اليَوْمُ

طَلَعَتِ الشَّمس، ونُفِضَتْ الخَمْس،١ من تُراب أمْس، وانصرف بنو الأيام من الجنازة، وقد هان عليهم اليوم الراحل، كما هان على المسافر مَطْوِيُّ المراحل،٢ فلا العَبْرةَ أراقوا، ولا على العِبْرة أفاقوا؛ شغَلَتْهم دُنياهم، وأمِنوا مناياهُم، وألهاهمْ هواهم؛ فهلكوا دون مناهم؛ فسبحان الذي ألْهَى بالأمل، وشغَل بالعمل، واستنهض الإنسان لأعباء اليومِ فحمل؛ والَّذي جَعَل الأمس أحاديث، ومواريث؛ وجَعَلَ اليومَ مجال الناهِض الناهز،٣ وجعل غدًا يومَ العاجز؛ فيا ابن الأيام لا تعقِدْ مناحة الأمس، ولا تقعُدْ تحرس الرمس؛ ولا تُفْسد شُغْلَ اليوم بالإرجاء،٤ ولا تُلْقِ على غدٍ كُلَّ الرجاء؛ واعمل في يومك ما أمكَنَ العمل، وتمتَّعْ به ما تَسنَّى التمتع؛ فما تعلم ما قُدَّامك من عوائق، ولا ما دونك من بوائق،٥ وما تدري: أعْوَامٌ حياتُك أم دقائق؟
١  الخمس: أصابع اليد.
٢  طوى المرحلة: قطعها.
٣  الناهز: الذي يغتنم الفرص.
٤  الإرجاء: التأخير.
٥  البوائق: المصائب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤