الفصل الثالث عشر

عقبة في طريق الحب

نتيجة ذلك الشجار، توصَّلَت كازو إلى خلاصة أنها ليس أمامها إلا بيع ستسوغوان. ستسوغوان الذي من السهل استخدامه كمادة للدعاية المضادَّة بأن يكون مصدرًا للشائعات، والأهم من ذلك أنه لم يكن في ذهن نوغوتشي إلا مَعقل الأفعال غير المرغوب فيها من زوجته. لقد غضب نوغوتشي من وضع كازو ستسوغوان رهنًا دون علمه، واستخدَمَت تلك الأموال في أنشطة الدعاية قبل الانتخابات، إن كان الأمر كذلك وهذه المرة أصبح نوغوتشي يفكر في أنه يجب قطع دابر الشرور، بعرض ستسوغوان للبيع، وتوجيه تلك الأموال للدعاية الانتخابية توجيهًا قانونيًّا. فلقد عرف نوغوتشي لأول مرة أن الحزب بتلك الحالة من الفقر في الأموال.

أوكلَت كازو مُهمة بيع ستسوغوان إلى نوغوتشي. كان ارتباط كازو العاطفي بستسوغوان عنيفًا، ولم تستطع الكلمات التعبير عن حزنها لفراقه، ولكنها في النهاية اختارت مقبرة عائلة نوغوتشي ذات العفَن الأخضر بديلًا عن حديقة ستسوغوان الغنَّاء.

أصبحت فوضى ذلك البيع تعطي حجة عظيمة لكازو التي حُبست في بيت نوغوتشي لمرة لكي تعود إلى ستسوغوان مرة أخرى. وعندما عادت إلى ستسوغوان، لم تُهتمَّ كازو مطلقًا بترتيب المطعم، ولم تُخبر الحقيقة للعمال الذي قلقوا بشأن استمرار غَلقِه طويلًا، بل كانت تدعو يامازاكي كل يوم، وتتناقش معه في التخطيط ولا يهدأ لها بال بسبب عدم وجود أفكار جيدة تخطر على ذهنها، فتأمر على الفور بتجهيز السيارة للخروج. وهكذا ومع كل ذلك التوبيخ الذي نالته، فباستثناء غلق ستسوغوان، عادت حياة كازو اليومية لما كانت عليه تمامًا.

طلب نوغوتشي من محامٍ مُقرَّب إليه بيع ستسوغوان، فعثر فورًا على مشترٍ مأمول هو غينزو فوجيكاوا مالك مجموعة شركات فوجيكاوا، وتفاوَض محامي المجموعة مع محامي نوغوتشي، واعتقد الجميع أن التفاوض يسير إلى نهايته، ولكن لم يقترب الطرف الآخر من مبلغ البيع الذي يصل إلى مائة مليون وتوقف عند خط الثمانين مليونًا فقط.

في أحد الأيام كانت كازو في ستسوغوان، فأخبرَتها العاملة أن غينكي ناغاياما على الهاتف. كانت نية كازو قطع علاقتها تمامًا مع غينكي فلم ترغب في الرد على الهاتف، ولكن وقتها كان يامازاكي بجوارها فشجَّعها على الرد قائلًا إنه من الأفضل الرد.

ومع أن كازو كانت قد وعدت يامازاكي بإطاعة كل تعليماته بالحرف إلا أنها لم يرُقها تدخله في هذا الموقف. وبعد أن دُفعت إلى الرد مباشرة تراجعت بضعة سنتيمترات فوق حصير التاتامي. المرونة الكامنة داخل الجسد السمين مثل مرونة فهد، جعلت عينَي يامازاكي تنبهران، ولكنها ظلَّت عنيدة الرأس، وتوجهت نحو الحديقة المبتلَّة في موسم المطر. كانت الحديقة رطبة ومخضرة.

«لِمَ أنت غاضبة؟ إنني فكَّرتُ أن الأفضل عمل ذلك فشجَّعتُك عليه فقط. هذا كل ما في الأمر.»

ظلَّت كازو صامتة، وتذكَّرت شفتَي غينكي السميكة بلونها البني المحروق. ثم بدت لها وكأنها تراكم أوحال نصف عمرها. ذلك الرجل التي تنضح قوة السلطة من جسده السمين، يشبه الذاكرة التي لا تريد المرأة تذكُّرَها، بل وتعامُل غينكي معها كأنها أخته الصغرى بدون أي تشاور معها، كان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكبريائها الجريح في الماضي. مَهما وبَّخها نوغوتشي كانت كازو تحتفظ بنفسها في مكان آخر، ولكن عندما يضحك غينكي ساخرًا مرة، تشعر أنه يكشف عن أعمق أعماقها من الداخل، … لقد كانت كازو تَكرَه طريقة إحساسها التي أحسَّت أن مكالمة غينكي الهاتفية في ذلك التوقيت هي إنقاذ لها.

نهضَت كازو واقفة، وخرجت من تلك الغرفة بهدوء. وجعلَت الخادمة تنقل الهاتف إلى غرفتها، وقالت: ألو، وهي تخفي سماعة الهاتف بجسمها. تحوَّل صوت السكرتيرة أخيرًا إلى صوت غينكي نفسه.

«ما الذي حدث؟ هل ما زلتِ غاضبة مني بلا تغيير؟ مَهما لاقيتُ من التوبيخ، فأنا أنوي أن أظلَّ إلى الأبد صديقك الوفي الحميم. أجل، أجل لقد سمعتُ أنك ستُغلقِين المطعم. ولكن على الأقل ستقدمين لي وجبة الأوتشازوكيه، أليس كذلك؟ فالعلاقة بيننا حميمة.»

– «إن صنعتُ استثناءً واحدًا فلن يكون ذلك إغلاقًا للمطعم.»

– «حقًّا! هل ستتوقَّفِين عن الطبخ، وتفتتحِين ماخورًا من أجل الطبقة العاملة؟»

– «أجَل، أجَل؛ لأن الزبائن صغار السن ذوي الأجساد الفتِيَّة أفضل بكثير.»

– «أمر عجيب! يفترض أن عمر السيد زوجك قريب من عمري.»

– «أرجو أن تتوقف عن السخرية. وبدلًا من ذلك أَخبِرني ماذا تريد؟»

– «أبدًا، ألا نتناول معًا وجبة الغداء من وقت لآخر؟»

رفضَت كازو ذلك بصراحة قائلة إن وضْعَها الحالي لا يسمح لها بذلك مطلقًا. فقال غينكي: إن كان الأمر كذلك فلا مَفرَّ من الحديث عبر الهاتف، وقال لها ببساطة أمرًا في غاية الأهمية.

«إنني منزعج جدًّا من عناد نوغوتشي الصلب. لقد أبلغتُ نوغوتشي من خلال صديق (أنت تعرفينه جيدًا) أنه إن اختار نائب الحاكم من حزب المحافظِين، بهذا الشرط سينسحب المنافِس من الانتخابات (ألا ترين أنه عَرض لا يحلم به أحد؟) ولكن السيد نوغوتشي، كما هو دائمًا لا يستمع لذلك. إن هذا حديث جيد جدًّا، وإن قَبِل ذلك الشرط فقط، سيكون فوزه لا شك فيه؛ ولذا أرجو منكِ أنت أيضًا أن تحثيه على القبول … وإن رفض ذلك العرض دعيني أحذرك سيصبح من الصعب بيع ستسوغوان. إنني أقول ذلك وفي نِيَّتي صالحك أنت.»

بعد أن سمعَت كازو كل ذلك أنهَت المكالمة على الفور. وعلى عكس حالها عندما أتت، كانت خطواتها التي تسير بها في الممر مُتعجِّلة سريعة. وبمجرد سماع صوت الأقدام تلك فقط، عرف يامازاكي أن كازو غاضبة.

بعد أن أغلقت كازو الباب خلفها، صرخت غاضبة وهي واقفة:

«أنت إنسان فظيع يا سيد يامازاكي! لِمَ لا تخبرني أن ذلك العرض الهامَّ قد عُرض على زوجي؟»

عندما تغضب كازو يقف حاجباها الرفيعان بالمقلوب، ويُغلَق فمُها على شكل مائل، ويبدو الحزام الذي تَلفُّه منخفضًا قليلًا هو ورباط الحزام في هيبة مثل لوح صلد. ولم تربط رباط الحزام كما هو معتاد مائلًا، ولكن لأنها تربطه من الأمام تمامًا مثل الأرياف؛ ولذا فهي في تلك اللحظة تعطي ذلك الانطباع.

قال يامازاكي:

«حسنًا، حسنًا، أرجو أن تجلسي.»

شرح يامازاكي الأمر بصبر وتكرار في أذن كازو التي جلست بالجنب وأشاحت بوجهها بعناد مثل طفل صغير. قال لها: إن إدخال تلك المعلومات إلى أذنها لا يزيدها إلا حيرة، وأن النقطة الجوهرية في الأمر هي أن تتفرغ كازو لأنشطتها الخاصَّة بها. وأن نوغوتشي لن يستجيب لمثل تلك الكلمات المعسولة من حزب المحافظِين، وإن حدث أن استجاب فسيكون لنصيحتنا نحن فاعلية أكثر من زوجته. وأن ما أسعد يامازاكي بشِدَّة من ذلك الاتصال الهاتفي هو أنه يُظهر أن أنشطة كازو قبل الدعاية الانتخابية قد أحدثَت آثارها وفي طريقها لأن تُهدِّد الخصم، وأن الخصم رغم أنه رشح فعلًا منافسًا اسمه غِن توبيتا، ولكن كان ذلك الاختيار بعد حيرة وعناء، وأن تلك المكالَمَة كشفَت بوضوح عدم امتلاك حزب المحافظِين الثقة في ذلك المرشَّح. وأنه في الواقع عدمُ استقالة حاكم طوكيو الحالي مع ضرورة استقالته، سببُه عدمُ تأييد رئيس الوزارة للاستقالة بسبب صعوبة اختيار مرشَّح حزب المحافظِين. وهنا من المؤسِف عدم استخدام نوغوتشي لمثل هذا العرض سياسيًّا، ولكن الأَولَوِيَّة هي عدم حيرة كازو، فلقد اتضح بالفعل أن نشاطها حتى الآن قد أتى بثماره …

شرح يامازاكي كل ذلك بعناية ومُثابَرة.

تألَّق وجه كازو فجأة مثل الحديقة التي سُلِّطَت عليها أشعة الشمس. وتأثر يامازاكي بجمالها الأخَّاذ وهو يتغيَّر فجأة. ويبدو أن ابتسامة ذلك الوجه طازجة وكأنها ابتسامة جديدة وُلِدت لِتوِّها الآن ولا يتَبَقَّى أي أثر ولو قليل للمشاعر التي كانت موجودة قبلها مباشرة.

«أوه حسنًا لنحتفل بهذا. لنشرب الليلة معًا نخب الاحتفال.»

وقفت كازو وفتحت الباب الفاصل واسعًا وقفَزَت بفرح إلى الغرفة الكبرى المجاورة. في أبعد مكان تقف لوحة جميلة للباب الفاصل رسمها الفنان كاغيه تاتيباياشي مقلدًا الفنان كورين لزهور السوسن البنفسجية متتالية على جسر فِضِّي مُعلَّق ومتعرج من الخيزران الرفيع؛ ولأن كازو فتحت كذلك باب الغرفة الواسعة المواجِهة للحديقة على مصراعيه، استطاعت عينا يامازاكي أن ترى ركن النبات الأخضر المستَمِر طُولًا في الحديقة من الحافة المبتلَّة لتلك الغرفة الصغيرة.

زاد جمال ستسوغوان الذي أُغلِق داخل منظر الغروب المبكِّر وسط الأمطار، عن ستسوغوان الصاخب بالزبائن. وكانت تلك الغرفة الواسعة كذلك مُعتِمة قليلًا، وتغرق في البرودة، وعلى العكس يمكن تأمُّل الأثاث والأبواب الفاصِلَة ذات الرسومات الفائقة الجمال. وعلى الرغم من أن المنظر الخلفي أصبح تقريبًا لوحة ظِلٍّ إلا أن كازو رأت في ذلك المبنى الضخم المهجور قوة النشاط الغابرة تتجمَّع في جسد واحد.

كانت كازو وهي تقف على طرف حافة الحديقة تتأمَّلها مثل ببغاء يقف فوق غصن الوقوف في قفصه، يمسك طرف جورب قدَمِها الأبيض فقط بحلق الباب في وضع خطر. مجرد أنها تفعل ذلك فقط، بدون سبب واضح.

تُحملِق في أطراف قدميها تلك. وتقبع مُقلِّصة جسدها بصلادة بوضوح وبياض بين عتمة تلك الغرفة وحافَّة الباب الخارجي المبهمة، مثل حيوان صغير حادِّ الذكاء. تفتح ما بين أصابع قدمها. يبرز بياض جورب القدم مُظهِرًا تجاعيد تلمع. ثم من ذلك الوضع القَلِق غير المستقر، يدور التوتُّر المعتمِد على أطراف الأنامل فقط وينتشر خلال جميع أنحاء الجسد، وعلى ما يبدو يفور داخل الجسم شعور بالأزمة ممتع نوعًا ما. إن تحلَّل التوتُّر فالجسد كما هو، يُدفَن تمامًا ويختفي داخل النباتات الخضراء الرطبة بالأمطار فوق الحديقة المبلَّلة والأحجار المفروشة.

جاء يامازاكي إلى الغرفة الواسعة ورأى منظر كازو الخلفي وهو يهتز للأمام وللخلف في عدم استقرار مريب.

«ماذا حدث يا سيدتي؟»

ثم اقترب منها مندهشًا.

التفتَت كازو ناحيته وضحكَت مُظهِرة أسنانها البيضاء ثم قالت:

«لا تَقلقْ. فلستُ في عمر أُصاب فيه بجلطة دماغية. إنني فقط ألهو بهذا الشكل … حسنًا لنذهب إلى الشراب.»

اصطحبَت كازو يامازاكي ودارَت معه على البارات والملاهي الليلية يشربان، وكان على يامازاكي أن يراقبها وهي تُوزِّع بطاقة الاسم العملاقة إياها حتى على النادلات والجرسونات بطرف عينه من وقت لآخر وهو غارق في السُّكر.

•••

رفض نوغوتشي بصرامة عرض التَّسوية الذي عرضه حزب المحافظِين من خلال عدة طرق سرِّية مختلفة. ثم بعد أيام من ذلك جاء رد مفاجئ من محامي مجموعة فوجيكاوا بعدم قدرتهم على شراء ستسوغوان. وعندما سأل محامي نوغوتشي عن ملابَسات الأمر، قيل له إنه بسبب وجود ضغط من ساييكي رئيس الوزراء عليهم. لقد اتَّصَل ساييكي رئيس الوزراء فجأة بغِنزو فوجيكاوا وقال له:

«حَذارِ من شراء ستسوغوان الآن. قبل انتخابات هامة، إن فعلتَ مثل هذا الأمر، فهو إعطاء العدو الحراب التي يقاتلنا بها.»

استشاط نوغوتشي غضبًا عندما سمع ذلك. ولكن يامازاكي الذي لا يغضب مطلقًا قال: إن تلك فرصة جيدة لتبادُل القتال، وحثَّ نوغوتشي على ترتيب فرصة للقاء ساييكي رئيس الوزراء وجهًا لوجه. زار نوغوتشي رئيس الوزراء ساييكي الذي يَصغُره في العمر في مَقر إقامته، وبطريقة كلامه الرديئة البخيلة إياها، صبَّ جام غضبه على طريقة تدخُّل رئيس الوزراء الحقيرة حتى في تخلُّصه من ثروته الشخصية. ابتسم رئيس الوزراء ولجأ إلى حيلة دنيئة بأن ظلَّ ينكر ذلك تمامًا.

«ومع ذلك فهذه الحكاية مُفرِطة في دراماتيكيتها ولا يمكن تصديقها. هل يُعقل أن يتصل رئيس الوزراء بنفسه هاتفيًّا هكذا مثل سمسار العقارات؟ أريدك أن تفكر في الأمر بالمنطق. ألا تعتقد أن فوجيكاوا استخدم اسمي فقط لكي يجد سببًا مقنعًا لرفضه؟»

ولأن رئيس الوزراء عامَل نوغوتشي معامَلة كبار السن فعلًا حتى لقد حاول مساعدته على الجلوس والقيام من المقعد فقد لمس ذلك السلوك المتأدِّب هذه المرة كبرياء الدبلوماسي المخضرَم. ومع أن المؤامرة السريعة حقًّا هذه المرة يجب الإمساك بها مثل ملمس الحرير إلا أن ساييكي كان إنسانًا مثل الحرير. يا لك من إنسان صغير حقير. هكذا فكر نوغوتشي … هوَّنت كازو من حالة نوغوتشي الذي عاد للبيت متعكِّر المزاج دون أن تقول شيئًا. لقد فُقد أي أمل في بيع ستسوغوان. ولقد تعبَت كازو كثيرًا من أجل إخفاء فرحتها تلك. وفكَّرت كازو أنها يجب أن تعوض خيانة المشاعر بعفَّة سياسية أكثر وأكثر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤