الشَّمْسُ

سَلِ الشَّمْسَ مَنْ رَفَعها نارًا، ونصبَهَا١ منارًا، وضَرَبها دينارًا٢ ومَنْ عَلَّقها في الجوِّ ساعة،٣ يَدِبُّ عقرباها على يوم الساعة؟٤ ومَن ذا الذي آتاها مِعْراجَها،٥ وهداها أدْراجَها،٦ وأحلَّها أبراجَها، ونقَّلَ في سماءِ الدنيا سراجَها؟ ومَن الذي وكَّلَها بهذه الكُرة، وشَغَلَهَا بهذه الدَّسْكَرَة،٧ حتى اتَّخَذَتْها مَجَرَّ ذيلها٨ وتصرفَتْ بنهارِها وليلِها؛ تَنْهَضُ في السماء مُسْتَملَحَة، وتمشي على الأرض مُصلحَة، وتغدو منْجحَة،٩ وتروح مُرْجحَة؛١٠ كلُّ إياة،١١ حياة أو ائتناف،١٢ حياة، وكلُّ شُعاع صانع صَنَاع، وكلُّ رائد، مالٌ فائد،١٣ وخيرٌ رائد؛ هيّ المصباحُ الأنْوَر، والمِغْزَل الأدْوَر،١٤ والمِرْجَلُ الأزْهَر،١٥ والصَّباغُ الأمْهَر،١٦ والرَّاوُوق١٧ الأطْهَر، والطبيب الأقْدَر الأشْهَر.
الزمانُ هي سببُ حصولِه،١٨ ومُنْشَعَبُ١٩ فروعِه وأصولِه، وكتابُه بأجزائِه وفصلوِه؛ ولِدَ على ظهرها، ولَعبَ على حِجْرِها، وشاب في طاعتها وبِرِّها؛ لولاها ما اتَّسَقَتْ٢٠ أيامُه، ولا انتظمتْ شهورُه، وأعوامه، ولا اختلف نوره وظلامُه؛ ذَهَبُ الأصيل مِن مناجِمها،٢١ والشفقُ يسيلُ مِنْ محاجِمها؛٢٢ تحطَّمَت القرونُ على قرْنِها،٢٣ ولم يَعْلُ تطاولُ السنينَ بسنِّها،٢٤ ولم يمحُ التقادم٢٥ لمحةَ حسنِها؛ أُتَتْ دُونَها الأيامُ وهي كَعاب،٢٦ في غرْب الشباب،٢٧ تصبِحُ تَبْرزُ من حجاب، وتُمسِي تتوارى بحجاب؛ طالما ردَّتْ الغِربانَ حمائم،٢٨ ونَسَجتْ الثلاث العمائم،٢٩ وغزلتْ الأكفان، لحيٍّ فَان، وطلعتْ على عَزَبٍ٣٠ وغربَتْ على بانٍ،٣١ قامتْ على غير قَدّم، حتى طال عليها القِدَم، وقيل: ما لهذه عدَم، كلا لتخرَّنَّ عمادًا،٣٢ ولتذْهبنَّ رمَادا، وليبعَثَنَّ الله جَمادا.٣٣
١  نصبها: أقامها.
٢  أي كالدينار صفرة واستدارة.
٣  أي كالساعة التي يعرف بها الوقت.
٤  عقربا الشمس: هما الليل والنهار تشبيهًا لهما بعقربي الساعة.
٥  المعراج: السلم.
٦  جمع درج: وهو الطريق.
٧  الدسكرة: القرية العظيمة والمراد بها هنا: الدنيا.
٨  المراد بالذيل: الأشعة، أي أنها اتخذت الدنيا مكانًا تجر عليه أشعتها.
٩  غدو الشمس: إشراقها.
١٠  الرواح: الغروب. ومرجحة: أي تجزل العطاء.
١١  الإياة، والشعاع، والرائد: كلها بمعنى واحد.
١٢  ائتناف: أي تجديد.
١٣  المال الفائد: الثابت على الزيادة والربح.
١٤  الأدور: شديد الدوران، وتشبيه الشمس بالمغزل لأنها تفتل الأشعة وترسلها بسرعة.
١٥  المرجل: القدر. والأزهر: النير المشرق، وشبه الشمس بالمرجل بجامع الإنضاج في كل.
١٦  تصبغ النبات فتجعله أخضر، وتحبو الحيوان ألوانه المختلفة، ثم تعطي بأشعتها كل شيء لونًا.
١٧  الراووق: المصفاة، والغرض أنها مطهرة.
١٨  الليل والنهار والفصل والأربعة: هي مظهر الزمان، ولولا الشمس ما كانت ولا كان الزمان.
١٩  المشعب: المفترق.
٢٠  اتسقت: أي انتظمت.
٢١  المنجم: المعدن، والمؤلف يشبه الأصيل بالذهب بجامع الصفرة في كل.
٢٢  المحجم: مكان الحجامة، وهي أخذ الدم من الجسم، والمؤلف يشبه الشفق بالنسبة إلى الشمس بالدم بالنسبة إلى شخص يحتجم بجامع الحمرة في كل.
٢٣  قرن الشمس: أعلاها، وقيل: أول ما يبدو من أشعتها.
٢٤  السن: العمر، والمعنى أن طول الزمن لم يؤثر فيها شيئًا.
٢٥  التقادم: القدم.
٢٦  كبعت الجارية: نهد ثديها، فهي كعاب.
٢٧  غرب الشباب: حدته ونشاطه.
٢٨  أي تحليل الشباب شيبًا.
٢٩  العمائم الثلاث: كناية عن شعر الشباب الأسود واختلاط السواد بالبياض في الأشمط والبياض في الشيوخ.
٣٠  العزب: الذي لم يتزوج.
٣١  الباني: المتزوج.
٣٢  لتسقطن.
٣٣  أي يبعث على أثرها من العظام أحياء. ويشير بهذا إلى أن الشمس تبقى ولا تفنى إلا قبيل الساعة، حتى إذا ما فنيت نشرت الخلائق بعد ذلك، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤