الفصل العاشر

الصيد

في عصر يوم أحد مشمس، كنت أعمل مع كويكيج على ظهر السفينة، نؤدي عملًا سهلًا؛ نخيط حصائر لزوارق صيد الحيتان. كانت مهمة سهلة، وقد استمتعنا بالوقت الذي أمضيناه معًا أثناء ذلك.

فجأة شق صراخٌ تلك اللحظة الهادئة ليقطعها.

صاح صوت: «قفوا، ها هو ينفث الماء.»

فهرعنا جميعًا إلى جانب السفينة لنتأمل موبي ديك، كان حوتًا عملاقًا، أخذ قلبي يخفق بعنف وأنا أشاهده يسبح مارًّا بنا، هالني كيف يتحرك جسم بهذا الحجم بهذه الرشاقة.

انبثق الماء من أنفه، ورأينا حيتانًا أخرى؛ فالحيتان تهاجر أسرابًا، وهذا السرب كان كبيرًا، وقد سبح على مقربة من سفينتنا؛ فهرع كل منا لاتخاذ موقعه على السفينة.

ركب وكلاء الربان الثلاث ستارباك وستابز وفلاسك زوارق الصيد الخشبية الصغيرة الخاصة بهم، بلغ طول هذه الزوارق عشرين قدمًا، وزود كل منها بشراع يتيح له الإسراع عندما يجدف الرجال على متنه لمطاردة الحوت.

قفز الصيادون والجدافون بدورهم إلى الزوارق التي اعتادت أن تحمل من ثمانية إلى عشرة صيادين وستة جدافين، وبعدما سارعوا بركوبها، جرى إنزالها الماء إلى جانب السفينة وركب القبطان آهاب زورقه مع رجاله وسرنا جميعًا في أثر الحيتان.

تناوبت الزوارق الأدوار في الاقتراب من السرب. كان على كل صياد أن يقترب منها إلى مسافة كافية تسمح له برمي رمحه. تصايح الرجال كثيرًا على متن الزوارق، فالتجديف حول تلك الوحوش العملاقة كان صعبًا، وتعين علينا جميعًا أن نتوخى الحذر، فأحيانًا تتقلب الحيتان على جانبيها وهي تغوص تحت الماء ساحبًة معها أحد الزوارق.

عندما تصل الزوارق إلى النقطة المناسبة بين الحيتان، يرفع الجدافون مجاديفهم لتقف منتصبة مواجهة السماء، لتتيح المجال للصيادين، ويتجهزون لإنزال المجاديف والتجديف معًا فور ما تصدر إشارة بذلك.

كنت في زورق ستارباك مع كويكيج أتلذذ بالإثارة التي حملها الموقف، كنا أول من سنحت له فرصة جيدة لإصابة الحوت. ملأتني الحماسة وحبست أنفاسي وصديقي كويكيج يتأهب للتصويب.

صاح ستارباك في كويكيج: «الآن! الآن!»

فوقف كويكيج وحمل رمحه فوق رأسه ورماه بقوة صوب الحوت.

طار الرمح في الهواء بمحاذاة الماء وشعرت أن الزمن قد توقف؛ بدا لي أن الرمح استغرق وقتًا طويلًا ليصل إلى هدفه. وقف كويكيج في ثبات تام متسمرًا في مكانه، مشدود العضلات وذراعه معلقة بالهواء وهو ينتظر أن يرى أين سيهبط رمحه، لكن الرمح أخطأ هدفه وسقط في الماء.

اتصل بنهاية الرمح حبل ليجذبه الصياد إن أخطأ هدفه، وهذا ما فعله كويكيج؛ جذب الرمح واستعد بسرعة للتصويب مرة ثانية.

فوقف من جديد على القارب بثبات مدهش — بالأخذ في الاعتبار قوة الأمواج التي بلغ ارتفاعها ما لا يقل عن عشرة أقدام — واضعًا نصب عينيه مهمته، فحمل رمحه عاليًا فوق رأسه ورماه مجددًا صوب الحوت.

هذه المرة ضرب نصل الرمح المعدني صدر الوحش الهائل لكنه لم ينغرز به؛ إذ أخذ الحوت يتقلب والرمح بالهواء، فانزلق مجاوزًا الحوت وسقط في الماء مجددًا. شعرنا جميعًا بالإحباط لكننا لم نظل كذلك وقتًا طويلًا؛ فسرعان ما واجهتنا مشكلة أكثر خطورة.

بدأ الحوت يضرب الماء حوله بذيله؛ فاصطدمت موجه هائلة بقاربنا الصغير لتطرحنا منه، لكن دون أن تلحق به ضررًا.

سبحنا حول القارب بحثًا عن مجاديف أو أي معدات أخرى طرحها الماء من القارب. كان هذا صعبًا لكننا اضطررنا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. واجهتنا أيضًا مشكلة أخرى؛ إذ ساءت حالة الجو؛ فالمناخ سريع التقلب في عرض البحار، وحجب السماء فجأة ضباب كثيف سرعان ما هبت في إثره عاصفة.

اشتدت قوة الريح، وكان الماء باردًا. حاولنا جذب انتباه القوارب الأخرى، لكن لم يحالفنا الحظ؛ إذ كان من الصعب إبصارنا أو سماعنا وسط هذه العاصفة المتزايدة؛ لذا لم يكن أمامنا سبيل لمعرفة مسافتهم منا، حاولنا أيضًا أن نصعد قاربنا الصغير لكن هذا بدوره كان صعبًا؛ فبدأت أشعر أننا قد لا نملك جميعًا القدرة على الصمود في الماء.

لكن عندئذ لاحت سفينة بيكود في الأفق، وشعرت لوهلة أنها ستدهسنا، لكن الطاقم أبصرنا في الوقت المناسب. التُقطت إشارة من قارب صيد حيتان آخر، وانتشلنا جميعًا لنصعد ظهر السفينة وشاهدت زملائي وهو ينتشلون واحدًا تلو الآخر.

كنت آخر من صعد بيكود. لم أشعر ببرد كهذا قط. ساعدني كويكيج وأعطاني بطانية دافئة.

فسألته: «هل يحدث هذا كثيرًا؟ هل تطرحون كثيرًا في الماء وأنتم تحاولون صيد الحيتان؟» كنت أرتجف بشدة حتى إنني وجدت صعوبة في الكلام.

فأومأ لي برأسه وابتسم قائلًا: «نعم، كثيرًا ما يحدث هذا.»

ثم ربت على ظهري وعاد إلى حياكة الحصيرة وتصرف كأن شيئًا لم يحدث؛ فأدركت أن علي أن أتعلم أن أفعل مثله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤