الفصل الثاني

اعرفْ نفسك

كم مرة سمعتَ مقولةَ: قبل أن تتمكَّن من فهم الآخرين، عليك أن تفهم نفسك؟ بعبارة أخرى، لكي نعرف بالفعل ما نريده في علاقة ما، علينا أن نعرف أنفسنا أولًا؛ علينا أن نفهم ما هو مميز لدينا، وما يمكن أن نقدِّمه من أجل نيل ودِّ شخصٍ ما؛ وحتى نكون أكثر واقعيةً، ما الذي نقوم به أفضل من الآخرين الذين قد يحاولون نيل ود الشخص نفسه. فيما يتعلق بالمواعدة، لا نخوض على الأرجح في قائمة طويلة نتبيَّن من خلالها نقاطَ قوتنا، وأين تكمن اهتماماتنا، ولماذا سنكون شريكًا جيدًا للشخص الآخر. لكنْ إذا فكَّرْتَ في علاقاتك، فسترى أنه حتى على مستوى اللاوعي، أنت بالتأكيد تفهم كل شيء عن نفسك، وما تريد وما لا تريد أن تفعله، وماذا يمكن أن يعنيه ذلك فيما يتعلق بالرفيق المحتمل. لن تستمتع بالتواجد مع شخصٍ يحمل أهدافًا أو معتقدات أو اهتمامات مختلفة جذريًّا عما تحمله. إننا لا نستبعد فكرة «الأشياء المختلفة تتجاذب»، ولكن حتى هؤلاء الأزواج لديهم ما يجذبهم ويستطيعون مشاركته معًا. الأمر برمته يتعلق بالعثور على شيء مشترك يجذب الشخص إلى الآخر.

وبالنسبة إلى العلامات التجارية والمستهلكين، فإن الأمر لا يختلف. بصفتنا مسوِّقين، فإننا نلعب دور الممثل لعلامة تجارية ما؛ فنحن مَن سيتخذ في نهاية المطاف قراراتٍ حول المظهر الذي تظهر به العلامة التجارية وسلوكها وطبيعتها في السوق، وسنقرِّر في نهاية المطاف نوعَ المستهلكين الذين سنرغب في الدخول في علاقة معهم، وسنتواصل معهم ونرتبط بهم ونؤثر فيهم — كما نأمل — بطريقة تجعلهم يختارون علامتنا التجارية بدلًا من الخيارات الأخرى.

لكي تكون ناجحًا، يجب أن تكون قادرًا على فهم الشيء المميز في علامتك التجارية. وينطبق هذا على نحو خاص عندما تجد نفسك مُوكلًا بمهمة تتعلق بالترويج لعلامة تجارية أو شركة تجارية قائمة بالفعل؛ فإن لم تكن تتعامل مع منتج جديد ذي سجل نظيف، فإنك ترث العلامة التجارية وتاريخها وعلاقاتها القائمة وتفاعلاتها الحالية ضمن الفئة التي تتنافس فيها. فقط عن طريق التفكير المتعمق وكشف الصفات الفريدة الموجودة بين العلامة التجارية والمستهلك، سوف تكون قادرًا على فرض تأثيرك على العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلك. ما الشيء المميز حقًّا في المنتج الذي يحمل العلامة التجارية؟ كيف يختلف عن الخيارات الأخرى؟ واستكمالًا لذلك، أين يوجد المدخل الذي يمكن من خلاله خلق فرصة جديدة؟ فعلى الرغم من كل شيء، إنْ لم تكن تفهم علامتك التجارية تمامًا وبدقة، فكيف يمكنك أن تتوقع أن يفهمها المستهلك؟ بمجرد أن تعرف نفسك، سيسهل كثيرًا معرفة نوعية المستهلك الذي تستهدفه؛ ومن ثَمَّ معرفة المستهلك المنشود الذي سيكون ملائمًا على نحو أفضل لعلامتك التجارية.

الوصول إلى معرفة نفسك (أي معرفة علامتك التجارية) يتطلَّب أن:
  • «تحدِّد كيف ستصبح مختلفًا»: للبقاء في عالمنا المزدحم، يجب أن تميز نفسك عن الخيارات الأخرى التي تسعى أيضًا لجذب انتباه عميلك.

  • «تكتشف هذا الشيء الفريد»: إن تحديد شيء واحد يمكنك امتلاكه — امتلاكه فعليًّا — في قلب وذهن المستهلك، سوف يمكِّنك من التميز وسط الزحام.

  • «تجتهد في البحث»: لا تَقُلْ أبدًا إنك لا يمكنك العثور على شيء فريد تمتلكه. ابحث بجد عن شيء تقدِّمه علامتُك التجارية يكون فريدًا من نوعه وأفضل ممَّا يقدمه الآخرون. ربما تجده في مكان أبعد ما يكون عن توقُّعك.

في هذا الفصل (وعبر صفحات هذا الكتاب)، سوف نُلقِي نظرةً على كل هذه الأفكار، مستعينين بقصصٍ عن العلاقات القوية بين العلامة التجارية والمستهلك لتوضيح هذه النقاط على أرض الواقع. وشأن العديد من القصص الواردة في أجزاء الكتاب، فإن بعض الحالات الواردة سوف تظهر تكرارًا في فصول لاحقة حيث ستوضح نقاطًا مختلفة، في حين ستركز قصص أخرى على درس واحد بعينه؛ وستكوِّن هذه القصص معًا خارطةَ طريق لبناء علاقات قوية ودائمة بين العلامة التجارية والمستهلك، والحفاظ عليها.

دَعْنا نبدأ بقصة قريبة إلى قلبي؛ قصة العلامة التجارية الأولى التي كُلِّفْتُ بتسويقها.

(١) حدِّدْ كيف ستصبح مختلفًا

عندما أشرقَتِ الشمس، مُلقِيةً بضوء شديد السطوع عبر النافذة الكبيرة للمبنى الدائري المقبب، وقد زادت من شدة سطوعه الجدرانُ الرخامية البيضاء اللامعة في المدخل الكبير لشركة كوكاكولا. كنتُ واقفًا في بَهْو المبنى الذي كان يمكن أن تظنه خطأً مبنى الكابيتول أو صرحًا آخَر ذا مكانة مشابهة. عُيِّنتُ في وظيفة مساعد مدير العلامة التجارية؛ كنتُ شابًّا أبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا وقف ينتظر في توتُّرٍ مديرَه الجديد ليصحبه إلى مكتبه في أكبر شركة تسويق في العالم. لم أكن أعرف أنني سأمضي السنوات العشر التالية في طابق إدارة العلامة التجارية، ساعيًا لتطوير العلاقات بين العلامة التجارية ومجموعات المستهلكين المختلفة.

في أواخر عام ١٩٩٤، بعد الحصول على درجة الماجستير في أبحاث التسويق من جامعة جورجيا، حصلتُ على وظيفة جديدة في مجموعة إدارة العلامة التجارية في شركة كوكاكولا؛ كانت كوكاكولا تؤسِّس قسمًا جديدًا يُسمَّى «مجموعة المشروبات غير الغازية». كانت المجموعة في طريقها لأن تصبح مختبرًا للابتكار والمنتجات الجديدة التي تهدف إلى التركيز على الاتجاه المتنامي نحو المنتجات الصحية. كانت كوكاكولا متأخرة في هذا الشأن؛ فالعديد من الفئات التي خططنا للتنافُس فيها كان يهيمن عليه منافسون أقوياء. مع ذلك، إذا كانت الشركة تريد أن تصبح شركة مشروبات شاملة، فإنها بحاجة إلى إنتاج هذه الفئة.

لذلك كانت كوكاكولا تبحث عن مديري علامات تجارية لديهم القدرةُ والمثابَرةُ للعمل على إنجاح علامات تجارية ناشئة لم تكن أمامها فرصةٌ كبيرة للنجاح. كنتُ مساعد مدير العلامة التجارية «باوريد» التي ربما كانت تواجِه الموقفَ الأشد صعوبةً؛ فقد هيمَنَ مشروب «جاتوريد» على فئة المشروبات الرياضية، وكان فعليًّا «هو» الفئة بأكملها. (طُوِّر جاتوريد في جامعة فلوريدا في أواخر ستينيات القرن العشرين، لمساعدة لاعبي فريق جاتور لكرة القدم على تجنُّب الشعور بالجفاف خلال التدريبات والمباريات في المناخ الجاف العالي الرطوبة، في الحرم الجامعي في شمال وسط فلوريدا.) عندما تكون العلامة التجارية مهيمنة وراسخة مثل جاتوريد (كانت حصتها من فئة المشروبات الرياضية ٨٨٪)، وتكون أكبر اثنتي عشرة مرة من علامتك التجارية المنافسة التي تسوِّق لها، يتوجَّب عليك أن تسأل نفسك: «ما نوعية المستهلك الذي نستطيع أن نشجِّعه على مجرد التفكير في الدخول في علاقةٍ معنا؟ وكيف ذلك؟»

في حالة جاتوريد مقابل باوريد، كان هناك فارق ضئيل بين المنتَجَين نفسيهما؛ كان باوريد يشبه جاتوريد في النكهة والتعبئة، بل وفي الاسم أيضًا، كان الفرق الوحيد الملحوظ — وكان فرقًا وظيفيًّا في المنتج وليس ميزة ذات مغزًى في العلامة التجارية — هو أن تركيبة باوريد في ذلك الوقت احتوَتْ على أحد الكربوهيدرات المعقدة، وهو مالتوديكسترين؛ ممَّا مكَّنَ العلامة التجارية من الادِّعاء بأنها تحتوي على كربوهيدرات أكثر بمقدار الثلث من جاتوريد. بالنسبة إلى الرياضيين المطلعين، كانت الكربوهيدرات لديهم تعني الطاقة، ولكن معظم المستهلكين لم يكونوا يربطون بين مقدار الكربوهيدرات الإضافي هذا والطاقة.

لذلك كان هدفنا هو اكتشاف مجموعة مستهلكين قد ترى يومًا ما أن باوريد أكثر جاذبيةً من جاتوريد، على الرغم من أن المنتَجَيْن متشابهان للغاية. في ذلك الوقت (وحتى الآن)، يتمثَّل الجزء الأكبر من مستهلكي المشروبات الرياضية في الذكور الذين تتراوح أعمارُهم بين ثمانية عشر عامًا وتسعة وعشرين عامًا. في الواقع، إذا نظرتَ إلى الذكور في هذا العصر في جميع أنحاء البلاد، فسوف تجد أن كلًّا منهم يشرب في المتوسط مشروبًا رياضيًّا واحدًا في الأسبوع، مع تناوُل الكثيرين منهم له يوميًّا. وفي الغالب، كانوا يشربون جاتوريد منذ فترةٍ تتراوح بين عشرة وعشرين عامًا؛ كانوا يستمتعون به، ولم تكن توجد مشكلة تتعلق به. كيف يمكننا تشجيعهم على التحول إلى علامة تجارية العامل المميز فيها فحسب هو أنها قدَّمَتْ «٣٣٪ كربوهيدرات إضافية»؟

كانت الإجابة المختصرة هي: لا نستطيع ذلك. فلم يكن بمقدورنا إقناع هؤلاء الأشخاص بترك علاقة عاطفية لديهم التزامٌ فعلي تجاهَها؛ فقد كان لديهم ولاءٌ لجاتوريد؛ كان مشروبًا يروق لهم، وكانت محاولةُ تغيير سلوكهم ستكلِّف وقتًا وأموالًا طائلة، وفي النهاية كانت ستبوء بالفشل. فكِّرْ في الأمر بهذه الطريقة: أيهما أسهل؛ محاولة بدء علاقة مع شخصٍ أعزب متاح و«مهتم»، أم بدء علاقة مع شخصٍ لديه ولاءٌ لعلاقة منذ سنوات؟ لذلك اتخذنا قرارًا متعمدًا بالتخلي عن الجزء الأكبر من السوق؛ وهو تجاهُل جميع الأشخاص فوق سن الثامنة عشرة؛ لأنه لا يوجد شخص أكبر من ثمانية عشر عامًا يبحث عن الدخول في علاقةٍ مع مشروب رياضي مختلف. ومع ذلك، بَدَتْ شريحةُ مَن هم دون الثامنة عشرة واعدةً؛ فوفقًا لمعلوماتنا:
  • تناوَلَ تسعة وتسعون بالمائة من المراهقين مشروبات رياضية، مع تناوُل ٥٢ بالمائة منهم هذه المشروبات مرةً أو أكثر في الأسبوع.

  • كانت المشروبات الرياضية هي المشروبات المفضَّلة لدى الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية وأحد عشر عامًا.

  • كل شريحة عمرية تضم خمس سنوات متتالية من المراهقين، تتناول المشروبات الرياضية أكثر من الشريحة العمرية السابقة لها.

وجدنا أن المراهقين لا يتعرفون على المشروبات الرياضية فحسب، ولكن «يتبنونها» أيضًا؛ فقد شاركوا في فعاليات رياضية في سن مبكرة عن أجيال سابقة عليهم، ولأن الألعاب الرياضية يبدو أنها تفتح الباب أمام استهلاك المشروبات الرياضية، فقد كان من المنطقي أن المشروبات الرياضية أصبحت تمثِّل جزءًا أكبر من استهلاك المشروبات لدى المراهقين. (في أبحاثنا، أشار نصف المراهقين إلى أن آخِر مرة تناولوا فيها مشروبًا رياضيًّا كان خلال نشاط رياضي.) وعلاوة على ذلك، لعب المراهقون دورًا كبيرًا في اختيار العلامات التجارية؛ فقد كان للمراهقين تأثيرٌ على نحو ٨٠ بالمائة من قرارات شراء المشروبات الرياضية، مع شراء ٥٨ بالمائة منهم العلامةَ التجارية بأنفسهم. وبالنسبة إلى عمليات الشراء التي كانت الأم لا تزال تلعب دورًا نَشِطًا في اختيارها، كان يُنظَر للمشروبات الرياضية كشراب صحي بديل للمشروبات الغازية والعصائر لانخفاض محتوى السكر بها. كل هذه الحقائق منحَتْنا ثقةً في أنه إذا ركَّزْنا جهودنا على التأثير عاطفيًّا في الجيل التالي من مستهلكي المشروبات الرياضية، فربما ننجح.

أليس هذا هو مفهوم الاستراتيجية؟ إنها تعني اتخاذ قرار مستنير والمضي قُدُمًا في تنفيذه. لقد تحدد خيارنا من خلال فهمنا الشامل لكيفية تفاعل المستهلكين مع هذه الفئة، وعلامتنا التجارية، والمنافسين. لم يكن منتج جاتوريد يملك تاريخَ مشروبٍ رياضي فحسب، بل كان يهيمن أيضًا على هذه الفئة من المنتجات. كنا نعلم أننا لا يمكننا الدخول في منافسة مباشرة مع هذه العلامة التجارية المهيمنة؛ لذلك كان علينا أن نبحث عن ثغرة — أي ثغرة — قد تتيح لنا فرصة للانخراط في علاقة مع جزءٍ من فئةِ مستهلكِي المشروبات الرياضية. وكان فهم علامتنا التجارية وكيفية اختلافها عن العلامات التجارية لمنافسينا، هو الخطوة الأولى نحو الوصول لهذا الهدف في النهاية. بدأ هذا الفهم مع المنتج نفسه.

دون منتج أو خدمة ملموسة، لا يوجد لديك علامة تجارية. والعلامة التجارية تمنح المنتَج العادي حياةً في ذهن المستهلك، ولكن قبل كل ذلك، يجب أن يكون لديك عرضٌ مُقنِع للمنتَج. قال جاي كاواساكي — الذي عمل جنبًا إلى جنب مع ستيف جوبز لسنوات — ذات مرة: «ما فعله ستيف، والذي يفهمه قلة من المسوقين، هو أنه صنع أولًا مُنتَجًا رائعًا. فمن الصعب أن تسوِّق التفاهات؛ فمعظم المسوِّقين يأخذون أي تفاهات تُلقَى إليهم ويضعون عليها لمسات جمالية ظاهرية. كان «سر» ستيف هو السيطرة على المنتج والتسويق، وليس على التسويق فحسب.»1

يجب أن تكون السمات المميزة للمنتجات التي تسوِّقها هي نقطة البداية في أي علاقة ستدخلها العلامةُ التجارية مع المستهلِك؛ هذه هي الجوانب والخصائص المادية الفعلية للمُنتَج. وبلغة البشر، تمثِّل هذه الجوانب والخصائص «مظهرَ» العلامة التجارية، وهي ما يجعلك تنظر إلى شخصٍ ما لتشكِّل وجهةَ نظرٍ عنه. إن الانجذاب إلى سمات المنتَج يشبه إلى حدٍّ ما الانجذابَ إلى السمات الجسدية لشخصٍ ما؛ فعلى الرغم من أن السمات الجسدية الجذابة قد تجعلنا نخطئ في حكمنا على شخصٍ ما، فإنها غالبًا ما تكون الشيء الذي يجعلنا نلتفت إلى هذا الشخص. وبالمثل، فَهْمُ سمات المنتج والعلامة التجارية ذات الصلة والمقنعة يُعَدُّ أيضًا نقطةَ انطلاق.

إذن، ماذا أعني بسمات المنتج؟ «سمة المنتج» هي كل ما يمثل ماديًّا جزءًا من المنتج؛ فالنكهات والتغليف والشعارات والعمليات ومواد التصنيع وطرق التصنيع والمكونات، جميعها تمثِّل سماتٍ للمنتج. سماتُ المنتج تخبرنا بالكثير عن المنتج، ولكن لا تخبرنا شيئًا حول مدى تأثير العلامة التجارية على المستخدم. في مثال باوريد، «٣٣٪ كربوهيدرات أكثر من جاتوريد» تمثل سمة للمنتج، وكانت هي السمة التي اخترنا في البداية استخدامها كأساس لحملتنا الأولى على مستوى الدولة؛ ومع ذلك، لم تنجح ميزة «٣٣٪ كربوهيدرات أكثر من جاتوريد» في نيل ود المستهلكين، إلى أن استطعنا (كما سنرى لاحقًا) ربْطَها بشيء أكبر؛ ميزة تعني شيئًا لهم.

البحث عن سمات مثيرة للمنتج سوف يدفعنا نحو شيء مهم بالنسبة إلى تكوين العلامة التجارية علاقة مع المستهلك؛ وهي المزايا الملموسة. يمكن تعريف «المزايا الملموسة» أو «المزايا الوظيفية» بأنها طرق وفاء العلامة التجارية فعليًّا بحاجة المستخدِم. وعندما نتحدث عن «الحاجات» في سياق المزايا الوظيفية، فإننا نتحدث تحديدًا عن الحاجات المادية مثل التغلب على الشعور بالجوع، وحماية القدمين، وإجراء مكالمة، والانتقال من النقطة «أ» إلى النقطة «ب»، وما إلى ذلك (توجد أنواع أخرى من الحاجات والمزايا المرتبطة بها، وسوف نتحدث عنها أكثر في الفصل التالي). يمكن أحيانًا للعلامة التجارية اكتساب ميزة وظيفية تكون في حد ذاتها مثيرةً للغاية وفريدة من نوعها، لدرجةٍ تكفي لأن تصبح العلامةُ التجارية مميزةً عن غيرها من العلامات التجارية التي تسعى لإقامة علاقةٍ مع المستهلك. ولكن في معظم الأحيان، لا تفيد سمات المنتج المادية والمزايا الملموسة المرتبطة بها إلا في خلْقِ أساسٍ لعلاقةٍ بالمستهلك أكثر اعتمادًا على العاطفة وأكثر تعقيدًا؛ وكان هذا هو الطريق الذي سلكه فريق باوريد. سوف نقضي الكثير من الوقت في مناقشة الخصائص العاطفية للعلاقات بين العلامة التجارية والمستهلك، ولكن في الوقت الراهن، من المهم أن نتذكَّر أن المسوِّقين الماهرين يبدءون بكشف سمات المنتج الخاصة تلك، التي ستؤدي بدورها إلى مزايا وظيفية مُجدِية، وستمنح في النهاية العلامةَ التجارية أفضلَ فرصة لتشكيل علاقة عاطفية جذَّابة مع المستهلك.

•••

عندما نتعامل مع علامة تجارية قائمة بالفعل في فئة راسخة، مثل المشروبات الرياضية، عادةً ما تكون سماتُ المنتج قد تم تطويرها بالفعل، وربما يتعين أن تتماشى مع حاجةٍ استهلاكيةٍ قائمة. أما مع منتج جديد، فإن الحاجة ربما تكون في الواقع هي الدافع وراء سمة المنتج الرئيسية؛ صفة المنتج التي تُعَدُّ أساسَ جاذبيةِ علامته التجارية. وكذلك كان الحال مع سمارت ووتر.

في عام ١٩٩٣، أصاب الذعرُ حيَّ مانهاتن الذي يسكنه رجل الأعمال المغامر داريوس بيكوف بسبب تلوث المياه. لم يظن أي شخص — حتى بيكوف نفسه — أن هذه الأزمة البسيطة ستؤدي إلى نشأة المياه المعبأة الأفضل والأكثر مبيعًا في البلاد. عندما انتشر الذعر، لم يكن بيكوف قد اشترى مياهًا معبأة من قبلُ؛ فعلى الرغم من كل شيء، كانت مياهُ مدينة نيويورك من بين أفضل المياه طعمًا وأنقاها في العالَم، ولكنْ عندما لم يَعُدْ قادرًا على شرب المياه من الصنبور، وجد أرففًا طويلة تحمل زجاجات مياه متشابهة للغاية في قسم المياه المعبَّأة في متجر البقالة الموجود أسفل البناية العالية التي يسكن فيها. عرضَتْ كلُّ علامة تجارية تلو الأخرى صورًا لجداول جبلية أو مناظر فرنسية أو أماكن طبيعية. لم يكن لديه أي فكرة عن كون أي أنواع المياه أفضل من الأنواع الأخرى؛ أو إنْ كان هناك نوعٌ أفضل من كل الأنواع الأخرى.

افتُتن بيكوف بإمكانية المنافسة في هذه الفئة بمنتجه الخاص؛ فتعمَّق في الأبحاث، وانضمَّ إلى جمعيات نقابية، وقرأ المنشورات التي تصدر في هذا المجال. وكشخصٍ يهتم بصحته وبما يدخل جسده، كان بيكوف مهتمًّا بتطوير مياه أفضل من حيث الجودة والجوانب الصحية.2

كان من أول الأشياء التي اكتشفها أن الكثير من المياه المعبَّأة الحالية مصدرُها الجداول والأنهار. كانت الصور جميلةً؛ فعلى الرغم من كل شيء، أليست الجداول الجبلية النظيفة نقيةً وطبيعيةً لأقصى درجة ممكنة؟ ولكنه علِمَ في الواقع أن مياه الينابيع تجمع الملوثاتِ الموجودةَ في جوف الأرض؛ وهي أشياء لا يريد أن يُدخِلها إلى جسده. هل يمكنه تصنيع مياه معبَّأة لا تحتوي على تلك الملوثات؟

راجَعَ بيكوف منهجَ الصف الرابع لدراسة الدورة الهيدرولوجية للماء؛ أي الحركة المستمرة للماء تحت سطح الأرض وفوقه. إنها الطريقة التي «يُصنع» بها الماء في البيئة الطبيعية. كانت فكرة بيكوف تتمثَّل في إعادة تشكيل عملية تقطير البخار — طريقة الطبيعة في تنقية الماء — في بيئة المصنع.

ولكن النقطة المثيرة للاهتمام حول المياه النقية هي أن طعمها ليس جيدًا؛ فهي عديمة النكهة؛ لذلك قرَّر فريقُ التطوير لدى بيكوف إضافةَ مزيج من المعادن، منها البوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم إلى الماء لتكملة طعمه؛ ومن ثَمَّ فإن مياه بيكوف المعبأة ستمتلك سمتَيْن من السمات ذات الصلة — النقاء والمحتوى المعدني — ما أدَّى إلى ميزتين وظيفيتين جيدتين هما الطعم وإرواء العطش. حتى إن ذلك انعكس في اختيار اسم العلامة التجارية «سمارت ووتر» (أي المياه الذكية) التي كانت مستمَدَّة من الدورة الهيدرولوجية للماء. المهم في هذا الأمر أن السمتين والميزتين الوظيفيتين يمكن أن توصلاك إلى أنواع المزايا العاطفية التي سنركِّز عليها على نحوٍ مكثف لاحقًا، والتي تصنع رابطًا قويًّا بين العلامة التجارية والمستهلك: كانت المياه «ذكيةً» في طريقة تصنيعها، وفي الشعور الذي بثَّتْه في المستهلكين عند اختيارهم إياها. في عام ١٩٩٦، وُلِدت العلامة التجارية «سمارت ووتر».

(٢) ابحثْ عن شيء واحد فريد

بطبيعة الحال، إن مجرد تحديد طريقة اختلافك عن الآخرين في حد ذاته لا يضمن النجاح؛ فلكي تكون قادرًا على تلبية حاجة المستهلك الملموسة واكتشاف تلك السمات المثيرة للاهتمام، يجب أن تعمل وفق مبدأ واحدٍ عامٍّ؛ فعدم اتباعه سوف يؤدي إلى الفشل. وهذا المبدأ هو مفهوم بسيط من الناحية النظرية — ومألوف جدًّا — لكن من الصعب للغاية تنفيذه على أرض الواقع، لدرجة أن معظم المسوِّقين يخالفونه. ما أتحدث عنه هو الالتزام والتركيز على «شيء واحد فقط» وامتلاكه؛ فكرة واحدة جوهرية فحسب في ذهن المستهلك. أنت تعرف هذه القاعدة، وربما منذ سنوات، ولكن هل كنتَ تنفِّذها؟ هل كل تواصُل مع المستهلك يعكس هذه الفكرة الواحدة التي تحاول نقلها إليه؟

يصعب غالبًا على المسوِّقين الالتزام بفكرة واحدة لأن لديهم الكثير من الأشياء العظيمة التي يقولونها عن علاماتهم التجارية؛ فهم يعتقدون — وعادةً ما يكون لسبب وجيه — أن علامتهم التجارية تمتلك العديد من المزايا القوية؛ مما يجعل تقييد الرسالة المراد التواصُل بشأنها بفكرة أساسية واحدة يكاد يكون أمرًا مستحيلًا. بالفعل، معظم العلامات التجارية تقترن بالكثير من القِيَم، والكثير من المزايا، لكن هذه الأشياء الرائعة حول علامتك التجارية سوف تظهر بينما تنمو علاقتك الرومانسية مع المستهلك. إن الالتزام بهذا المبدأ له دور كبير في تشكيل سمعتك من البداية؛ فهو السمة التي ستجعل الشخص مهتمًّا بما فيه الكفاية وراغبًا في اكتشاف المزيد، أو بعبارة أخرى راغبًا في «اللقاء». يتعرَّض المستهلكون لأكثر من ثلاثة آلاف رسالة يوميًّا، ولكي تبرز علامتك التجارية وسط هذا الزحام، يجب عليك تحديد هذه الفكرة الفريدة وإيصالها باستمرار. إذن، كيف يمكنك العثور عليها؟

(٢-١) تخلَّ عن كل شيء آخَر

الطريقة الأولى لامتلاك شيء واحد هي «التخلي» عن الأشياء الأخرى. هذا صحيح؛ فحتى نمتلك فكرةً في ذهن المستهلك، علينا التخلي عن «كل شيء» آخَر. لسنوات، كلما طرحتُ على غرفة مليئة بالأشخاص — سواء أكانوا طلابًا أم مديرين تنفيذيين — السؤالَ التالي: «مَن الذي يصنع سيارات آمنة؟» تُذكَر علامة تجارية واحدة (واحدة فقط). تجيب المجموعة في صوت واحد: «فولفو»! في رأيك ما السبب في ذلك؟ السببُ هو أن فولفو دأبَتْ على ذِكْر السلامة على نحوٍ ثابت وجازم في كل تواصُل مع المستهلك. إذا سألتَ مالكي سيارات فولفو، فسوف يقولون لك إن سيارات فولفو تمتلك عديدًا من المزايا الأخرى بخلاف السلامة؛ ربما يحدِّثونك عن تجربة القيادة، أو سهولة التعامل، أو الراحة، أو التصميم. ربما يكون أيٌّ من هذه الأمور سمةً مهمة لفولفو وعلاقتها بالمستهلك، لكن فولفو لا تتحدَّث عن أيٍّ من هذه السمات عندما تقدِّم نفسها؛ فليس أيٌّ من هذه الصفات هو ما بُنِيت عليه سمعة فولفو. فولفو «تعني» السلامة. تلك الرسالة البسيطة ظلت قادرةً على تحقيق التميُّز عن بقية المنافسين وتمثيل فولفو لسنوات.

يمكنك أن تشهد الظاهرة نفسها عبر الفئات المختلفة للمنتجات؛ فالعلامات التجارية القوية تركِّز على رسالة واحدة فقط وتستبعد رسائل أخرى كثيرة تحيد عن سمتها المميزة — بالرغم من أن تلك الرسائل قد تكون مربحةً لها — فنجد شركة هول فودز تتخلى عن العلامات التجارية السائدة، وتتخلى نايكي عن الأحذية الرسمية؛ في الواقع، عندما رأت نايكي فرصةً للمنافَسة في فئة الأحذية الرسمية، اشترَتْ شركةَ كول هان، لكنها لم تغيِّر من خط إنتاج كول هان ليحمل علامة نايكي. لماذا؟ لأن ذلك سيخالِف ما تتمحور حوله علامة نايكي؛ فنايكي علامةٌ للأحذية الرياضية، وليست للأحذية الرسمية.3 لا شك في أن التمسك بمبدأ التخلِّي عن الأشياء الأخرى في سبيل التركيز على شيء واحد فقط؛ يمنع العلامات التجارية القوية من افتتاحِ خطوطِ إنتاجٍ جديدة، ودخولِ مشروعات تجارية جديدة، وتوسيع نطاق رسالة العلامة التجارية بطرق قد تمثِّل مقترحات تجارية جيدة قصيرة المدى. ومع ذلك، إنْ لم تتخلَّ عن هذه الرسائل الفرعية، فإنك تخاطِر بإضفاء نوعٍ من الغموض على الرسالة العامة للعلامة التجارية، والتأثير سلبًا على العلاقة الحالية. العلامات التجارية القوية لا تستسلم للإغراء.

(٢-٢) اكسبْ شيئًا

إن القدرة على أن يُنظَر إليك باعتبارك فائزًا — كعلامة تجارية تفوز بشيء على حساب المنافسين — تُعَدُّ طريقة أخرى لامتلاك شيء واحد؛ فالمستهلكون يتذكرون ويحبون الفائزين؛ فإذا نُظِر إليك كفائز بميزة أو فئة معينة، فسوف تصبح رائدًا في السوقِ وعلامةً تجارية يضعها المستهلك في الاعتبار.

ربما تفكر على النحو التالي: «ماذا لو كانت كل ميزة في فئتي لديها فائزٌ واضح بها؟ توجد علامة تجارية يُنظَر إليها على أنها رائدة في جميع السمات الرئيسية التي تُعرَف بها فئتي.» أطلب منك أن تتأمَّل الأمرَ مرةً أخرى. ادرسْ فئتك باحثًا عن طرق فريدة يمكن بها تعريف هذه الفئة أو إعادة تعريفها؛ على سبيل المثال: لم تكن سمارت ووتر أولَ مياه معبَّأة، ولم تكن أولَ مياه مميزة، ولكن سمارت ووتر «كانت» أول مياه معبأة تُنتَج بطريقة صنع المياه في الطبيعة (من خلال العملية الهيدرولوجية). كان هذا شيئًا يمكن امتلاكه، وحتى إذا حاوَلَ منافس آخَر تصنيع المياه بالطريقة نفسها، فإن سمارت ووتر كانت تتحدَّث عن هذه الطريقة منذ سنوات؛ لذا فهي تمتلكها. إذا بدأَتْ شركة مياه منافِسة أيضًا الحديثَ عن هذه العملية، فماذا عساها أن تقول؟ نحن نستخدم العملية الهيدرولوجية أكثر؟ وهو قول مجرد من المعنى: فسمارت ووتر هي الفائزة بسمة «أول مياه مصنَّعة بالعملية الهيدرولوجية». الأمثلة الأخرى على استراتيجية «الفوز بشيء» تشمل: جراي بوبون، التي لم تكن أول مستردة ولكنها أول مستردة للذوَّاقة؛ وستاربكس، التي لم تكن أول مقهًى، ولكن كانت أول تجربة قهوة تحمل علامة تجارية.

فكِّرْ فيما يمكن أن تفوز به علامتُك التجارية. وإليك تلميحًا: حتى إنْ لم تكن أولَ مَن يقدِّم فعليًّا سمةً أو ميزةً معينة، فانتهِزْها، إنْ لم يكن أحدٌ يتحدَّث عنها! فقد نضجت وحان قطافها. تذكَّرْ، يتعلَّق الأمر برمته بالمنظور الذي يُنظَر به إليك؛ فإذا نُظِر إليك على أنك فائز، فأنت فائز (حتى لو وصل شخصٌ ما هناك قبلك). بالطبع، ربما يوجد سببٌ لعدم اهتمام أحدٍ بهذه السمةِ أو ذاك الشيءِ. تعرَّفْ بعمقٍ على مستهلِك علامتك التجارية وفئتها لتحديدِ إذا كان مقترَحُ «فَوْزِكَ» مثيرًا بما يكفي لاهتمام المستهلِكين على نحوٍ يحفزهم للقائك.

(٢-٣) ابحثْ داخل العلامة التجارية

استطاعت سمارت ووتر أن تحقق هذا النجاح الكبير في السوق بفضل أنها بدأت بالمنتج ذاته؛ فالعمليةُ الهيدرولوجية الطبيعية مع التعزيز بالتحليل الكهربي جنبًا إلى جنب، وضعَا الأساس لعملية تميُّؤ «ذكية». كل علامة تجارية لديها الفرصة لاستخدام شيء من عناصرها الجوهرية: طريقة تصنيعها، أو تاريخها، أو خبرتها، أو مكوناتها، أو العامِلِين فيها، أو عمليات تصنيعها. كل هذه بمثابة عناصر خام يمكن منها تشكيلُ سمعة رائعة؛ فإذا كان هناك عنصر من العناصر الجوهرية للعلامة التجارية يمكن ربطه بحاجة المستهلك، فإنه يمكن أن يصبح سمةً قوية تميِّز هذه العلامة التجارية عن غيرها.

تأمَّلْ مبادرة «صُنِعت منذ» في جعة بَدْوَايْزَر التي لا تزال جزءًا لا يتجزأ من العلامة التجارية اليومَ. نبعت المبادرة من نظام توزيع العلامة التجارية؛ فبسبب شبكة بدوايزر القوية من الموزِّعين، تشقُّ طريقها إلى السوق على نحو فعَّال للغاية. هذا بحد ذاته قد لا يكون مغريًا؛ فمَن يهتم فعليًّا بأن يكون لدى بدوايزر الكثير من الموزِّعين، وأن تصل منتجاتها إلى المتاجر بسرعة؟ مع ذلك، فقد أوضحَتِ الأبحاث التي أُجرِيت حول احتياجات شاربي الجعة أن هذه الشريحة لديها خوف كامن من قِدَم الجعة أو فسادها؛ إذ تكون لدى شاربي الجعة رغبةٌ في أن يعرفوا أن الجعة التي يشربونها «طازجة». يؤدِّي نظامُ توزيع بدوايزر القوي وارتفاعُ طلبِ المستهلكين عليها إلى سرعةِ بيع الجعة في متاجر البيع بالتجزئة؛ فلا تستغرق منتجاتُ هذه العلامة التجارية كثيرًا من الوقت حتى تصل إلى بيوت الناس بعد إنتاجها. إذن أخذَتْ بدوايزر مَوطِنَ قوةٍ داخلي — الإنتاج والتوزيع السريع — ووفَّقَتْه مع رغبةٍ لدى المستهلك — تجنُّب الجعة القديمة — من أجل جذْبِ العملاء إليها، من خلال تقديمها عرْضَ «صُنِعت منذ» الذي ينصُّ بنحوٍ قاطع على أن الجعة لن تفسد إلا بعد مضي ١١٠ أيام، ما يضمن أن جعة بدوايزر لن تفقد طعمها بسبب التخزين؛ وذلك لأنها «تُخمَّر في اثني عشر موقعًا في أنحاء البلاد». فكما يشير موقع بدوايزر الإلكتروني: «سوف تصلك جعتنا الطازجة أينما كنتَ على نحوٍ أسرع.» في الواقع، وسَّعَتْ بدوايزر نطاقَ هذه المبادرة من خلال التكنولوجيا؛ فعن طريق تطبيق «تعقَّبْ جعتك»، يمكن للمستخدمين تتبُّع أصول الجعة التي يحملونها في أيديهم.

(٣) تعمَّقْ في البحث

العثورُ على سمات المنتج والمزايا الوظيفية الفريدة والمميِّزة ربما لا يكون أمرًا سهلًا؛ فعلى الرغم من كل شيء، «صُنِعَت» سمارت ووتر بعملية تصنيع فريدة من نوعها. لا تمتلك معظم العلامات التجارية رفاهيةَ البدء من الصفر. وكمسوِّق، عليك العمل بما يتوافر لديك؛ هذا يمثل تحديًا، ولكنه غير مستحيل، ومع الاجتهاد والمثابرة يمكن أن تكون النتائجُ رائعةً.

على سبيل المثال: ماذا لو كانت العلامةُ التجارية ضمن فئة يتشابه فيها كثيرٌ من سمات المنتج والمزايا الوظيفية بين المنافسين؟ ماذا لو كانت الفئة تضم أكثر من عشرين ألف علامة تجارية على مستوى العالم؟ هذا هو ما واجَهَه الفريق في دوس إكيس عام ٢٠٠٧ بينما كانوا يُجرون تقييمًا لعلامتهم التجارية: شركة مكسيكية صغيرة ومغمورة لصنع الجعة.

كانت دوس إكيس تُصنَّع في الأصل في مصنع كواوتيموك موكتيزوما للجعة، وكان تسويقها وتوزيعها مُرخَّصًا لصالح هاينكن. لم تكن هذه العلامة التجارية أو الهوية معروفة كثيرًا خارج المكسيك، وكانت تُوزَّع في عدد قليل من الولايات الواقعة في جنوب غرب الولايات المتحدة؛ ولكنْ خلال تحليل روتيني للعلامة التجارية عام ٢٠٠٧، بدأ فريق العلامة التجارية دوس إكيس ملاحظةَ شيءٍ مثير للاهتمام؛ فوفقًا لويليم يان فان دير هوفن، مدير العلامة التجارية دوس إكيس في ذلك الوقت: «لاحظنا أن دوس إكيس، كعلامة تجارية مكسيكية، بدأت تشقُّ طريقَها إلى جميع الأماكن في أوستن بولاية تكساس. بدأنا ندرك أن طلاب جامعة تكساس كانوا يكتشفون العلامة التجارية خلال عطلة الربيع في المكسيك، وعندما عادوا إلى تكساس، الولاية التي نمتلك فيها موزِّعًا لنا، ظلوا يشربونها كثيرًا.»4

آمَنَ فان دير هوفن أن دوس إكيس لديها إمكانياتُ بيعٍ غير مستغَلَّة في الولايات المتحدة. كانت هناك جعة مكسيكية أخرى — كورونا — أصبحت لاعبًا رئيسيًّا في فئة الجعة في الولايات المتحدة. هل يوجد مجال لجعة مكسيكية ثانية تُسوَّق على نطاق واسع؟ فعلى الرغم من كل شيء، ذهب طلاب جامعة تكساس إلى المكسيك، ووجدوا هذه العلامة التجارية، وأدركوا أنها متوافرة في ولاية تكساس. كانت فرضية فان دير هوفن — التي أكَّدَتْها مبيعاتُ أوستن — مفادها أن هؤلاء الطلاب أرادوا أن يعودوا بقليلٍ من الثقافة المكسيكية التي شهدوها خلال عطلة الربيع، فوجدوا العلامةَ التجارية متوافرة في تكساس عندما عادوا، فبدءوا اختيارها. تمثِّل عطلة الربيع أحد طقوس الجامعة التي تترك أثرًا لا يُمحَى على العديد من الطلاب؛ فإذا كانت دوس إكيس قد أصبحت جزءًا من تلك التجربة — على الأقل بالنسبة إلى الطلاب الذين يقضون عطلةَ الربيع في المكسيك — فإن العلامة التجارية ستكون بمثابة تذكِرة بعطلة الربيع. هذا بدأ يحدث بالفعل؛ اعتقَدَ فان دير هوفن وفريقه — الذي شمل كيرستن ريفاس وكاتي ميلمو من وكالة هافاس العالمية للدعاية — أنهم ربما يستطيعون التعجيل من تأسيس علاقة بين دوس إكيس وهؤلاء الشباب في العشرينيات من عمرهم.

عزم الفريق على فهم السمعة الحالية لجعة دوس إكيس بين أولئك الذين جرَّبوا العلامة التجارية في المكسيك خلال عطلة الربيع، وأولئك الذين لم يجربوها؛ فأجرَوْا أبحاثًا رسمية وغير رسمية على حد سواء — كانوا يجلسون أحيانًا مع مستهلكين في الحانات — واكتشفوا أن معظم الأشخاص، على الأقل أولئك الذين لم يكتشفوا هذه الجعة في عطلة الربيع، لم يكن لديهم ارتباط كبير بجعة دوس إكيس. ووفقًا لمديرة الحسابات ميلمو، كان تصوُّر هؤلاء عن هذه العلامة التجارية أنها شيء يشبه الجعة التي يحصلون عليها في المطاعم المكسيكية عندما لا تتوافر بتلك المطاعم العلامة التجارية التي يريدونها.5

كانت العلامة التجارية التي يرغبون فيها هي كورونا؛ ففي اعتقادهم، كانت كورونا تمثل بلا شك الجعة المكسيكية، فقد امتلكت الدولة والثقافة؛ بالمعنى الكلاسيكي للتموضع في السوق: «فازت» كورونا بالمكسيك. وكما قالت ميلمو: «كان لكورونا طابع مميز. إنها تعطي المرء شعورًا بالشواطئ، والاسترخاء، والإجازات، والشمس. ولكن فكَّرنا متسائلين، هل يوجد أي شيء آخَر عن المكسيك يمكن أن يُربَط بدوس إكيس على نحوٍ أفضل؟ وكما تبيَّنَ، كان هذا الشيءُ موجودًا.»

في محاولة لفهم الطرق الممكنة لكسب العلامة التجارية مكانًا جيدًا في السوق، تأمَّلَ الفريقُ أولًا وعلى وجه التحديد السماتِ الداخليةَ لدوس إكيس، تلك السمات التي كانت تشكِّل جزءًا من المنتج؛ وقد كان تاريخ العلامة التجارية إحدى هذه السمات. طُوِّرت دوس إكيس في الأصل على يد أحد صانعي الجعة الألمان، الذي انتقَلَ إلى المكسيك وأنشأ مصنعًا للجعة؛ لذلك كانت هذه الجعة في الواقع مصنوعة بوصفة جُلِبت من أوروبا، ووقع الاختيار على المكسيك لتكون موقعًا لها. وصُنِعت لأول مرة في نهاية تسعينيات القرن التاسع عشر، وبدأت أثناء الاحتفال بقدوم القرن العشرين. في الواقع، هذه هي الطريقة التي جاء بها اسم دوس إكيس (كلمة إسبانية تعني الرقم الروماني XX أيْ عشرين). على الرغم من اعتبارها جعة أخف، فإن لها مذاقًا أقوى وأكثر تفرُّدًا عن الجعة الأمريكية العادية الخفيفة مثل «كورس لايت» أو «باد لايت». في الواقع، أصلُها الألماني وانطلاقتُها مع بداية القرن العشرين إضافةً إلى موقعها المكسيكي، كل ذلك جعل منها نوعًا من الجعة الهجينة.
من بين القلائل الذين كانوا يعرفون دوس إكيس (طلاب الجامعة الذين ذهبوا إلى المكسيك لقضاء عطلة الربيع هناك)، رأى العديد منهم أنها مختلفة تمامًا عن كورونا. في تلك المحادثات الأولى، عندما تعرف المستهلكون على معلومات حول العلامة التجارية دوس إكيس، وجد الفريق أن الاسمَ الفريد من نوعه، ووضْعَ علامة XX، واللونَ الذهبي اللامع للاسم، والأصلَ الألماني، والطعمَ المختلف إلى حدٍّ ما؛ كل ذلك خلق جوًّا من الغموض حول العلامة التجارية. افتُتِن الفريق بفكرة «الغموض»؛ إذ كانت مرتبطة بالمكسيك التي لا يربط الكثيرون بينها وبين الجعة مباشَرةً. وتضيف ميلمو: «أجرينا بعض الدراسات لما تعنيه المكسيك؛ ونعم، كانت صورة كورونا المشمسة والمرحة صورةً مؤثرة جدًّا. ولكن كان ثمة شيء آخر عن المكسيك بدأ يأسرنا؛ كان ليلُ المكسيك يكتنفه الغموضُ والغرابة والعزلة، وكانت دوس إكيس ترمز لتلك الحالة المكسيكية بخصوصيتها؛ فهي أكثر من مجرد شواطئ وأكلة البوريتو.»

كانت نقطةَ انطلاق مثيرةً للاهتمام، ولكنَّ التوقُّف هنا لن يتمخَّض عن نوع من الارتباط. فما هي الحاجة الاستهلاكية التي يمكن لسمات المنتج الذي يحمل العلامة التجارية — بما يشمل أصوله الغامضة، وطعمه الفريد من نوعه، وتراثه المكسيكي — أن تلبِّيها؟ كيف يمكن اختزال هذه السمات في فكرة أساسية واحدة؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن أن تؤدي هذه الفكرة الأساسية إلى سببٍ مُغْرٍ للمستهلك يجعله يفضِّل دوس إكيس على ما عداها من آلاف خيارات الجعة الأخرى المتاحة؟ كان الفريق بحاجةٍ إلى مزيدٍ من العمل والجهد؛ فقد كانوا بحاجةٍ إلى فهم المستهلك بعمق أكبر من ذلك بكثير، وكان يتعيَّن عليهم استخدام هذه الرؤى الكاشفة كأساس للبناء عليها، ليس لمجرد البحث عن سبب وظيفي يدفع المستهلك إلى الدخول في علاقة مع العلامة التجارية، ولكن أيضًا من أجل إيجاد علاقة عاطفية تدفع المستهلك إلى السعي الحثيث للحصول على دوس إكيس. وكما سنرى في الفصول اللاحقة، فإن الرؤى الكاشفةَ التي توصلوا إليها في نهاية المطاف، والارتباطَ العاطفي الرائع الذي نتج عنها، أدَّيَا إلى النجاح المبهر الذي حقَّقَتْه هذه الشركة الصغيرة المغمورة في مجال تصنيع الجعة.

(٤) الانتقال إلى العلاقات المدفوعة بالعاطفة

تحدَّثنا في هذا الفصل كثيرًا عن أساسيات تحديد نقاط القوة الكامنة وراء المنتج الذي يحمل علامتك التجارية. فمن الأهمية بمكان أن نفهم سمات المنتج الفريدة من نوعها التي تمتلكها علامتُك التجارية، وكيف يمكنها تلبيةُ واحدٍ من الاحتياجات الاستهلاكية بطريقةٍ تختلف عن طريقة منافِسِيك. هذا هو نصف المعادلة.

النصف الآخَر من تأسيس علاقة بين العلامة التجارية والمستهلك — الارتباط الفعلي بالمستهلكين — يكمن في التعرُّف على المستهلكين حقًّا؛ أيِ التعرُّف على اهتماماتهم وتوجُّهاتهم الذهنية وأفكارهم؛ ما الذي يبحثون عنه حقًّا؟ لماذا يبحثون حتى عن فئة منتجات معينة؟ ما الذي يجدونه جذَّابًا؟ تتطلَّب الأجوبة شيئًا من التعمُّق. إذا ذهبتَ إلى مستهلك عشوائي وسألتَه لماذا يحب علامة تجارية معينة، فستسمع على الأرجح قائمةً من الأسباب الوظيفية: العلامة التجارية «س» طعمها رائع، تبدو جيدة، تحدُّ من جوعي، تشغل البرامج على نحوٍ أسرع، آمِنة، لديها مزيدٌ من المزايا، وما إلى ذلك. وهذه كلها أسباب مادية مقنعة، ولكنها ليست أسبابًا عاطفية. لا تُسِئ الفهمَ؛ الأسبابُ العاطفية موجودة، سواء ذكرها المستهلك أم لا، أو سواء أدركها فعليًّا أم لم يدركها؛ وهي غالبًا ما تكون الأسباب الأقوى تأثيرًا على المستهلك عند اختياره العلامة التجارية. فقط عندما تتعمَّق أكثر تجدها.

نتطلَّع دائمًا كمسوِّقين إلى تمييز منتجاتنا عن المنافسين، وإليك تلميحًا حول السر وراء تمكُّن بعض العلامات التجارية من تكوين علاقةٍ مع المستهلكين: يمكن أَلَّا يكون لدى المستهلكين سوى عددٍ محدود من الاحتياجات الوظيفية، ويمكن ألَّا يكون لدى العلامات التجارية سوى عددٍ محدود من المزايا الوظيفية. وضمن فئة المنتجات الواحدة، توجد بالطبع مجموعة محددة من الاحتياجات الوظيفية التي يمكن تلبيتها؛ وإلا فإن الفئة ستتغيَّر، أليس كذلك؟ ثمة أسباب وظيفية محدودة تجعل الشخص يأكل الحبوب على سبيل المثال؛ إذ يمكنها سد جوعه، وطعمها رائع، وتمنحه بدايةً صحية لليوم، وتمنحه الفيتامينات الضرورية، وما إلى ذلك، ولكن بعد فترة من الوقت، سوف تبدأ الاحتياجاتُ المادية التي يمكن أن تلبِّيها الحبوب في النفاد. إذن، إذا كانت هناك علامات تجارية متعددة ضمن الفئة الواحدة، فسوف يبدأ التداخل في الحدوث بينك وبين منافسيك فيما يتعلَّق بتلبية احتياجات المستهلك المادية. في الواقع، إذا كان جميع المنافسين معنيِّين بتلبية الاحتياجات الوظيفية للمستهلك، فإن الفئة ستتطور سريعًا لتصير منافسة معنِيَّة بالسمات، حيث ستحاول كل علامة تجارية التفوُّقَ على الآخرين من خلال إضافة سمات جديدة. وبمجرد أن يقلِّد منافس الميزةَ، تعود العلامةُ التجارية الأولى إلى مربع البداية، ويجب أن تجد إضافةً أخرى لتمييز نفسها بها. يمكنك أن ترى إلى أين يؤدي هذا في نهاية المطاف (وبالتأكيد سريعًا): إلى مباراة في محاولة التفوق على الآخرين، وإلى استنزاف كبير للموارد.

سوف نناقش في الفصل التالي كيفيةَ تطوير سمات منتجك، وزيادة المزايا الوظيفية المرتبطة به على نحوٍ يُنتِج روابطَ عاطفية أكثر تشابُكًا مع المستهلك. وأقصد بتطوير سمات منتجك هنا أن تقوم بالبناء على الأساس القوي الذي أنشأتَه من خلال منتجك لخلق روابط أكثر حميميةً مع المستهلك؛ هذه الروابط العاطفية مع المستهلك ضروريةٌ في بناء علاقةِ حبٍّ بينك وبينه.

المهم حاليًّا أن نتذكر أن وراء كل حاجة مادية معينة تكمن حاجاتٌ عاطفية أعلى درجةً يجب أيضًا الوفاء بها؛ فعلى الرغم من أن استخدام ميزات العلامة التجارية المادية (أيْ سمات المنتج) كأساسٍ أمرٌ ضروري، فإن هذه المعرفة تصبح غير ذات جدوى دون فهم الرابط العاطفي. والعكس صحيح، فأي محاولة للارتباط العاطفي دون عرْضِ مزايا وظيفية قوية ستفشل. فسماتُ المنتج والمزايا الوظيفية هما مفتاح التواصُل مع المستهلك (تذكر «الشيء الواحد الفريد»)، فهما المحفز للعاطفة. إذا لم تُوضَع الأسس، فإن قاعدة المستهلكين ستفقد الثقة وتبدأ في توجيه الانتقادات، وسوف تُهدَم أي علاقة عاطفية أُقِيمت بينها وبين العلامة التجارية. فلكي تدوم أي علاقة عاطفية — سواء أكانت بين العلامة التجارية والمستهلك أم بين شخصين — عليك أن تبدأ بمعرفة نفسك؛ فبمعرفة نفسك، تكون على استعداد لِلِّقاء والتواصل. وهذا هو ما يدور حوله الفصل التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤