسرحي بما يرافقه من إخراج وديكور وتمثيل، والجمهور الذي يشاهد هذا العرض»، فهذا الأمر أعلمه جيِّدًا، ولم أنسبه إلى محمد عثمان جلال كما أردتَ إيهام القرَّاء بذلك، ولكنني أثبتُّ الريادة المسرحية تبعًا لهذا المفهوم لسليم خليل النقاش، وأتيتُ بأدلة ووثائق كثيرة عليها، قمتَ أنت بتجاهلها في ردِّك … لماذا؟!

    لماذا تجاهلتَ قول جريدة «الفرايد» عام ١٨٩٤ عندما قال: «أول مَن أدخل التشخيص في مصر الشوام»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول الكاتب المسرحي محمود واصف عام ١٨٩٥ عندما قال: «لا يخفى أن فن التشخيص بلغتنا العربية لم يدخل إلى بلادنا المصرية إلا منذ عهد قريب على يد طيب الذكر سليم أفندي النقاش»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول جرجي زيدان عام ١٨٩٦ عندما قال: «لم يدخل فن التمثيل العربي إلى هذه الديار إلا في أواخر حكم الخديو إسماعيل، وأول مَن مثَّل رواية تشخيصية فيها المرحومان سليم النقاش وأديب إسحاق»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول جريدة «الأخبار» عام ١٩١٢ عندما قالت: «الحق أولى بالإثبات من إسداء الشكر للسوريين الذين خدموا فن التمثيل … وهيهات أن ننسى الأديبين الكبيرين المرحومين سليم النقاش وأديب إسحاق، اللذين أخرجا فن التمثيل إلى عالم الوجود في مصر»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول جورج طنوس عام ١٩١٧، عندما قال: «ظهر التمثيل العربي في هذه الديار، وكانت نشأته الأولى في الإسكندرية على أيدي الأديبين الشهيرين إسحاق والنقاش»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول محمد تيمور عام ١٩١٩، عندما قال: «أتانا التمثيل عن طريق سوريا، وأول مَن جاءنا به قوم من فضلاء السوريين أمثال النقاش وأديب إسحاق والخياط، وفدوا إلى مصر لينشروا فيها بذور ذلك الفن الجديد، ولقد نجحوا في بناء أساس ذلك الفن نجاحًا كبيرًا … وأنشئوا بأيديهم فن التمثيل في مصر بعد أن كنَّا لا نعلم من أمره شيئًا كبيرًا، هذه هي نتيجة مسعاهم، ونحن مدينون لهم بهذه النتيجة»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول خليل مطران عام ١٩٢٠ عندما قال: «المرحوم سليم النقاش أول مَن أنشأ فرقة للتمثيل بمصر باتِّفاق بينه وبين الحكومة»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول أحمد شفيق باشا، وهو من معاصري صنوع، عندما قال في مذكِّراته: «بدأتْ تَفِد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأول هذه الفرقة هي فرقة سليم النقاش»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول قسطندي رزق عام ١٩٣٦، عندما قال: «أما ما كان من أمر التمثيل العربي، فكانت حجر زاوية بنائه فرقتا التمثيل لسليم النقاش ويوسف خياط»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول جريدة «الأهرام» في عددها التذكاري عام ١٩٥٠، عندما قالت: «أمَّا التمثيل العربي في مصر، فقد حمل لواءه إخواننا السوريين وعلى رأسهم سليم نقاش»؟

    ولماذا تجاهلتَ قول عبد الرحمن صدقي عام ١٩٥١، عندما قال عن الخديو إسماعيل: «كان على يديه مطلع التمثيل العربي … حين وفدتْ فرقة للتمثيل العربي من لبنان قوامها سليم النقاش وأديب إسحاق ويوسف خياط»؟

  • ثالثًا: تقول إن يعقوب صنوع عام ١٨٧٨ وهو في مصر كان يكتب في نهاية صحيفته: «محرِّر هذه الجريدة المفيدة مستر جيمس سنوا مدرِّس ألسُن شرقية وغربية ومؤسِّس التياترات العربية.» ثمَّ تتساءل: «هل كان يجرؤ على هذا الادِّعاء العريض وهو يعيش في مصر، مُحاطًا بالأعداء والكارهين، لو أنه لم يكن حقًّا مؤسس التياترات العربية فيها؟!» … أقول لك: نعم، كان صنوع يجرؤ على ذلك، وصحفه مكتظَّة بمثل هذه الادِّعاءات؛ لأن جريدته أصلًا كانت قائمة على الادِّعاءات والأكاذيب والنكات المبتذلة والأسلوب العامي الرخيص، بدليل وجود عبارات جنسية رخيصة وشتائم لا يستطيع قلمي كتابة حروفها … وأنت تعلم ذلك … فجريدة صنوع كانت تتشابه مع جرائد أخرى مثل «حمارة منيتي» و«اللجام» و«الصاعقة» و«العفريت» و«المقرعة» و«الكرباج» و«الشيطان». فهل تريد يا أستاذي الفاضل أن يتحرَّك قلم أديب أو ناقد قدير للرد على مثل هذه الخزعبلات؟! علمًا بأنك تستند على قول واهٍ منقول من صحف صنوع … ألم تجد في «مراجعك» غير أقوال صنوع «فقط» كي تستند عليها، وتقول بريادته المزعومة للمسرح منها؟!
  • رابعًا: وبنفس الأسلوب تهرع إلى أقوال صنوع مرة أخرى، وتأتي بإشارة من صحفه جاءت في سياق حوار هزلي عن نشاطه المسرحي المزعوم في مصر، وتقول بعدها: «وهذا النص — الذي ورد في صحيفته وهو في مصر سنة ١٨٧٨ — واضح الدلالة ولا حاجة بنا إلى التعليق عليه. ولو كان كاذبًا أو مدَّعيًا لتناولتْه الصحف العربية التي كانت تصدر في مصر آنذاك ﮐ «الوقائع المصرية» و«الأهرام» و«حديقة الأخبار» و«مصر» و«التجارة» التي صدرتْ سنة ١٨٧٨، وهي فيما أعلم لم تغمز جانبه ولم تمسَّه بنقد أو تجريح أو تكذيب.» والغريب أن تتحمس جدًّا لجريدة «التجارة» نافيًا عنها أي قول تكون قد أصدرتْه ضد يعقوب صنوع! وهنا أردُّ عليك قائلًا … لقد توهَّمتَ يا أستاذي … فالشيخان محمد عبده وجمال الدين الأفغاني — الذي أوهمنا صنوع بأنهما من أصدقائه … بل ومن تلاميذه — تضامَنَا معه فكتَبَا مقالةً في جريدة «التجارة» — التي تحمَّستَ أنت لها — عام ١٨٧٩، جاء فيها الآتي:
    جرنال «أبي نظارة»، ذاك الجرنال الهُزأة الذي لم يَدَع قبيحة من القبائح إلا احتواها، ولا رذيلة من الرذائل إلا أحصاها. أتى من العبارات ما لا يستطيع السوقة وأدنياء الناس أن يأتوا به.٢

ومن الغريب أن هذا القول مثبوت في الدراسة، فلماذا تجاهلتَه ولم تُثبِته أو تناقشه في ردِّك؟! علمًا بأنك إذا قرأتَ كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، ستجد تفسيرًا منطقيًّا بالأدلة والوثائق يُظهِر أن يعقوب صنوع أوهمنا بأنه كان على علاقة حميمة مع الشيخين، وهي علاقة لا أساس لها! وكفى أن أقول إن جميع الكتب التي كُتبتْ عن الشيخين، لا تتضمن إشارة واحدة عن صنوع! أما إذا نظر القارئ إلى الكتب التي كُتِبت عن صنوع، فسيجد صفحات كثيرة تشير إلى علاقة الشيخين بصنوع! وأقول للدكتور نجم وللمرة الثالثة: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذه الأمور كلها لم تأتِ بقول صريح على ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر؟ وهو الموضوع الرئيس لنقاشنا، إلا من خلال أقوال صنوع في صحفه عن نفسه … أيُعقل هذا؟! أمِن المعقول أن مسرح صنوع كان مُقامًا «فقط» في خيال صنوع وحده، ولم يلحظه أي معاصِر له؟!

صحف عربية معاصرة

تحت هذا العنوان أتيتَ بثلاثة أخبار من جريدة «الجوائب» التي صدرت في الأستانة (إسطنبول)، الأولى والثانية عام ١٨٧١، والثالثة عام ١٨٧٢. وقلتَ إن هذه الأخبار تحتوي على «معلومات مفيدة تُثبِت ريادة صنوع المسرحية، وتُعطي فكرة عن نشاطه المسرحي في موسمه الثاني.»

  • الخبر الأول: قالت جريدة «الجوائب» في ١٦ / ٨ / ١٨٧١: «وقد سرَّنا ما بلغنا من أخبارها (أخبار مصر المحروسة) أنه أُنشِئ فيها تياترو تنشد فيه الألعاب العربية. وللُطْفه قد حضر فيه الليلة الأولى نحو ألف نفس، ثمَّ إنه وإن كان قد أُرسل إلى مصر عدة روايات من جهات مختلفة من بيروت، إلا أنه انتُخب له رواية يُقال لها «القواس» ألَّفها أحد الإنكليز.»
    هذا هو الخبر الأول، ولا أجد فيه أي معنًى لما نحن بصدده! إلا إذا كنتَ يا سيدي تلمِّح بأن مسرحية «القواس» هي مسرحية «راستور وشيخ البلد والقواص» التي ذُكِرتْ عند د. إبراهيم عبده على أنها لصنوع … كيف هذا؟! ألم تلحظ يا أستاذي أنك نقلتَ خبرًا عن مسرحية ذات كلمة واحدة من أجل تشابهها بكلمة في اسم مسرحية مكوَّن من أربع كلمات؟! هذا بالإضافة إلى أن مؤلِّف الإشارة «إنكليزي» الجنسية، كما ورد في الخبر، فأين هنا يعقوب صنوع «مصري» الجنسية؟! هذا بالإضافة إلى أن الخبر جاء بعد تمثيل المسرحية الأولى بأيام قليلة، علمًا بأن تاريخ الخبر عام ١٨٧١؛ أي — كما قلتَ أنت — في الموسم الثاني لمسرح صنوع! فهل صنوع مثَّل في موسمه؟٣
  • الخبر الثاني: قالت جريدة «الجوائب» في ٢٧ / ٨ / ١٨٧١: «قد ذكرنا سابقًا أنه أنشئ بمصر تياترو تُجرى فيه الألعاب والروايات العربية، وهذا تفصيل محاسنه: … في ليلة الخميس … صار اللعب بالثلاث قطع التياترية العربية التي صار لعبها بتياترو القنسر داخل حديقة الأزبكية، وذلك بسراي قصر النيل العامرة أمام الحضرة الخديوية … وقد ابتُدئ بهذه القِطَع … السهلة، تأليف «الخواجة جمس» … وهو جارٍ التمرين على قطعتين أدبيتين عربيتين أخريين … إحداهما اسمها «البخيل» … تأليف موليير، والأخرى تُسمَّى «الجواهرجي» من تأليف بعض الشبان المصريين.»

    ومن الملاحظ أن هذا الخبر هو استكمال للخبر الأول، رغم ما فيه من لبس، أراد من ورائه د. نجم أن يُقنِعنا بأنه يخص مسرح صنوع. وهنا أقول: إذا كان صنوع ذكر في صحفه ومذكِّراته أنه مثَّل أمام الخديو إسماعيل، وهذا القول يتشابه مع الخبر المذكور، فإن هذا الأمر لم يكن غريبًا في هذا الزمن؛ لأن الخديو كان يُشاهِد معظم العروض الفنية التي كانت تُقام في الأوبرا والكوميدي الفرنسي، والسيرك، وحديقة الأزبكية، منذ عام ١٨٦٧ وحتى قُبَيْل عزله. وهذا الوضع كان يَسِير عليه الخديو توفيق وعباس. وقد أتيتُ بأدلة كثيرة على ذلك في الفصول الأولى من كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر».

    ثمَّ ألم يلحظ د. نجم أن اسم «صنوع» أو «يعقوب صنوع» أو «جمس سنوا» لم يُذكَر في هذا الخبر، وهل صنوع كان يُطلق عليه «الخواجة جمس»؟! فهذا الخواجة هو الرجل «الإنكليزي» الموجود في الخبر الأول. ثمَّ ألم يلحظ د. نجم أن الخبر يؤكِّد أن الخواجة جمس يُعِدُّ روايتي «البخيل» و«الجواهرجي». علمًا بأن «البخيل» أول مَن ترجمها ومثَّلها في العالم العربي مارون النقاش عام ١٨٤٨. وهذا يفسِّر ما جاء في الخبر الأول بأن هناك روايات عربية تأتي إلى مصر من الشام. هذا بالإضافة إلى أن صنوع — وكذلك مَن كتب عنه — لم يذكر رواية باسم «الجواهرجي» مثَّلها أو ألَّفها أو اشترك فيها! وهذا يعني أن هذا الخبر يتحدَّث عن عروض متفرِّقة لبعض المهتمين بالمسرح من الإنجليز والشوام، ولا علاقة له بصنوع.

  • الخبر الثالث: قالت جريدة «الجوائب» في ٢٧ / ٣ / ١٨٧٢: «شرع في تهيئة التياطرو العربي الكائن بالأزبكية، وقد أُعطِي إنعام من حضرة الخديو المعظَّم لرجل من الإنكليز اسمه مستر جيمس ليتولَّى ترتيبه وتنظيمه، فيُقال أنه ألَّف حكايات مضحكة تُرجِمت إلى العربية، وأن افتتاح هذا المحل يكون في أول صفر القابل.»

    ولا أعلم ما هي علاقة هذا الخبر بموضوعنا، فهذا الخبر يخصُّ أيضًا رجلًا «إنكليزيًّا» اسمه «مستر جيمس»! ولعلك اعتبرتَه يعقوب صنوع، على اعتبار أن صنوع كان مشهورًا باسم «جيمس سنوا»، فأين اسم «سنوا» الذي هو «صنوع» في هذا الخبر؟! وعلى كل حال، فإن ذكر اسم «جيمس» فقط لا يدل مطلقًا على أنه «صنوع»، فهناك ألف جيمس وجيمس … فأي جيمس تقصد؟! وهذا الأمر ربما أقْلَقَك بعض الشيء، فحسمتَ أمرَك بأنْ كتبتَ بيدك تعليقًا في آخِر الخبر، قلت فيه: (تعليق: جيمس هو جيمس صنوا (يعقوب صنوع))! فلماذا كتبتَ هذا التعليق بيدك؟! أتريد إيهام القارئ بأنه تعليق الجريدة مثلًا؟ أم أردتَ أن تُثبت أن «مستر جيمس الإنكليزي» هو «جيمس صنوا المصري»؟!

ألم تلحظ يا سيدي أن الخبر كان في مارس ١٨٧٢، ويفيد بأن التياترو سوف يفتتح فيما بعد! ألم يقل صنوع — وأيضًا مَن كتب عنه وأنت منهم — أن مسرح صنوع أُغلِق عام ١٨٧٢؟! فكيف يكون تاريخ غلق مسرح صنوع المزعوم هو نفس تاريخ افتتاح مسرح مستر جيمس الإنكليزي كما جاء في هذا الخبر؟! وهل صنوع أثناء نشاطه المسرحي المزعوم كان يكتبه مسرحياته بالإنجليزية ثمَّ يترجمها إلى العربية؟! يا سيدي، أنت تنقل الأخبار دون تمحيص أو تدقيق، وتحاول أن تلوي عنق الحقائق.

وإذا كنتَ أيها المؤرِّخ المسرحي تستند على هذه الأخبار لإثبات نشاط مسرحي لصنوع، فلماذا لم تُثبِتها في دراستك عن صنوع طالما أنت مؤمن بها؟! فإن دراستك عن صنوع خَلَتْ تمامًا من هذه الأخبار، رغم أنك أخبرتَني في مقابلتنا أن دراستك عن صنوع طُبعت أكثر من «١٣» طبعة منذ عام ١٩٥٦ وحتى الآن. هذا بالإضافة إلى أنك لم تستشهد بأي معلومة من معلوماتك السابقة المنشورة عن صنوع! وهذا التصرف من قِبَلك لا تفسير له إلا أنك غير مقتنع بوجود مسرح صنوع المزعوم.

والدليل على ذلك أنك عندما درستَ نشاط «سليم النقاش» — الرائد الحقيقي للمسرح العربي في مصر — قلتَ، وكتبتَ بيدك، هذه العبارة عام ١٩٦٤: «إن دراسة أوليات المسرح المصري لا بدَّ من أن تتجه إلى فرقة سليم النقاش وأثرها، بعد أن تمر بمسرح يعقوب صنوع، الذي يبدو أنه مضى دون أن يُعقِب أثرًا، لا في تقاليده ولا في مسرحياته، لأسباب قد يكون منها أنه غُرِس في غير أوانه، أو أنه كان مسرحًا خاصًّا يؤمُّه الأمراء والأعيان وعِلْية القوم، أو أن مسرحياته كانت مُنبتَّة الصلة بالبيئة التي وُضِعتْ لها.» وأقول: ألم تلحظ يا سيدي أنك فيما سبق أجهدتَ نفسك كثيرًا ونبشتَ في أوراق مكتبتك الفريدة، فأخرجتَ منها أخبارًا لا تُنقِذ صنوع ولا مَن كتبوا عنه، ولا تَرُدُّ له الريادة المفقودة!

الصحف الصادرة بمصر باللغات الأجنبية

يقول العالم الجليل د. نجم: «كان في مصر في عصر الخديو إسماعيل صحف أجنبية عدة … وكان حريًّا بالمؤلف ما دام يحاول أن ينقض حقيقة شائعة ومسلَّم بها بين الباحثين أن يرجع إلى هذه الصحف … لأنها كانت معاصرة لصنوع … وهو معذور إذا كان قد تجنَّبها لأنه لا يستطيع القراءة في الفرنسية والإيطالية … لأنها تنقض دعواه وتؤكِّد وجود نشاط مسرحي كثيف لصنوع» … وهنا أقول له: صدقتَ يا أستاذي، فأنا لا أستطيع قراءة الفرنسية والإيطالية، بالرغم من وجود مترجمين مصريين أكفاء، إلا أنني لم أتجنَّب شيئًا موجودًا … فإذا كنتَ أنت واثقًا من وجود «أصول» هذه الصحف الأجنبية التي تحدَّثتْ عن صنوع كمسرحي في مصر وبصورة مكثَّفة، فلماذا لم تأتِ بها وأنت ضليع في اللغات الأجنبية؟! ولماذا لم تأتِ بعدد واحد منها ليكون لك بمنزلة القول الصريح الذي تفتقده؟!

ومن الغريب أن العالم الجليل د. نجم يقول أيضًا عن هذه الصحف: الذي يعيب عليَّ عدم الرجوع إليها، في أصولها: «ولا نزعم أننا رجعنا إلى جميع هذه الصحف: ولكنا تلقَّطْنا من بعض هذه الصحف … من خلال بعض المراجع، بعض الأخبار التي نُشرتْ فيها، والتي تتصل بنشاط صنوع المسرحي.» وهنا أقول له: لماذا تطالبني بأن أفعل ما عجزتَ أنت عن فعله. فقد قمتَ أنت بنقل بعض الأخبار من هذه الصحف: نقلًا عن مراجع أخرى، ولم تنقل من أصول الصحف. والأعجب أنك لم تنقل بدقة وحياد، فقد نقلتَ التواريخ بصورة خاطئة، ونقلتَ عن مراجع لم تُشِرْ إليها، ونقلتَ أخبارًا متناقضةً لم تَقُمْ بتفنيدها! وعندما أوضحتُ لك هذه الأمور في مقابلتنا قلتَ لي إنها أخطاء مطبعية! علمًا بأن هذه الأخطاء المطبعية استمر وجودها في طبعات دراساتك اﻟ «١٣»، وكأنك تُصِرُّ على وجودها، لماذا؟! وأقول: ألم تلحظ يا سيدي أنك في هذا الأمر لم تأتِ بقول واحد، ولو عن طريق الترجمة، يُثبت ريادة صنوع للمسرح المصري، موضوع النقاش؟!

ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أذكر رأيي في دراستك عن صنوع، المنشورة في كتابك «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، ذلك الرأي الذي جاء في نهاية نقدي لدراستك في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، ص٢١٧: وفيه قلتُ: «ومن الغريب حقًّا أن د. محمد يوسف نجم، رغم أهمية دراسته، إلا أنه لم يستَطِعِ الحصول على أية إشارة حقيقية في أي مرجع لم يكن صنوع مصدره الوحيد، كي يثبت من خلالها قيام صنوع بنشاط مسرحي في مصر! فكل ما ذكره د. نجم ما هو إلا نقول من آخرين كتبوا عن صنوع، وتربطهم به علاقات! فمصادر الدكتور في دراسته عن صنوع كانت: كتاب د. إبراهيم عبده «أبو نظارة إمام الصحافة …»، وكتاب طرازي، وكتاب بول دوبنيير، ومقال «السترداي ريفيو»، ودراسة جانيت تاجر المعتمدة على مقال جاك شيلي! وبمعنًى آخَر، إن جميع مصادر دراسة د. نجم عن مسرح صنوع، هي كتابات كُتِبت من خلال صنوع نفسه!»٤

وأخيرًا أقول لأستاذي الجليل العالِم المؤرِّخ د. محمد يوسف نجم — بما لديه من مكتبة فريدة وخبرة علمية وقدرة تأريخية — إنك لم تأتِ بقول واحد صريح يَرقَى إلى منزلة الدليل القاطع المانع لإثبات نشاط صنوع المسرحي في مصر. فأين أدلَّتُك المُقنِعة؟! … فردُّك كان عاطلًا من الأقوال اللامعة والحجج السديدة! وكان ردًّا على دراسة أولية من «٥٠ صفحة»، فماذا سيكون ردُّك على كتاب كامل من «٣٧١ صفحة»؟! أرجو ألا تصمت أمامه.

فأنت يا سيدي لا تتحمس لإثبات ريادة صنوع للمسرح المصري، من أجل إبراز الحقيقة التاريخية بقدر حماسك لأعمالك المنشورة عنه، والتي ستتأثَّر سلْبًا بما طرحتُه في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، فمن المؤكد أنك تخشى على مطبوعاتك، التي أصبحتْ ركائز أساسية لدراسة صنوع من قِبَل جميع الباحثين، ومنها كتابك «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، وكتابك «المسرح العربي: دراسات ونصوص — يعقوب صنوع»، ومجلَّداتك العشرة عن صحف صنوع، وأخيرًا مشروعك المستقبلي في نشر صحف صنوع المصرية! فهذه المطبوعات سيقرؤها الباحثون فيما بعدُ بحَذَر شديد؛ لأنها تخص صنوع المشبوه … المخادع … الكاذب! فكم من دراسة حديثة نَحَّتْ ما قبلها من دراسات كان يُعتقد في صحتها!٥
د. سيد علي إسماعيل
رئيس قسم الدراسات الأدبية
كلية دار العلوم، جامعة المنيا
١  مقال نشرتُه في جريدة «أخبار الأدب»، عدد ٤٠٤، بتاريخ ٨ / ٤ / ٢٠٠١، وموقعه عَلَى الإنترنت: http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/404/1000.html
٢  حذفتْ جريدة «أخبار الأدب» جزءًا مهمًّا من هذا الاقتباس، وللإفادة أثبتُّه هنا، وهو التكملة الموجودة في أصل المقال المُرسل إلى أخبار الأدب: «وجعل ديدنه السبَّ والثَّلْب وثَلْم الأعراض وتمزيق حجاب الإنسانية والقدح في السِّيَر الشخصية بما لا يليق أن يتفوَّه به الصبيان، مما يفسد الأخلاق ويُذيب ماءَ الوجوه خجلًا وحياءً. عَلَى أن ليس فيه نكتة مضحكة ولا لطيفة مسلِّية … مع أنه لا يحتوي عَلَى سياسة ولا أخبار ولا مضحكات ولا فكاهات، بل هو محض الشتم واللطم … ولم يكن ذلك من محرِّر هذا الجرنال الهزء البارد إلا لدناءة الطبع والميل إلى كسب الدنانير والدراهم، إذ ينال بهذيانه مِن زيدٍ أربعين جنيهًا في الشهر، ومِن عمرو أقلَّ، ومِن بكرٍ أكثر، وتلك دنيئة تأباها الشِّيَم الكريمة. ولقد تغالَى منشئه في الوقاحة حتى أشار في كتاباته وخزعبلاته أن أبناء المجامع المقدَّسة ذات المقاصد العالية المبنيَّة عَلَى محض الأدب والإنسانية هم مشاركوه في عمله هذا. حاشاهم حاشاهم أن تتدانى همَّتهم لهذه المقاصد السافلة، فقد كذب وافترى واعتسف واعتدى.»
٣  يلاحظ القارئ هنا أن سياق الكلام غير مكتمل، وذلك بسبب قيام الجريدة بعدم نشر الجزء المتمِّم لهذا السياق، والموجود في نص المقال المُسلَّم إلى إداراتها. لذلك أُثبِت هذا الجزء هنا لإفادة القراء، «الأول الافتتاحي (١٨٧٠-١٨٧١) عرضًا واحدًا فقط؟! يا سيِّدي أنت تنقل إشارة عن أحد عروض المحبظين أو الحواة أو خيال الظل … أو ما شابه ذلك من العروض الفنية التي كانت تُقدَّم في الحدائق العامة والشوارع! ألم تلحظ أن الجمهور كان ألْف نفس (١٠٠٠ شخص)، فدار الأوبرا — أكبر المسارح — منذ افتتاحها، وحتى احتراقها، لم يدخلها هذا العدد في أي عرض من عروضها، ولا هي مُعدَّة لاستقبال هذا العدد الضخم! وأيضًا ألم تلحظ أن هذا التياترو كان يمثِّل روايات عربية تأتيه من بيروت. فلماذا لم نَقُلْ إن هذا التياترو كان يُديره الشوام، خصوصًا وأن كتاب «أرزة لبنان» نُشِر عام ١٨٦٩، وفيه مسرحيات مارون النقاش الثلاث، وهي المقصودة في هذا الخبر! فهل صنوع كان يمثِّل مسرحيات الشوام؟! وهل كان يمثِّل مسرحيات مترجمة؟! ألم يكن يمثِّل تآليفه هو؟! فهذا الخبر يا سيِّدي لا علاقة له بصنوع!»
٤  لم تنشر جريدة «أخبار الأدب» تكملة هذه الفقرة، وهي تقول: «وذلك عَلَى الرغم من أن د. نجم كان اعتماده الأساسي في كتابه عَلَى جريدة «الأهرام» منذ صدورها! وهذا يعني أيضًا أنه لم يجد أية إشارة في هذه الصحيفة أو غيرها تدلُّ عَلَى صنوع كمسرحي في مصر! وهذا ليس تقصيرًا من الدكتور؛ لأنه بذل جهدًا خارقًا في توثيق وتحقيق أغلب دراسات كتابه، ما عدا الدراسة الخاصة بمسرح صنوع!»
٥  أنْهَتْ جريدة «أخبار الأدب» مقالتي عند هذا الموضع، رغم أن المقالة لم تَنْتَهِ، حيث إنها حَذَفَت جزءًا كبيرًا من الأصل المُرسَل لها. ولإفادة القارئ بهذا الجزء المحذوف نُثبِته هنا: «فصنوع الذي قلتَ أنت عنه إنه ألَّف «٣٢» مسرحية، وأن فرقته عرضتْ عشرات العروض الحية أمام الجمهور، طوال موسمين اثنين، لم تستطع الإتيان بما يُثبِت شيئًا واحدًا من هذه المزاعم، إلا من خلال أقوال صنوع الكاذبة. وهنا أقول لك وللجميع: أبعدَ أنْ أغلق صنوع مسرحه وتوقَّف نشاطه المسرحي … ألم يَعِشْ في مصر فرد واحد من أفراد فرقته «المزعومة» كي يحدِّثنا عن نشاط الفرقة وعن نشاط صاحبها؟ أحُكِم عَلَى جميع أعضاء الفرقة بالموت أو بالنفي أو بالبَكَم الكامل كي لا يتحدَّثوا؟! (دعوة لجميع القُرَّاء والباحثين)، نحن يا سادة نتحدث عن فرقة مسرحية كاملة مارستْ نشاطًا فنيًّا كان بمنزلة الاكتشاف الخطير … أهذا الاكتشاف لم يلحظه أحد في مصر … وعَمِيَتْ عنه جميع العيون؟! ألم يوجد فرد واحد من مشاهدي مسرح صنوع طوال عامين ليحكي لنا في مقالةٍ أو في رسالةٍ أو في مذكِّراتٍ ما شاهده؟! أكان مسرح صنوع مسرحًا سِرِّيًّا يعرض مسرحياته تحت الأرض؟! كيف لا توجد مقالة واحدة صريحة معاصرة لفرقة صنوع المسرحية المزعومة التي استمر نشاطها «عامين» متواصلين في القاهرة حتى عام ١٨٧٢؟! وفي الوقت نفسه نجد مقالات كثيرة عن فرقة سليم خليل النقاش التي استمر عملها الفني في الإسكندرية «ثلاثة أشهر» فقط عام ١٨٧٦؟!
وإذا تجنَّبْنا نشاط صنوع المسرحي المزعوم، ألم يَقُلْ صنوع ومَن كتب عنه إنه كان أستاذًا في المهندسخانة، وأستاذًا للشيخين محمد عبده والأفغاني، وإنه كوَّن جمعيتين أدبيتين، وإن مسرحه أغلقه الخديو، وإن جريدته تمَّتْ مصادرتُها، وإنه نُفيَ من مصر إلى فرنسا … أيُعقل أن هذه الأحداث حدثتْ في الخَفَاء دون أن يعلمها أحد؟! ألم تهتمَّ أية صحيفة معاصرة بهذه الأحداث وتأتي لنا بإشارة واحدة عنها؟! … أكان يعقوب صنوع يعيش في كوكب آخَر؟! ورغم هذا الكم الكبير من الأسئلة المحيِّرة، إلا أنني اجتهدتُ في الإجابة عليها في كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، بما أُتيح لي من الدوريات والأقوال والوثائق المعاصرة. هذا بالإضافة إلى تعرُّضي لمعظم الكتابات التي كُتِبت عن صنوع بالنقد والتفنيد، فأثبتُّ أنها دراسات خُدِع أصحابها بما قال به صنوع ودارسوه الأوائل.
وقد قسمتُ أصحاب هذه الدراسات إلى قسمين؛ الأول: دراسات تعرَّضتْ لقضية الريادة وتاريخ مسرح صنوع المزعوم، والآخَر: دراسات تعرَّضتْ لنصوص صنوع دون أن تجتهد، فنقلتْ من السابقين دون أية إضافة. ومن أصحاب هذه الدراسات: فيليب طرازي، د. إبراهيم عبده، د. أنور لوقا، د. محمد يوسف نجم، يعقوب لنداو، عبد المنعم صبحي، فاروق عبد القادر، زكي طليمات، عبد الحميد غنيم، د. علي الراعي، رشدي صالح، د. نجوى عانوس، د. لويس عوض، د. سعيد محمد حسني، د. أحمد شمس الدين الحجاجي، المركز القومي للمسرح، د. مصطفى يوسف. فإذا كان د. محمد يوسف نجم لم يوفَّق في إثبات ريادة صنوع للمسرح المصري في ردِّه المنشور في الأسبوع الماضي، فأتمنَّى أن يُوفَّق غيره، فأنا أبحث عن الحقيقة سواء كانت الريادة المسرحية من حق صنوع أو من حق غيره.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤