ختام

دول الشرق الأوسط كنتيجة لصراع قرن من الزمن
تلخص الخريطة ٤١ نتائج قرن من التاريخ السياسي وجيوبوليتيكية القوى المتصارعة على الشرق الأوسط، فقد استقلت دول الشرق الأوسط داخل إطارات سياسية كان الاستعمار قد حددها لأسباب لم تعد قائمة، وترتب على ذلك أن الحدود الراهنة قد خلقت مناطق نزاع كامنة أو قائمة بين دول المنطقة، وهذه المشكلات ومناطق النزاع هي (تُقرأ الأرقام مع الخريطة ٤١):
  • (١)

    لواء الإسكندرونة بين سوريا وتركيا: مشكلة كامنة.

  • (٢)

    الصراع التركي اليوناني حول قبرص: مشكلة قائمة تستخدم الجاليتين التركية واليونانية كوسيلة لتصعيد الخلافات بينهما، هذا بالرغم من أن قبرص دولة مستقلة، وأن اليونان وتركيا زميلتان في حلف الأطلنطي، ولهذا فإن في قبرص قوات دولية لتهدئة النزاع حينما يظهر على السطح.

  • (٣)

    مشكلة فلسطين بأسرها، وهذه مشكلة قائمة، وأكثر مشكلات الشرق الأوسط خطورة، وقد أدت إلى أربع حروب بين إسرائيل والدول العربية، ولا تزال مشكلة مستعصية على الحل، وأبعاد المشكلة الفلسطينية أكثر وأخطر من الامتداد المكاني لفلسطين، فلإسرائيل أطماع أرضية واستراتيجية في مصر والأردن وسوريا ولبنان، ومن ثم تدخل هذه الدول صراعًا مستمرًّا أو مباشرًا، والفلسطينيون مشتتون خارج فلسطين مما يؤدي إلى إثارة القضية في العالم العربي بأسره، والقضية في مجموعها عربية بغض النظر عن الحدود السياسية للدول العربية، وهي أيضًا قضية صهيونية عالمية الصبغة بحيث تدفع دولًا غربية كثيرة إلى مجال الصراع. وقضية القدس هي الأخرى واحدة من الدوافع التي تجعل المشكلة الفلسطينية مشكلة على مستوى ديني إسلامي ومسيحي خارج حدود فلسطين، وفي المجموع فإن القضية الفلسطينية شديدة التشعب والتعقيد، وذلك نابع من أنها محاولة لزرع جسم سياسي غريب عنصري المذهب عدواني الطابع والمميزات، يرفضه بناء الشرق الأوسط السياسي والحضاري والاقتصادي.

  • (٤)

    مشكلة الأكراد في العراق هي أكبر مشاكل الأكراد إثارة؛ إذ لا تظهر المشكلة في إيران وتركيا (هي في الواقع مشاكل كامنة يمكن أن تُحرَّك من الخارج أو من الداخل)، وتتراوح مشكلة الأكراد في العراق بين التهدئة والإثارة حسب طبيعة علاقات متشابكة في التركيب السياسي الداخلي للعراق مع الدول المجاورة.

fig40
خريطة (٤١): الصورة المعاصرة للشرق الأوسط. مناطق النزاع الكامنة والقائمة. [يُقرأ تفسير الأرقام في القسم الثاني الختام.]

(٥) إقليم خوزستان أو عربستان: مشكلة كامنة وتهدد بالإثارة في مواقف معينة بين العراق الذي يريد أن يوسع واجهته البحرية، وبين إيران التي تحتفظ بالإقليم لأسباب اقتصادية حيوية (البترول)، وذلك برغم أن الإقليم — كما قلنا من قبل — عربي حضاريًّا، ومتكامل طبيعيًّا مع سهول العراق الجنوبية.

(٦) مشكلة محدودة بين العراق والكويت: مشكلة حديثة ولم تعد قائمة.

(٧)، (٨) المناطق المحايدة بين السعودية من ناحية والعراق والكويت من ناحية أخرى، لا تشكل مثارًا للنزاعات، ويمكن التوفيق بين مصالح الدولتين السعودية والعراقية في حالة ظهور البترول أو غيره من مصادر الثروة، على نحو ما حدث في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية. الأصل في إنشاء هذه المناطق المحايدة تسهيل حركة الرعاة التقليدية دون تعقيدات سياسية.

(٩) جزر الطنب وأبو موسى العربية التي احتلتها إيران، وترتبط أهميتها باستراتيجية إيران في التحكم المطلق في مضيق هرمز، بالإضافة إلى احتمالات الكشف البترولي حول هذه الجزر، كما هو الحال في كثير من مناطق الخليج.

(١٠) منطقة البوريمي كمشكلة كامنة الآن بين السعودية وعُمان والإمارات المتحدة.

(١١) منطقة بيحان وحدود السعودية مع اليمن الجنوبية.

(١٢) الحدود الإدارية بين مصر والسودان: مشكلة كامنة لا تثور إلا في أوقات الاختلاف بين الدولتين.

(١٣) إقليم العيسي والأفار (الصومال الفرنسي) يمثل آخر مستعمرة في الشرق الأوسط، وهي الآن مشكلة كامنة، وأهميتها الاستراتيجية واضحة على مدخل البحر الأحمر.

(١٤) إقليم أذربيجان الإيراني: كانت فيه دوافع انفصالية عن إيران، بحكم العلاقات الدولية العالمية وتأثيرها على الشرق الأوسط. مشكلة كامنة في الوقت الحاضر.

(١٥) نزاع حديث بين تركيا واليونان على تحديد المياه الإقليمية بسبب التنقيب عن البترول في المياه الإقليمية، ومثار النزاع يرجع إلى التداخل الكبير بين الساحل التركي والجزر اليونانية المواجهة للساحل، والقريبة منه، ويؤدي ذلك إلى صعوبة الاتفاق على تحديد المياه الإقليمية لكلٍّ من الدولتين في مسافات بحرية ضيقة، ولعل اتفاقًا بالمناصفة — في حالة وجود البترول — يحل هذا النزاع.

وبعدُ

فإنه برغم أن الحدود السياسية الحالية عرض حديث إلا أنها أصبحت حقيقية مسلَّمًا بها، ومع ذلك يمكن التجاوز عن آثار هذه الحدود بتكريس ائتلاف أرضي أكبر من الأمر الواقع، خاصة وأن التعامل والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية في الشرق الأوسط القلب حقيقة أكبر بكثير من حقيقة الحدود العارضة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤