الصَّلاَةُ

  • الطهارة: كمالُ أدبِ الصَّلاة، وتمامُ الخدمة والتعظيم لله، عند توجُّه العبدِ إلى مولاه. شُرعَتْ وسيلة، وسُنَّةً جميلة، وصالحةً وفضيلة؛ حُكْمٌ حِكمتُهُ لا تَتم، حتى ينتظمَ النَّفْس والجِسْم؛ فإن جَمَعْت نَقاءَ الباطن والظاهر، فأنت الذي صَلَّى له١ وهو طاهر. ولو قُصرت الطهارة على وجُوهٍ تغْسَل، وأرساغٍ٢ تُبَلَّل، وثياب تُنَظَّفُ وتُجَمَّل؛ لكانَ الميْتُ أطهرَ من الحيّ؛٣ فيا أصحابَ الوُضوءِ غسلتُم الجوارح،٤ فهل غَسَلتُم الجوانِح؟ ورَحَضْتُم٥ الأطراف، فهل رَحَضْتُم الأجواف؟ طَهَّرتم الرَّاحَ من الأنجاس،٦ فهل طهَّرتموها من أشياءِ الناس؟، ونَظَّفتُمْ من الطُّرقِ٧ الأقدام، فهل نظَّفْتُمُوها من سبل الحرام، ومسالِكِ الإجرامِ؟ وتلكَ الوجُوه الممسوحَة بالماءِ، هل تَرقْرَق فيها الحياء؟ وهل نُقِّيت من وَضَرِ٨ الرياء؟
  • الصلاة: لو لم تكُنْ رأسَ العبادات، لعُدَّتْ من صالحة العادات؛ رياضة أبْدان، وطهارةُ أردان،٩ وتهذيبُ وجدان، وشتى فَضائِلَ يَشب عليها الجوارِي والوِلدان.

    أصحابُها هم الصابرون، والمثابِرون، وعلى الواجب هُم القادرون، عَوَّدَتْهم البُكور، وهو مِفتاحُ باب الرزق، وخيرُ ما يُعالج به العَبْدَ مناجاةُ الرازق، وأفضلُ ما يرودُ به المخلوق التَّوجُّه إلى الخالق؛ ولهم إليها بعد البُكورِ رواح؛ فإذا هي تصرفُهم عن دواعي الليل ومغرياته، وتعصِمُهم فيه من عوادي الفَراغِ ومُغوياته. والليلُ خلواتٌ وشهوات، وبيتُ الغَوايات.

    وتجزئَةُ الوقت مع الصلاةِ ملحوظَة، وقيمته عند الذين يُقيمونها مَحْفُوظَة، عوَّدتْهم أن يذكروه، ويُقَدِّروه، وأن يسوسوه في أعمالهم ويدبِّروه، والوقتُ ميزان المصالح، ومِلاك الأمور، ودولابُ١٠ الأعمال.
    انْظُرْ جلالَ الجُمَع، وتأملْ أثَرها في المُجْتَمَع، وكيف ساوَتْ العِلْيةَ بالزَّمَع؛١١ مسَّت الأرض الجبَاه، فالناس أكفاءٌ وأشباه، الرعية والوُلاة، شَرعٌ١٢ في عتبةِ الله؛ خرَّ الجمعُ للمناخِر؛ فالصفُّ الأوَّلُ كالآخِر، لم يرفَع المتصدِّرَ تصدُّرُه، ولم يضع المتأخِّرَ تأخُّرُه.
١  الهاء ضمير الشأن.
٢  جمع رسغ: وهو المفصل ما بين الساعد والكف.
٣  لأن غسل الميت تام وكفنه من ثياب جدد.
٤  جمع جارحة: وهي العضو المكتسب من أعضاء الإنسان.
٥  غسلتم.
٦  الراح جمع راحة: وهي الكف.
٧  المراد بالطرق هنا: ما يعلق بالقدم من أقذارها.
٨  الوضر: الوسخ.
٩  الردن: الغزل أو الخز، والجمع أردان، والمراد بها هنا: الثياب.
١٠  الدولاب: الآلة الدائرة.
١١  الزمع: الرعاع.
١٢  أي سواء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤