أسئلة بلا أجوبة

الجو حار خانق … والشمس تصلى الشوارع بأشعتها الملتهبة … وبرغم هذا كان المغامرون الخمسة والكلب «زنجر» يركبون درَّاجاتهم ويطوفون بشوارع المعادي شارعًا شارعًا.

ولم يكن المغامرون الخمسة يسيرون معًا … لقد قسَّموا أنفسهم على شوارع المعادي كلِّها يبحثون عن ولدٍ صغير.

وكان «تختخ» — عندما بدأت حوادثُ هذه المغامرةِ العجيبة — يسير وحيدًا على درَّاجته وخلفه «زنجر» قريبًا من كورنيش النيل … ينظر حولَه في كلِّ اتجاه لعلَّه يعثر على الولد الصغير التائه … وفجأةً أحسَّ بصدمةٍ مفاجئة، وصوتِ نفير سيارة وفرامل قوية، وصراخ … ووجد نفسه ملقًى على الأرض وهو يشعر بآلام في مختلِف أنحاء جسمه … وصوت نباح «زنجر» يصل إليه وكأنه في حلم أخد يتلاشى حتى طواه الظلام.

عندما استيقظ وجد نفسه يجلس على كرسي أمام محل تجاري، وقد تجمَّع الناس حوله … ورشوا وجهه بالماء … وكان «زنجر» يجلس تحت قدمَيه، ويلحس يدَيه … والسيارة التي اصطدمت به واقفة، وصاحبها يقف مع بقية الناس … وسمع أحدهم يقول: الحمد لله … جاءت سليمة.

وتقدَّم صاحب السيارة قائلًا: آسف جدًّا … لقد كانت غلطتك؛ فقد كنتُ أسير في طريقي عندما فوجئت بك أمامي … ولم يكن في إمكاني أن أتفاداك …

أخذ «تختخ» يتحسَّس جسمه … ويرفع يدَيه، ويُحرِّك قدمَيه … وأحسَّ براحة كبيرة … إذ لم تكن هناك إصابات جسيمة … فقط كان يشعر ببعض الآلام في ساقه اليمنى وكتفه … ولكن المشكلة كانت في درَّاجته التي أُصيبت إصابات بالغة.

قال «تختخ» لصاحب السيارة: إني فعلًا المخطئ … فقد كنتُ أسير دون أن أنتبه إلى ما حولي …

أخرج الرجل بطاقةً (كارتًا) من جيبه وقدَّمها إلى «تختخ» قائلًا: هذا اسمي وعنواني ورقم تليفوني … وإذا كنتُ قد تسبَّبت لكَ في أية خسائر فأنا على استعدادٍ لدفعها … وآسف لأني مضطر إلى الانصراف لارتباطي بموعد هام.

صاح أحد الواقفين: كيف تتركه ينصرف؟! … لقد أوقعكَ على الأرض!

قال «تختخ» بهدوء: إنني المخطئ … والرجل لطيف جدًّا … ولا داعي لهذا الكلام …

وأصرَّ صاحب السيارة على اصطحاب «تختخ» في سيارته بعد أن سُلِّمت الدرَّاجة إلى أقرب «عجلاتي» … واعتذر الرجل مرةً أخرى ﻟ «تختخ» وانصرف، وقد بدا عليه الارتياح وكأنه تخلَّص من مشكلةٍ خطيرة.

استطاع «تختخ» أن يتسلَّل إلى غرفته دون أن يراه أحد؛ فقد كان يُريد ألَّا يُسبِّب إزعاجًا لأحد وخاصةً والدته … وهكذا دخل الحمام فاغتسل، ووضع بعض المُطهِّرات على مكان التسلُّخات الخفيفة التي أصابت ساقه اليمنى وذراعه. ثم جلس في كرسي وأسند رأسه على كفِّه وأخذ يُفكِّر … وكان تفكيره كله منصبًّا على الولد الصغير التائه … «أشرف عبد القادر موسى» … إن والده قريب لوالدة «تختخ» … وقد نُقل من عمله في أسوان إلى القاهرة منذ شهور، وسكن في شقة صغيرة في المعادي، ولكنها لم تُعجبه … وظلَّ يُواصل البحث، وفجأةً عثر على «فيلا» جميلة لم يكن يحلم بها … «فيلا» في المعادي ذات حديقة واسعة … وبإيجار بسيط، وانتقل إليها مع أسرته منذ أسبوع واحد. وفي صباح هذا اليوم خرج ابنه «أشرف» لزيارة «تختخ» … ولكنه لم يصِل … ولم يعُد إلى «الفيلا» منذ ثلاث ساعات!

كان من المؤكَّد أن «أشرف» … قد تاه … لقد عاش حياته كلها في أسوان، وهذه أول مرة يأتي فيها إلى المعادي … والفترة التي قضاها فيها لم تُمكِّنه من معرفة الشوارع والأماكن … لا بد أنه تاه. هكذا كان «تختخ» يُفكِّر وهو جالس ينتظر حضور بقية الأصدقاء … فلا بد أن واحدًا منهم سيعثر على «أشرف» سائرًا في أحد الشوارع.

ومضى الوقت بطيئًا دون أن يظهر أحد … ثم سمع «تختخ» صوت جرس درَّاجة «لوزة»، فقال في نفسه: لا بد أن معها الأصدقاء، فهل وجدوا «أشرف»؟

صعدت «لوزة» وحدها إلى «تختخ»، ولم تكَد تراه حتى أصابها انزعاج شديد للإصابات الظاهرة في ساقه وذراعه … ولكنه طمأنها … وروى لها ما حدث، وسألها عن «أشرف»، فقالت في أسف إنها لم تجده.

بعد قليل وصل «عاطف»، ثم «محب»، ثم «نوسة»، ولم يكن أحد منهم قد عثر على «أشرف» …

كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ظهرًا … لقد مرَّت خمس ساعات على غياب «أشرف» دون أن يظهر … وقال «تختخ» للأصدقاء: لعلَّه قد عاد إلى منزله …

ثم قام إلى التليفون وتحدَّث إلى والدة «أشرف» … ولكن الأم كانت في غاية الانزعاج والاضطراب وهي تقول له: إنه لم يعُد … إن والده قد ذهب لإبلاغ الشرطة.

عاد «تختخ» إلى الأصدقاء وأخبرهم بما قالته الأم … وبدأ الانزعاج يغزو نفوس الأصدقاء … لقد أحبوا «أشرف» جميعًا … فهو ولد مهذَّب وذكي، وكان من الممكن أن ينضم إليهم في مغامراتهم … وأخذت الأفكار السوداء تطوف برءوسهم … فماذا أصاب «أشرف»؟!

هل ما زال تائهًا؟ من غير المعقول ذلك … ففي إمكانه أن يسأل عن مكان الشارع وسوف يدله من يسأله. هل أُصيب في حادث؟ وإذا كان قد أُصيب فما مدى إصابته؟ …

ظلَّت الأسئلة تتلاحق في رءوس الأصدقاء دون إجابةٍ واحدة … ثم قالت «لوزة»: هل من الممكن أن يكون قد خطفه أحد؟

ردَّ شقيقها «عاطف» في ضيق: يخطفه أحد؟! ما هذه الأفكار السخيفة التي تدور برأسك؟! … ولماذا يختطفه؟ …

قال «تختخ»: من المستبعد أن يكون قد اختُطف … فليست هناك أسباب للخطف؛ فوالده ليس غنيًّا ليدفع فديةً للخاطفين … إنه موظَّف محترم … ولكنه ليس غنيًّا على كل حال.

نوسة: إلا إذا كانت هناك أسباب أخرى للخطف.

تختخ: لا أظن أن هناك أسبابًا للخطف … فالأستاذ «عبد القادر موسى» قريب والدتي، رجل طيِّب … وليس له أعداء … والخطف جريمة كبيرة لا تتم إلا لأسباب هامة! …

محب: ولكن ما هي الأسباب التي وراء غيابه هذه الفترة الطويلة؟!

سكت الجميع، فقد كان هذا السؤال وغيره يدور في أذهانهم جميعًا … دون إجابة إلا الخوف من أن يكون «أشرف» قد أصابه مكروه …

قضى الأصدقاء فترةً يتحدَّثون، ثم سمعوا أصواتًا في الدور الأول من «الفيلا». وحضرَت الشغالة لتخطر «تختخ» والأصدقاء أن الأستاذ «عبد القادر موسى» ومعه الشاويش «علي» قد حضرا لمقابلتهم.

تحامل «تختخ» على نفسه ونزل ومعه الأصدقاء، وكان الأستاذ «عبد القادر» يبدو عليه الانزعاج والتعب … وقال الشاويش «علي»: إنكم تعرفون «أشرف» طبعًا.

وردَّ «محب»: إنه صديقنا.

الشاويش: ألم يرَه أحدٌ منكم اليوم؟

محب: لا … ولو رأيناه لقلنا لوالدته.

الشاويش: أليس عندكم أي فكرة عن مكانه؟

محب: أبدًا!

أخذ الشاويش يعبث بشاربه فترة، ثم قال: أليست هناك ألغاز تشتركون في حلها وأرسلتم «أشرف» هنا أو هناك؟

محب: ما هذا الكلام يا حضرة الشاويش؟! ليست هناك ألغاز ولا غيره!

التفت الشاويش إلى الأستاذ «عبد القادر» قائلًا: هؤلاء الأولاد يُسمُّون أنفسهم المغامرين الخمسة، ويشتركون في مغامرات حمقاء … ويُعرِّضون أنفسهم للمخاطر بلا سبب … ويتدخَّلون في أعمال الشرطة، وأنا أخشى أن يكون ابنك «أشرف» مشتركًا معهم!

التفت الأستاذ «عبد القادر» إلى الأصدقاء، ولكن «تختخ» أسرع يقول: إننا فعلًا نشترك في بعض المغامرات ونحل بعض الألغاز، ولكننا لا نتدخَّل في أعمال الشرطة، وليس لاختفاء «أشرف» أي علاقة بنا، ولو كان هناك أي شيء له صلة بغيابه لقلنا لك.

الشاويش: على كل حال فإن الشرطة لا تتدخَّل للبحث عن المختفين إلا بعد ٢٤ ساعةً من غيابهم، وأنا هنا الآن بصفة غير رسمية، ولكن غدًا سوف أسألكم جميعًا بصفة رسمية.

ودار الشاويش على عقبَيه، ثم خرج تاركًا الأستاذ «عبد القادر» مع الأصدقاء، وبعد لحظات انضمَّ لهم والد «تختخ» الذي عاد من عمله، ووالدته، وجلس الجميع يتحدَّثون عن اختفاء «أشرف» وقد امتلأت قلوبهم بالقلق والخوف.

أخيرًا قال والد «تختخ»: أقترح أن نبدأ من الآن في السؤال عنه في المستشفيات لعله أُصيب في حادث ونُقل إلى أحدها.

انزعج والد «أشرف» انزعاجًا شديدًا عندما سمع الاقتراح ولكن ذلك كان هو الحل الوحيد، فقام «تختخ» وأحضر دليل التليفونات … وبدءوا الاتصال بالإسعاف أولًا … ثم ببقية المستشفيات … وانصرف الأصدقاء وتركوا «تختخ» وبقية الحاضرين يتصلون تليفونيًّا … فقد كان الموقف لا يحتاج إلى وجودهم.

استمرَّ الاتصال التليفوني فترةً طويلة، وكانت الإجابات التي تلقَّوها من المستشفيات جميعًا واحدة: لم نستقبل جريحًا تنطبق عليه هذه الأوصاف. وغادر والد «أشرف» المنزل وهو في حالة يُرثى لها من القلق …

قالت والدة «تختخ»: شيء غير معقول! … أين اختفى هذا الولد؟ هل انشقَّت الأرض وابتلعته؟!

تختخ: سأتصل بالمفتش «سامي» … وأُخبره … فإننا لن نصل إلى شيء … ولا بد من تدخُّل الشرطة بما لها من إمكانيات واسعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤