المشهد الثالث

(قصر السلطان وهو مجتمع بالأمراء والحاشية.)

السلطان :
وهكذا ترَون أننا جميعًا قد نُواجه الهلاك،
وقد قضَت مشيئة الرحمن أن نكون كلُّنا هنا،
وأن تكون أيدينا معًا،
فإن ما يهدد الديار من مطامع التتارِ
ليس مقصورًا على فردٍ بعينه،
وربما علِمتُمُ بأمْر ذلك الجاسوسْ.
عز الدين : علِمْناه فور وصوله.
سيف الدين : علِمْناه قبل وصوله.
علم الدين : ومولايَ سوف يعالج أمرهْ.
السلطان : سألقاه حالًا وأسبر غَورهْ.
عز الدين :
لكنَّا لم نعرفْ إن كان رسولًا يبغي السِّلمْ،
أو كان زعيمًا يتحفز للحربْ،
أو كان بحقٍّ جاسوسًا يتشمَّم بعض الأخبارْ.
السلطان :
هذا ما سوف أكاشفكم بهْ
بعد لقاءٍ آن أوانه،
أما الآن فأرجو ألا يتخلف أيُّ أمير
عن موعده في الغدْ،
فأنا أعددتُ العدة وبثثتُ عيوني في كل مكان
حتى لا يعرف أحدٌ مَقصِدنا،
أرجوكم … أيًّا كان الجاسوس
فأنا أعددتُ له فخًّا
سيساعدنا في تحقيق النصرْ.

(يغمز السلطان إلى علم الدين ثم يخرج مع حاشيته الخاصة.)

عز الدين : قدرٌ لا مهرب منه.
سيف الدين (ساخرًا) :
حقًّا؟
قد كُتِب علينا أن نسمع ونطيعْ؟
علم الدين :
لا تقولوا مثل هذا،
نحن في موقع حربٍ
وخلافات الأشقَّاء تُؤجَّلْ.
سيف الدين : أخلافات الأشقَّاء تقولْ؟
عز الدين :
هل قضى ربُّك أن نتَّبعَهْ؟
فيكون السيِّد الأوحد دومًا ونكون الحاشيةْ؟
علم الدين :
لم يقلْ ذاك أحدْ
لكنِ الحال عصيبة
وظروف الحرب تقضي بالتحمُّلْ.
سيف الدين :
أفأمضي خلفه كالتابع المنقاد لا أدري إلى أيِّ بلدْ؟
وبقلبي من ضِرام الحرب جمرٌ متَّقدْ،
وبرأسي خبرة الزمن الذي يحيا بأحلام الأبدْ؟
إن لي من صافن الخيل رباطًا ليس يحصيه العددْ،
وأمامي وورائي من جنود الله حشدٌ مستبدْ،
إن لي فضل الزعامة تشهدان بها … أجيبا.
علم الدين :
نحن لا ننكر فضلك،
لكنِ الحال كما قلتُ لكم،
وزمام الملك يحتاج إليه.
سيف الدين :
عندما عُدنا غداة الروع نجتاز الفلاة،
وهبطنا بطن وادٍ ليس يبدو منتهاهْ،
هبَّت الريح سَمومًا عاصفة
تملأ الوادي فحيحًا ونباحًا وعواءً،
وغدَا العِثْيَر في الجوِّ سحاباتٍ سوادٍ
تحجب الشمس كأن الكون تاهْ،
زاغت الأبصار وابيضَّت من الخوف الشفاهْ
وبدا الركب شعابًا يذرع المَهمَه في كل اتجاهْ
كلهم ينشد ما يعصمه
كلهم يرجو سبيلًا للنجاة،
وانثنى ذاك المنزَّه يستجير ويستغيثْ:
«أين سيف الدين؟» صاح:
«أين ذاك القائد المغوار أين مضى الكُماة؟»
لم أزلْ أذكر صوتهْ
ضارعًا بل ذاهلًا بل غافلًا عمَّا عَداهْ،
وأنا فوق جوادٍ قد تبهنسْ
يألف الظلمة بالأهوال يأنسْ،
سلْ عيون المُهر كيف وجدتِ صاحبَنا المؤلَّهْ
سلْ ذراعي كيف شدَّته وألقَته على سرجي ذليلًا يتأوَّهْ:
«جئتَ سيف الدين؟» صاح:
«عسكري يا سيف طارت في الرياح
آهِ يا سيفُ رعاك الله للإسلام … ذُخرًا» … وبكى
ذلك الحاكم رب السيفِ
فاض الدمع من عينيه كالطفل الصغيرْ،
لم أُغافل صاحب العين الهَتونْ،
بل نفختُ البوقَ واجتزتُ الكتائبْ
حاملًا إياه خلفي بينما صاح النفيرْ
اتبعوا سيفًا إلى حيث يسيرْ،
ونجَوْنا.
علم الدين : قد علِمْنا نُبلك المشهود يا سيفُ غداة الروع.
عز الدين : وعلِمْنا كم بكى القائد رُعبًا.
علم الدين :
وعرَفْنا كيف أخفيتَ عن الركب دموعهْ،
لكنِ الأعداء لا بد لهم من موقعة،
وسيوف اليوم يا سيف تريد القائد الماكرْ.
عز الدين (ساخرًا) : ذارف الدمع الغزير؟
علم الدين : صاحب الفكر العميق الداهية.
سيف الدين :
وهل سينتضي الأفكار حتى يهزم التتار؟
يا صاحبيَّ نحن قوم بأسٍ تارِزٍ شديدْ،
والسيف عندنا هو العقل المرجَّح والمرجَّى.
علم الدين :
بل إن سيفنا لا بد أن يكون المكر والدهاءْ،
ومناط عِلمي أنه سيخادع التتار اليوم أو غدًا،
أما شِراكه فالوعد بالسلامْ.
عز الدين :
تقصد أنْ يقبل شرط الهدنة؟
يتزوج بنت التتري الكافرْ؟
علم الدين :
يا عز الدين تمهَّل … واسمعني يا سيف الدين
هذا الجاسوس هو القائد صِمْغار!
سيف الدين : صِمْغار؟ … محالٌ يا علم الدين!
علم الدين : بل صِمْغارٌ ولدَينا البرهانْ.
عز الدين : ماذا يفعل في قصر السلطانْ؟
علم الدين :
هذا ما سوف نرى،
والواقع أني أرجو أن تتمهَّل يا سيف الدين
حتى يكشف مولانا السلطان
عن سر الجاسوس التتري.
سيف الدين :
كلا يا أصحاب،
قد بيَّتُّ العزم ولا أحنث في قسَمي
لن أتراجع في مطلبيَ العادلْ،
إني أشجع مَن قاد جيوش الله إلى النصرْ
وبذلك أصبح أصلَحَ من يحكم مصرْ!
عز الدين :
وأنا لن أنقاد إلى السلطان البكَّاءْ
وسأُخلف موعدنا في الغدْ.
علم الدين :
أرجوكما تمهَّلا
لربما لم يُرضِنا هذا
لربما لا بد من مُقاتلٍ صنديدْ
ليثٍ كسَيف الدين يرهب الزمانْ،
لكن أحوال التتار تقتضي الدهاءْ
وليس مثلَ هذا الحاكم الفذ الذكي قائدٌ
يصد صولة التتارْ.
عز الدين : أستودعك الله.

(يخرج مع الحاشية.)

سيف الدين : أنا أقدَر من يحكم … وستسمع حُكمي بعد قليلْ.

(يخرج مع الحاشية.)

علم الدين (وحده) :
زمن الفُرقة والأحقادْ،
التتر على أبواب بلاد الله ونحن شتاتٌ نتناحرْ!
هذا السلطان ولا شك ضعيفْ
(يضحك ويضرب كفًّا بكف.)
لكن لم أشهد من هو أمكر منه،
وهو يخاف على دين الإسلامْ
(يهمس.)
ويخاف على عرشهْ
إن عاضَدْناه قهرْنا التتر وفُزْنا (يتردد)
فزنا؟ سأظل أميرًا يحلم بالمُلك
ويظل كبيرًا … بل قد تعلو هامته وتَسْمو،
وإذَن لن يجرؤ أحدٌ حينئذٍ أن يفتح فاهْ،
سيسانده كل مماليك الدولة والناسْ،
سيكون الظافر ذا القدْر الأسمى
حافظَ دين الله وحامي أرض الله،
كلا! هذا أمر يحتاج إلى التدبيرْ،
آهٍ يا علم الدين! ماذا تفعل بعد أنِ استحلفك السلطانْ؟
أتخون القسَم وتنكث بالعهد؟
تنكص في يوم الحرب على عقبَيكْ؟
أم تسمح لمُناوئ هذا السلطان
سيفِ الدين القشقار
أو للباغي عز الدين الكرجي
أن يسلبك المجد؟
اضرِب ضربتك الآن إذا كنتَ خليقًا بالمجدْ.

(تدخل غازية متخفية ثم تلقي الخمار وهي تقف خلفه، حين يراها يصعق.)

غازية : هل تذكرني يا علم الدين؟
علم الدين (مذعورًا دَهِشًا) : أهلًا بابنة عمِّي … كيف أتيتِ؟
غازية :
تدهش كيف تركتُ السجن؟
(تضحك.)
ابنة عمِّك واسعة الحيلة.
علم الدين (مرتبكًا) : لم أعلم أنك في السجن.
غازية :
شغلَتك الحرب … نسِيتْ؟
حتى مَن تدعوها ابنة عمكْ؟
علم الدين (جانبًا) :
أترى تعرف أني المسئولْ؟
(إليها) لم أعلم … إني لم أعلمْ.
غازية :
ألستَ غاضبًا لأنني تركتُ محبسي
عصيتُ أمر الحاكم الكبير؟!
علم الدين :
وما الذي ألقاكِ في السجن إذن؟
ماذا فعلتِ؟ ماذا قلتِ؟
غازية :
لم يعُد ذاك يهم،
فأنا الآن هنا.
علم الدين : لم يقل لي أحدٌ شيئًا.
غازية :
أكرَموني في غيابة السجونْ،
حرموني من صحائفي القليلة،
كيف أحيا يا علم … دون صحائف؟
علم الدين (في ذعرٍ لأنه يشك أنها تعرف أنه المسئول) : من يا ترى المسئول عن هذا؟
غازية :
بل لا تلُم أحدًا لأن الوقت فاتْ
وأنا عزمتُ على الرحيلْ.
علم الدين (يضحك) : وأين ترحلين غازية؟
غازية :
لا تسَلِ الهارب أين يُولِّي
فأنا أبحث عن معنًى للغدْ.
علم الدين :
الغد يشرق بالوعد الصادق لكْ!
لا أعرف ماذا أغضب منكِ الحاكمْ،
لكنكِ مرجعنا في العلم وفي الحكمة،
وغدًا تسمو بك حكمتكِ وتعلو
الغد يا ابنة عمِّي.
غازية :
الغد كالأمس وكالحاضر
حباتٌ في عِقدٍ منظومْ
حلقاتٌ متداخلةٌ تتكررْ،
والمحبس في السجن أخفُّ من المحبس في القصرْ،
فالشعراء تقول كلامًا لا يتغيرْ،
والأرض تئنُّ بظلم الحكَّام وأخبار الحرب الكذابة.
علم الدين :
مهلًا مهلًا،
لا تنسَي أنكِ أنتِ من الحكَّامْ.
غازية :
هل تعرف مَن غازية إذنْ؟
هل تشهد أنك تعلم هذا عِلم يقينْ؟
علم الدين : أوَلستِ ابنة عمِّي حقًّا؟
غازية : هل تُقسِم يا علم على هذا؟
علم الدين (مضطربًا) : أُقسِم يا غازية بلا شك.
غازية : وبأنَّا أحفاد الباشقَردِي؟
علم الدين (منفجرًا) :
ما شأنك بالأنساب اليوم؟
هل هذا أفضل وقتٍ لمناقشة سُلالات الحكَّام؟
أفلا تدرين بأن التتر على الأبوابْ؟
وبأن الجاسوس المدسوس علينا قائدهم صِمْغار؟
غازية :
تعلم أني أعلمْ
بل تعلم أن مظاهرة الحرب المكشوفة
والتتر وفخ الجاسوس وإلقائي في السجن
أعراض للمرض الكامن في جسد الدولة!
وأنا أرحل بجنودي وعتادي كي أنجو من هذا المرض القاتلْ!
أنسيتَ بأنَّا كنا قد عاهدْنا الله على إنقاذ الوادي؟
ولعلك تذكر أيْمانًا لا تقبل حنثًا
أن نتفانى كي تنجوَ مصر وينجو الناسْ!
لا تدفعْ بالنسيان فإنك لم تنسَ ولم تغفلْ،
لكن شغلَتكَ أمور السلطة عن فقر الفقراءِ
وجوعِ الجوعى ونداءات المحرومينْ.
علم الدين : أعلم يا غازية ولا أجهلْ.
غازية :
تعلم بفداحة ما يتهدد أهلَ النيل البسطاءْ،
قد حمَّلناهم ما يقصُر عنه ألف مُقطَّمْ،
في الشارع يمشي ألف مُهدَّم،
الزارع لا يجد بذورهْ … والحاصد لا يجد المِنجلْ،
إن دام الحال شهورًا لن يجد الناس بمصرٍ ثَمن القوتْ،
أتُرى غابت عن فطنتك عواقب ما يفعل ذاك السلطان؟
علم الدين (في حرج) :
إني نائبُه يا غازية ويحزنني ما آل إليه الحالْ،
وأنا ما زلتُ على عهدكِ بي.
غازية : بل أصبحتَ كبيرًا تنظر من فوقْ.
علم الدين :
لم أتنكَّرْ يا غازية لشيء،
لكن شئون الحرب … كما تدرينْ.
غازية :
الحرب الحرب الحربْ؟ الحرب لصالح مَن؟
ولمن؟
للظالم والغاشم والأجناد وللأتباع المرتزقة؟
إن كان بهذا الوادي خطر يتهدده فهْو هنا،
الخطر هنا يا علم الدين … لا في أنطاكية
أو في بَر الشام!
هذا السلطان الجاهل لا يملك إلا المكرْ،
بدأ الرحلة بخداع الناس وأنهاها بخداع النفسْ،
يحكون عن الأهوال وعن عودتهم بالنصرْ،
النصر على مَن يا علم الدين؟
هل حاربتم أحدًا منذ سنين؟
تلك الغزوات الملعونة في أرض الرومْ
هل هي ما يعنيه درء الخطر الأكبر؟
هل حررتم أرضًا أو دافعتم عن دين الله؟
كلا … بل عدتم بالأسلاب رقيقًا وإماءً ومغانمْ
مثل لصوص البَر
وقراصنة البحر!
علم الدين : لكنا نُرهبهم ونُخوِّفهم.
غازية :
حُججٌ واهية خرقاءْ
(في رِقة) أنسيتَ حديث النفس الصادقة على الشرفة؟
أنسيتَ تناجينا منذ انحرف السلطانْ؟
علم الدين : لم أنسَ كلامكِ يا غازية ولم أنسَ كلامي لكنْ …
غازية :
لكنْ ماذا؟ حبسي أنساكَ الحق؟
هل كنتُ ضميرًا ألقيتَ به في قاع الجُب؟
كلا يا علم الدين!
إنَّا نمتص دماء الناس وقُوتهُمُ باسم الحربْ،
نُلهيهم بالأخبار الزائفة عن النصرْ
حتى نأخذ ما في أيديهم،
بل ما يَحيون به ويعيشون عليه.
علم الدين :
أعلم أن السلطان يُغالي في أخبار النصرْ،
لكنَّ التتر هناك
عند تخوم الوطن الغالي.
غازية :
الوطن الغالي للأمراء ومَن يملكه منكم!
ماذا تعرف عن هذا الوطن الغالي يا علم الدين؟
هل مصرٌ وطنك؟ أتحارب كي تحميَ وطنكْ؟
علم الدين :
نحن سواء يا غازيةٌ في هذا،
يجمعنا الماضي والحاضرْ،
ماضي الغربة في أطراف الأرضِ،
وحاضر مجدٍ نلْناهُ بأيدينا!
ونُطِل على المستقبل بالحب الزاخرِ
والأمل المعقود بمبسمكِ الآسرْ!
فأنا صاحبك وخِدنُكْ،
وابنة عمي من لحمي ودمي!
غازية : لستُ ابنة عمك يا خِدن الأوهام!
علم الدين : كُفِّي عن هذا اللغو حبيبة قلبي!
غازية :
لستُ ابنة عمك يا علم الدين،
فأنا مصرية!
أمي ماتت يوم رأيتُ الدنيا
لم أرها!
وأبي مصريٌّ لا أعرفه،
لكني أذكر يوم استُشهِدْ،
لم تبرح ذهنيَ ذكرى اليوم الأسودْ،
يومَ تلقَّاه الجلَّاد بسيف السلطان الأمردْ،
حين تجاسَر واعترض على حُكم غلامٍ
لم يرعَ حدود الله،
أما عمك فرآني وحدي أبكي فَقْد الأبْ،
أتلفَّت حَيْرَى ذاهلة لا أدري أين طريقي
في دنيا تشغلها أشعار الحربْ!
كان أميرًا ذا خُلقٍ سامٍ
أحزنه موت بريءٍ لم يُذنبْ،
ورأى فيَّ رجاحة عقلٍ فرعاني
وتبنَّاني وسقاني العلم!
أخفى عن سائر أهل القصر السر
وحباني عطفًا وحنانًا في فَجْر العمرْ؛
إذ أطلعني وأراني ما دنياكمْ،
دنيا القلعة والحرس الساهر والأجنادْ،
دنيا القوة والأحقادْ،
وأراني أيضًا ما دُنيانا خارج أسوار الحُكمْ
بين سواعد أهل الصنعة
وشهامةِ أهل الصنعة،
فعشقتُ الحدَّادين ورُمتُ النجَّارين
وخالطتُ الخيَّاطين وطفتُ مع السقَّائين
(تضحك) حتى وأنا في سجن الكتب هنا!
علم الدين :
لكنكِ بنتُ الباشقَردي،
عمي أخبرني بل أكَّد لي … (يتردد)
وأنا … أقصد أني …
غازية (في لهجةٍ مرحة) :
لم تكُ تعرف أني أصلح لك؟
وأنا حررتُك من وعدك،
وسأمضي لسبيلي فلديَّ همومٌ أخرى.
علم الدين :
مُحالٌ يا ابنة العم الكريمة،
فأنت المرجع الموثوق فينا،
وأنت ملاذنا عند الخطوب!
غازية : لا أقبل دَور العرَّافة!
علم الدين (الواضح أنه غير مخلِص) :
بل أنت النجم الهادي في صحراء الزمن التائهْ؛
إذ ننهل من علمك من حكمتكِ
ونسترشد بالرأي الصائب من شفتَيك.
غازية :
بل إني امرأة من هذا الشعب!
ولهذا أتخلَّى عن ترف القصر،
يكفيني ما أعرف عن قانون الغاب
وخداعي بوعودٍ وعهود مكذوبة.
علم الدين :
أنا لم أخدعكِ بشيءٍ لا أعنيه،
قدَّمتُ فؤادي لكِ منذ صباي الباكر،
لم أعشق غيركِ … ومحالٌ أن أَنشد أخرى.
غازية :
بل إني راحلة يا علم الدين،
أصدرتُ الأمر إلى أجنادي ومماليكي
(تضحك) يا سخرية الأقدار!
مصريٌّ يملك مملوكًا.
علم الدين :
غازية أنا مملوكٌ وبيدكِ زمامي،
إن أمرَت غازية بشيءٍ كانْ،
ما مطلب غازيةَ اليومْ؟
ما مهر حبيبةِ قلبي؟
غازية :
لا أطلب إلا ما وعدَت شفتاك به يومًا
وتلاقَينا عنده … (صمتٌ متوتِّر)
أن نخلع هذا السلطان الجائرْ.
علم الدين : نخلعه حقًّا! ما أيسره من مهر!

(يضحك ضحكةً زائفة.)

غازية : وننحِّي الحاشية الملعونة ونصارح أبناء الشعبْ.
علم الدين : وننحِّيها ونصارح أبناء الشعبْ!
غازية : هذا وعدٌ صادق؟
علم الدين : هذا وعد حبيبٍ يبغي أن يتزوج.
غازية (تضحك) : نتزوَّج يا ابن العم!

(يتعانقان.)

(إظلام)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤