الفصل العشرون

أراقم الثنية

في الساعة التي كان يجري فيها هذا الاحتفال الجبلي العظيم، كان الحارث يزور أندية قريش في الحجر عند الكعبة ليودِّعهم، ولكنه لم يعدهم يستحقون هذا الإكرام، فاكتفى من الأمر بالمرور محييًا وكأنه لم يحتزم شيئًا، ولا كان قد غاب عنهم. ذلك بأنه لم يسمع في مجلس من مجالسهم إلا لغوًا، وإلا سبًّا وذمًّا لرسول الله المبرأ من كل ذام. علم منهم أنهم يبعثون كل يوم بسفهائهم وصبيتهم وغلمانهم إلى رسول الله وأتباعه يسبونه في وجهه، ويلقون عليه وعلى المسلمين الأحجار والروث، ويوعزون إلى جواريهم أن يتغنين في الطرقات وفي المواخير التي كانوا يغشونها أراجيز مقذعة سافلة في حق أطهر خلق الله وأكرم عبيده عليه١ بل رأى من أقرب الناس إلى رسول الله نفسه من يسبقون سائر قريش في أذاه. ففيما كان الحارث يزور أحد المجالس جاءه أبو لهب مستطبًّا من حشرجة في صدره أثر ما كان يلقي من القول المقذع في ذم ابن أخيه. فقال له الحارث: لو تركت هذا لرد إليك صوتك! قال: لا أتركه ولو أصبحت لا أطيق الكلام بتاتًا. إن من يسب آلهتي ويسفه حلمي وحلم قريش — أسبه هو وإلهه حقًّا. قال: إنما إلهك إلهه، وإنما أنت تتوسل إليه بحجر مما تستبرئ بمثله. قال: قُبّحت. كيف تقول هذا؟ قال: اذهب لا طب لك عندي إلا ما ذكرت، وسمع الحارث من أحدهم أن عتيبة بن أبي لهب، قبل رحيله إلى الشام في تجارة لأبيه، وكان قد صاهر رسول الله في ابنته رقية — رضوان الله عليها — أتى إلى حَمِيهِ في بعش مجالس، وقبض على لحيته، ورد عليه ابنته مطلقًا، وبصق في وجهه ، فدعا عليه النبي بما فعل. فقال: «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك» فأكله الأسد بعد حين في الشام.٢

وسمع أن ولده النضر، وهو ابن خالته يرتاد أندية قريش؛ ليكذبه، ويسفه رأيه، ويغري به، وهو يقول: تعالوا إليّ أنا أحدثكم عن أخبار الفرس والروم، وما يفعلون اليوم، فهذا أمس بكم من حديث محمد عن ذي النون وذي القرنين ممن لا تعرفون. إني أنا العالم البصير، وما هو إلا الأمي الجاهل؛ فحزن الحارث لهذا حزنًا شديدًا، وسار إلى منزله مغضبًا؛ ليؤنب ولده على غروره وقبح حديثه، وسفاهته، وكان الليل قد اشتدت حلكته فما كان يتبين الإنسان فيه إلا الأشباح، وإلا ما تحمل الريح إلى الآذان من لغط اللاغطين. فسمع على مقربةٍ من بيته رنين أعواد وطنين مزاهر ونقر دفوف ثم غناء يعقبه ضحك وسباب، ورأى نورًا ينبعث من كوة بعيدة في بناء الدار، فدخل وقصد إلى الغرفة المضاءة فإذا هو يجد فيها جماعة من أصحاب الحول والسيادة في مكة ممن عرف الحارث عداوتهم للأمين، جالسين مع ولده النضر، وولده ممسك بينهم عودًا يغني عليه، وبين أيدي الجمع أكواب مترعة من الخمر يتناولونها، منهم الوليد بن المغيرة أبو خالد وصاحب الدار التي يسكنها الحارث في هدى، ومنهم الأسود بن عبد المطلب بن هاشم والأسود بن عبد يغوث من خؤولة رسول الله، والعاص بن وائل أبو عمرو، وعقبة بن أبي معيط … وغيرهم من مَدارِه قريش. زعم الحارث أنهم في زيارة له أو لولده، فلما حيّاهم وجلس بينهم انقطعوا عن الدق وسكت النضر عن الغناء؛ إذ كان قد نظم أبياتًا مقذعة في حق أطهر خلق الله نفسًا وأعفهم لسانًا. فقال لهم الحارث: لم سكتم يا صحاب؟ إني عوّاد مثلكم وأحب أن أستمع، قالوا: زعمنا أنك نسيت العود وألحانه. قال: إن العود في الذهن لا في اليد. قالوا: فأسمعنا إذن. قال: ما جئت لهذا، أما أنتم فكنتم في بحاره. فتناول النضر عوده وقال: ولكنها بحار مرة لا تستسيغها يا أبتي. قال: هات. قال: فاسمع. ثم انصرف المشرك يغني أبيات الذم في رسول الله. فأسكته الحارث على الفور، ووضع يدًا على الأوتار وأخرى على فم ابنه، والكل يضحكون، وقال الحارث: على رسلكم يا سادة، أمحمد بن عبد الله عظيم الخطر في مكة حتى لتشغلون أنفسكم بأمره! قال ابن أبي معيط: إنه أفسد علينا هو وصاحبه أولادنا ونساءنا ببدعته. قال متجاهلًا: لم أعرف من أمر ابن عبد الله شيئًا فلقد كنت في أسفاري كما تعلمون، فهل لكم أن تذكروا لي شيئًا مما يقول؟ قال الوليد بن المغيرة وكان أفصحهم مقولًا وأقذعهم سبًّا: هذا المجنون يريدنا على أن نترك آلهتنا ونعبد ما لا نرى ولا نسمع، وجاءنا بأقوال من سجع الكهان يسميها قرآنًا حفّظه لغلمان قريش وسفهائها، فساروا به يسبون الناس، بل يسبون أهله، وإليك بعضه: حفظناه من كثرة ما سمعناه تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ. أيرضيك هذا يا حارث؟ قال: عجبي لكم! وهل يرضيكم أن تذهب إليه امرأة عمه أبي لهب هذا بحجر تريد أن تشج به رأسه؛ لأنه يقول: الله ربي؟ ويسير زوجها في الطرقات يسبّ عرض ابن أخيه من أجل ما يقول؟ ويغري به الأطفال والإماء والغلمان يرمون عليه الحصى والرماد والفرث؟ ويتبع خطواته في كل مكان حتى إذا وجده يدعو بكلمة ربه سفهّه وكذّبه، وصرف الناس عنه؟ وأن يذهب أولاده إليه فيطلقوا له بناته إزراءً به وإخناءً عليه؟ ويشتموه ويسبوه بأعلى الأصوات؟ ويؤذوه؟ دعونا من هذا السباب، واذكروا لنا شيئًا من دينه. قال العاص بن وائل وكان حكمًا في مكة: إنه يريد أن يكون خليفة زيد بن عمرة بن نفيل فيما يدعي من العلم بدين إبراهيم، فهو يقول: إن الله أمره أن يتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين. قال: وهذا ما تعيبونه عليه؟ قال: أجل، هذه صبأة يا حارث، كيف يعيب ديننا حسنًا كان أو قبيحًا. نحن على هذا منذ ألوف من السنين، ولنا بدين اللات والعزى ومناة أكرم منزلة في العرب، وما مكة وقريش إلا أثر من فضل هذه الآلهة علينا. ألا ترى الأعراب ينسلون إلينا من كل حدب ابتغاء الحج فلا نأذن لهم أن يطوفوا بالبيت إلا في ملابس من تجارتنا، وألا يأكلوا إلا من طعام مما نبيعه، ولا يشربوا إلا مما نجيء لهم به من الماء، ثم هم يشترون مما نتاجر فيه؟ قال الحارث: أنتم إذن تتجرون بالدين، وتحاربون محمدًا وتسفهون رأيه؛ لأنه إذا ظهر عليكم دينه اختفى ربحكم وما تكسبون! تعيشون على جهالة الناس وتجهيلهم! دعونا من هذا وخبرونا ماذا جاء لكم به من الدين؟ قال عقبة بن أبي معيط، وكان قد ألقى على الرسول في أمسه فرث بعير أهلّ لنائلة: عجبي لهذا الأمي كيف يدعي النبوة، ولم يقدر أن يدعيها زيد بن نفيل نفسه. إنه يقول إن وحيًا يجيئه من عند الله يحادثه ويكلمه، ويلقي عليه كلمات من عند ربه، وقال له ورقة بن نوفل الصابئ: «إن هذا هو الناموس الذي نزل على موسى وعيسى» وأخذته امرأته خديجة إلى عدّاس الراهب على أثر هذه الدعوى فقال لها: هذا هو النبي المذكور في التوراة والإنجيل. هذا نبي آخر الزمان. ففتن الرجل بما سمع وجنّ، وأخذ يهذي بكلمات يسميها قرآنًا. قال الحارث: ألا تذكرون لي شيئًا مما يهذي به في قرآنه! قال عقبة: لا أعرف … الهذيان هذيان. من يستطيع أن يحفظ هذيانًا! أتستطيع أنت؟ قال عتبة بن ربيعة: أنا أحفظ بعضه. سمعته يصلي ذات يوم وهو يقول: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ قال الحارث: وتسمون هذا هذيانًا! فما الرشد إذن يا مَدارِه العرب! هل تحفظون شيئًا غير هذا؟ خبرني أنت يا نضر. أنا أعلم أنك تتعقبه وتحول بينه وبين دعوة الناس إلى دينه، قال: لا تقل دينه بل قل سحره. إني أعتقد أنه يعرف شيئًا من السحر. قال فما سمعت من سحره؟ قال سمعته يصلي في بعض الشعاب ويقول كلامًا من سجع الكهان لا بأس به، ولا أدري من حفَّظه إياه، ولكنه الصبأة كلها عن ديننا. سمعته يتلو: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ثم يؤمن.

قال الحارث: يا أولادي. لا أقول لكم اتبعوا محمدًا، إن الهدى من الله، ولا تدخل في شئونكم، ولكني أرجو ألا يكون الرجل منكم مكابرًا. فإن المكابرة لا تدحض رأيًا، وإنما هي أعود على صاحبها بالذلة، وأشد في إظهار الحجة، وخير للرجل إذا لم يكن يهمّه وجه الصواب من الأمر أن يسكت وينزوي، لا أن ينهض ويجأر بتكذيبه، فإنه إن يجأر أعلن صدق خصمه متطوعًا، كالذي يرى نورًا ثم ينهض ويستشهد بالناس على أنه لا نور. لن يلقى منهم إلا تكذيبًا لقوله، وتعجبًا له، وربما اتهموه في أنفسهم بالجنون هذا إذا كانت له كرامة عندهم؛ فإن لم تكن له كرامة، فسيكذبونه في وجهه وينضمون إلى خصمه. من أجل هذا أرى من الحكمة ألا تضارّوا الرجل ولا تؤذوه ولا تعيبوه، فإن الأذى والعيب أعود عليكم، ولقد رأيت من طبيعة محمد ما يجعل هذا الأذى وهذا العيب أفعل في جمع القلوب حوله؛ إنه لا يرد سفاهة سفيه، ولا يستعدي عليه بل يدعو له الله أن يبصره ويهديه. فما أن يسمع بذلك سامع حتى يحب الرجل ويكره شانئه، ويؤمن به ويخلع أعاديه، ولكم في قصة فتنة مثلٌ قريب. لقد سمعتموها في دار ابن جدعان.

قال النضر: إننا إن سكتنا عنه أصبح سيدنا وسيد العرب، ولم يصبح لنا في الدنيا شأن، وقال ابن أبي معيط: ومن هو في الناس؟ أليس هو اليتيم الذي عاش عالة على أهله، ولم يكن يمتلك شيئًا حتى ملكته بنت خويلد بعيرين حين استأجرته كما تستاجر الغلمان، وقال العاص بن وائل: أتريد يا حارث أن يتملك الحكم في مكة وبلاد العربية رجل كهذا؟ قال: ما طلب الرجل هذا. على أنه إن فعل فمن بر الله أن يكون في يده هدايتكم. أليس محمد حفيد عبد المطلب بن هاشم الذي حمى الكعبة برأيه وكان سيد قريش. قال عقبة: وأين هذا من ذاك؟ قال: إنما أنتم في هذا مكابرون. أنتم ترون المجد في المكاثرة بالأموال وهذا غاية الضلال. لعمري إن في صنعاء زعانف أغنى منكم أجمعين. إني راحل في الغد إلى صنعاء، فقد سئمت المقام في جواركم، ولكني أريد أن أسألكم قبل الرحيل سؤالًا، فإما رشدتم، وإما فإثمكم على أنفسكم. قالوا: سل ما تريد. قال ألستم يا قريش أبناء إبراهيم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم لهذا أحق الناس باتباع ملة إبراهيم وإعلاء شأنها؟ قالوا: بلى، ولكن من يأتينا بملة إبراهيم؟ قال هي معكم ولكنكم تنكرون، وقد علمت أن محمدًا لم يأتكم حتى اليوم بجديد. قالوا: فما خطبنا إذن؟ قال الحارث: كنتم عليها، ولكنكم صبأتم في الزمان مرة. ملتم عن طريقها خطوة واحدة، وسرتم فيما ملتم؛ فانفرج الطريقان أحدهما عن الآخر، فإذا نهاية هذا شرقًا، وإذا نهاية ذاك غربًا. ذلك يوم أتى لكم عمرو بن لحي٣ بصنمٍ من الشام يستسقي به. يومئذٍ صبأتم عن ملة أبيكم الذي كسر الأصنام وألقي بها في النار، وإذا كان محمد بن عبد الله يريد أن يردكم إلى الصراط المستقيم الذي شرد عنه ابن لحي وشرد الناس معه؛ لتعبدوا الله موحدين، منزهين له عن الشرك، الواحد الأحد الذي كنتم تعبدون. فأي جرمٍ لمحمد عندكم يستوجب أن تظهروا صغاركم للناس في معاداته؟ إن كان محمد يدعوكم أن تكونوا حنفاء، وأن تزيلوا هذه الأحجار الصماء التي أثقلتم بها كاهل البيت؛ بيت أبيكم إبراهيم، فقد والله صدق، وأنا به أول المؤمنين. أين هو يا نضر؟ إني أريد أن أعلن إيماني به قبل رحلتي إلى اليمن. أين هو؟ قال النضر: لماذا تسألني يا أبي؟ إني لا أعرف. أأنا من غلمانه؟ قال: لا، ولكني أعلم أنكم وضعتم عليه العيون والأرصاد، وشددتم عليه المراقبة هذه الأيام. قال: تريد أن تلقاه؟ قال: نعم. قال: أدركني إنه في أسفل ثنية الحجون، ثم نهض مغضبًا حانقًا وهو يقول: أما وحق إبراهيم، لأخلين الأرض منه الساعة. لقد كنا نأتمر به قبل أن تدخل علينا بحكمة لحيتك الشمطاء، وكنت مترددًا في أن أكون أنا أول ضارب؛ لأنه ابن خالتي. أما الآن فلا. سآتيك برأسه قبل أن ينفض هذا المجلس …
ثم مرق الأحمق من البيت كالسهم قاصدًا ثنية الحجون.٤
figure

لم يضطرب مجلس المشركين لهذا إلا بقدر ما رأوا من جزع الحارث، وقيامه ليدرك ولده، ويرده عن هذا المنكر، لولا أن النضر كان قد فرّ كالأفعوان، وأخفاه الظلام في الطرقات، ولكن الحارث لم تفتر همته، بل قصد إلى ثنية الحجون يجري في حلكة الليل متعثرًا، يهديه سابق علمه بمكان الثنية عسى أن يلقى ولده هناك فيصرفه، أو يلقى رسول الله فيحميه، ويحول دون جريمة لا يعرف عاقبتها في قريش إلا علام الغيوب، ولكنه ما كاد يصل إلي الثنية حتى وجد ابنه عائدًا يجري خائفًا وهو يلهث؛ وإذ وقعت عينه على أبيه ألقى بنفسه عليه فزعًا، وهو يقول من فرط ذعره: امسح بيدك على صدري يا أبي، إن بي ذعرًا شديدًا. قال الحارث وقد أخذه إلى صدره: إن كنت قتلت ابن خالتك فوالله لأسلمنك بيدي إلى أخوالك الآن في بني زهرة؛ ليمثلوا بك، قال: لم أقتله. لم أستطع يا أبتي. قال: أرني سيفك. فأعطاه إياه، فجرده الحارث من غمده، وتحسسه ليرى هل به من دماء؟ فلما وجده جافًّا أملس. قال: نبئني ماذا جرى؟ قال: دخلت الثنية، وسمعته يصلي ويتلو من قرآنه، وهو مختف في شقٍ من الجبل، فقصدت إلى الشق ورأيته ساجدًا، فما جردت سيفي ورفعته لأهوي على رقبته حتى رأيت على جانبي الشق أساود وأراقم ذات أذناب عقداء تضربني على وجهي وعنقي وعاتقي ضربًا أشد وقعًا من السياط على الأذن، ومع ذلك أقدمت فرأيت حياله شيطانًا فاغرًا فاه ليلتهمني، ولولا أن تراجعت لكان في الثنية حيني. أرأيت يا أبتي قدر سحره؟ حقًّا إنه لساحر. قال الرجل: خل عنك هذا الهذر يا بني واتعظ، واتق الله في نفسك وفي محمد، وإذا لم ترد أن تؤمن بدعوته وهي حق كما أرى، ويكون لك ثواب مؤازرته — فدع الرجل يبلغ رسالته، ويهد العالمين. فوحق الله إنه لنبيه الذي ورد ذكره في التوراة والإنجيل. تعال. تعال. ارفق بابن خالتك وبنفسك، ولا تحسده على أن آثره الله بالرسالة. قال النضر: هذا الأمي يكون رسولًا لله. لن أدعه وحقك حتى يدع باطله وكهانته وسحره. قال الحارث: إذن فوحق الله لا تبيتن بمكة بعد ليلتك ولا أبيت. إذا جاء الغد ففي العير إلى نجران.

عادا إلى الدار، ولم يكن النضر ليملك بعد هذا القسم من أبيه أن يخالفه وإلا لعنه عند البيت، وفضحه في قريش، ولذلك عادا إلى الدار صامتين لا يتكلمان، ولما جاء الغد كانا في عيرهما إلى أسفل هدى فالتقيا بهرميون ولمياء وورقة، وسارا في عير التجر إلى اليمن.

١  كتب السيرة.
٢  كتب السيرة.
٣  الأصنام للكلبي وغيره.
٤  كتب السيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤