الفصل الثاني عشر

صدام

تناقصت مع الأيام أعداد زبائن ستسوغوان. أولًا غينكي ناغاياما لم يَعُدْ يأتي. وفي آخر مرة جاء فيها تناثرت شرارات اللَّهب بينه وبين كازو التي ظهرت في القاعة.

قال غينكي ذلك بابتسامة ساخرة:

«يبدو أنك تفعلين ما يحلو لك.»

– «عن أي شيء تتحدث؟»

– «ولكن احذري فالناس يقولون إن العدوَّ يلبدُ في معبد هونوجي.»

– «ما زلتَ تتحدث بالألغاز أكثر وأكثر.»

– «لا أتحدث عن حبك زوجك، بل أقول لا يجب أن يصل الأمر بك إلى ذلك الحد.»

– «حقًّا؟ لقد كنتُ أعتقد أن المرأة إن وقعت في الحب فمن السهل عليها قتل إنسان.»

– «لا مانع من قتل إنسان. ولكن ثمة ما هو أسوء من ذلك. لقد بعتِ معرفتنا للأعداء.»

– «متى بعتُ أنا أسرارك؟»

– «لم أقل أسرارًا. قلتُ خبرتنا وحكمتنا. إن ما تفعلينه يُعلم حزب الإصلاح الناشئ حكمة شريرة. تلك الحكمة التي كنا نحن فقط من يمتلكها.»

– «إن ما علَّمْتَني إياه من حكمة ليس بتلك الأهمية.»

– «حسنًا، من الواضح أنه لم يفلح معك أية محاولة لإيقافك بما عُرف لك من صفات شخصية. افعلي ما تريدين فعله. ولكن مخالفة حزب الإصلاح لقانون الانتخابات لا يمكن غَض الطرف عنها. خذي حذرك لذلك. لقد انخفضت الأخطار التي انهالت علينا حتى الآن بفضل عدم وجود مال لديهم.»

سكت غينكي وقد تَغيَّر لون وجهه. وقد فكَّر أن الوقوف من مقعده على الفور ومغادرة المكان سيكون تصرفًا طفوليًّا، ولكنه غادر أبكر من المعتاد بعد أن أجرى سلسلة من الأحاديث الفاحشة مع الضيوف. وعندما كانت كازو تُودِّعه في الممر عند رحيله، لَفَّ غينكي ذراعه حول كتف كازو وضرب ضربتين خفيفتين على ثديها. كان استخدام إيحاءات جنسية كئيبة مثل هذه حاسمًا في إبعاد قلب كازو عن غينكي.

عندما استُدعي يامازاكي في اليوم التالي وذهب إلى ستسوغوان، كانت كازو تتلقى تدليكا في غرفتها الخاصة وهي ترتدي ملابس داخلية خفيفة فقط وكانت بلون وردي فاتن، مما أدهش يامازاكي. ولكن موقف كازو الإباحي ذلك الذي يمكن أن يُخطئ حسب الشخص على أنه إغواء كان يامازاكي يعرف منذ وقت طويل أنه يدلُّ على استرخاء كازو أمام الرجل الذي لا تُكِن له حبًّا عاطفيًّا. وعندما كان الفخذ يُدلَّك أيضًا اختل طرف الرداء الوردي فظهر جزء من فخذها الأبيض الناصع. كان ذلك الفخذ سلسًا وينبع من عمقه بريق ولا يبدو مطلقًا أنه فخذ امرأة في منتصف الخمسينات من عمرها. كانت كازو تُظهر ذلك الفخذ هناك بلا أية مبالاة.

«ماذا تريدين؟ أرجو منك الإسراع قبل أن أخطئ الفهم.»

– «لا أريد شيئًا. ولكنني استدعيتك لكي تطمئن.»

أنهضت كازو جسدها بلطافة وهدوء وكأنها فوق مركب صغير يهتز.

«أرجو منكَ أن تطمئن. فأنا مهما فعلتُ لن يُقبَض علي.»

– «تُرى لِمَ؟ إن رئيس اللجنة المركزية نفسه قلقٌ من ذلك أشد القلق.»

– «لقد قمت بعملية تهديد. وبذلك أصبح الأمر لا يسبب قلقًا.»

عدَلت كازو من جسدها وولَّت ظهرها تجاه يامازاكي دون أن تنتظر رده، ثم أضافت القول والمدلك يدلك لها ذراعها:

«وبعد ذلك لقد قَبِلتُ عمل الوليمة الخاصة بنقابة العمال، التي طلبتها مني منذ فترة. ولكن يجب أن يكون السعر الذي أقوله أنا.»

– «سأكون شاكرًا لك ذلك، ولكنني مَهما قلنا من عائلة فقيرة.»

– «ولكن إن كان السعر ٣٠٠ ين فهو معقول، أليس كذلك؟»

– «٣٠٠ ين؟»

لقد اندهش يامازاكي لرخص السعر الشديد.

«أَجَل ٣٠٠ ين؛ فَهُم من السادة الذين سأكون من الآن تحت رعايتهم وعنايتهم، فأنا أريد أن أدعوهم مجانًا، ولكن إن فعلتُ ذلك فأضع عبئًا على مشاعرهم، بالطبع سأُقدِّم لهم أفضل أنواع الطعام والشراب.»

ولقد حصلت كازو من حوار ذلك اليوم على ثمار غير متوقَّعة. فالحديث الذي تحدث به يامازاكي معتقدًا أن كازو تعرفه منذ وقت طويل، كانت كازو تسمعه لأول مرة. وهي أن نوغوتشي قبل نهاية الحرب بأشهر قليلة، رَفع إلى جلالة الإمبراطور اقتراحًا لإحلال السلام، سعدت كازو كثيرًا بذلك، ووبَّخَت يامازاكي قائلة له لِمَ سكَتَّ كل هذا الوقت.

اقترحَت كازو أن يُكتب ذلك على الفور في كُتيِّب الدعاية. ولكن فعل ذلك الأمر بدون علم نوغوتشي جعل يامازاكي يتردَّد، ومن المؤكَّد أنه لو تحدَّث إلى نوغوتشي فسيعترض من البداية. وبدَا أن شجاعة كازو في أَخْذ القرارات الجريئة دون علم نوغوتشي لا تعرف لها حدودًا. قالت كازو ما يلي بمنتهى البساطة:

«من المؤكَّد أنه ليس هناك حاجة لمناقشة الأمر مع زوجي. فما من مادة مفيدة لتلك الدرجة. واستخدامها في الأول وفي الآخر من أَجْل زوجي، أليس في جعل هذه المادة السيدة نائمة هو من قبيل الإهمال وعدم الفطنة؟»

وفي نهاية الأمر خضع يامازاكي لها، وفوق ذلك وكفكرة مريبة لن تجعلها تنام الليل على أي حال، جعلته كازو يوافق على طباعة نصف مليون نسخة من تقويم عليه صورة نوغوتشي. كان سعر النسخة الواحدة من التقويم أربعة يِنَّات تقريبًا، ويجب أن يكون التصميم جديدًا ومبتكَرًا. وتُوزَّع على النقابات العمَّالية المختلفة، وتُوزَّع يدًا بيد على نقابات المعلِّمِين، ويصل الأمر على الأرجح أن تُعلَّق على جدران بيوت التلاميذ … تحدَّثَت كازو عن تخيلاتها تلك بالتفصيل وكما هي العادة نَسِيَت مرور الوقت … على الأرجح سيعلق التقويم على ألواح جدران الورش الصناعية الصغيرة وجوانب ماكينات الخياطة وغُرف مذاكرة الأطفال. وعلى الأرجح سيظهر اسم نوغوتشي حتى في الحوار الأسرِي على مائدة العشاء. «ما اسم هذا الرجل؟» «اسمه كِن نوغوتشي، ألا تعرفه؟» يجب أن تكون صورة نوغوتشي مبتسِمة دائمًا. يا لقلة صوره المبتسمة! يجب أن تُظهر صورته ابتسامة راقية لرجل في بداية الشيخوخة يحمي العديد من موائد الفقراء. يجب أن يستقبل بوجهه البخار الساخن المتصاعِد من تلك الموائد. يجب أن تنبعث ابتسامة نوغوتشي متسلِّلة إلى كل الأماكن الممكنة. على مقربة من قفص الطيور، وبجانب التلفزيون، تحت ساعة الحائط القديمة، وفوق السبورة السوداء الصغيرة التي كُتب عليها متطلَّبات المطبخ من خضروات وأسماك إلخ مباشرة، وبجوار خزانة الملابس التي تنام القطة فوقها. ثم يجب أن يمزج الناس في وقت ما هيبة شعره الفضي وابتسامته مع ذلك العم الذي يحن إليه الجميع الذي كلما جاء في الماضي أعطاهم الحلوى ومسح على رءوسهم. تُوقع تلك الابتسامة ذاكرة الناس في فوضى وحيرة، ويُبعث للحياة من جديد شبح إحساس العدالة الماضوي الممتلئ تمامًا بالعواطف، اسم السفينة القديم التي دخلَت الميناء، يصبح هو اسمها في المستقبَل كذلك عندما تغادر الميناء، يصبح اسم نوغوتشي اسم المستقبَل الذي يحطم الحائط الفقير الباهت.

أضافت كازو: «حتى وإن نهضَت القطة مستيقظة تتمطَّى ستحك ظَهْرَها في وجه تقويم نوغوتشي. وعندما تملُّ القطط منه، ينظر كبار السن إلى ابتسامته تلك. وليس هناك وقت تبدو فيه تعبيرات ذلك الإنسان كابتسامة تسامح يُحن إليها في مثل ذلك الوقت.»

وعند وقت عودة يامازاكي همست مضيفة:

«لا ضرورة للقلق من ناحية المال. فلقد جمعت خمسة وعشرين مليون ين بعد أن رهنت ستسوغوان.»

•••

أعطت كلمة يامازاكي التي قال فيها: إن حزب الإصلاح ونقابة العمال لهم خبرة بالانتخابات حتى ثلاثة ملايين صوت فيما سبق ولكن عندما يتعاملون مع خمسة ملايين صوت، ما من خطة لهم للقتال ويحتارون أشد الحيرة؛ ثقة مؤكَّدة لكازو، وأصبحت تفكِّر أن الانتخابات هي الوظيفة التي وهبَتها لها السماء. فهي لعبة تستخدم القوة الروحية كلها جاعِلَة الفراغ طَرفًا لها لتلك الدرجة، وهي سلوك مقامرة بلا انقطاع متوجهًا إلى شيء لا يقين فيه في أي مكان. وأحسَّت أنها مَهما انفعلَت واستثارت مشاعرها فلن تكفيها الإثارة، وأنها مَهما هدأَت وبردَت مشاعرها فلن يكفي البرود، ولم يكن هناك معيار لأي منهما. كانت كازو تَتجنَّب شيئًا واحدًا هو الخوف من فكرة: «أليس في ذلك إفراط؟» وكان يامازاكي في هذا الشأن يثير الخجل والتبرُّم، فأكثر أعضاء حزب الإصلاح خبرة في الانتخابات في غفلة من الزمن أصبح ينبهر من طريقة كازو المبالغة في أي شيء.

عادت كازو إلى ستسوغوان في غروب يوم مُظلِم استمرت الأمطار تهطل فيه طوال اليوم، فرأت أقرب العاملات إليها ثقة وقد شحب لون وجهها.

«إن سيدي بالداخل.»

– «أين؟»

– «ينتظرك يا سيدتي في غرفتك.»

– «ولِمَ جعلتِه يصل إلى تلك الغرفة؟»

– «لقد حضر فجأة منذ قليل ودخل من نفسه مسرعًا إلى الغرفة.»

تسمرت كازو دون وعي منها في مكانها دون حركة. إنها المرة الأولى التي يأتي فيها زوجها إلى ستسوغوان دون إعلان مسبق، ولكن الأمر الذي جعلها تصاب بالرعب هو أن الغرفة المجاورة لغرفتها تتراكم فيها جبال من التقويمات والكتيبات التي انتهت طباعتها.

تَسارَع نبض قلب كازو بعنف وظلت واقفة دون حتى أن تخلع معطف المطر المبلل. تحت إضاءة مصباح مدخل المطعم من الداخل، أحسَّت كازو أن ملامح وجهها مرعبة. فقد ظل الخادم العجوز الذي حمل لها المظلة يحملق في وجهها ونسي أن يطوي المظلة.

فكَّرَت كازو في داخلها في كافة الأكاذيب المتاحة. إن الهروب من الموقف بالقول المرح هي موهبة حبَتها بها السماء، ومَهما واجهت مواقف صعبة، رغم أن كازو التي تستطيع على الفور ترقيص جسدها، فمثل طائر السنونو الذي يطير مخترقًا الباب خلف الإفريز الضيق، ولكنها اعتقدت أن عدم قول أي شيء هو الطريقة المثلى للهروب من هذا الموقف بالذات. فليس هناك أي شك في نيتها الحسنة بشكل جذري، ومع أنه ليس هناك بشكل جذري أي إحساس بتأنيب الضمير، كان نوغوتشي أكثر الأشياء رعبًا بالنسبة إلى كازو.

بدأت كازو أخيرًا تخلَع معطف المطر، ونظرت للخلف تجاه الأمطار التي تنساب هاطلة على الأرض المكشوفة التي بين البوابة الخلفية والمدخل الداخلي. تضرب الأمطار زهرة الرمان الحمراء. لقد فتحت الزهرة في وقت مبكر جدًّا بسبب دفء الطقس هذا العام. خارج الباب الذي أوشكت الأمطار على التوقف يشتعل ذلك اللون فقط بعنف، عندما رأت كازو ذلك هدأت مشاعرها إلى حد ما.

وضعَت كازو ركبتيها على الأرض بجوار باب غرفتها وقالت:

«لقد عدتُ الآن.»

كان نوغوتشي واقفًا كما هو بالزي الياباني التقليدي وقال وهو يركل بقدمه طرف قدم كازو الموضوعة ركبتاها على الأرض:

«سنعود للبيت حالًا. هيا.»

وبدأ السير في الممر متقدِّمًا إياها. فجأة تذكَّرت كازو التي رأت التقويم والكتيب المطوي على اليمين من المنظر الخلفي لظهر نوغوتشي الذي يعبر الجسد النصفي من الممر متقدمًا إياها، تذكَّرت منظر ظهره في أول لقاء بينهما، فأحسَّت بمشاعر حادة معقَّدة ومختلطة بين الحزن والحب، وفكَّرت أن كل ما فعلت بإرادتها هو قدرها التعيس، وسارت خلفه باكية.

ووقت خروجها من البوابة كذلك، لم يُظهر الخدم الذين اعتادوا على الدموع على وجوههم أية شكوك، وأطبق نوغوتشي فمه في عناد. حتى حي شينا ظلَّت كازو تبكي ولم ينبس نوغوتشي بحرف.

وبعد العودة للبيت، اصطحب نوغوتشي كازو إلى غرفة المكتب صامتًا، وأغلق عليهما الباب بالقفل من الداخل. بدا أن غضبه مشتعل، ارتفع الغضب مثل صخرة شديدة الانحدار، ولم تكن هناك وسيلة لتسلقها.

«هل تعرفين لِمَ ذهبتُ إلى ستسوغوان؟»

هزت كازو رأسها وهي تبكي كما هي. طريقة هز رأسها تلك، كان بها غنج خفيف رغم أنها كانت تعتقد بعدم ملائمة ذلك للموقف. وعندها فجأة شدَّت فكيها. وسقطت كازو على السجادة منهمرة في البكاء.

قال نوغوتشي بنبرة صوت متحفِّزة: «هل تعرفين؟ لقد جاء اليوم اتصال هاتفي من المطبعة إلى البيت، وأنا الذي رددتُ عليه. يطلب دفع ثمن التقويم؛ لأن الحساب لم يُدفع بعد، وقال: زوجتك هي التي طلبَت، وفي نهاية بحثي على الأمر علمتُ أنه كله من تخطيطك. وعندما ذهبتُ إلى ستسوغوان، رأيته ممتلئًا بالتقويم. ما هذا؟ انطقي ماذا يعني ذلك؟ أيتها الوقحة!»

قال نوغوتشي هذا ثم لطم وجه كازو بالكتيب عدة مرات. لقد تشاجرَت كازو مع زوجها مرات عديدة، ولكنها لم تتعرض لمثل هذا من قبل. وعندما نظرَت إلى أعلى وهي تُضرب، كانت أنفاس نوغوتشي تلهث، ولكن لم يكن وجهه مشوهًا من الغضب. لقد جعل هذه الجنون الهادئ جسد كازو يرتعش من الرعب.

«لقد لطختِ وجه زوجك في الوحل. وهو أمر يليق بك فعله. لقد لوثتِ تاريخي الناصع بمنتهى المهارة. خسئتِ! يا للعار! هل أنتِ سعيدة بجعل زوجك أضحوكة المجتمع؟»

وهذه المرة أخذ يدوس على جسد كازو القابع فوق الأرض دون أن يهتم أين يدوس، كان وزنه الخفيف ذلك عديم القوة تمامًا، ترتدُّ قدمُه تلك من مرونة جسد كازو الوفير الذي أخذ يدور فوق الأرض وهي ترفع صوتها بالصراخ. وعندما هدأ نوغوتشي على المقعد خلف مكتبه، أخذ يتأمل منظر كازو النائمة وهي تصرخ باكية.

كان توبيخ نوغوتشي تقليديًّا من عهد قديم مصاحبًا للقول ويجسد إحساس العدالة القديم جدًّا. كان غضبه يحمل شكلًا مهيبًا، وكانت كازو في داخلها تعشق غضب الرجل العتيق الطراز بهذا الشكل. كانت كازو على وشك فقدان الوعي من الألم والسعادة، ولكنها فكَّرت بتأنٍّ بعقلها الذي على وشك أن يفقد وعيه أن نوغوتشي رجل يصبح على الفور أعمى وأصم بعد أن يغضب غضبته ويُحرِّم ما يجب تحريمه. وأثناء تكرار تلك الفكرة، أصبحت كازو مرة أخرى متسامحة تجاه نفسها أكثر من تسامحها تجاه نوغوتشي ذاته.

ومع ذلك كان صوت كازو مثل الوحوش، ترجو الغفران وهي تصرخ، وتولول بكل ما هو متاح لها من كلمات الاعتذار. تهدأ بعد أن تفقد وعيها، ثم تَترجَّى الغفران مرة أخرى بصوت أعلى مما سبق. استمر تعذيب نوغوتشي لها طويلًا؛ ولأن كازو كانت بلا شك استخدمت كمية كبيرة من الأموال في الفترة السابقة، قال لها إنها لن تخرج قبل أن تعترف بكل شيء. قالت كازو ما يلي بما يشبه الهذيان:

«أموال ادخرتها بنفسي … استخدمتُها من أَجْلِك … كلها من أَجْلِك أنت …»

سمع نوغوتشي ذلك ببرود وسكينة. ثم أظهر وضعية عدم الرغبة في سماع أية أعذار، ثم أخرج من رف المكتبة كتابًا غربيًا وقرأه موليًا وجهه بعيدًا عن كازو.

تتابعت فترة طويلة من الصمت. ضوء مصباح المكتب فقط مد من دائرته، بخلاف صوت الأمطار وصوت تقليب نوغوتشي صفحات الكتاب الغربي من وقت لآخر، لا يُسمع إلا صوت أنفاس كازو المضطربة. كان هناك ليل غرفة المكتب الهادئة، وما من شيء إلا امرأة في بداية شيبتها ترقد على الأرض بجسدها الغني وأطراف ثيابها المضطربة. عرفت كازو بصعوبة من إضاءة مصباح المكتب الباهتة أن فخذها ظاهر من طرف الثوب، وأنها تتعرج مع أنفاسها اللاهثة. عرفت كازو بيقين أي مكان من جسدها قد تعرَّى من خلال أنه أصبح متخدِّرًا بسبب إصابته بالبرودة تدريجيًّا. تعتقد أن تتعرض للرفض كافة، الأجزاء البيضاء المبهمة من فخذها، بهذا التخدر وتلك البرودة التي تحبها بنفسها تلك الفائدة التي ليس بها أي شك. شَعرت كازو من خلال ذلك التخدُّر، وكأن رفض نوغوتشي لها قد اقتحم جسدها كله من الداخل.

أصلحَت كازو أخيرًا أطراف الثياب المضطربة، واعتدلَت في جلستها، ثم لمسَت السجَّادة برأسها، وأعلنَت أنها سَتعتَرِف بكل شيء. وقالت كل شيء بالكامل من أول وضعها ستسوغوان رهنًا.

«لا حيلة فيما انتهى من أمر، ولكن عليكِ من يوم غد الإقامة الدائمة هنا وإغلاق ستسوغوان. أتسمعين؟ ولا تخرجين خطوة واحدة خارج هذا البيت.»

– «هل أغلق ستسوغوان؟»

– «أجل. وإن لم تسمعي ما أقول، فليس أمامنا إلا الطلاق.»

كانت تلك الكلمة أكثر رعبًا من أية ضربات. فُتح ثقب مظلم عملاق أمام عينيها. «إن طُلقت … لن يزور قبري أحد» … عندما تفكر كازو في ذلك تصبح مشاعرها قادرة على دفع أي ثمن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤