فتاة في كرسي متحرك

بين اليقظة والمنام سمع «تختخ» نُباحَ كلبِه العزيز «زنجر»، خُيِّل إليه أنه يحلم … تقلَّب في فراشه وظل النُّباح مستمرًّا وملحًّا … فتح عينَيه وأضاء النور … نظر إلى المنبه على الكومودينو بجواره … كانت الساعة تقترب من الرابعة فجرًا … كان النباح ما زال مستمرًّا ومرتفعًا تحت نافذة غرفته.

أزاح «تختخ» الأغطية جانبًا وفتح النافذة وأطَّل على الشارع المجاور … وكانت المفاجأة … فَرَكَ عينَيه لا يُصدِّق ما يرى … كرسي متحرك ينزلق ببطء على الأرض المبللة بالمطر … أغلق عينَيه وفتحهما، ثم أمعن النظر … فتاة صغيرة تبدو منكفئةً إلى الأمام في الكرسي المتحرك، ولم يكن هناك أيُّ شيء إلا الكرسي ذا العجلات و«زنجر» يجري في الشارع حتى النافذة … كان الكرسي يتحرك نازلًا مع الشارع المنحني … وأضواء الشارع تعكس ظلَّه على الأرض … وبدَا المنظر كله خياليًّا.

أسرع «تختخ» بالنزول على الشجرة المجاورة لنافذة غرفته كما يفعل كلما كان في عجلة من أمره، وانزلق على الأغصان حتى الأرض … وفي خطوات سريعة كان يفتح بابَ حديقة الفيلَّا … ثم اندفع إلى حيث كان الكرسي ينزلق ببطء … نظر إلى المقعد فرأى فتاةً تلبس ملابس غالية، وقد تدلَّى رأسُها إلى الأمام وهي تُمسك بيدَي الكرسي … فتحَت عينَيها ونظرَت إليه … فرأى في عينَيها نظرةَ استغاثة ودموعًا رقيقة تنساب ببطء.

أمسك «تختخ» بالمقعد وقادَه إلى باب حديقة الفيلَّا، و«زنجر» يتبعه نابحًا … وأشار إليه «تختخ» بالتوقُّف فقد قام بواجبه.

وبرغم المطر لم يكن الجو باردًا … وعادة ما يكون الجو دافئًا عندما ينزل المطر … أسرع «تختخ» يتسلق الشجرة من جديد ليدخل الفيلَّا ويفتح الباب، في حين ترك الفتاة أمام باب الفيلَّا بعد أن أغلق باب الحديقة على سبيل الاحتياط، نزل في غرفة نومه، ثم أسرع بنزول السلالم الداخلية للفيلَّا، وحَمِد الله أن والده ووالدته لم يستيقظَا، ولكن حركته داخل الفيلَّا أيقظت دادة «نجيبة» التي حضرَت تنظر إليه في دهشة وهو يتسلل إلى باب الفيلَّا.

قالت «نجيبة»: صباح الخير يا «توفيق» … ماذا هناك؟!

ردَّ «تختخ» وهو يُسرع إلى الباب: سوف ترَين ماذا هناك!

فتح الباب ودفع الكرسي المتحرك ودخل … نظرتْ إليه دادة «نجيبة» وقد امتلأت نظراتُها بالدهشة والفزع في وقت واحد … فمن أين بهذه الضيفة في هذا الوقت المبكر!

أغلق «تختخ» باب الفيلَّا وقال: دادة، من فضلِك كوب من اللبن الدافئ بسرعة!

تحت ضوء صالة الفيلَّا أخذ يتأمل الفتاة … كانت شديدةَ الجمال … ذات شعر أسود فاحم … وعينَين سوداوين … وبشرة سمراء خفيفة … ولكن شاحبة … ابتسم «تختخ» وقال للفتاة:

تختخ: صباح الخير!

ظلَّت النظرة الشاردة كما هي … ولم تردَّ الفتاة … فعاد يقول «تختخ»: صباح الخير … ما اسمك؟!

لم تردَّ الفتاة … ولكنَّ عينَيها عكسَت نظرةً حزينة كأنما تستنجد به.

عاد «تختخ» يقول: صباح الخير … أنا «توفيق» … مَن أنتِ؟

لم تردَّ … وأحسَّ «تختخ» بشيء يتسلَّل إلى نفسه: هل هي بكماء؟!

مدَّ يدَه أمام عينَيها فتحركَت رموشُها … فأدرك أنها مبصرة …

فكَّر لحظة وقال في نفسه: لماذا لم تردَّ؟!

عاد يُكرِّر مرة أخرى: صباح الخير … أنا «توفيق» … مَن أنتِ؟

ولم تردَّ الفتاة … فأدرك ما كان يخشاه … إنها بكماء فعلًا!

جاءت دادة «نجيبة» بكوب اللبن الدافئ … فقرَّبه «تختخ» من فم الفتاة … فأخذت تشرب متلهفة … كان واضحًا أنها في حالة جوع شديد.

عادت دادة «نجيبة» تسأله: ما هي الحكاية يا «توفيق»؟

تختخ: ليست هناك حكاية ولا رواية، لقد أيقظني «زنجر» من النوم بنباحِه المتصل … وخشيتُ أن يكون هناك لصٌّ في الحديقة أو كلبٌ ضالٌّ … ولكن فوجئت بالفتاة على الكرسي، كان ينزلق على أرضية الشارع التي ابتلَّتْ بسبب سقوط المطر!

نجيبة: مَن هي؟

تختخ: ومن أين لي أن أعرف؟! كل ما أعرفه عنها قلتُه لك. شربت الفتاة كوب اللبن الدافئ حتى آخره … وبدَتْ على وجهها علاماتُ الارتياح.

قال «تختخ»: دادة «نجيبة» أعدِّي لها غرفة الضيوف.

نجيبة: ولكننا لن نستطيع حمْلَ الكرسي إلى الدور الثاني.

تختخ: سنترك الكرسي هنا، وسأحملها أنا إلى فوق.

نجيبة: لا … سوف أحملها أنا!

تختخ: أعدِّي الغرفة أولًا، ثم نرى مَن يحملها.

فوجئ «تختخ» بأن الفتاة قد استغرقَت في النوم بعد أن شربت كوب اللبن الدافئ … أخذ يتأمل ملامحها الرقيقة، وهو لا يُصدِّق ما حدث.

عادَت دادة «نجيبة»، وبرفقٍ حملت الفتاة النائمة، وصَعِدت بها السلم دون مشقة … فقد كانت دادة «نجيبة» قوية … لكنها في نفس الوقت كانت تحمل قلبَ أمٍّ حنون …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤