الطريق لدخول الفيلَّا …

قال «عاطف»: ربما كان الرجل يلبس نفس اللون!

هزَّت «شمس» رأسها تنفي ما قاله «عاطف». كان «المغامرون» يراقبونها، وقد استغرقت في التفكير لبضع لحظات، ثم أشارت إلى بلوزة «نوسة»، ووضعَت يدها على وجهها، ثم أعادت رسم الشارب والطول، وهي تقول: «را» … قال «تختخ»: «را» تقصد «رجل».

صفَّقت «شمس» وهي تُشير بنعم، فأكمل «تختخ»: وهي تشير إلى بلوزة «نوسة» تقصد أنه كان يلبس بلوزة تُشبهها!

ثم أشارت «شمس» بالنفي وأمسكَت يد «نوسة» ووضعَتها بجوار يدها، فقال «محب»: تقصد لون بشرته!

صفَّقت «شمس» مرة أخرى، وهي تُشير بنعم … كانت «نوسة» تلبس بلوزة غامقة اللون، نظر «تختخ» إلى «محب» وقال «تختخ»: إنه ليس لون «نوار» خصوصًا وهي تُشير إلى قصره.

فسألتها «نوسة»: ركبتِ السيارة، ثم ماذا حدث؟!

أشارت «شمس» إلى أنها أرادت أن تصرخ لكن صوتها لم يصدر، ثم وضعَت يدَيها على عينَيها، ففهم «المغامرون» أنهم وضعوا عِصابة على عينَيها حتى لا ترى إلى أين هي ذاهبة، وظلَّت تبكي — حتى بكَت فعلًا — احتضنَتها «نوسة» وقبَّلتها، ومسحَت دموعها، فهمس «تختخ» للمغامرين: يكفي هذا اليوم حتى لا نُثيرَ أعصابها!

قضَوا معها بعض الوقت، ثم استأذنوا، لكن «شمس» أشارت لهم أن يبقَوا، فقالت «نوسة»: سوف نعود إليكِ.

كانت الدادة قد أسرعت بدخول الفيلَّا … فظهرت والدة «شمس» وطلبت منهم أن يبقَوا للغداء مع «شمس»، فذلك سوف يُسعدها، ويُسرع شفاءَها … لكن «المغامرين» اعتذروا لها، وأكدوا أنهم سوف يتردَّدون على «شمس» كثيرًا، فقد أصبحت صديقتَهم، وودَّعوا «شمس» من جديد وانصرفوا واستقلُّوا تاكسيًا، فانطلق بهم إلى «المعادي»، لكن فجأة صاحَت «لوزة»: «نوار»!

ثم أشارت إلى سيارة تسير بعيدة عنهم قليلًا، فنظروا في نفس الاتجاه، لكن السيارة دخلت بين عددٍ من السيارات حتى أصبح من الصعب رؤية مَن بداخلها، قال «تختخ» للسائق وكان يجلس بجواره: هل نستطيع تتبُّع السيارة المرسيدس السوداء؟

وأشار إلى اتجاه السيارة، فقال السائق: أحاول، ولو أن هناك سيارات كثيرة تفصلها عنَّا!

أخذ السائق يحاول أن يقترب من السيارة، لكنها كانت تمشي بسرعة …

أضاءَت إشارة المرور لونها الأحمر فتوقَّفَت السيارات، وكانت المرسيدس السوداء تقف خلف سيارة حمراء … فكَّرَ «تختخ»: هل ينزل ويحاول الاقتراب من السيارة لرؤية من بداخلها …

نظر إلى «لوزة» وسألها: هل أنت متأكدة منه؟!

لوزة: إنه يشبهه تمامًا كما في الصورة.

فتح باب التاكسي، فقال السائق: ماذا تفعل … الشارع زحمة … والإشارة يمكن أن تتغير إلى الأخضر في لحظة … وساعتها لا أستطيع أن أنتظرك … وأنت هكذا تُعَرِّض نفسك للخطر؟!

لكن «تختخ» لم يسمع كلام السائق … فتح الباب وقفز إلى الشارع، وأسرع بين السيارات، لكن فجأة تغيَّر لون الإشارة إلى الأخضر فانطلقت السيارات، وأصبح واقفًا أمام سيارة، فانطلق صوت الكلاكس … وتَبِعَته سيارات أخرى بأصواتها، واضطر التاكسي أن يتحرك تاركًا «تختخ» وسط الشارع … فتحرك «تختخ» نحو اتجاه الرصيف وهو يُشير إلى السيارات القادمة التي كانت تُهَدِّئ من سرعتها حتى يمرَّ … وأخيرًا وصل إلى الرصيف، تحدث في تليفونه المحمول إلى «محب» الذي ردَّ عليه بأنهم ينتظرونه بعد عدة أمتار بجوار الرصيف الأيمن للشارع.

انطلق «تختخ» مسرعًا، فوجد «المغامرين» في انتظاره يقفون على الرصيف … بعد أن رفض السائق توصيلهم، لكن المسافة الباقية على «المعادي» لم تكن كبيرة … ففضَّلوا أن يقطعوها مشيًا، وقالت «لوزة»: إنني متأكدة من شَكْله، وكان هو الذي يقود السيارة!

محب: لعلها السيارة التي شاهدناها خارجة من الفيلَّا، فقد كانت سوداء فعلًا!

تختخ: لا بأس … إن مهمتنا الآن هي البحث عن «نوار»، وأنتم تعرفون شكله.

سكت قليلًا ثم قال: صحيح أن الوصول إلى «نوار» مهم؛ لكن الأهم هو إثبات أنه وراء خطف «شمس»، ولن يتحقق هذا إلا بالعثور على الكرسي المتحرك الأصلي … وأظن أنه موجود في الفيلَّا الغامضة … ما لم يكونوا قد تخلَّصوا منه.

نوسة: هذا يعني أنه لا بد من دخول الفيلَّا.

تختخ: هذا صحيح.

كانوا قد وصلوا قريبًا من الفيلَّا الغامضة التي كانت ساكنة تمامًا، وكأن أحدًا لا يسكنها، واتفقوا على أن ينقسموا إلى مجموعتين؛ كل مجموعة تمشي في اتجاه مختلف حول الفيلَّا لمراقبة إمكان دخولها.

اتجه «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» في اتجاه … وذهب «تختخ» و«محب» في اتجاه آخر.

كان «تختخ» و«محب» يراقبان الأشجار المزروعة داخل حديقة الفيلَّا الغامضة … فقد يستطيعان الدخول عن طريق أغصانها، لكن الأشجار كانت مزروعة بعيدًا عن السور، في حين كان السور مرتفعًا، ومن الصعب تسلُّقه … فجأة رنَّ تليفون «تختخ»، وكان المتحدث «عاطف» الذي قال: هناك إمكان دخول الفيلَّا عن طريق حديقة الفيلَّا المجاورة.

تختخ: أين تقفون بالضبط؟

عاطف: عند نهاية السور.

تختخ: نحن في الطريق إليكم.

اتجه «تختخ» و«محب» إلى حيث حدد «عاطف» مكانهم، وعندما وصلَا إليهم تحدَّث «عاطف» دون أن يُشير إلى الشجرة في الحديقة المجاورة للفيلَّا الغامضة، حيث يتدلَّى فرعٌ كبير من داخل حديقة الفيلَّا الغامضة وقال: «عاطف»: نستطيع من خلال حديقة هذه الفيلَّا النزول إلى حديقة الفيلَّا الهدف.

همس «تختخ»: وكيف الدخول إلى هذه الفيلَّا؟!

فكَّر «عاطف» قليلًا ثم قال: سوف نجد حلًّا … المهم هو وجود إمكان الدخول.

تختخ: إذن نلتقي آخر النهار.

تفرَّق «المغامرون»، وأخذ «تختخ» طريقَه إلى فيلَّاه، كان مستغرقًا في التفكير؛ فهل يستطيع دخول الفيلَّا … إن «نوار» لم يظهر بعد ذلك، وحتى الحركة داخل الفيلَّا معدومة، وليس هناك سوى الكلاب، وربما يكون الرجل القصير الذي شاهده هو و«محب» هو الذي يقدم لها الطعام ثم ينصرف، لكن السيارة التي رأوها خارجة من الفيلَّا الغامضة، تعني أن هناك مَن تردَّد عليها.

تناول «تختخ» غداءه مع الأسرة، فأخبر والده أن الفتاة عادَت لأسرتها … وأنهم زاروها اليوم وقد بدأت تنطق بعض الحروف، وأن هناك لغزَ اختفائها ثم ظهورها … وحكاية الكرسي المتحرك المختلف … وأن المفتش «سامي» توقَّع عملية تهريب لأشياء ثمينة كانت موجودة في الكرسي الأصلي، وتمَّ استبداله، وأنهم الآن يبحثون عن الكرسي المتحرك الأصلي، فقال الوالد: لاحِظ أن هذه عصابات … ولا بد أن تكون حذرًا، وما دامت المسألة قد أصبحت في يد المفتش «سامي»، فإن دوركم ينتهي.

تختخ: هذا صحيح يا والدي! إننا فقط نساعد الشرطة في القيام بدورها … أمَّا التصدي لمثل هذه العصابات فهو مهمة الشرطة.

انتهى الغداء وذهب «تختخ» إلى غرفته، أبدل ثيابه واستلقى على سريره، كان يُفكر في وسيلة لدخول الفيلَّا المجاورة للفيلَّا الغامضة … ولمعَت في ذهنه فكرة، نظر في الساعة الموجودة بجواره على «الكومودينو» … كانت تُشير إلى الثالثة … قال في نفسه: في الرابعة أبدأ في تنفيذ الفكرة.

عندما وصل عقرب الساعة إلى الرابعة أخذ «تختخ» طريقَه إلى حديقة الفيلَّا، فظهر «زنجر» … فكَّر «تختخ» هل يصحب «زنجر» أم أنه يُمكن أن يُعطله … اتخذ قراره وربَّت على رأس كلبه العزيز، فأخذ «زنجر» طريقه إلى حيث بيته في آخر الحديقة … ركب «تختخ» دراجته وأخذ طريقه إلى حيث الفيلَّا الغامضة … وتجاوزها إلى الفيلَّا المجاورة … كان الشارع خاليًا … دار مرة حول الفيلَّا وعندما أخذ طريق العودة رأى صبيًّا في مثل سنِّه يخرج من الفيلَّا المجاورة وهو يجرُّ دراجته … أسرع «تختخ» إليه … وعندما اقترب منه كان الصبي قد ركب دراجته، ألقى عليه «تختخ» التحية … ابتسم الصبيُّ وردَّ عليه … كانَا يتحركان بجوار بعضهما … قال «تختخ»: اسمي «توفيق».

فقال الصبي: اسمي «أدهم».

كانَا يقطعان الشارع جيئةً وذهابًا وهما يتحادثان … عرف «تختخ» أن «أدهم» يخرج في هذا الوقت كل يوم ليمارس رياضته المفضلة وهي ركوب الدراجات … وأنَّه عضو في فريق الدراجات في نادي «المعادي» … وأنه اشترك في عدة مسابقات ونال جوائز، وقال له «تختخ» إن له أصدقاء … وكلهم من هواة ركوب الدراجات … ويقومون برحلات داخل «المعادي» بالدراجات. فعرض عليه «أدهم» اشتراكه معهم إذا قاموا برحلة، ثم دعا «تختخ» لدخول الفيلَّا! فكَّر «تختخ» بسرعة: هل يلبي دعوة «أدهم» أم يؤجلها ليوم آخر؟! لكنه وجدها فرصة ليوثق علاقته بهذا الصديق الجديد الذي يُمكن أن يُفيدَه في معرفة معلومات عن الفيلَّا الغامضة. فهو يسكن بجوارها، ولا بُدَّ أن تكون عنده معلومات عنها … وهكذا لبَّى دعوة «أدهم» فاتجهَا إلى الفيلَّا حيث تركَا دراجتَيهما خلف البوابة، ودخلَا وصعدَا إلى الطابق الثاني.

كانت غرفة «أدهم» تُطلُّ على الحديقة مثل غرفة «تختخ»، وكانت تُطلُّ على الحديقة الخلفية للفيلَّا الغامضة. كانت نافذة الغرفة مغلقة وعليها ستائر زرقاء … استأذنه «أدهم» فأخذ «تختخ» يتأمَّل الغرفة، كانت محتوياتها مثل محتويات غرفته … السرير والمكتب … والدولاب والكمبيوتر … فكَّر «تختخ» أن يفتح النافذة ويُطلُّ منها على الفيلَّا الغامضة، لكن «أدهم» كان قد عاد بكوبَي «نسكافيه»، قدَّم واحدًا ﻟ «تختخ» الذي شكره وقال: هل الفيلَّا المجاورة غير مسكونة؟!

أدهم: إنها مخزن؛ فصاحبها يعمل في الاستيراد والتصدير … وفي بعض الأوقات تأتي سيارات النقل لتُفرغ حمولتها.

تختخ: تبدو بلا حراسة!

ابتسم «أدهم» وقال: حُرَّاسها خمسة كلاب متوحشة؛ يحبسونها بالنهار ويُطْلقونها بالليل … وكثيرًا ما يوقظني نباحُها من النوم!

تختخ: لأن غرفتك تُطلُّ على حديقتها.

أدهم: بابها في الجانب الآخر … فغرفتي تُطلُّ على الحديقة الخلفية لها.

ثم قام «أدهم» وأزاح الستائر عن النافذة، ثم فتحها وقال ﻟ «تختخ»: تعالَ لترى.

وقف «تختخ» واتجه إلى النافذة وأطلَّ منها، كانت حديقة الفيلَّا الغامضة مليئة بصناديق فارغة، وأشياء مهملة كثيرة، فجأةً ظهرَت سيارة نقل محملة بصناديق توقَّفَت ونزل من فوقها عددٌ من الرجال، وبدءوا يُنزلون الصناديق ويرصُّونها فوق بعضها، ثم غطُّوها بغطاء ثقيل، وانصرفَت السيارة.

قال «أدهم»: هكذا كل عدة أيام … تأتي سيارة فارغة تحمل الصناديق وتنصرف.

عاد «أدهم» و«تختخ» إلى مقعدَيهما، فقال «أدهم»: ولو بقيت حتى يحلَّ الظلام فسترى رجلًا قصيرًا يأتي ليفتح باب بيت الكلاب وينصرف!

فكَّر «تختخ»: إنه الرجل القصير الذي شاهده هو و«محب» وهو يضع كوفية تُخفي نصف وجهه … إنه حارس الكلاب إذن!

سأل «تختخ»: ألَا ترى صاحب الفيلَّا؟!

لستُ مهتمًّا أن أراه … ولو أني أتمنَّى أن أراه حتى يُخلصني من هذه الوحوش التي لا تهدأ، ولا يتوقف نباحها طول الليل.

وقف «تختخ» وشكر «أدهم» على دعوته، وأنه سعيد بهذه الصداقة، وأنه سوف يأتي بأصدقائه ليتعرفوا عليه … وليتفقوا على رحلة قريبًا، وعند الباب ودَّعه «أدهم» على موعد بلقاء لممارسة الرياضة معًا … ركب «تختخ» دراجته وأشار إلى «أدهم» مودعًا … وعندما أصبح وحده قال في نفسه: إنها صداقة غالية … قدَّمت لنا معلومات مهمة … وعن طريق «أدهم» يُمكن دخول الفيلَّا الغامضة … فمن الضروري أن يكون الكرسي المتحرك فيها … ربما بين الأشياء المهملة الكثيرة الموجودة في الحديقة الخلفية، وما دامت الكلاب تكون محبوسة بالنهار، فمن المهم دخول الفيلَّا بالنهار؛ لأن لا أحد يكون موجودًا …

وانطلق إلى فيلَّاه سعيدًا؛ فقد حقق ما فكَّر فيه، لكن ظل السؤال: متى يستطيع دخول الفيلَّا الغامضة؟ وهل يعثر على الكرسي المتحرك؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤