الفصل الرابع

صحبة فارغَيْن

نُقل السفير تاماكي على الفور إلى مستشفى جامعي. في ظهيرة اليوم التالي عندما ذهبت كازو لزيارته، قيل لها إن حالة الغيبوبة مستمِرَّة. وأرسلَت كازو سلة الفاكهة فقط إلى غرفة المريض، وتراجعَتْ إلى مقعد بعيد جدًّا في المَمر تنتظر نوغوتشي؛ ولأنها مهما انتظرت لم يأتِ نوغوتشي، عرفت كازو أنها أحبَّت نوغوتشي مَعرِفة مُؤكَّدة.

ومع أن كازو ذات شخصية قوية، إلا أنها لم يسبق لها أن أحبت رجلًا أصغر منها سنًّا. إن الشباب يرزحون معنويًّا وبدنيًّا تحت أعباء كثيرة، وخاصة عندما يعشقون امرأة أكبر منهم سنًّا، يزداد غرورهم ولا يُعرف إلى أي مدى يصل. وغير ذلك السبب كانت كازو لا تحب الشباب جسديًّا. فمن وجهة نظر المرأة، فإنها تشعر شعورًا أكثر حدة من الرجل نفسه بعدم التوازن الْمُخجل بين روحه وجسده، ولذا لم تقابل كازو فتًى يحقق ذاته الشابة بمهارة. وكذلك كانت تشعر بالاستياء من لمعان بشرة الشباب النضرة.

كانت كازو تُفكِّر في هذا الأمر وهي تنتظر في ممر المستشفى الكئيب الْمُعتِم. يمكن معرفة مكان غرفة تاماكي في نهاية الممر بوضوح من هذا المكان البعيد؛ لأن باقات الزهور التي أحضرها الزائرون فاضت إلى خارج الغرفة بالفعل. انتبهت كازو إلى عُلو نباح كلاب فجأة، فنظرَت من النافذة إلى الخارج.

كانت كلابًا ضالَّة حُبِسَت من أَجْل استخدامها في التجارب داخل قَفص معدني واسع تحت سماء غائمة باردة قليلًا. يَصطفُّ داخل ذلك القفص عدد مَهول من بيوت الكلاب وكانت أشكال تلك البيوت في الواقع غير مُنتظِمة. منها ما يُشبِه سلسلة من أقفاص الدجاج، وهناك الأكواخ التي تُستَخدم كبيوت كلاب الحراسة العادية. وبيوت الكلاب العادية تلك موزعة بعشوائية فمنها المائل ومنها الساقط على جانبه. لا ريب أن ذلك بسبب أن الكلاب التي رُبِطَت بالسلاسل تجذب الأقفاص وتَلفُّ بها. ثمة كلاب مكشوط جلدها، وكلاب في نحافة شديدة جنبًا إلى جنب مع كلاب سمينة. وكلها تنبح في وقت واحد نباحًا حزينًا وكأنها تشتكي حالها.

ويبدو أنَّ عمال المستشفى قد تَعوَّدوا على تلك الحالة، فلا يَأْبَه أحد بالقفص الحديدي. وتَصطَفُّ على الجانب الآخر من القفص نوافذ صغيرة كئيبة لمبنى مركز أبحاث قديم مُكوَّن من ثلاثة طوابق. يبدو زجاج النوافذ الذي يعكس السماء الغائمة كأنه عيون مُتعكِّرة فَقدَت الفضول.

… أصبح قلب كازو أثناء سماعها ذلك النباح المتزامن من الكلاب؛ يمتلئ بمشاعر التعاطف الحارَّة معها. ولقد اندهشت كثيرًا من أن قَلْبَها أصبح بهذه الحالة من سهولة التأثر والتعاطف. ثم بكت متأثرة وهي تقول: يا لها من كلاب بائسة! يا لها من كلاب بائسة! وفلتت من معاناة الانتظار عندما بدأت تفكر بجدية هل من وسيلة لإنقاذ تلك الكلاب؟

وشاهد نوغوتشي الذي جاء وجه كازو الباكي؛ ولذا عندما رأى وجهها سألها على الفور:

«هل مات؟»

أسرعت كازو بالنفي، ولكن كان الوقت سيئًا فلم تَعثُر على فرصة ملائمة لشرح سبب دموعها.

فلقد سألها نوغوتشي بِتعجُّل سؤالًا طفوليًّا ضحلًا.

«هل تنتظرين أحدًا في هذا المكان؟»

أجابت كازو بوضوح:

«كلا.»

وعندها فاضت الابتسامة أخيرًا على خدودها الغنية.

فقال لها نوغوتشي:

«إن كان الأمر كذلك، فلقد جئتُ في الوقت المناسب. انتظريني هنا، سأنتهي سريعًا من زيارة المريض وأعود. فأنا رجل خالي العمل وأنت خالية في الظهر أليس كذلك؟ ولأننا هكذا لدينا وقت فراغ فلنذهب لتناول الغداء معًا في المدينة.»

•••

عندما كان الاثنان يهبطان طريق المنحدَر المعبَّدة بالأحجار خلف المستشفى الجامعي، تَمزَّقت الغيوم، وسقطت منها أشعة شمس بجراءة وكأنها ماء سلسال فوق المشهد.

اقترح نوغوتشي عليها المشي، فأعادت كازو السيارة التي كانت تنتظر.

كانت نبرة نوغوتشي التي اقترحت المشي معًا بها قوة أخلاقية، لدرجة إرجاع السيارة خصوصًا من أجل ذلك. وأخذت كازو انطباعًا أنه ينتقد رفاهيتها بطريقة غير مباشرة. ولقد جاءت كازو بعد ذلك أكثر من فرصة لتصحيح ذلك الانطباع، ولكن لأن طريقة كلام نوغوتشي وسلوكه في الحياة اليومية كانت نبيلة وراقية بدرجة شديدة، حتى لدرجة أن أنانيته ونزوته الضئيلة تبدو وكأنها أخلاقية.

حاول الاثنان عبور الطريق للذهاب إلى حديقة إيكينوهاتا. كانت الطريق تعج بالسيارات ومع ذلك كانت كازو لديها ثقة في قدرتها على عبور الطريق إلا أن نوغوتشي كان حريصًا ولا يحاول العبور، وعندما تحاول كازو الإسراع بالعبور يقول لها: «ليس بعد. ليس بعد» ويوقفها. فتضيع فرصة من كازو هباء. كلما حانت فرصة وجود مسافة بين السيارات يُفترض أنها تستطيع العبور أثناءها، تذهب تلك الفرصة هباء في لمح البصر أمام عينها من خلال تَدفُّق السيارات المقترِبة التي تعكس شمس الشتاء على نوافذها الأمامية. وأخيرًا نَفد صبرها من الانتظار فأمسكت يد نوغوتشي بقوة وأسرعت بالعبور وهي تقول: «الآن. الآن.»

وبعد أن عبرا إلى الجهة الأخرى من الطريق، ظلت كازو تمسك يد نوغوتشي. كانت تلك اليد جافة جدًّا ورفيعة وكأنها تشبه عينة النباتات. ولكن باستمرار قَبْض كازو عليها، أفلت نوغوتشي يده من يدها أخيرًا خلسة وكأنه يسرقها. كانت كازو تستمر في مسك يده بدون وعي تمامًا، ولكن تجاه سحب نوغوتشي يده بتلك الطريقة المتخوِّفة جَعلَها تَنتبِه إلى طَيشها. كانت يده بالضبط مثل حالة طفل مُتعكِّر المزاج يَتلوَّى بجسده ويهرب من حماية الكبار له.

نظرت كازو دون وعي إلى وجه نوغوتشي. كانت العين التي تحت الحاجب المتجَهِّم صافية صفاء حادًّا وفي سلام تام وكأن شيئًا لم يَكن.

وصل الاثنان إلى حديقة إيكينوهاتا وسارَا يسارًا في الطريق المحاذي للبِركة. كانت نسائم الهواء التي تأتي عَبْر البركة باردة على الأغلب وتجعل سطح الماء مجعدًا مثل قماش الكريب. تمتزج ألوان سماء الشتاء الزرقاء والغيوم البيضاء، مع الماء المرتعش، ويصل لون السماء الأزرق من بين ثقوب الغيوم لِيتلألأ على حافَّة الضفة المقابِلَة للبِركة. وخرجت خمسة أو ستة مراكب للتنزُّه في البِركة.

غُطِّيت ضفة البركة بأوراق الصفصاف الرقيقة التي سقطت من أشجارها، وكانت ألوان تلك الأوراق الساقطة تتراوح بين لون أصفر تمامًا وبين لون أصفر غلب عليه اللون الأخضر. وكانت ألوان الأوراق الساقطة أكثر بهرجة من الأشجار الواقفة المليئة بالأتربة والتي غُطيت بأوراق القمامة.

ظهر من الاتجاه المقابِل مجموعة من تلاميذ المدارس المتوسِّطة يُمارسون رياضة الجري. وكانوا يرتدون سراويل التدريب البيضاء القصيرة الموَحَّدة، وبَدا أنهم أَنهَوا دورة أو دورتين حول البِركة، وحالتهم وهم يعقدون حواجبهم وتهتاج أنفاسهم بمعاناة كالتي تُميِّز الشباب الصغار، تجعل المرء يتذكَّر تمثال أشورا في معبد كوفوكوجي. غادروا مُسرعِين من جانب الاثنين دون إلقاء نظرة جانبية إليهما وتَبقَّى فقط صوت الحذاء الرياضي الذي يضرب الأرضية. ظهرت المنشفة الوردية التي يلفها أحدهم حول عنقه بوضوح تام تحت أشجار الطريق الذابلة حتى بعد ذهابه لمسافة بعيدة.

وبدا نوغوتشي لا يحتمل عدم التحدث عن المسافة العُمْرِية بينه وبين هؤلاء الأشبال التي تكاد أن تصل إلى نصف قرن من الزمان وإبلاغ كازو بها فقال:

«إنهم رائعون. إن الصغار رائعون حقًّا. إن صديقًا لي يَتولَّى منصب رئيس اتحاد الكشافة، أنا أعتقد أنه عمل غبي، ولكنني أَتفهَّم شعور مَن يغرق لأذنيه في عمل مثل هذا.»

وافقته كازو قائلة:

«إن الأطفال في منتهى البراءة.»

ولكن تلك البراءة عندما تراها على الجهة المقابِلة من البركة لم تكن من النوع الذي يُسبِّب لها شعورًا بالغيرة، علاوة على أن كازو أَحسَّت أن انطباع نوغوتشي في مُنتهى المباشَرة والاعتيادية.

نظر الاثنان في الاتجاه الذي جرى فيه الشباب مُبتعدِين بمحاذاة البركة ويُلقُون عليها بظلالهم. تتابع تجمعات البنايات في حي هيروكوجي أوينو بكآبة، ويرتفع بالونان للدعاية بلون ثمار الحرنكش فوق السماء التي تَغبَّشَت بالدخان والسُّخام.

اكتشفت كازو أن طَرف مِعطف نوغوتشي بالٍ، وأصبح كل ما تراه كأنه يُوجِّه لها الانتقاد. كانت كازو لا يمكنها فعل شيء تجاه كل تلك الاكتشافات البائسة التي تَعثُر عليها. وتشعر أنها ترفض تَطفُّلها من البداية، ثم أظهر نوغوتشي حساسية غير متوقعة تجاه نظراتها فقال:

«هذا؟ إنه معطف اشتريته من لندن عام ١٩٢٨م. ألا تعتقدين أنه كلما كانت روحك شابة كانت الملابس العتيقة أفضل؟»

اخترق نوغوتشي وكازو جزيرة بنتن التي تحيط بها أوراق اللوتس، وصَعدَا تَلَّة أوينو من مدخل معبد غوجوتِن الشنتوي، ثم وَصَلا إلى المدخل العتيق لمطعم سيوكن وهُمَا يتأمَّلان سماء الشتاء الزرقاء التي تبدو وكأنها لوحة زجاجية على الجانب الآخر من لوحة الظلال الرقيقة للأشجار الذابلة. كان مطعم المشويات ذلك خاليًا تقريبًا مع أنه وقت تناول وجبة الغداء.

طلب نوغوتشي وجبة غداء كاملة وطلبت كازو نفس طلبه. بدا برج الناقوس القديم من الواجهة من خلال تلك المائدة التي تطل على النافذة. قالت كازو صراحةً وقد فرحت بالمدفأة داخل المطعم:

«كانت نزهة في جو بارد، ألا ترى ذلك؟»

ولكن مع ذلك كانت تلك النُّزهة تَصطَبِغ بألوان لم تَكُن كازو المشغولة في حياتها اليومية بعملها في معاملة الزبائن تعرفها مُطلَقًا، أعطتها تلك النزهة القليل من الدهشة؛ فكانت من صفات كازو ألا تُحلِّل ما تفعله الآن تحليلًا مزعجًا، وأن تؤجل ذلك لتفعله فيما بعد مجمعًا. مثلًا تذرف دموعها فجأة وهي تتحدث مع أحد الأشخاص. هي لا تعرف وقتها سَببَ تلك الدموع، بل تبكي ولا تعرف هي نفسها سبب مشاعرها تلك.

وحتى بعد أن قالت كازو إن النزهة كانت في جو بارد، لم يقل نوغوتشي أعتذر لك؛ لأنني جعلتُك تمشين؛ ولذا كانت كازو لا تتحمل البقاء صامتة دون أن تشرح بالتفصيل لمَ كانت تلك النزهة ممتِعة رغم برودة الجو. وأخيرًا واستغلالًا لقدوم أطباق المقبِّلات قال نوغوتشي هامسًا:

«كانت ممتِعة.»

ولكن بانت السعادة على نوغوتشي رغم عدم إظهاره أية تعبيرات على وجهه.

لم يسبق أنْ رأت كازو رجلًا بتلك الصفات من قبل. بالطبع كان هناك الكثير من الزبائن قليلي الكلام، وكازو هي دائمًا مَن يتحدث كثيرًا، ولكن بدا أن نوغوتشي بقِلَّة كلامه تلك هو الذي يجذب كازو ويدور بها. ولا تعرف كازو لِمَ يمتلك هذا العجوز المتواضِع للغاية مثل تلك القوة.

بعد أن انقطع الحديث، تأمَّلَت كازو طيور الجنة المحَنَّطة داخل صندوق زجاجي، والستائر المغزولة غزلًا رفيع الذوق، والإطار الذي كُتب عليه عبارة «لتمتلئ القاعة بالضيوف الصالحين.» ولوحة البارجة إيسه القديمة التي صنَعَتها شركة كاواساكي لصناعة السفن. وكانت تلك اللوحة بالفعل، تُظهر تمامًا أنها من إبداع فنان الرسم على النحاس في نهاية عصر إيدو «دينزن أوُدو» ورُسمت بنفس أسلوبه. تمخر البارجة إيسه عباب البحر وهي تدفع خط الأفق المائي الأحمر من بين أمواج البحر المرسومة بدقة. ثمة ما يهيج قَلْب كازو الذي يحب حيوية وطاقة كل شيء مُزدَهر ونشط حاليًّا، من شدة التوافق التام مع وزير سابق يرتدي ملابس إنجليزية قديمة ويتناول وجبة غداء في مطعم غربي من عصر ميجي مثل هذا.

وفجأة قال نوغوتشي:

«إن وظيفة الدبلوماسي هي رؤية الناس، وأنا أعتقد أنني على مدار حياتي جعلت قدرتي على رؤية الناس فقط هي مهارتي. إن زوجتي الراحلة كانت امرأة عظيمة، ولكنني رأيتها بعينيَّ هاتين مرة واحدة فقط وحسَمْتُ قراري على الفور، ولكن لأنني لستُ عرَّافًا فليس لي علم بالآجال. لقد أصاب زوجتي المرض بعد نهاية الحرب مباشرة وتُوفِّيَت؛ ولأننا لم ننجب أطفالًا أصبحتُ وحيدًا تمامًا … آه، عندما تقل كمية الحساء يُشرب بإمالته إلى الجهة الأخرى. أجل بتلك الطريقة.»

فوجئت كازو بشدة ولكنها أطاعته بتلقائية. لم ينتقد رجل حتى الآن طريقة أكلها للطعام الغربي.

واصل نوغوتشي كلامه دون أية مبالاة لتعبيرات وجه كازو قائلًا: «في ربيع العام القادم، سأذهب إلى نارَا مدعوًّا من صديق لمشاهَدة طقس النار المقدس في قاعة الشهر الثاني. لم يسبق لي رؤية ذلك المهرجان من قبل رغم هذا العمر الطويل. وأنتِ؟»

– «وأنا أيضًا نفس الأمر. مع كثرة دعوتي من كثيرين. ولكن حتى النهاية …»

– «ما رأيك؟ أَلَا تأتين معي؟ مع أني أعتقد أنك مشغولة في عملك.»

– أسرعت كازو بالقول: «موافقة»، على الفور.

ومع أنه وَعْد لا يزال أمامه ثلاثة أو أربعة أشهر، إلا أنها بمجرد أن أجابت «نعم» اهتاجت مشاعرها، وفاضت تَخيُّلاتها، ولم تستطع كازو أن تُخفي تدفق الدماء إلى رأسها بعد أن اقترن دخولها من مكان بارد إلى غرفة بها مدفأة مع تصاعد الحرارة إلى وجهها.

قال نوغوتشي وهو يحرك السكين المخصَّص لتقطيع الأسماك والذي نُقش عليه نقش دقيق: «إن بكِ ما يشبه اللهب.» بدا نوغوتشي في قمة الرضا وهو يفرض ملاحظاته على الآخرين بثقة في النفس.

«لهب» كرَّرت كازو الكلمة؛ لأنها كانت في قمة السعادة عندما قِيلَت لها. «تقول لهب؟ ولكن تُرى كيف يكون ذلك؟ إن الجميع يسخرون مني بالقول إنني كُرة من اللهب، مع أنني شخصيًّا لا أعتقد ذلك.»

– «أنا لا أقول ذلك بغرض السخرية.»

سكتت كازو لأن كلمة نوغوتشي بدت لها وكأنه قالها وهو في منتهى الانزعاج.

بدأ الحديث الذي انقطع مرة أخرى من الحديث عن زهرة الأوركيد. وكان هذا الحديث أيضًا لا تعلم عنه كازو شيئًا، وكان يجب عليها أن تَصمُت وتُصغِي أذناها لهذا المسن الذي أمام عينيها وهو يَتفاخَر مثل مُراهِق صغير بما يملك من معلومات لا تفيد. وأمكنها تخيل نوغوتشي من بضع عشر سنة مضت يُظهر بفخر واعتزاز كل ما يملك من معلومات أمام إحدى الفتيات التي يعجب بها.

– «انظري إلى هناك. هل تعرفين ذلك النوع من زهور السحلبية ماذا يُسمى؟»

لفت كازو عنقها وشاهدت سريعًا أصيص الزرع الذي وُضع فوق قاعدة خلفها، ولكن لأنها لم يكن لديها أي اهتمام، أعادت عنقها للأمام دون أن تراه تقريبًا وأجابت بأنها لا تعرف. وكانت تلك الإجابة أسرع من اللازم بعض الشيء.

فقال نوغوتشي بمزاج سيئ:

«اسمها دندربيون.»

وهنا لفَّت كازو رأسها مرة أخرى واضطرت هذه المرة لأن تشاهدها بالتفصيل الدقيق.

كانت سحلبية غربية من نوع زهور البيوت الزجاجية مزروعة في أصيص بلون اللازورد موضوع فوق قاعدة، ولم تكن زهورًا بها ندرة بصفة خاصة. الزهور المَطلية بجسيم أحمر متنِّوع في حافَّتها من ساق تشبه سيقان الكنباث الشتوي تلتصق بها وكأنها تطفو لاعبة. بدا الشكل المعقَّد الذي يشبه سحلبية من أعمال طي الورق؛ ولأنه ما من ريح تهزه، كأنه صناعي أكثر وأكثر. في مركز الزهور القرمزية الغامقة، وكلما حَمْلَقت كازو أكثر، وبدت لكازو شيئًا يبعث على السخرية بشكل، شيئًا قبيحًا لا يتناسب مع هذا الظهر الشتوي الهادئ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤