الفصل الثامن

حفل الزواج

بعد مرور أسبوع من عودتها من طقس النار المقدَّس، لم تستطع كازو الانتظار، فدَعَت وَفْد الرحلة إلى مأدُبة في ستسوغوان ردًّا لجميل الرحلة. وكانت قائمة طعام تلك الليلة كما يلي:

المقبِّلات:

كُنباث بالسمسم، سلطعون مدخن، ملفوف عيدان الفجل، أنقليس مسلوق، سوشي سمك دنيس ملفوف بورق البامبو

الحساء:

حساء صافٍ بنكهة البرقوق المخلل، حساء دقيق على شكل نجوم، حساء بطعم الثوم المعمَّر، حساء مطحون الخضروات

الساشيمي:

سمك دنيس حي مُقدَّم على لحاء الصنوبر، سمك قاروس مخطط

المشويات:

روبيان مشوي بالملح، عش غراب، فلفل بصوص الميسو

المسلوق:

أعشاب بحرية من ناروتو، جذور بامبو يانعة، مطحون خضروات.

واختارت القاعة الكبرى مكانًا للمأدبة بصفة خاصَّة رغم أن عدد الضيوف كان صغيرًا؛ وذلك لأنها كانت تعرف أن تلك الليلة لا يمكن نسيانها، وستظل في الذاكرة لوقت طويل بعدها.

ظل نوغوتشي وكازو في نارا ليلتين بعد أن عاد قَبلهم الرفقاء الأكثر انشغالًا. زارا العديد من المعابد البوذية، ثم زارا للمرة الثانية قاعة الشهر الثاني التي أُنهِكت للغاية بطقس مشاعل الصنوبر في صباح مُشرق جميل، ثم صعد السلالم الحجرية إياها لكي يرى المسرح. عاد «أطفال الآلهة» الذين قاموا بالعمل حتى تلك الدرجة في يوم المهرجان إلى وجوه القُرويِّين البريئة الساذجة في أيامهم المعتادة، يجلسون فوق درجات السلالم الحجرية يتمتعون بأشعة الشمس. بَدَا المنظر من المسرح تجاه المنحَدَر أسفلهما، مع مشهد الحشائش الذابلة بالضبط مثل الحقول التي شب فيها حريق ثم انطفأت. فبجانب براعم خضراء يانعة نبتت من وهي داخل الأرض تنتشر هنا وهناك جذور أعشاب محروقة تغرق في أشعة الشمس، فتُظهر جذور النباتات النامية بعد الحريق.

في نزهة شبه صامتة تحدَّث نوغوتشي بنبرة حديث عقلانية، وكان الحديث يَتقدَّم أحيانًا ويتأخَّر أحيانًا، وأخَذ بنفسه دفة الحوار إلى موضوع زواجهما. تَلقَّت كازو نِيَّة نوغوتشي بدون أن تجعل العاطفة تسيطر عليها، وشرَحَت رأيها على نحو صريح وواضح. على أي حال لم تَكن لدى كازو نية إغلاق مطعم ستسوغوان. ورغم قول ذلك، فليس من المقبول أن يأتي رجل في وضع يوكِن نوغوتشي ليقيم في ستسوغوان. وفي هذه الحالة سَيُضطران إلى حياة زوجية غير تقليدية. أي تعود كازو في نهاية كل أسبوع إلى بيت نوغوتشي. ويقضي الزوجان نهاية الأسبوع فقط معًا في بيت نوغوتشي. وتعود كازو صباح الاثنين مرة أخرى إلى مكان عملها في كويشيكاوا … كان ذلك هو الحل الوسط الأفضل الذي تَوصَّل إليه الاثنان بعد نقاش وتفكير.

بفصل الهواء النقي في ربيع مُبكِّر، وهدوء المدينة العتيقة، تناقَل الاثنان خطواتهما ببطء شديد، يُحكمان الخطة، وبدَا أن الحل الذي توصَّلَا إليه عقلاني بدرجة كبيرة. وأحسَّت كازو بالدهشة؛ لأن تلك السعادة التي لم تَكن تتوقَّعها لم تحمل لها إثارة واهتياجًا عنيفًا، بل كانت فرحة هادئة.

إن كازو الآن على وشك أن تكون زوجة رجل عظيم. وإن فكرت في هذا الأمر، فهو الحلم الذي كانت تُخطِّط له منذ زمن بعيد ليكون المحطة النهائية برحلة حياتها الطويلة. لقد وُلدت في محافظة نييغاتا، وفَقَدت والديها، وتبنَّاها قريبٌ لها يملك مطعمًا، وهربت مع أول حبيب لها إلى طوكيو، … وفي النهاية حصلت كازو على مكانتها الحالية بعد معاناة ومصاعب عديدة. كانت كازو ما إن تعقد العزم في قلبها على شيء تحمل داخلها يقينًا أنها ستحققه بالضرورة في وقت ما. ومع أنه يقين غير منطقي بتاتًا، ولكن خلال حياتها حتى الآن، تَحرَّكَت تمامًا طبقًا لذلك اليقين مَهما كانت العقبات.

كانت كازو قد حقَّقَت كل رغباتها، وكان موقفها الآن أن ذلك اليقين قد استَنفَد غرضه حتى الآن حتى خريف العام الماضي، ولكن بعد أن تقابَلَت مع نوغوتشي، اندهشَت لاشتعال قلبها بشكل لم تكن تتوقَّعه، وانتبهَت أن ذلك اليقين ما زال له فاعلية لم تستخدمها بَعد.

وكان التطابق العجيب لحماسها مع ذلك اليقين سببًا لأن تعاني كازو من سوء التفاهم مع المجتمَع لوقت طويل بعد ذلك. لا يجب القول إن حماس كازو تجاه نوغوتشي كان سببه النفعية. ولا يجب كذلك القول إنها كان تسعى إلى الشهرة. على العكس كان حبها لنوغوتشي طبيعيًّا وأثناء ما كانت كازو تتصرف بطبيعتها التلقائية، كان الحلم الذي لم تتعجَّل في تحقيقه عنوة، يكتمل أمام عينها. لم يكن الأمر إلا مجرد أن الخمر الذي ظَلَّت تحلم به أثناء تخميره نتج بطعم يوافق ما حَلم به قلبها.

ولكن عندما أظهرت كازو، الصادقة مع نفسها أكثر من اللازم، سعادة تلقائية وبريئة من زواجها بنوغوتشي، تولَّد سوء الفهم. كانت يجب عليها أن تَقبل عَرْضه الزواج منها ببعض الحزن.

•••

كانت ليلة الثاني والعشرين من مارس دافئة بالفعل، أتى نوغوتشي مبكِّرًا وتناقَش مع كازو حول كيفية استقبال الضيوف. حتى في مثل ذلك الوقت جلس نوغوتشي على مقعده في هدوء ويعطي تعليماته إلى كازو التي تجلس بجانبه ولا يبدو على وجهه اهتمام.

بعد أن أظهرت كازو قائمة الطعام لنوغوتشي قالت ما يلي:

«اليوم سأُقدِّم طبقًا خاصًّا غير مذكور في هذه القائمة. وهو متعلِّق بطقس النار المقدَّس، سيكون طعامًا ثقيلًا، وتقديمه فيما بعد ربما يكون سببًا في أن الضيوف لا يأكلونه، وسيكون ذلك مأزقًا، ولكن حتى لو قلنا ذلك، فمن الأفضل أن يكون إعلام الأمر إيَّاه على الملأ بعد انتهاء العشاء.»

– «وما هي العلاقة بين إعلاني الأمر وذلك الطعام الخاص؟»

سأل نوغوتشي ذلك السؤال بقليل من الشك، وهو يفتح بسيخ تقليب الفحم فتحة عشوائية في الرماد الذي في مجمرة الفحم ذات الخطوط الجميلة.

«أليس كذلك؟»

هكذا قالت كازو وهي تخاف من رَدَّة فعل نوغوتشي المعتادة، ثم أكملت: «عندما تتحدث عني والجميع يستمتع بذلك الطعام، هو في الواقع أمر أنيق، وأعتقد أن مفعوله سيكون كاملًا.»

– «هل تريدين مني التمثيل أمامهم؟»

– «لا، ليس هذا ما أريده. ولكنها فكرة. أليس هناك فكرة لحفلات الشاي؟»

– «ألا ينتهي الأمر على خير من دون البحث عن كل تلك الإثارة؟! حتى أنا! الوضع أنني سأقول ذلك الأمر لهؤلاء الذين هم موضع ثقتي المطلَقة من أصدقاء، وأتعامل معهم باسترخاء وبدون أي حساسية. وإذا استهدفت البهرجة والإثارة فلن يبدأ شيء.»

اقتنعت كازو أن الوقت هو وقت حَذَر ويجب عليها التراجع.

«حسنًا لنفعل ما تقوله. سأقدم القائمة بداية من المشهيات تدريجيًّا، وأنا أفكِّر فقط في درجة امتلاء بطونهم.»

وعندها أعلنت الخادمة عن حضور العجوز الثمانيني صاحب المنصب الرفيع في الجريدة.

•••

استقبلت كازو الضيف المهم بوجه باسم وبشوش للغاية. ولم تأبه إلى نوغوتشي الذي تُرك مشدوهًا مذهولًا من براعتها في إزالة الوجه النفسي عَمَّا كان عليه حتى الآن ووَضْع وجه مختلف في لحظة زمن.

دخل العجوز الثمانيني إلى القاعة الكبرى مُنتصِب القامة يُدلي من إحدى يديه حقيبة مصنوعة من القماش كما هي عادته، ويغطي شعره الأبيض الرائع أذنيه، ويرتدي هاكاما مع معطف تقليدي. ويبدو مدير الجريدة عندما يتعامل مع ذلك الرجل وكأنه يشعر بتحقيق هدفه في الحياة وهو يلعب دور الخادم المخلِص له.

«أهلًا يا نوغوتشي. لقد كانت رحلتنا السابقة معًا ممتعة.»

قال العجوز الثمانيني ذلك وجلس على الفور في المقعد الرئيس؛ وذلك لأنه ما من أحد غيره يستحق الجلوس في ذلك المقعد. وبعد أن جلس مباشرة، حول دفة الحديث بعيدًا تمامًا عن رحلة نارا، فتكلم عن محاضرة «تاريخ الصحف في اليابان» التي حضرها جلالة الإمبراطور أمس وكانت إحدى أمنيات العجوز.

قال العجوز الثمانيني: «بالطبع لم يكن من الممكن شرح جميع التفاصيل في ذلك الوقت القصير. كما المتوقع كان ما اهتم به جلالته بشكل خاص هو الحديث عن عصر ميجي. كان الأمر بالنسبة إلى جلالته يسبب أزمة إذا كان عصر ميجي يبدو في صورة الماضي الجميل أكثر مما نعتبره نحن بكثير.»

«لا بد أن السبب أنك يا أستاذ شرحتَ الأمر على أنه ماضٍ جميل.»

«على كل حال إن لم يعتقد جلالة الإمبراطور الحاكم أن الوضع الحالي هو الأعلى والأفضل، فلن يكون المستقبل واعدًا.»

وأثناء الأخذ والرد في هذا الموضوع اكتمل عدد الضيوف، وبدأ قدوم الخمر والمقبلات. وكانت كازو قد بعدت عن المكان لفترة. وأخيرًا ظهرت كازو جاعلة عاملتين تحملان صواني كبيرة ومما أدهش الضيوف أن فوق تلك الصواني نيران زرقاء مشتعلة. ثم قالت رسائل صوتية:

«إنها مشاعل الصنوبر في قاعة الشهر الثاني.»

وما تم حمله فوق المائدة كان أطعمة تقليدية رائعة تَسرُّ الناظرِين، والمشاعل التي كانت بعدد الضيوف، مصنوع جزء الخيزران من لحم الدجاج، وجزء الصندوق المشتعل مصنوع من طيور مشوية صغيرة رُش عليها نبيذ قوي لينطلق منها لهب، ووزعت حولها أوراق خضروات جبلية لتعبر عن جبال نارا في الخلفية. وعلاوة على ذلك هناك لافتة صغيرة أمام قاعة الشهر الثاني لتخبر الفرسان بضرورة الترجل.

أجمعت أفواه الضيوف على مدح تلك الذائقة، وقال رجل الأعمال إنه استطاع أن يشاهد طقس النار المقدس مرَّتين هذا العام، وعلى الفور ألَّف بيت شعر هايكو ارتجاليًّا على هذا الموضوع. كانت كازو تنظر إلى وجه نوغوتشي من وقت لآخر.

كانت ملامح وجه نوغوتشي في ذلك الوقت أبعد ما تكون عن مشاعر السعادة. كان ذلك الوجه يُقاتل كرًّا وفرًّا، كانت نظرته التي رَدَّ بها على نظرات كازو أقرب — على الأغلب — إلى نظرة كراهية. ولكن تحمَّلَت كازو نظرات ذلك الرجل، واستمتعت بتلك السعادة في خبث مطمئنة تمامًا. وذلك لأنها تعلم جيدًا أن نظرة الكراهية تلك لها علاقة فقط بكبريائه الصغير الذي يدعوه إلى عدم الانصياع لما تقول.

وقفت كازو فجأة وغادرت القاعة. وتظاهرَت بأنها تسير في الممر مبتعدة ولكنها اختبأت خلف باب القاعة المجاورة.

وأخيرًا تردَّد صدى صوت نوغوتشي قادمًا إليها من القاعة الكبرى. وكانت تلك الكلمات هي التي تنتظرها كازو بأمل.

«لدي كلمة أريد أن أقولها للحضور الكريم هذه الليلة، في الواقع لقد قررتُ الزواج من مالكة هذا المكان كازو فوكوزاوا.»

قطعت ضحكات العجوز الثمانيني الأعزب لحظة الصمت التي خيمت على الضيوف.

«لقد كنتُ أعتقد يا نوغوتشي أنك أنت فقط الذي يشبهني في عبقرية فن الحياة، ولكن من المفرح أن ذلك كان تقديرًا مبالَغًا مني تجاهك ولم تكن عبقريًّا بالمرة. حسنًا، لنشرب نخب ذلك. أين ذهبت السيدة المالكة؟»

بعد أن زعق العجوز الثمانيني بصوت عال، وبَّخ مدير الجريدة قائلًا:

«يا لك من كسول! أسرع بالاتصال بالجريدة. إن هذا انفراد صحفي لجريدتنا.»

– «تعاملني معاملة محرر صغير مهما مرت السنين، أليس كذلك؟»

ضحك الجميع على ذلك التعليق، وعلى الفور ساد الجميع شعور بالسكينة والسلام؟

زعق العجوز مرة ثانية:

«أين ذهبت السيدة كازو؟»

لم تسمع كازو أثناء الرحلة زعيق العجوز بهذا الشكل من قبل ولا مرة واحدة، ولكنها قرأت من خلال ذلك الصوت أنه يريد إظهار روح الجموح العشوائي لطالب مدرسي في عصر ميجي البعيد. وعندما عادت كازو إلى القاعة الكبرى أخيرًا، كانت على وشك الاصطدام بمدير الجريدة الذي هرع للاتصال بالجريدة. مدير الجريدة صاحب السلوك الراقي عادةً؛ قرص كَتِف كازو الممتلئ وهي تمر بجانبه ثم ذهب مسرعًا.

•••

نُشر ذلك الخبر في الجريدة صباح اليوم التالي. وعلى الفور جاءت مكالمة هاتفية من غينكي ناغاياما. فألقى على كازو تحية الصباح بصوت يبدو عليه المرح كما هي عادته: «صباح الخير. لم نلتقِ منذ فترة. هل أنتِ بخير؟ حقًّا! حقًّا! بخصوص خبر الجريدة هذا الصباح، خبر كاذب أليس كذلك؟»

صمتَت كازو أمام سماعة الهاتف.

«إممم! … بخصوص ذلك ثمة ما يجب التحدُّث معكِ بشأنه. أَلَا تأتين إلى مكتبي الآن؟»

ذكرَت كازو أنها لا تقدر بسبب مشاغل لديها، ولكن مثل تلك الحجة لا يمكن أن يقبلها غينكي.

«إن الذي لديه مشاغل هو أنا. ولكني سأُخصِّص وقتًا من الآن من أَجلِك ويجب عليك المجيء. مكتبي الذي تعرفينه في بناية مارونوؤتشي.»

كان غينكي يملك ما يمكن أن يُطلق عليه مكتبًا في كل مكان. وكان ما قاله عبارة عن غرفة ضيافة في مكتب أحد أصدقائه. ولكن الأمر العجيب أن مثل ذلك «المكتب» مثله مثل غرف رؤساء الشركات كان يمكن له تنفيذ أمور عدة من خلال جرس صغير مُلحَق بتلك الغرفة، وفي أي مكتب من مكاتبه كان غينكي يستغل الناس بخشونة طاغية. كانت كازو تعرف مكتب بناية مارونوؤتشي القديمة؛ لأنها ذهبت إليه عددًا من المرات. كان المكتب عبارة عن غرفة ضيافة في شركة كبرى للثروة السمكية، وكان رئيس الشركة من نفس بلدة غينكي.

كانت الأمطار ذلك اليوم تُمطِر مطرًا باردًا خفيفًا في بداية الربيع. عندما مشت كازو في الطابق الأرضي من بناية مارونوؤتشي القديمة المكون من محلات تجارية تُعطي شعورًا بظلام خافِت مُريب، ورأت كازو الممر الذي ابتل من قطرات ماء المطر التي تسقط من مظلات الناس يلمع في وِحْدةٍ مُوحِشَةٍ. وينبع إحساس بالكآبة والجفاء من الناس الذين يسيرون داخل الممر مُرتَدِين معاطف المطر كما هي. أحسَّت كازو بالغبن؛ لأن الفرحة التي فرحتها بقراءة خبر الجريدة في الصباح لدرجة تقديمها العطايا لمذبح الآلهة، تزول بهذا الشكل في طرفة عين بسبب رجل هي التي تُمدُّه بالمال. لقد كانت تعطيه ذلك المال بسبب إلحاحه دون أن تطلب أي مقابِل.

أثناء صعودها في المصعد الكهربائي كانت مشاعر كازو مُحبطَة ولكن عندما قابلت وجه غينكي الضاحك الساخر، فَقدَت كل ضغينة وعاد إلى وجهها الإشراق. الآن تُقابِل كازو ذلك السياسي الشهير الذي يحفل يومه بالأشغال والمهام لأمر شخصي، كان ذلك الوقت من صباح اليوم مَبعث سرور لها.

قال غينكي فجأة:

«إن كل ما تُفعَلِين ليس به أي عقل. تجيئين برجل فجأة إلى المنزل بدون أي إذن من والدك.»

«حقًّا! ألم تكن أخي الأكبر فقط؟! ولكن سواء أب أو أخ أكبر، فأنا بالفعل قد بلغتُ من العمر ما لا يجعل لك رخصة لوعظي بشيء. يجب عليَّ أن أنبهك لذلك مسبقًا.»

كان ردًّا لا يتناسب مع ما تكون عليه كازو دائمًا؛ حيث علا صوتها قليلًا وبرزَت به خلاعة لا داعي لها. لم تنقطع الابتسامة من على وجه غينكي السميك الذي وكأنه صُنع من لصق قطعة صلصال من اللحم، ثم قال وهو يفرك بحكم العادة التَّبغ في السجائر المطوِيَّة في يده بعناية:

«لا يجب التسرُّع الآن، فلقد تأخَّر وقت الزواج بالفعل.»

– «أجل. لقد تأخَّرتُ عشرات السنين.»

بعد هذا الحوار المليء بالدعابة، توقَّعَت كازو أن يقول بشكل متزمِّت للغاية: «هل حقًّا وقعتِ في غرامه؟» وإن حدث ذلك من المؤكَّد أن كازو ستجيب بمرح وسعادة: «أجل» ماذا سيقول غينكي يا تُرى بعد أن يتفهم كل شيء من خلال ذلك الرد؟ … ولكن رغم ذلك لم يُحرِّك غينكي ساكنًا ولم يقل شيئًا.

كان غينكي رجلًا كثير الحركة لا يهدأ. حصرًا على ذلك الرجل، فكازو لا تعرف على وجه الدِّقة متى يجب عليها إشعال سجائره. في العادة يجب عليها أن تجهز علبة الثقاب والثقاب في يدها، ثم بمجرَّد أن يضع الرجل السيجارة بين شفتيه تحكُّ الثقاب بعلبة الثقاب ثم تُقرِّب اللهب برفق من السيجارة لتشعلها بهدوء؛ فتبدو وكأنها اشتعلت بشكل طبيعي وتلقائي، ولكن عندما يكون الطرف الآخر هو غينكي، مَهما فعلَت لا تتناسب أنفاسهما معًا في تلك الحركة. فدائمًا يمسك غينكي شيئًا ما يلعب به بطرف الأصبع الغليظة التي بها أظافر تشبه الزعانف. ويكون ذلك الشيء أحيانًا سيجارة، وأحيانًا قلم رصاص، وأحيانًا أوراقًا، وأحيانًا جريدة. وفي ذلك الوقت يملك عيونًا بريئة لا تستقِر على هدف مثل عيون الأطفال الرُّضَّع، أطبق شفته الغليظة البُنِّيَّة اللون بميل على أحد جانبيها. كاد أن يضع السيجارة الملفوفة بعد أن دُعست كثيرًا واعوجت بين شفتيه، ولكنه أعادها لمكانها السابق.

ثمة نافذة واسعة خلف ظهر المقعد الذي يجلس عليه غينكي، تُظهر بنايات حي الأعمال تحت الأمطار. وفُتحت الستائر الثقيلة ذات اللون الأخضر الغامق المصنوعة من الساتان المشجَّر على الجانبين. تبدو إضاءة مصابيح النيون المضاءة منذ الصباح في نوافذ البناية المقابِلة، تخترق الأمطار لامعة مكشوفة وقريبة من العين بشكل غريب.

«ولو قلتِ إنك ستتزوجين من يوكِن نوغوتشي، ماذا ستفعلين في المطعم؟»

– «سيستمر المطعم في العمل كما هو.»

– «هذا غير مقبول. ففي وقت ما سيحدث تصادم بين نوغوتشي وبين المطعم. فعلى الأغلب كان ستسوغوان وحتى الآن هو المطعم المفضَّل لسياسيِّ حزب المحافظين وأنا أوَّلهم، فإن أصبحَت مالكة المطعم زوجة مستشار حزب الإصلاح سيكون الأمر مريبًا.»

– «لقد فكرتُ مليًّا في هذا الأمر. ولكن سأظل كما كنتُ حتى الآن أتلقى عناية حزب المحافظِين، وعلى الجانب الآخر زوجي من حزب الإصلاح، ولا تناقُض في ذلك، حتى الدستور يجعل من الطبيعي أن يُصوِّت الزوجان كل منهما لحزب مختلف عن الآخر.»

– «هذان الأمران مختلفان. ألا تفهمين أنني قلِق على مستقبلك؟ من الواضح لكل ذي عينين أنك سحبتِ الورقة الخاسرة في القُرْعة، وأن ذلك الزواج لن يكون فيه خير لا لكِ ولا لنوغوتشي. فمن خلال قوتك الذاتية يمكنك التعامل مع أي أعمال ضخمة في المستقبل، ولكنك بذلك تغلقين طريق النشاط الذي أمامك بنفسك. كازو! هل تسمعين؟ إن الزواج مثل شراء أسهم من البورصة، لذلك من الطبيعي أن تشتري الأسهم وهي رخيصة، ماذا ستفعلين بِأسْهُم لا أمل لها في المستقبل؟ أعترف أن السيد نوغوتشي في الماضي كان عظيمًا، ولكن الآن لو بحثْنَا عن قيمته فأي أحد يعرف أن مالكة مطعم ستسوغوان أعلى قيمة من الوزير الأسبق يوكِن نوغوتشي. يجب عليكِ أن تعرفي قيمتك أكثر من ذلك … ولكن مجرد الاستمرار فقط في تشغيل ستسوغوان يدل على طبعك الذي لن يتغير، فأنتِ لستِ امرأة تقدر على الانعزال في بيت الزوجة في هدوء وسكينة. تلك هي ملامح شخصيتك.»

– «أنتَ تعرف هذا جيدًا.»

– «أليس كذلك؟ إذا شاهدتِ المرايا كل صباح ستعرفين ذلك … ولكن ما هي حسابات السيد نوغوتشي يا ترى؟ أليس في نيته استغلالك؟»

ارتفعت الدماء في وجه كازو وصاحت بصوتٍ عالٍ:

«هذا الرجل ليس من صفاته أن يكون عالة على امرأة. ماذا تقول؟ وأنت كما تعرف.»

ضحك غينكي ضحكة سخرية دون أن يُبدي أية بادرة غضب.

«لقد انتصرتِ في ذلك الأمر. فأنا من الأصل عالة ذو مهارة جيدة؛ لأنني آخذ فقط دون أي محبة.»

أخيرًا وضع غينكي السيجارة في فمه. وعندما أشعلتها له كازو، أخذ منها نفسًا وبدأ يُحوِّل دفة الحوار إلى حديث خليع لا يليق. فتحدث عن أن شعر المرأة كيت وكيت.

ولكن عندما أظهر سكرتير غينكي وجهه ليخبره أن الضيف التالي ينتظر، التقطت كازو معطف الكتف ووقفَت. وحتى النهاية لم تتسرب من فم غينكي الكلمة التي كانت كازو تنتظرها في أمل أثناء ذلك اللقاء.

ولكن كان غينكي يُفضِّل إغلاق ستارة المسرح بمشهد عاطفي. فهو يعشق وَهْم أنه يُمسك بقلوب الناس أكثر من أي شيء آخر، فعاد إليه هدوؤُه ووجَّه نظره إلى الأمطار خارج النافذة، ثم عدل وجهته إلى ظهر كازو التي كانت على وشك مغادرة المكان ولم ينسَ أن يقول:

«مهلًا! من المؤكَّد أنك ستُوجِّهين لي دعوة لحضور الحفل، أليس كذلك؟»

•••

تزوج نوغوتشي من كازو في الثامن والعشرين من شهر مايو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤