ساعات الخطر

ذهب كلٌّ من «تختخ» و«محب» إلى منزله لتناول الغداء، واتفقا على أن يتقابلا مع بقية الأصدقاء في حديقة منزل «عاطف» كالمعتاد، وكان على «تختخ» بعد أن يتقابل مع الأصدقاء أن يذهب إلى منزل الأستاذ «عبد القادر» بعد الظهر. وقبل أن يخرج من المنزل قدَّمت له الشغَّالة «كارتًا» قائلة: لقد وجدتُ هذا «الكارت» في جيبك يا أستاذ «توفيق» وأنا أغسل قميصك. وأمسك «تختخ» ﺑ «الكارت» وأخذ يتذكَّر … «كارت» من هذا؟ … إنه لا يعرف أحدًا باسم «منصور علي» مطلقًا … ثم فجأةً تذكَّر … إنه الرجل الذي صدمه بسيارته في الأسبوع الماضي! وقرأ «تختخ» «الكارت» ورقم التليفون، ثم تركه على مائدة الصالون وخرج؛ فلم يعد بحاجة إليه … وأسرع «تختخ» إلى منزل الأستاذ «عبد القادر» فوجده في حالةٍ مفزعة من الخوف … أمَّا زوجته فكانت قد انهارت تمامًا وأوت إلى الفراش … وقال الأستاذ «عبد القادر» ﻟ «تختخ»: إن العصابة عرفتْ كل شيء … لقد عرفوا أنني اتصلت بالشرطة … سوف يقتلون ابني … إنكَ أنت السبب!

فوجئ «تختخ» بهذه الكلمات، وأحسَّ بالذنب لأنه فعلًا الذي أبلغ المفتش «سامي» … فأحنى رأسه في ضيق شديد، ثم قال: كان من واجبنا إبلاغ الشرطة … من غير المعقول أن نترك المجرمين يتحكَّمون فينا … فما هو عمل رجال الشرطة إذن؟ …

ردَّ «عبد القادر» في انفعال: وماذا أفعل الآن؟! وماذا سيفعل رجال الشرطة؟! إن ولدي في خطر … أنقذوه أنتم إذا استطعتم …

تختخ: لا تُصدِّق أن العصابة ستُصيب «أشرف» بأذًى … إن ما يُهمُّهم هو مبلغ العشرة آلاف جنيه، وليس قتل «أشرف» … ولهذا لن يقتلوه أبدًا …

عبد القادر: هذا مجرَّد كلام … لقد قالوا لي إنهم لن يتصلوا بي مرةً أخرى.

تختخ: ولكن من أين عرفوا أنكَ اتصلتَ برجال الشرطة؟ إن واحدًا منهم لم يدخل منزلك …

عبد القادر: ومن أين أعرف كيف عرفوا؟!

تختخ: شيء مُحيِّر جدًّا، ولكن هل زاركَ أحدٌ من رجال الشرطة؟

عبد القادر: نعم … زارني الشاويش «علي» هذا الصباح.

كاد «تختخ» أن يُجن عندما سمع هذا الكلام … لقد أفسد الشاويش «فرقع» خطتهم وعرَّض حياة «أشرف» للخطر … وقام «تختخ» إلى التليفون وتحدَّث مع المفتش «سامي» … فقال المفتش: لقد سجَّلتُ المكالمة … والشاويش لا ذنب له فيما حدث … فهو لم يكن يعلم خطتنا وهذا خطأ منا … على كل حال لا تدَع الأستاذ «عبد القادر» ينزعج … فسوف تتصل به العصابة مرةً أخرى؛ فنحن نعرف أساليب هذه العصابات …

قال «تختخ»: أرجو أن تُحدِّثه أنتَ حتى يطمئن …

ثم سلَّم سمَّاعة التليفون إلى الأستاذ «عبد القادر»، الذي استمع قليلًا إلى المفتش ثم بدا عليه الارتياح … وبعد أن وضع السمَّاعة قال ﻟ «تختخ»: آسف جدًّا لأني تحدَّثت إليكَ بلهجة لا تليق … لقد كنتُ في غاية الاضطراب.

تختخ: إنني أُقدِّر موقفك … وأرجو في المرة القادمة أن تطلب من العصابة أن تجعل «أشرف» يتحدَّث إليك … قل لهم إنك تُريد أن تطمئن على أنه ما زال حيًّا حتى تدفع لهم مبلغ الفدية.

وانصرف «تختخ» بعد أن حدَّد موعد مقابلة الأستاذ «عبد القادر» مع المفتش «سامي» لتسلُّم مبلغ العشرة آلاف جنيه. وعندما وصل إلى باب «الفيلا» خطر في رأسه سؤال … كيف عرفَت العصابة زيارة الشاويش «فرقع» ﻟ «الفيلا»؟ لا بد أن العصابة تُراقب «الفيلا» … ولكن كيف؟ وقف «تختخ» أمام «الفيلا» يُراقب الشارع … لم تكن هناك مقاهٍ ولا محلَّات قريبة تستطيع العصابة أن تُراقب منها «الفيلا» … والحل الوحيد أن يكون بوَّاب «الفيلا» من العصابة، أو أن يكون أحد أفراد العصابة مقيمًا في أحد المنازل القريبة … وليس هناك حل آخر … ولكن أي منزل من كل هذه المنازل؟! وفي أي شقة؟!

لم تكن هناك إجابة … وأسرع «تختخ» إلى لقاء الأصدقاء في حديقة «عاطف»، وقصَّ عليهم كل شيء، فقالت «نوسة»: إننا لم نقُم بدورٍ في هذه المغامرة، وقد جاء دورنا … إن علينا أن نُراقب الشارع والبوَّاب، لعلنا نستطيع الوصول إلى من يُراقب «فيلا» الأستاذ «عبد القادر».

تختخ: وما الطريقة؟! من غير المعقول أن تظلوا تتسكَّعون طول النهار أمام المنازل، إن هذا في حد ذاته سوف يلفت أنظار العصابة!

عاطف: إنني أقترح أن نبيع كوكاكولا.

محب: ماذا تقول؟!

عاطف: أن نبيع كوكاكولا … هل تذكر العربةَ التي اشتراها «تختخ» في لغز القصر الأخضر، إنها عربة أطفال يمكن تحويلها إلى ثلَّاجة، وعلينا أن نُساهم في شراء صندوقَين أو ثلاثة من الكوكاكولا، ثم نمر بها على المنازل … ونقف هنا وهناك للبيع، وسوف يُتيح لنا هذا فرصةً لمراقبة الشارع كله …

تختخ: وهل ستقفون جميعًا للبيع؟ …

لوزة: يقف «عاطف» و«محب» ونقوم أنا و«نوسة» باللعب حولهما أو شراء زجاجة بين حين وحين، وهكذا نتمكَّن جميعًا من مراقبة الشارع وبوَّاب «الفيلا».

تختخ: فكرة ممتازة، نفِّذوها من الآن حتى تتمكَّنوا غدًا من الوقوف في الشارع؛ فالساعات المقبلة خطرة، وقد نستطيع الوصول إلى العصابة أسرع من الشرطة.

أسرعوا جميعًا إلى منزل «تختخ» حيث أحضروا العربة القديمة من الحديقة وأخذوا يُنظِّفونها، وأحضر «تختخ» لهم جردلًا كبيرًا، وأحضر «محب» جردلًا آخر … ولم يعودوا إلى منازلهم إلا بعد أن أصبحت العربة مجهَّزة.

استيقظ الأصدقاء مبكِّرين، وأسرعوا بشراء صناديق الكوكاكولا والثلج، ثم دفعوا العربة أمامهم واتجهوا إلى الشارع رقم «٦٦»، حيث تقع «الفيلا» التي يسكنها الأستاذ «عبد القادر». كانوا جميعًا في غاية التوتُّر؛ فقد أنستهم المغامرة — إلى حين — الخطر الذي يعيش فيه صديقهم «أشرف» … فبدءوا يحسبون الربح، ووجدوا أنهم سوف يكسبون نحو ٣٦ قرشًا … إذن فهي مغامرة مسلية ومربحة في الوقت نفسه!

قطعوا الطريق مسرعين، ووصلوا إلى الشارع، فاختاروا مكانًا غير بعيد عن «الفيلا»، وأخذوا يُنادون على الكوكاكولا … كان «عاطف» خجلًا في البداية، ولكن ما إن باع أول زجاجة حتى أحسَّ بالرضا والشجاعة، وأخذ يرفع صوته مناديًا على زجاجاته المثلجة.

لم يشغل البيعُ الصديقَين «عاطف» و«محب» عن مراقبة المنازل … وكذلك «نوسة» … و«لوزة» اللتان أخذتا تلعبان وتُراقبان في الوقت نفسه … كانوا جميعًا يتبعون كلَّ شخصٍ يتحرَّك بأنظارهم … محاولين معرفة اتجاه سيره ونظراته … وكانوا يُراقبون النوافذ … والأبواب … ومرَّت الساعات دون أن يُلاحظوا شيئًا له أهمية … وفجأةً اقتربت «لوزة» من «محب» قائلة: أعتقد أني أرى شخصًا خلف نافذة في الطابق الثالث من المنزل رقم «١٦»، وهو يُقابل «الفيلا» تقريبًا.

كانت تتحدَّث وهي تشرب زجاجة كوكاكولا في الوقت نفسه … وتضع يدها في جيبها وتُخرج ثمن الزجاجة … لقد كانت تتظاهر تمامًا بأنها لا تعرف هذَين البائعَين الصغيرَين. قال «محب» وهو يتظاهر أيضًا بأنه لا يعرفها، ولا يُوجِّه نظره إليها: سآخذ معي زجاجات الكوكاكولا وأصعد إلى المنزل، وسوف أسأل السكَّان إن كانوا يُريدونها أم لا، وسأسأل عن اسم صاحب الشقة.

حمل «محب» عددًا من الزجاجات المثلجة، وأخذ طريقه إلى المنزل رقم «١٦»، وصعد إلى الطابق الثالث، ثم دقَّ جرس الباب … ومرَّت فترة طويلة دون أن يفتح أحد … فأعاد الدقَّ مرةً أخرى بإلحاح … وبعد فترة فُتح زجاج الباب وظهر وجه رجل … نظر الرجل إلى «محب» لحظة، ثم قال: ماذا تُريد؟

ردَّ «محب» وهو ينعم النظر في وجه الرجل: هل تُريد بعض الكوكاكولا … إنها مثلَّجة جدًّا …

ردَّ الرجل في خشونة: لا أُريد زجاجات مثلَّجةً ولا ساخنة، ولا تُضيِّع وقتي … ثم ردَّ الزجاج في عنفٍ حتى خشي «محب» أن يكسره.

كانت اللحظات التي رأى فيها «محب» وجه الرجل كافيةً لأن يرى شيئًا غير عادي في وجهه … كان حول عينَيه دوائر حمراء غائرة في الجلد … ولكن ما معنى هذه الدوائر؟!

عاد «محب» إلى الشارع … واستمرَّ الجميع يُراقبون. ثم أقبل «تختخ» على درَّاجته ووقف ليشرب زجاجة الكوكاكولا وكأنه لا يعرفهم، وانحنى «محب» داخل العربة الصغيرة وهو يتحدَّث قائلًا: ليس هناك شيء غير عادي حتى الآن … ولكن رجلًا في الطابق الثالث من المنزل رقم «١٦» ظننا أنه يقف خلف النافذة فترةً طويلة … ولمَّا كان هذا المنزل يُطل على «الفيلا» … تقريبًا؛ فقد صعدت إلى فوق حيث وجدت «كارتًا» يحمل اسم «منصور علي» على باب الشقة … ثم قابلتُ الرجل … ولاحظتُ أن حول عينَيه دوائر حمراء غائصة في الجلد … ولستُ أعرف سبب وجودها.

ردَّ «تختخ»: قد تكون من أثر نظَّارة مكبِّرة … استمرُّوا في الملاحظة. ومضى «تختخ» في الطريق وهو يُفكِّر … المنزل رقم «١٦» في الشارع رقم «٦٦» ومنصور … إن هذه الأرقام وهذا الاسم ليست غريبةً عليه … لقد قرأها منذ فترة قصيرة … ولكن أين؟! أين؟! وفجأةً تذكَّر كل شيء … «الكارت» الذي تركه له الرجل الذي صدمه بسيارته! … إنه على ما يذكر كان به هذا الاسم وهذا العنوان، ولكن قد يكون هذا مجرَّد وهم … ومن السهل على كل حال التأكُّد … ما عليه إلا أن يعود إلى البيت ويبحث عن «الكارت».

وأسرع بدرَّاجته إلى البيت، دقَّ الجرس، وأسرعَت الشغالة تفتح … ولدهشتها الشديدة وجدت «تختخ» يجري إلى غرفة الصالون ويبحث فوق المائدة … أخذ ينظر على المائدة الرخامية دون أن يجد شيئًا … أين «الكارت»؟! لا شيء هناك. وكانت الشغَّالة تعبر الصالة في طريقها إلى المطبخ فناداها وسألها عن «الكارت» … فقالت: لم أرَ هذا «الكارت» أبدًا.

قال «تختخ» بضيق: «الكارت» الذي أعطيتِه إياي في هذا الصباح … الذي كان في جيب قميصي يوم الحادث.

ردَّت الشغَّالة: نعم تذكرتُه الآن.

تختخ: وأين هو؟

الشغَّالة: لا أدري، بعد أن أعطيتُه إياكَ لم أرَه.

تختخ: هل دخل أحدٌ إلى غرفة الصالون بعد انصرافي؟

الشغَّالة: جاء زائر لوالدك، ثم انصرف.

تختخ: ألم تُلاحظي أن أحدهما أخذ «الكارت»؟

الشغَّالة: لم أُلاحظ شيئًا.

أخذ «تختخ» يبحث عن «الكارت» دون جدوى … لقد اختفى كأنه طار في الهواء … وفي هذه اللحظة ظهر «زنجر» الذي لم يقُم بأي دور في هذه المغامرة، وأخذ يقفز حول «تختخ» الذي صاح غاضبًا: ابتعد عني يا «زنجر» … ليس هذا وقت الهزار … إنني أبحث عن «كارت» أبيض … ألم ترَه؟

وقف «زنجر» ساكنًا يُحرِّك ذيلَه كأنه يُفكِّر … وشاهد «تختخ» وهو ينحني تحت الكراسي بحثًا عن «الكارت»، فنبح وكأنه يقول: «فهمت»، ثم دخل تحت الكنبة الكبيرة، وغاب لحظات، ثم عاد يحمل «الكارت» بين أسنانه.

انقضَّ «تختخ» على «الكارت»، وانتزعه من بين أسنان «زنجر» المندهش، ثم قرأ بسرعة: «منصور علي» منزل «١٦» شارع «٦٦» المعادي … تليفون ٣٤٢١٦ … إنه هو … هو … وفي إمكانه زيارته والتحدُّث معه … إنها مصادفة أخرى عجيبة في هذا اللغز الحافل بالمصادفات المدهشة!

وأسرع «تختخ» يركب درَّاجته ويُسرع إلى الشارع … هل وصل أخيرًا إلى خيط يُؤدِّي إلى العصابة؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤